صفحة جزء
فرع

في الكتاب : إن لم أفتكه فهو بالدين يمتنع ; لأنه بيع غرر ، وقاله الأئمة ، وينقض للرهن ، وللمرتهن حبسه بحقه ، وهو أحق من الغرماء ، فإن فات بيده بما يفوت به البيع الفاسد لزمته قيمته يوم حلول الأجل ; لأنه بيع فاسد ، ويقاصه بالدين فيرد الفضل . قال اللخمي : إذا شرط ذلك في عقد البيع فسد البيع والرهن ، واختلف إذا فات بعد حلول الأجل ، وهو على يد عدل هل مصيبته من المرتهن ; لأن العدل قابضه ، أو من الراهن ; لأن الحكم أن يرد ذلك الرضا ( كذا ) . قال ابن يونس : إن كان الرهن بعد البيع فسد الرهن وحده .

فرع

في الكتاب : إذا ضمنت ما يغاب عليه ، وقام لك غرماء ، ولا مال لك غير دينه فعلى غريمك غرم دينك ، وله محاصة غرمائك بقيمة رهنه ، ولا يكون دينك عليه رهنا له بذلك ; لأنك لم ترهنه ، ولا له المحاصة بذلك . وكذلك إن أسلفته ثم ابتعت منه سلعة بثمن ، ولم يذكر أن ذلك في دينك ثم قام الغرماء على أحدكما ، فلا يكون [ ص: 134 ] ما في ذمتك له رهنا بما في ذمة الآخر ، ولكن يغرم ويحاصص . قال ابن يونس قال أشهب في مسألة الرهن صاحب الرهن أولى بما عليه حتى يستوفي منه قيمة رهنه ، لأن الراهن لم يدفع رهنه إلا بما قبض ، والمرتهن لم يدفع ماله إلا بالرهن الذي أخذه ، فكل واحد بيده وثيقة .

فرع

في الكتاب : لك عتق العبد الرهن ومكاتبته إن كنت مليا وعجلت الدين ، وقاله ( ش ) . وقال أبو حنيفة ينفذ مطلقا وتؤخذ القيمة من الموسر وتجعل رهنا ويستبقى عبد المعسر في قيمته فتكون رهنا وترجع قيمته على سيده . ومنشأ الخلاف هل حق المرتهن هو الغالب بملك الراهن لطريانه عليه ؟ أو المالك أقوى من الراهن لأنه فرعه ؟

لنا : قوله عليه السلام " لا ضرر ولا ضرار " . ولأن العتق يبطل التوثق فلا ينفذ كالبيع ، أو قياسا على المفلس بجامع الحجر ، أو بالقياس على إعتاق عبد العبد المأذون إذا صار مديونا .

احتجوا بالقياس على عتق غير الراهن بجامع الملك ولا ينافي الرهن لتعلق العتق بالرقبة ، وحق المرتهن دائر بين الرقبة والذمة فيقدم المختص ، كالجناية لما اختصت بالرقبة قدمت . أو نقول : محبوس للاستيفاء فيقدم فيه عتق المالك كالمبيع في يد البائع والعبد المستأجر والأمة المزوجة أو إتلاف فينفذ كالقتل .

والجواب عن الأول بالفرق بأن الراهن ممنوع من التصرفات لتعلق حق الرهن بخلاف غيره ، والاختصاص بالرقبة يبطل بالبيع فإنه يختص بالرقبة ولا ينفذ ; وعن الثاني منع الحكم بل ينفذ في المبيع وغيره مع اليسار دون الإعسار ، سلمناه لكنه يبطل بإعتاق عبد عبده المأذون ، وبإعتاق الوارث العبد من التركة ، ولأن الراهن حجر على نفسه والمشتري لم يمنع نفسه من التصرف في المبيع ، بل [ ص: 135 ] البائع حبس حتى يستوفي الثمن ; وعن الثالث أن العتق تصرف لا إتلاف ، ثم الفارق بالتعذر في العين بخلاف الرهن .

تفريع . في الكتاب : ولك تدبيره ويبقى رهنا على حاله لجواز رهن المدبر . وعن مالك يتعين التعجيل كالعتق لأن المدبر لا يعتق إلا بعد الموت وقد يحل قبله ولا يجد غيره . وإن أعتقه قبل الأجل فليس لك إرهانه سواه بل يتعجل الحق إن كنت مليا وإلا بقي رهنا . فإن أفدت مالا قبل الأجل أخذ منه الدين ونفذ العتق إعمالا للسبب ، وإن أحبلت الأمة بإذن المرتهن أو كانت تخرج في حوائج المرتهن فهي أم ولد وبطل الرهن لإهماله حقه ، أو بغير إذنه عجلت الحق في الملاء وهي أم ولد وتباع في العسر لتقدير الدين قبلها دون ولدها لأنه حر ، فإن لم يوف ثمنها اتبعت بفاضل الدين ولو ولدت من المرتهن لم يلحق به الولد لأنه زان وهو رهن معها وعليه أرش الوطء لك ، كانت بكرا أو ثيبا ، أكرهها أو طاوعته وهي بكر دون الثيب . والمرتهن وغيره سواء لأن البكر تنقص فلا أثر لمطاوعتها بخلاف الثيب لا يلزمه إلا بالإكراه ، كالصداق للحرة المكرهة . فإن اشتراها وولدها لم يعتق عليه ولدها لعدم نسبه منه . قال التونسي : انظر إذا أعتق والدين عروض من بيع فقال المرتهن لا أتعجلها هل يغرم الراهن قيمته وتوقف رهنا ؟ أو يأتي برهن مثله لكونه فوته ؟ أو يبقى رهنا بحاله ولا ينفذ العتق لحق المرتهن في أن لا تتبدل عليه الرهان ، وإن كان عبد الملك قد قال إذا استحق وقد غره يأتي برهن ولا ينقض البيع ، وقال المغيرة إذا أعتق يغرم الأقل من قيمته لأنه أجنى عليه ، أو الدين لأنه المقصود ، والشبه غرم القيمة إلا أن يفهم قصده تعجيل الدين . وإذا رهن العبد جاز له وطء جاريته ، ولو رهن الجارية ما جاز للعبد أن يطأها لأنه عرضها للانتزاع . وإذا افتكه بقيت له وله وطؤها . ولو رهنها وسيدها ما جاز له أن يطأها لأن ذلك كالانتزاع . وإذا زوج الأمة الرهن لم يجز للمرتهن فسخ النكاح . وظاهر قوله أن له أن يجيزه كالعيب أو الجناية ، ولأشهب يفسخ قبل البناء وإن رضي بإجازته لأنه وإن بنى بها وقف عن [ ص: 136 ] وطئها حتى يفتكها . وابن عبد الحكم لا يجيز هذا النكاح بحال ، وكذلك نكاح المستأجرة ، والظئر اللائي لا يقدر على وطئهن . وكل من لا يجوز وطؤها لا يجوز عقدها كالمعتدة ، والمحرمة ، وقد جاء نكاح المعتكفة مع تحريمه ، والصائمة .

قال ابن يونس : إذا لم يكن له مال وثمن الكتابة إذا بيعت يوفي الكتابة بيعت . ولعل ابن القاسم يريد في التدبير أنه حل الأجل ، وهو معسر بيعت المدبرة لا يلزم عليه القول الأول وقال محمد : الكتابة مثل التدبير لا يتعين التعجيل . وقال أشهب : هما مثل العتق يعجل الحق في الملاء ، وإلا بقي بيد المرتهن ، فإن أدى الدين نفذ بعد ذلك ، وإلا بيع ، وإن كان بعض الثمن يفي عتق الباقي . وقال أشهب : يباع الجميع في الولادة ، والتدبير ، والكتابة ، وفضل ثمنه لسيده لتعذر كتابة بعضه ، أو تدبيره ، أو أم ولده . قال محمد : يبقى في الكتابة والتدبير رهنا ; لأن الكتابة مما تباع ، فإن تم الأجل وفيها وفاء بيعت ، ولا يباع الفضل عن الوفاء إعمالا لسبب العتق بحسب الإمكان ، وإن لم توف إلا بالرقبة بيعت لسبق حق الدين ، ويباع المدبر إذا حل الأجل ، ولا يباع بعضه على أنه مدبر على حاله ، ولا على أن يقاويه للغرر في البيع بالجهل بمدة بقائه مدبرا . أحبلها بيع بعضها ، ويبقى باقيها أم ولد .

قال ابن يونس : يباع بعض المدبر على أنه رقيق للمبتاع ، وبقيته مدبر لجواز تدبير أحد الشريكين نصيبه بإذن شريكه ، ولا ذلك في المكاتب . وقال أشهب : إن كان هذا قبل حوز الرهن نفذ كله ، ولا رهن له في العتق وحده ، ولا يعجل له الحق . وأما في التدبير ، والكتابة فللمرتهن قبض رهنه فيبقى رهنا بيده ، وهو مدبر ، ومكاتب ، والكتابة معه رهن بخلاف خدمة المدبر إلا أن تشترط في أصل الرهن ، والكتابة كالرقبة كالغلة ( كذا ) ، وقال محمد : الكتابة كالغلة ; لأنها لا تكون رهنا إلا أن يشترطها في أصل الرهن . قال محمد : ولو أعتق بعد القبض ، وليس بمليء ، فإن لم يكن في ثمنه فضل لم يبع منه شيء ، ولا يعتق حتى يحل الأجل ، وقاله مالك . فإن كان فيه فضل بيع بقدر الدين ، وعتق الباقي ، وإن لم يوجد من يبتاع بعضه بيع كله ، وما فضل عن الدين يصنع به السيد ما شاء لبطلان العتق بالتعذر . قال ابن يونس : [ ص: 137 ] لا يباع كله حتى يحل الأجل لعل السيد يفيد مالا فيعتق كله ، أو بعضه . قال أشهب : فإن كان للسيد مال عتق مكانه ، وإن لم يحل الأجل ، وقضى الدين الآن لتعذر الرهن ، ولم يؤخر المرتهن لأجله ، وإن لم يكن له مال ، وقضى العبد الدين من ماله عتق ، ولا يرجع على السيد ; لأنه صرفه في مصالحه .

وفي الكتاب : إذا أعتق المديان ، فأراد الغرماء رد العتق وبيع العبد فللعبد أو أجنبي دفع الدين ، وينفذ العتق . وقال بعض الفقهاء : ينبغي لو أسلف سيده أن يرجع ; لأن للغرماء الصبر بدينهم ، وإجازة العتق ، ولأن السيد لو أعتقه وللعبد عليه دين ولم يكن استثنى ماله - بقي دينه على سيده . وعن مالك إذا وطئها وهي تتصرف في حوائج المرتهن ، فحملت بيعت بعد الأجل والوضع دون ولدها إلا أن يكون له مال ، والصواب أن على المرتهن ما نقصها وطؤه ، وإن طاوعته بكرا كانت أو ثيبا ، وهو أشد من الإكراه ; لأنها في الإكراه لا تعد زانية ، وفي المطاوعة زانية ، فقد دخلها العيب . وعن أشهب لا شيء عليه في نقصها ، وإن كانت بكرا إن طاوعته كالحرة ; لأنه من مهر البغي . وجواب ابن القاسم أنها كالسلعة .

قال اللخمي : إن كانت عند عدل ، فسلمها للراهن ، فحملت منه وهو فقير ضمن ابن القاسم الأمين قيمتها يوم حملت ، ويتبع الأمي السيد إلا أن يكون فقيرا ، فالمرتهن أحق بالجارية إذا لم يعلم . وعند محمد لا سبيل للمرتهن عليها ، وإن كانا فقيرين الراهن والعدل .

قال صاحب القبس : اختلف في إعتاق الراهن ، ففصل مالك بين الموسر ، والمعسر ، ويرد عليه أنه نفذ العتق من المعسرين في عدة مسائل ، وإن أبطل حق الغير ، ويتعذر الفرق ، وتتشعب الفروع والأصول ، وبينهما ( كذا ) يحكم على الراهن بأداء الدين يذهب ماله ، ورد العتق لا يتعذر شرعا ، فكم عتق يرد ، وأم ولد تباع . قال : والصحيح عندي أن لا يحكم بنفوذه إلا بعد أداء المال ، وقبل ذلك موقوف . والعجب من أصحابنا يبطلون الرهن بالعتق ، ويضعفونه مع سريانه للولد كما يسري العتق .

التالي السابق


الخدمات العلمية