صفحة جزء
[ ص: 50 ] الباب الثاني

في الأحكام

وهي ستة :

الأول : قال اللخمي : عقد الشركة قد يلزم ، وقد لا يلزم . إن أخرجا دراهم ، أو دنانير ليشتريا معينا لا يستقل به أحدهما لزمت ; لأن لكل واحد حقا في هذا العقد ، وإن كان يقدر على شرائه وحده ، وإن كان شراء الكل أرخص ، فكذلك . وإن استوى الشراء جملة وانفرادا ، فعلى القولين فيمن شرط ما لا يفيد هل يلزم الوفاء به أم لا . وإن اشتركا ليتجرا في غير معين ، وما لا أمد لانقضائه ، فلكل واحد الرجوع ، ولكن له عين دنانيره ; لأنه إنما رضي بالصرف لأجل الشركة ، ويتخرج فيه قول بلزوم الصفقة الأولى كقول مالك في الإجارة مشاهرة يلزمه الشهر الأول . وإن كانت الشركة في سلع أخرج كل واحد سلعة ، فثلاثة أحوال : إن قصد بيع نصف أحدهما بنصف الآخر لا أكثر من ذلك لزمت أوالتربص بها لما يرجى من حوالة الأسواق ، فالقول قول من دعا إلى تأخير المفاصلة إلى وقت اعتيد فيه حوالة السوق كالقرض لا يمكن أحدهما البيع قبل الأوان إلا أن ينقسم من غير نقص ، ولا مضرة فيقسم بين الشريكين ، أو القصد تمادي التجر بأثمانهما ، يقدم من دعا إلى ترك التجر في المستقبل على أحد قولي مالك في الكراء ، ولمن أحب التمادي الخيار في نقض الشركة في العرضين ; لأنه يقول لم أقصد إلا التجر في المستقبل ، فإذا لم أمكن لم أستمر . ولا مقال لمريد عدم التمادي ; لأن الآخر قد ملك عليه نصف عرضه ، ومكنه من الوجه الذي قصد الشركة لأجله .

[ ص: 51 ] ولو أخرجا دنانير ثم سافر أحدهما بالمال لزمت الشركة ، ولا يوكل الحاضر من يأخذها من الغائب لحق الغائب بغيبته ، وليس للغائب الترك ، ويوقف له ماله هناك ; لأنه تعريض للمال للتلف . وإن سافرا لأجل التعاون بما لا يقدر أحدهما أن يتجر فيه على الانفراد لكان القول قول من دعما إلى التمادي لأول نضة .

واختلف في شركة الحرث . قال ابن القاسم : لأحدهما النزوع قبل الحرث ، وقال سحنون : ليس ذلك له ، وإن كانا قد بذرا لم يكن لواحد النزوع اتفاقا لتعذر قسمة البذر في الأرض ، وإن لم يبرز . وقال ابن حبيب : إن ذهب السيل بذلك الزرع لم يجبر أحدهما على أن يعيد بذرا آخر ، وإن هلك ثور أحدهما ، أو غلامه ، أو بعض أداته خير الآخر ; لأن البذر بالمال ، فتجب المعاونة قبل عدمه دون عدمه . هذا إذا اشتركا ليعملا بطنا واحدا ، فإن كان ليعملا في المستقبل ولم يسميا ، لزم أول بطن على أحد القولين . قال صاحب المقدمات : الشركة عقد جائز من الطرفين ، ولكل واحد الانفصال متى شاء ، ولهذا لم تجز إلا على التكافؤ ، فمتى فضل أحدهما في قيمة ما أخرجه ، فإنما جعله ليبقى معه على الشركة ، فتصير غررا . وجاز في المزارعة إخراج أحدهما أكثر قيمة عند سحنون ، وابن القاسم للزوم العقد ، ويمتنع على قول ابن القاسم في المدونة لعدم لزوم العقد على هذا القول ما لم يبذر . وعند ابن كنانة لا تلزم بالشروع ، ولا بالعمل ، وإنما اختلف في المزارعة ; لأنها شركة ، وإجارة ، فمن غلب الشركة منع لزومها بالعقد وجوازها إلا على التكافؤ أو الإجارة - ألزم ، وأجاز التفاضل . قال ابن حبيب : ما لم يتفاحش بما لا يتغابن الناس بمثله في البيوع . وجوز سحنون التفاحش في العوض ، أما مفردا فلا .

قال صاحب التنبيهات : الشركة عقد لازم كالمعاوضات ، وعند غير ابن القاسم لا يلزم إلا بالخلط .

تنبيه : انظر هذا الاختلاف الشديد ، أحدهم يحكي اللزوم مطلقا ، والآخر الجواز مطلقا ، والآخر يفصل .

نظائر : الأول : قال أبو عمران : العقود الجائزة خمسة : القراض ، والتحكيم [ ص: 52 ] ما لم يشرعا في الحكومة ، والوكالة ، والجعالة ، والمغارسة . وهذا يؤيد قول القاضي عياض باللزوم ; لأن أبا عمران قصد الحصر ، وما عد الشركة .

التالي السابق


الخدمات العلمية