صفحة جزء
القسم الرابع : المختلط من الطهور ، وغيره ، ويتصور ذلك ، وإن قلنا إن الباقي على خلقته طهور ، وغير الباقي غير طهور بأن يكون متغيرا بقراره أو لازمه ، إلى لون نجاسة وقعت في بعضه ، فالتبس بالبعض الآخر ، أو بصيرورة ماء بعض النبات كماء الورد أو غيره على صفة الطهور ، ثم يلتبس بالطهور .

وفي الجواهر : فإن وجد ما يتيقن طهوريته لم يجتهد ، وإن لم يجد ، فللأصحاب أربعة أقوال :

قال محمد بن مسلمة : يتوضأ بالإناءين ، وضوءين ، ويصلي صلاتين ، ويغسل أعضاء وضوئه من الإناء الثاني قبل وضوئه منه إن كان أحدهما نجسا لإمكان [ ص: 176 ] الوصول إلى اليقين كمن نسي صلاة من خمس ، قال الأصحاب : وهو الأشبه بقول مالك - رحمه الله - .

وقال عبد الملك مثله إلا الغسل من الإناء الثاني قبل الوضوء لعدم تيقن النجاسة .

وقال ابن المواز : يتحرى أحدهما ، فيتوضأ به كما يصلي إلى جهة من الجهات عند التباس جهة الكعبة .

فرع : على هذا قال بعض العلماء : الاجتهاد في الأواني يختص بالبصير ، وقيل لا يختص بل يصح من الأعمى لإدراكه الطعم ، والرائحة ، وزيادة الإناء بعد نقصه .

وقال سحنون أيضا : يتيمم ، ويتركها ، ولا يشرع له التحري كأخته من الرضاع إذا اختلط بأجنبية قال الطرطوشي في تعليقه بخلاف الثياب المشتبهة ، فإنه لا بدل لها ، وهاهنا بدل ، وهو التيمم ، وقال صاحب الطراز إذا أصابت النجاسة أحد الثوبين وجهل لا يصلي فيهما حتى يغسلهما ، وإنما يتحرى فيهما عند الضرورة ، فلو شك في موضع من الثوب ، وتيقن الإصابة في موضع آخر غسل المتيقن ، ونضح المشكوك ، وإذا قلنا بالتحري في الثوبين ، فلا يتحرى في جهات الثوب إذا اختلط عليه النجس بالطاهر من الجهتين ، والفرق أن التحري في الثوبين يوجب الصلاة في أحدهما بغير غسل ، ولا بد من الغسل في الثوب نعم لو لم يجد من الماء ما يعم الثوب ، ولم يجد غير الثوب ، وضاق الوقت تحرى ، وفي الجواهر يتحرى بين الثوبين ، ولم يشترط الضرورة قال : وقيل إنه يصلي بكل واحد صلاة قال : وقال القاضي أبو بكر : والصحيح الأول قال : فلو أصاب بعض ثوبه نجاسة لم يجز التحري ، ولو قسمه بنصفين لم يجز التحري بينهما لجواز انقسام النجاسة فيهما ، ولو أصابت أحد الكمين قال القاضي أبو بكر : جاز الاجتهاد كالثوبين باختلاف بين العلماء قال : فإن فصلهما جاز الاجتهاد إجماعا .

بيان : النضح بالحاء المهملة ينطلق على الغسل ، ومنه سمي البعير الذي [ ص: 177 ] يستقي ناضحا ، وينطلق على الرش ، وبالخاء المعجمة على ما يكثر صب الماء فيه ، ومنه قوله تعالى : ( عينان نضاختان ) . وقيل ينطلق على ما يفور من السفل كالفوران .

فرع : إذا قلنا يصلي بكل إناء صلاة ، فهل يفرق بين ما قل ، وبين ما كثر كما فرقنا في ترتيب الصلوات ؟ أشار الطرطوشي إلى الفرق .

قاعدة : الأصل ألا تبنى الأحكام إلا على العلم لقوله تعالى : ( ولا تقف ما ليس لك به علم ) . لكن دعت الضرورة للعمل بالظن لتعذر العلم في أكثر الصور ، فتثبت عليه الأحكام لندرة خطئه ، وغلبة إصابته ، والغالب لا يترك للنادر ، وبقي الشك غير معتبر إجماعا ، ثم شرط العمل بالظن اقتباسه من الأمارات المعتبرة شرعا ، ثم حيث ظفرنا بالعلم لا نعدل عنه إلى الظن كتحصيل صلاة من خمس بفعل الخمس ، وحيث لم نظفر به اتبعنا الظن .

ثم الظن قد ينشأ عن أمارة شرعية ، وتتعدد موارده ، فيتخير كإخبار بينات متعددة بما يستفاد من الشهادة ، وقد لا تتعدد موارده بل تنحصر جهة الظن الناشئ عن الأمارة في مورد ، فيتعين علينا اتباع ذلك المورد كجهة الكعبة ، فإن المظنون عن الأمارة فيها ليس إلا جهة واحدة ، وما عدا تلك الجهة يغلب على الظن عدم كون الكعبة فيها .

وقد لا ينشأ عن أمارة شرعية ، فلا يعتبر شرعا ، وإن كان أرجح في النفس من الناشئ عن الأمارة الشرعية كشهادة ألف من عباد أهل الكتاب بفلس ، فإنا لا نتبع هذا الظن ، ولا يثبت الفلس ، وإن قوي في أنفسنا صدقهم ، وكذلك الأخت مع الأجنبية لما لم ينصب الشرع عليها أمارة وجب التوقف ، وعلى هذه القاعدة تتخرج مسألة الأواني ، وكثير من مسائل المذهب .

التالي السابق


الخدمات العلمية