صفحة جزء
النظر الثاني : في ديون الميت وأحكام التركات

وقد تقدم أن الديون تحل بالموت بخراب الذمة ، وفي الكتاب : إذا لم تف التركة بالديون فأخذها الوارث أو الوصي فقضاها بعض الغرماء ولم يعلم ببقيتهم والميت غير موصوف بالدين فلا شيء عليه ، ويرجع القادم على الآخذ بنصيبه من المحاصة ; لأنه بذل غاية جهده ، وإن علم أن الميت موصوف بالدين رجع القادم على الوارث أو الوصي بحصته لأنه المتعدي ، ويرجع المتعدي على الآخذ ، قاله ابن القاسم ، وعنه إذا صرف لبعضهم عالما بدين القادم ووجد الغريم معدما رجع القادم على الوارث بما ينوبه من ذلك ، ثم الوارث على الآخذ .

وفي النكت : قيل : هذا اختلاف من قوله فرأى مرة الرجوع على القابض ، ومرة على الدافع ، وقيل : ليس اختلافا بل هو مخير بين الوارث والوصي وبين الرجوع على الغرماء أو لا . قال ابن يونس : ليس بخلاف ، بل هو التخيير المتقدم ، وعلى ما رواه أشهب عن مالك في الدين عزلوا للدين أضعافه وباعوا ليرثوا : أن البيع باطل ، وينقض وإن قضي الدين ; لأنه بيع قبل قضاء الدين ، فأشبه بيع يوم الجمعة أو تلقي الركبان ، فإن لم يوجد مع الورثة ثمن فللغرماء أخذ السلع من أيدي المشترين إلا أن يدفعوا [ ص: 215 ] قيمتها أو ثمنها أو نقصها إن كانت قائمة ; لأن الغرماء لا حق لهم في الأعيان ، وإن لم يعلم الورثة ولا كان موصوفا بالدين مضي البيع واتبع الورثة بالأثمان دون المشتري ، وإذا قضي الوارث الحاضر عالما بالعيب أو كان الميت موصوفا بالدين وخير الطارئ كما تقدم فيرجع على الوارث ورجع على القابض - رجع عليه الطارئ بما ينوبه فوجد ما قبض قد هلك بأمر سماوي غرمه الطارئ قدر ما ينوبه كما لو وقف ذلك ليدفع للحاضر ، ولم يعلم غيره فضاع لرجع الطارئ على الموقوف له بما ينوبه على القول بضمان الموقوف ممن وقف له ، وهو في الموازية . وقال بعض القرويين : ضمان ما قبضوه منهم ، بمعنى أنه يسقط من دينهم ، ويرجع الطارئ على ذمة الميت كما لو هلك بيد الوارث ، وهو الجاري على الأصول .

وقال عبد الملك : إذا باع الوارث لقضاء من حضر عالما بالغائب مضى البيع والقضاء فاسد ، ويحاص الطارئ القابض ولا يحسب عليه ما نقص بيد الوارث لفساد القضاء ، قال اللخمي : إذا صرف الوارث أو الوصي عالما بالطارئ والميت موصوف بالدين ، فرجوع الطارئ على القابض أولى بخلاف الغاصب ; لأن الغاصب واهب ومتى غرم لم يكن له على الموهوب له شيء ، والوارث غير واهب ، فإذا غرم رجع ، فالبداية بمن لا يرجع أولى ، إلا أن يكون الوارث معه ناض والآخر يطول أمده أو ملد أو غاب ، فيبتدأ بالوارث والوصي اتفاقا .

فرع

في الكتاب : إذا كانت التركة توفي الدين فقضى الوصي ، أو الوارث بعض الغرماء ، ثم تلف ما بقي لا يرجع الباقون على الآخرين ; لأن الباقي كان وفاء لهم . ولو باع الوارث التركة وقضى ديونه وفضلت فضلة بأيديهم اتبع القادم الوارث دون الغرماء إن كانت الفضلة كفاف الدين ، وجد الوارث مليا أو معدما ، وإن لم يكن كفاف دين القادم اتبع الورثة بمثل الفضلة في ملائهم وعدمهم ، فإن كان لو حضر نابه في الحصاص أكثر من الفضلة اتبع الوارث ببقية ما ينوبه ، بأن تكون التركة مائتين وخمسين والدين ثلاثمائة لثلاثة لكل واحد مائة ، فأخذ الحاضران [ ص: 216 ] مائتين والوارث الخمسين فلو حضر الغائب لنابه ثلاثة وثمانون وثلث ، فله خمسون منها في ذمة الورثة وتبقى له ثلاثة وثلاثون وثلث يرجع بها على الغريمين بينهما نصفين ، وإن كانت التركة كفاف دينهما فقبضاه ; لرجع عليهما بحصاصة فيها ، فإن ألفاهما معدمين اتبع ذمتهما دون الدافع من وارث ، أو وصى بما دفعه ولم يعلما بدينه ، قال ابن يونس في كتاب ابن حبيب : للمفلس ألف ومائة ، أخذ الغرماء الألف وهلكت المائة في الإيقاف أو سلمت له فأنفقها فطرأ غريم بمائتين ، فإن كان تلفها في الإيقاف فهي من الطارئ ، وإن أنفقها فهي في ذمته لا يرجع بشيء منها على الأولين ، ويرجع بالمائة الأخرى عليهم في الوجهين على أن يحاصصهم فيما قبضوا بجزء من أحد عشر . قال : والصواب محاصتهم بالمائتين كما لو كانت المائة الذاهبة حاضرة ، فما وقع له على ذلك وهو مائتان إلا سدس مائة ، فيحسب عليه أنه قبض وتدفع إليه خمسة أسداس مائة . وعلى قول ابن حبيب : يدفعون أحدا وتسعين إلا جزءا من أحد عشر ، وذلك أنه لم تدخل المائة التي كانت وقفت بالحصاص وذلك غلط ، وقال أصبغ : إنما يكون ما وقف من الطارئ في حصته ولا يحسب عليه ما هلك ، كما لو حضروا بالقيام فهلك ما بيع لهم في الإيقاف لكان ضمان ذلك ممن قام بالتفليس دون من أبى أن يقوم .

قال اللخمي : إذا خلف مائتين : فقبض الحاضر مائة ، وبقيت مائة بيد الوارث فأكلها ضمنها ، وإن ضاعت وكان أمسكها لنفسه عالما بدين الطارئ ضمن ، قامت بينة بضياعها أم لا . وإن لم يعلموا بدينه ولم يعلم ضياعها إلا من قولهم فتكون من الميت لعدم تعديهم لعدم تعين حق الغريم في عين التركة . وقال أشهب : يضمنون مع البينة ; لأن الميراث بعد الدين فهم في معنى المتعدين ، وإن وقفت للغريم فهي من الميت عند مالك وابن القاسم ، وعند أشهب ممن وقفت له . وإن كانت التركة مائة وخمسين ، فأخذ الحاضر مائة رجع الطارئ على الورثة بخمسين وعلى صاحبه بخمسة وعشرين ، ثم يراعى فيها ما تقدم من كونهم قبضوا عالمين أم لا ، وهل الغريم حاضر أو غائب ، موسر أو معسر ؟ وهل الخمسون قائمة أو فائتة ، أكلوها أو ضاعت ؟

[ ص: 217 ] وإن كانت التركة عروضا فباعها الوارث للقضاء مضى البيع ، ويبيع الطارئ مع صاحبه إلا أن يكون الوارث عالما بدينه ، أو الميت موصوفا بالدين ، فالجواب ما تقدم . وإن باع لنفسه عالما بالطارئ أو غير عالم والميت موصوف بالدين وبادر بالبيع فله رد البيع .

قال محمد : إلا أن يدفع المشتري قيمة ما نما عنده أو نقص يوم قبضه فله ذلك ، ويتبع المشتري الوارث . قال اللخمي : أو الوارث موسر ولا بخس في الثمن أو فيه بعد البخس ما يوفي الدين فلا يرد ، فإن لم يعلم الوارث بدين الطارئ ولا الميت موصوف بالدين . قال مالك : مضى البيع ولا مقال للغريم على المشتري في البيع ولا في قيمة إن فات ، بل مع الوارث لقوة العقد بعدم تعلق حق الغريم بعين المبيع ، وعدم علم الوارث بالغائب . وعن غير ابن القاسم : له المقال في المبيع إلا أن يفوت بعتق ونحوه ، وإن فقد اتبع به من أخذه ، ولا يفيته حوالة سوق .

وإن باع الوارث للقضاء ولنفسه قال عبد المالك : مضى البيع والقضاء فاسد ، ويرجع الطالب على الغريم بما ينوبه ولا يحسب عليه ما في يد الوارث . وقال مالك وابن القاسم : القضاء صحيح فيما ينوب الحاضر . قال ابن يونس : قوله في الكتاب : إذا باع التركة والميت غير معروف بالدين اتبع الغريم الوارث بالثمن دون المشتري ، يريد إذا لم يحاب . وعن مالك : إذا كانت التركة ألفا والدين مائتين فباع الوارث بعض التركة لنفسه . وقال : فيما بقي كفاية فهلك - لا يجوز بيعه ; لأنه إنما باع لنفسه . وعن ابن القاسم : تجر وصي الأيتام في ثلاثمائة تركة أبيهم فصارت ستمائة ، فطرأ دين ألف تدفع الستمائة في الدين ; لأنه لو أنفقها لم يضمنوه . ولو أن الورثة كبار لا يولى عليهم فتجروا في التركة وربحوا فليس عليهم إلا رأس المال ، لهم النماء وعليهم النقص . وفي الكتاب : لو عزل الوارث الدين واقتسموا فضاع رجع الغريم عليهم فيما قبضوه ، ولو عزله القاضي لكان من الغريم .

فرع

في الكتاب : ليس للمريض أن يقضي بعض غرمائه ; لأنه توليج ويرد إذا كان الدين يغترق ماله . في التنبيهات : التوليج : المحاباة من الولوج ; لأنه [ ص: 218 ] يدخل في ملك الآخر ما ليس له ، أو من الأولج وهي ما يستتر به من الشعاب والكهوف ونحوها ، فهو يستتر بظاهر إلى باطن له . في النكت : قول غيره له قضاؤه ، قال اللخمي : قضاؤه ستة أقسام : يصح في خمسة ويختلف في واحد فيصح ، إذا قضى ثمن سلعة بيد بائعها لم يسلمها بعد أو أسلمها وهي قائمة العين لو لم يقبضه لكان أحق بها ، أو مستهلكة والغرماء عالمون بفلسه وتاركونه للبيع والشراء ولم يقوموا عليه ، أو كانوا على شك من اختلال حاله لأمور حدثت ، أو كان ظاهر اليسر وعلم غرماؤه أنهم لو علموا بفلسه لم يفلسوه لما يرجون من معاملته لغيرهم ، ويقضي مما يدخل عليه أو ليجبر الخسارة . ويختلف إذا كانوا لا يتركون الضرب عليه لو عملوا . وقد قال ابن القاسم : إذا اجتمع رأيهم على تفليسه فبادر أحدهم اقتضى منه لبقيتهم مشاركته ; لأنه كالمحجور عليه . وقال أصبغ : لا يشارك لعدم كمال الحجر .

فرع

في الكتاب : إذا عزل الورثة دين الغريم واقتسموا ما بقي فضاع رجع عليهم في المقسوم لتقدم الدين على الميراث ، ولو عزله القاضي وقسم بين ورثة وغرماء لم يرجع صاحبه لتعينه له بحكم الحاكم .

فرع

قال : إذا تبرعت بضمان دين الميت لزمك ; لأنه - عليه السلام - لما امتنع من الصلاة على الميت لأجل الدين ، فقام رجل فقال : دينه علي . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " الآن بردت أو بردتم جلدة صاحبكم " ، فلو لم يلزمه لما بردت جلدة الميت ، فإن كان له مال رجعت بذلك فيه ، وإن لم يكن له مال وقد علمت ذلك لا ترجع وإن ظهر للميت مال ; لأن ذلك قرينة التبرع ، والمعروف كله متى أشهدت لزمك عند مالك وإن لم يقبض ، كان هبة أو غيرها ; لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( المؤمنون عند شروطهم ) .

[ ص: 219 ] فرع

قال : من عليه دين في صحته ببينة أو بإقراره لم يقبل إقراره في مرضه بدين لوارثه ، أو ذي قرابة ، أو صديق ملاطف إلا ببينة للتهمة ، ويجوز للأجنبي لعدم التهمة ، ويحاص من داينه ببينة أو بإقراره في الصحة ، قال ابن يونس : إن أقر في مرضه لأجنبي بمائة ولابنه بمائة والتركة مائة تحاصا ، فيأخذ الأجنبي حصته ، ويدخل مع الوارث في حصته بقية الورثة إلا أن يجيزوه له . ولا حجة للأجنبي إن أقر لوارث ; لأنه هو إنما أخذ بإقراره ، ولو كان دينه ببينة لم يحاصصه الوارث ، وإذا دخل مع الوارث [ لا يرجع ] على الأجنبي عند ابن القاسم ; لأنه أخذ ما يستحقه بمقتضى الوصية ، ويرجع عند أشهب ، فما أخذ شاركه الورثة فيه ، وإذا شاركوه رجع على الأجنبي حتى لا يبقى في يد الأجنبي شيء .

قال : وقوله : لا يبقى في يد الأجنبي شيء لا يقبل القسمة لقلته . ويقول ابن القاسم : لو رجع الوارث لرجع الأجنبي على بقية الورثة إذا رجع عليه الوارث فيقول : لا يرثون ولي دين فيحصل المحال فينقطع أصل الرجوع ، فإن كان معهم ثالث دينه ببينة سقط الوارث واقتسم الأجنبي والمقر له وذو البينة المال وكأنهم الثلاثة يتحاصون ، فما صار للوارث أخذه ذو البينة فشاركه فيه الآخر . فإن أقر لمن يتهم عليه ولمن لا يتهم عليه ولا بينة لجميعهم نفذ إقراره ، فإن ضاق ماله تحاصوا ، فما خص المتهم وهو وارث شركه الورثة ، أو غير وارث كان له إن كان في الورثة ولد ، وإن كانوا كلالة فهو للورثة دونه ; لأنه يتهم عليهم ، قاله ابن حبيب ، قال : وذلك إذا أقر له بماله كله أو نحله ، أما لو أقر بما أوصى له به فذلك جائز له . وقاله ابن القاسم .

فرع

في النوادر قال مالك : إذا باع أمين الوصي للغرماء فتلف الثمن عنده فلا ضمان عليه ، وكذلك الوصي إذا أمره على الصحة ، فإن قسم الوصي بين الورثة ، ثم طرأ دين . وقال الورثة : تلف ما قبضنا ضمنوا ما يغاب عليه دون ما لا يغاب إلا أن يتلف بسببهم ، ويغرم الكبار ما أنفقوه لتقدم الدين على الميراث ، [ ص: 220 ] وما أنفق على الصغار لا يتبعون به ; لأنهم لم يباشروا إتلافه ، وما ربح الوصي للصغار في ذلك دخل الغرماء في أصله وربحه ، وما ربح الكبار فيه لا يدخل الغرماء فيه ; لأنهم ضمنوه ولا يضمنون الحيوان ، ولكن إن اشتروا بما قبضوا من الحيوان أو غيره حيوانا فهلك ضمنوه لخطأ تصرفهم في مال الغرماء ، ولو تجر الوصي للصغار أو المولى عليهم فيما ورثوا فطرأ دين فكله في الدين ; لأنه لو أنفقه عليهم لم يضمنوه هم ولا الوصي ، وقال أشهب : يرجع عليهم أجمع لم يكن عند الصغار شيء ; لأنه أنفق عليهم - أخذ من الكبار ، ورجع الكبار على الصغار بحصتهم ، فإن لم يوجد عند الكبار أيضا شيء اتبع الغرماء الصغار والكبار بقدر حصتهم التي ورثوا .

وقال أشهب : لو ترك مائتين وولدين صغيرين فدفع الوصي مائة كل واحد قراضا فصارت أربعمائة فطرأ دين أربعمائة فلا توخذ إلا المائتان اللتان ورثاها وخالفه ابن عبد الحكم ، وقال : إن ترك كبيرا أو صغيرا فأكل كل واحد مائته ، ثم أفادا مالا وطرأت مائة على الميت أخذت كلها من الكبير ، ولا يرجع الكبير على الصغير ، ثم إن طرأت مائة للميت أخذها الكبير وحده ليستويا في الميراث ، ولو تجر الوصي الصغير في مائته فصارت أربعمائة ، ثم طرأ دين على الميت فعلى الكبير خمسها وعلى الصغير أربعة أخماسها ، ثم إن طرأت مائة للميت جعلت مكان المأخوذ ، للكبير خمسها وباقيها للغير ، وأما إن طرأ وارث فلا يتبع كل واحد إلا بقدر حصته ، ولا يأخذ أحدا عن أحد ، وكذلك قاله مالك في الموازية .

فرع

قال : قال ابن القاسم : إذا باع الوارث الدار رجع الوارث الطارئ في الدار على الوارث البائع مليئا أو معدما ، عالما بالوارث أم لا ، ويرجع المشتري على البائع بالثمن ، بخلاف الغريم يطرأ ; لأنه لا حق له في الدار عينا ; لأن للوارث إعطاءه الدين من غير الدار أو فعل ذلك المشتري نفذ بيع الدار والوارث مالك لغير التركة .

[ ص: 221 ] قاعدة : اختلف العلماء في الميت إذا ترك مالا ودينا ، فقيل : هو على ملكه حتى يوفي الدين ، وقيل : على ملك الوارث . وتقريره أن سبب الملك الحاجة ، إذ لو بقيت الأشياء في الدنيا شائعة لتقاتل الناس عليها ، فالجنين لما كان ميتا شرعا وهو بصدد الحاجة العامة في حياته ملك الصدقة والأموال بالإجماع ، والميت بعد الحياة لم تبق له حاجة عامة فلم يملك ، أو يملك لبقاء حاجة الدين . احتج النافي بقوله تعالى : " من بعد وصية يوصي بها أو دين " فجعل الملك بعد الدين . وجوابه أن المغيا هو المقادير لا المقدر ، بمعنى أنه لما بين أن للزوجة الثمن ، قال : لا تعتقدوا أنه من أصل المال ، بل من الذي يفضل بعد الدين ، وهذه قاعدة أخرى : وهي أن اللفظ إذا سيق لأجل معنى لا يحتج به في غيره ، والآية سيقت لبيان المقادير لا لبيان الأملاك ، وقال ( ش ) : لا يصح تصرف الوارث قبل قضاء الدين كالرهون .

فرع

قال : قال أشهب : إذا ترك ألف درهم وعبدا وعليه دين الرجلين لكل واحد ألف ، وحضر أحدهما وأخذ الألف ، ووجد الغائب وقد هلك العبد ، فإن كانت قيمته ألفا في أعظم حالاته من يوم قبض الألف إلى موت العبد لا يوم القبض ولا يوم موت السيد - فلا رجوع له ، وإن كانت أوفر قيمة مضت عليه خمسمائة رجع القادم على الغريم بمائتين وخمسين وحسب العبد على الغائب ، وإن اختلفا في قيمته صدق الطارئ إن لم تقم بينة ، ولو باع الوصي العبد بألف فقضاها الحاضر ، ثم تلفت الألف العين فلا رجوع ; لأن الجميع صار عينا وحصة الغائب منه ، ولو رد بعيب بعد تلاف الألف التي عزلت للغائب بيع ثانية لمن بيع له أولا إلا أن ينقص من ثمنه شيء ، فيرجع الغائب بما يصيبه إلا أن يكون أتى على العبد وقت بعد القبض يسوي فيه بالعيب ألفا فلا يرجع ، ولو أخذ الحاضر الألف الثمن ، [ ص: 222 ] والغائب لما قدم الألف العين ، ثم رد بعيب وقد بلغت قيمته ألفا لم يرجع الحاضر بشيء ، ولو كانت قيمته خمسمائة رجع الطارئ بمائتين وخمسين .

فرع

قال : قال مالك وأصحابه : إذا أخذ الغرماء بقضاء سلطان أو وصي أو غيره ، رجع الطارئ على كل واحد مما كان ينوبه بقدر ما عنده ، ولا يتبع مليئا بما عند المعدم ، ولو بقيت فضلة قدر حق الطارئ لم يرجع إلا على الورثة أملياء أم لا ، من كل وارث كل ما صار إليه حتى يستوفي ، ثم يرجع الوارث على الورثة علموا بالطارئ أم لا ، وإن كانت الفضلة لا تفي بدينه حسبت عليه ورجع على الغرماء بما بقي له مما يصيبه في المحاصة لو حضر ، ولا يتبع المليء إلا بما عنده وما يرجع به على الورثة فيأخذ من المليء منهم حقه من كل ما صار إليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية