صفحة جزء
فرع

في الكتاب : إذا ابتعتها فوطئتها بكرا أو ثيبا فاستحقت بملك أو حرية ، فلا صداق ولا أرش نقص ؛ لأن ذلك بالضمان ، ولمستحقها أخذها مع قيمة الولد ؛ لأنه كجرها . وقد تلحق على الحرية فيمتنع أخذه ، فتتعين القيمة يوم الحكم عبدا ، قاله مالك وابن القاسم وجماعة الناس ، ثم رجع مالك لقيمتها وقيمة الولد لئلا يتضرر ، فعلى الأول : يرجع على البائع بالثمن دون ما أديت من قيمة الولد ، كما لو باعك ودلس بالسرقة فسرق العبد متاعك لم يضمن البائع المسروق ، فإن أخذ منك الأمة وأنت معدم اتبعك بقيمة الولد ، ولو كان الولد مليا أدى القيمة ولا يرجع بها عليك إن أيسرت لأنها عنه ، وإن كنتما مليين فعليك دونه ولا ترجع عليه لأنك المباشر لإتلافه على مستحق الأمة ، أو معدمين اتبع أولكما ملاءة لتقدم سبب الغرامة في حقكما ، ولا يلزم الابن قيمة أمه كنت مليا أم لا لعدم عود نفع ذلك عليه ، قال غيره : لا شيء على الابن من قيمته أيسرت أم لا

[ ص: 55 ] لأن الغرم يتبع الإتلاف ولم يتلف إلا أنت بالاستيلاد ، وليس للمستحق فيمن مات من الولد قيمة لأنه كالأمانة . . . . . الشريعة في ثوب تلقيه الريح في حوزك ، والولد لاحق النسب ، له حكم الأحرار في النفس والجراح والغرة قبل الاستحقاق وبعده ، لتخلفه على الحرية ، ولك دية قتله خطأ لوجوب قيمته عليك ، وعليك الأقل من القيمة يوم القتل عبدا لأنه يوم الجناية ، أو ما أخذت من الدية لأنها بدله ، والأصل قد أخذته من زيادة أحدهما فيجب الأول وإن اقتصيت في العمد فلا قيمة عليك ، لعدم يوم الحكم ، وتغرم قيمة الحي . وإن جاوزت الدية ، وإن أخذت دية اليد في الخطإ فعليك قيمته أقطع يوم الحكم ، وينظر حكم قيمته صحيحا أو أقطع يوم الجناية ، فعليك الأقل بما بين القيمتين ، أو ما قبضت من دية اليد لما ، ولو أخذت فيه غرة فعليك الأقل منها ، أو عشر قيمة أمه يوم الجناية ; لأن الغرة عشر قيمة الأم أصلها خمسون دينارا دون ما نقصتها الولادة ؛ لأنها لو ماتت لم يلزمك قيمتها . في التنبيهات : لو قطع يد الولد خطأ وقيمته أكثر من ألف دينار ، فأخذ الألف دية ولده ، قال : يغرم الوالد قيمة الولد أقطع يوم يحكم فيه ، فإن كان بين قيمته صحيحا وأقطع يوم يجني عليه قدر ما أخذ الأب من دية الولد أغرمها أو أقل ، غرم ذلك ، وكان الفضل للأب ، أو أكثر لم يكن عليك ، واختصار هذا أن عليك قيمته مقطوعا يوم الحكم ، والأقل مما أخذت من دية الولد ، أو ما نقصه القطع من قيمته يوم الجناية بأن يقوم ثلاث تقويمات يوم الجناية : سليما وأقطع وقيمته اليوم ، ويضاف ما بين القيمتين إلى قيمته اليوم أقطع ، فيأخذها السيد . إلا أن يكون ما بين القيمتين أكثر من دية اليد التي أخذت ، فلا يزاد عليها ، ولو كان القطع يوم الاستحقاق ولم تتلف القيمة من يوم القطع أو يوم الاستحقاق لدفعت الأقل من قيمته سليما الآن ، لا قبل قطعه ، ومن قيمته مقطوعا مع ما أخذت من ديته . ولا يحتاج إلى قيمتين سليما [ ص: 56 ] ومقطوعا ، فإن كانت قيمته سليما أقل لم يلزمه سواها ، وكان ما فضل للأب أو الابن ، وإن كانت القيمة أكثر من ذلك كله لم تلزمك إلا قيمته مقطوعا ودية . وقوله : الفضل للأب ، خالفه سحنون ، وقال : الفضل للابن ، تأول بعضهم ذلك أن معنى أنه للأب أي : النظر فيه للأب ، لأن الولد تحت نظره ، لأنه ملك للأب ، لأنه أرش جناية الولد فلا يستحقه الأب ، كما قال في أول المسألة : إذا قطعت يد الوالد يأخذ الأب نصف دية ولده ، وإنما يريد يقبضها له لصغره ، وعن سحنون : الدية كلها للابن وعلى الأب غرم ديتها من ماله ما لم يجاوز ما أخذ فيه ، ثم توقف في المسألة ، وهو موضعه لأنه إن قال : قيمة جميعه لازمه ، فيبقى أرش اليد للولد . فلما قال : لا يلزمه على ما زاد على ما أخذ في اليد . وعن سحنون قول ثالث : أن لا يكون عليك من قيمة يد ولده شيء ، وإنما الدية للابن ، وإنما عليك قيمته أقطع ، قال : وقوله في الكتاب : إنما عليه الأقل من الدية التي أخذ ، يرد هذا كله قال : فإن قيل : الدية هاهنا للأب بكل حال بموقف الولد ، قيل : ذلك بالوراثة عن الولد كما لو مات بعد قطع يده لصارت الدية للأب على كل قول ، فلا فرق ، قال : فمسألة أم الولد المستحقة دليل الكتاب ، ومفهومه : الأقوال الثلاثة المروية عن مالك أخذها وقيمة ولدها وأخذ قيمتهما معا ، وهذان معا في الكتاب : وقيمتها فقط لأكثر المذهبين ، والصواب المراد في الكتاب : على السيد الذي ولدت منه والولد لا سيما والإقرار زور ، وقد يكون تحتها ، وقيل : يغلب ضرر سيدها لأنه قد يكون تحتها ، وضرورة المالك مقدمة على غيره . وقد يكون المستحق منه عديما بالقيمة فيكون ضررا على السيد .

وفي النكت : إذا أخذ قيمته رجع المشتري على البائع بالثمن كله ، أقل مما دفع من القيمة أو أكثر : لأن أخذ قيمتها كأخذ عينها ، وفي أخذ العين يرجع بالثمن لانتقاض البيع ، وكذلك القيمة . والفرق بين الفادي لامرأته من الأسر لا يرجع عليها ، لأنه فدى منافعه ، ودافع القيمة هاهنا أيضا . فتوصل بها لمنافعه : أن هذا

[ ص: 57 ] مجبور على القيمة وقد دفع ثمنا على أنها ملك له لا شيء عليه غير ما دفع فانتقض البيع ، وذلك مختار . فلا يرجع بشيء . وعن ابن القاسم : لو قتل الولد عمدا فصالح فيه على أقل من الدية ، فعليه الأقل من ذلك وقيمته يوم القتل ، فإن كان ما أخذ أقل من القيمة رجع على القاتل بالأقل من باقي القيمة ، أو باقي الدية ، قال أبو محمد : لو عفا الأب عن قاتل ابنه عن غير شيء ثم أتى المستحق فلا شيء له على الأب ، وله على القاتل الأقل من قيمة الولد يوم القتل ، أو الدية ، واحتج بقول ابن القاسم المتقدم ، وقال ابن شباوز ( كذا ) : لا شيء له على القاتل خلاف عفو الأب على مال . وقاسمه على عفو البنين عن غير شيء أنه يجوز على البنات في كتاب الديات ، أو عفوا على مال اشترك جميعهم فيه ، وكذلك هاهنا ، لأن القتل للبنين دون البنات كما هو هاهنا للأب خاصة ، قال : واعلم أن الولد إذا قتل إنما يغرم الأب ما وصف من الدية إذا قبض ذلك ، فإن لم يقبض ذلك أخذها المستحق منجمة حتى يستوفي الواجب له ، وكذلك أن يقبض الغرة أخذ المستحق عشر القيمة من العشرة . كما يأخذ ذلك من الدية إذا قتل ، قال ابن يونس : إنما لزمك قيمة الولد لأنه ليس بغلة ولا يرق فيأخذه السيد لتخليفه على الحرية بالشبهة في الغرور بالشراء أو النكاح ، وجعلت القيمة يوم الحكم لأنهم أحرار في الرحم ولا قيمة لهم يومئذ ، فلا يجعل يوم جعلت ضامنا ، ولا يضمن إلا المتعدي ، وأما ما روي عن عمر - رضي الله عنه - من القضاء بمثل الولد المستحق : فمعناه على مقاديرهم ، وفي حديث آخر قيمتهم ، ولو كان يخرج بالقيمة من رق ، كان ولاؤه للمستحق ، ولو كان إذا كان جدهم أو أخاهم أن يعتقوا عليه وليس كذلك ، بل هو حر بسبب أبيه ، وليس للمستحق سبب يصل به إلى رقه ، كأم الولد يحي ( كذا ) لا يمكن من إسلامها . وكان مثل ذلك القيمة فيه يوم الحكم ، وهو قول مالك وابن القاسم وغيره إلا المغيرة قال : القيمة يوم ولد ، قال ابن القاسم : وإن كانت حاملا يوم قيامه لانتظر ولادتها فيأخذ القيمة يوم تلده ، وقال المغيرة : إن استحقت بحرية لها صداق ; لأنه مقابل وطء الحرة ، وابن القاسم يرى أنها وطئت على الملك . والمملوكة لا صداق لها ، ولذلك

[ ص: 58 ] يقول : لو اغتلها الغلة له ، قال : والأشبه أن لا غلة ؛ لأنه غير ضامن ، لأنها لو ماتت رجع بثمنه ، ووجه قوله : يأخذها المستحق ، لأنها مملوكة واستيلاد الغير لا يمنع . وكأنها ولدت من نكاح ، وقد ثبت أنها لو غرت من نفسها فتزوجها رجل على أنها حرة فولدت لا يمنع ذلك أخذها ( . . . ) بشبهة الملك وشبهة كل عقد مردودة إلى صحيحه ( . . . ) وكذلك ولدها ، والقيمة تدفع حق المستحق ، ووجه قوله : ليس له رد قيمتها ( . . . ) لوطء ، لأنه وطء يرفع الحد فتلزمه القيمة ، كما إذا وطئ أمة ولده ، أو الأمة المشتركة له ولغيره ، ولو ماتت على هذا القول ضمنها المشتري كوطء الأب أمة ولده ، أو الأمة بين الشريكين ، وقاله ابن حبيب ، ورجع مالك للقول الأول حتى ماتت ، قال ابن القاسم : لو رضي المستحق بأخذ قيمتها وقيمة ولدها جبرت على ذلك في قولي مالك جميعا فتعطى القيمتين يوم الاستحقاق ، ومنع أشهب ، قال محمد : والقياس لا يلزم قيمتها في نقض الولادة ، وإنما له أن يلزمه ذلك لو قتلها ، ولو قتلها غيره لم يلزمه هو قيمتها لأنه غير غاصب ، غير أن ابن القاسم قال ذلك لاختلاف قول مالك في هذا الأصل ، قال عبد الملك : إن ماتت وبقي ولدها فليس له غير قيمة من وجد منهم في قول مالك الأول ، وعلى قول الآخر له اتباعك بقيمتها يوم وطئها ; لأنك ضمنتها يومئذ ، ولا شيء عليك في الأولاد وإن كانوا قياما كواطئ أمة ابنه ، وقال محمد : لا شيء عليك في قول مالك الذي قال فيه وهي حية ليس له إلا قيمتها فقط ; لأنك لست بضامن ، قال : وانظر قوله : إذا كان الأب عديما والابن مليا أخذ من الابن قيمة نفسه ، وهو إنما يأخذ منه قيمة يوم الحكم ، فكان يجب إنما تستحق قيمته يومئذ بماله مما في يديه ، وكيف يصح أخذ قيمته منه ؟ قال : وأظن ابن القاسم إنما يقول : يأخذ قيمته بغير مال ، وبه يصح قوله ، قال ابن القاسم في كتاب محمد : لو كان المستحق عما للولد أخذ القيمة إذ لا يعتق ابن الأخ ، والجد لا يأخذ قيمته ، [ ص: 59 ] وليس له من ولائهم شيء لأنهم أحرار بسبب أبيهم ، وإنما أخذت القيمة فيهم بالسنة ، قال كنانة : إذا غرمت قيمة الولد وكان له مال اكتسبه ، لم تغرم بماله ، بل بغير مال كقيمة عبد ، ويؤدي ذلك للأب ، ولا يؤخذ من مال الولد شيء . قال سحنون : إذا حكم على الأب في عدمه ثم مات ابنه بعد الحكم ، لم يزل عنه ما لزمه من القيمة ، كجناية أم الولد والسيد عديم . وكمن حكم عليه من العاقلة شيء رآه الحاكم يوم أعدم ، قال أشهب : ويفي بالقيمة في تركتك لا في مال الولد إذا قام المستحق بعد الموت ، فإن لم يترك شيئا اتبع الولد . فمن أيسر منهم أخذ منه حصة نفسه فقط يوم كان الحكم ، وإن طرأ لك مال أخذ المستحق من كل واحد بما ينوبه فيه قيمته ، ولا يأخذ بعضهم عن بعض ، وقوله : إذا قطعت يد الولد وأخذت ديتها فعليك قيمة الولد أقطع يوم الحكم فيه . والأقل بما نقص القطع ، أو ما قبضت في الدية . وسببه اختلاف القيم يوم القطع ويوم الحكم ، وإن كان يوم القطع هو يوم الحكم لغرمت الأقل من قيمته صحيحا ( . . . ) اليد . قال محمد : ولو قطع خطأ فديته لك منجمة ، والمستحق منها قيمته يأخذ فيها : أول نجم ، فإن لم يتم أخذ تمامه من الثاني مما يليه ، حتى يتم ، ثم ما يورث عن الابن ما بقي ، وقال أشهب : لا شيء عليك فيما أخذت في القتل كما لو مات ، ولا في القطع وعليك قيمته أقطع فقط ، لأن ما أخذته دية حر ، وإذا زوجك بها رجل وغرمت قيمة ولدها مع دفعها رجعت على من غرك بالصداق كاملا ، ولا يترك له ربع دينار ، لأنه باع البضع واستحق ، فترجع بثمنه ولا ترجع بقيمة الولد ، لأنه لم يبعه ، وهذا أصل مالك ، ولو كانت العارية لم ترجع عليها ، لأن ذلك حق لسيدها إلا أن يكون ما أعطيتها أكثر من صداق المثل فيرجع بالفضل ، فإن كان أقل من صداق المثل قال أشهب : لا يزاد عليه ؛ لأنه الذي وقع به الرضا وعنه يتم ، لأنه حق للسيد ، فلا يبطل حقه صنيعها ، وتصدق في أنك [ ص: 60 ] تزوجتها حرة . وأن لم تقم ببينة ، ولو كذبتك حدت ، ولم يلحق الولد ، وعلى السيد البينة : أنك تزوجتها على أنها أمة إن ادعى ذلك . وتأخذ الولد ، وإلا فهو حر وله قيمته حالة على الأب يوم يقضى له به ، فإن أعدمت استحسن أن يكون ذلك في مال الولد ، فإن غرمت الأمة عبدا أو مكاتبا أو مدبرا أو معتقا إلى أجل فإن أولادهم رقيق معها لعدم حرية الواطئ ، فإن استحقت من المشتري بأنها مدبرة أخذها وقيمة ولدها عبدا ، قال ابن القاسم : على الرجاء والخوف ، قال : وليس هذا بشيء لأن من باع مدبرا ومات بالعتق كان الثمن كله للبائع ، وعلى هذا ثبت مالك وأصحابه ، وإن كانت التي أولدتها مكاتبة ، قال ابن القاسم : تلزمك قيمة الولد رقيقا وتوقف القيمة ، قال ابن يونس : ولا معنى لذلك ، وليكن ذلك محسوبا من آخر الكتابة ويتعجلها السيد ، ولو تأخر الحكم حتى حل الأجل وأديت الكتابة فلا شيء عليك من قيمتهم ، وأما المعتق إلى أجل فأم الولد بقيمة الولد على الرجاء والخوف ؛ لأن هذا الوصف ملكهم السيد ، قال اللخمي : إذا استحقت حاملا جرت على الأقوال الثلاثة : فعلى القول بأخذها يؤخرها حتى تضع ; لأنها حامل محمر ( كذا ) فتأخذها وقيمة الولد ، فإن أسقطت قبل ذلك أو ماتت فلا شيء عليك ، وعلى القول بأخذ القيمة دونها يتعجلها الآن ، وعلى القول الآخر : ليس له إلا أخذ قيمتها يوم حملت ، وإن ماتت قبل المحاكمة لم تسقط عنه القيمة ، ويختلف : متى تكون على أحكام الولد ، فعلى القول بالقيمة يوم الحمل هي أم ولد من يوم الحمل ، وعلى قيمة يوم الحمل يختلف فيها : فعلى قول أشهب : لا تكون أم ولد بعد الفداء لأنه أجاز له أن يسلمها إن أحب ، وأما على قول ابن القاسم في أنه مجبور على دفع القيمة ، فيمكن أن يقال : لا تكون أم ولد له لأن افتداءها الآن ، ويمكن أن تكون أم ولد كالولد يدفع قيمته يوم الحكم وهو جنين في بطن أمه ، وإذا استحق وقد أنفقت ديته لم يطالب ( . . . ) لأنهم غرموا بالحرية ، ومقاله معك ، وإن قتل عمدا : فالمقال لك في القصاص والعفو دون [ ص: 61 ] المستحق ، واختلف : هل يقوم الولد بما له ؟ قاله المخزومي ، أو بغير ماله ، قال ابن القاسم : والقياس على القول بأن القيمة يوم الحكم : أن يكون للمستحق مقال في المال ، ولو قيل : إن القيمة على الابن ابتداء أعسر الأب أم لا ، لكان وجها ، قال ابن القاسم : ولو مت ولم تدع مالا اتبع الولد بالقيمة ، وعلى قول غيره : لا يكون على الابن شيء ، والقياس : لا شيء عليه عليك وإن مت موسرا لأن القيمة إنما تلزمك إذا قيم عليك ، وهذا قد تعذر .

قاعدة : المسقطة للحد الموجبة للحوق النسب : ثلاثة أقسام : شبهة في الواطئ ، وهو اعتقاده الحد ، كمن وطئ أجنبية يظنها زوجة ، وفي الموطؤة كالأمة المشتركة ، فإن ما فيها من ملكه مباح ، وما فيها من ملك الغير محرم ، فيحصل الاشتباه ، وفي الطريق : وهو كون الوطء مختلفا فيه ، لأن المجوز مبيح ، والمحرم حاظر فيحصل الاشتباه .

تنبيه : ( الخراج بالضمان ) ، معناه : يتوقع الضمان ، فإنه إنما ضمن على تقدير التلف ، وهذا التقدير لم يحصل بعد مع أخذ الغلة الآن ، واستحقاقها يكون لتوقع الضمان لا بالضمان نفسه .

فرع

في الكتاب : له رد ما يبنيه مسجدا كرد العتق ، وفي النكت : لأنه لو أمر بدفع القيمة رد كونه مسجدا وملكه ، وهو قد بني له ، وكان هدمه وجعل النقض في غيره ، ولأنه لو امتنع من القيمة لم يكن إجبارا لآخر على دفع قيمة الأرض . كما تفعل فيما بني للسكن لخروج البناء على يده ، وتشبيهه بالعبد من جهة اشتراكهما في القربة وإن افترقا في أن العبد استحقت عينه ، والأنقاض لم تستحق ، وهي التي عملت مسجدا ، قال أبو محمد : ويجعل النقض في مسجد آخر تتميما لقصد القربة ، فإن لم يكن بموضعه ذلك مسجد فلينقل النقض لأقرب المساجد إليه ، ويكرى على نقله ، منه ويجوز لمن أخذه في كرائه ملكه ، قال أبو محمد : ويحتمل [ ص: 62 ] أن معنى قول ابن القاسم فيمن اشترى دارا مبنية فهدمها وبنى بنقضها مسجدا فيها ولم يزد فيها على نقضها شيئا فيأخذ البناء والقاعة ، ولا شيء له عليك فيما هدمت لأنك هدمتها بشبهة . فيساوي العتق حينئذ . وعلى هذا إذا أبى المستحق أن يلزمك قيمة النقض منقوضا لأنك لما بنيت به المسجد فقد أفته لأنه بسبب هدمك لا يتحصل بكماله ، وإذا أديت قيمته منقوضا وهدمته بعد ذلك جعلت النقض في مسجد آخر ، لأنك قد أبنته على نفسك ، وجعلته لله ، وإن رضي المستحق بذلك النقض فله ملكه ، ولا يلزمك شيء ، قال التونسي : قال سحنون : معنى ما في الكتاب : إذا كان غاصبا ، أما لو كان مشتريا فله قيمة بنائه قائما ، يجعل القيمة في حبس آخر . وقد يمكن أن ابن القاسم أراد أنه لما حبس الأنقاض لم يقض فيها بقيمة وإن بنى بشبهة ، ألا ترى أن سحنونا لم يجعل للمغصوب منه أن يعطي قيمة الأنقاض منقوضا لما كان ذلك إبطالا للحبس ، وإذا لم يكن للمغصوب منه إعطاء القيمة منقوضا ، كذلك أنت إنما تعطي قيمة بنائه قائما ، فإذا وهبت حقك ، لأن البناء ليس لك بل لله ، وقد قال سحنون في الذي بنى في أرض بشبهة فثبت أنها حبس : يقلع البناء ، وقال ابن القاسم : قيل لسحنون : فكيف يقلع وقد بني بشبهة ؟ قال : فمن يعطيه قيمة بنائه ؟ ، قيل له : فيشتركان ، فأنكر ذلك ، فقال بعض الحاضرين : يلزم بيع الحبس وهو يسمع فلم ينكر ، قيل : أفيعطيه المحبس قيمة بنائه ؟ فأنكر ذلك ، فيؤخذ من هذا أن المشتري يقلع بناءه ، قال اللخمي : القول بهدم البناء ، وإن كان بوجه شبهة لم يهدم عليه ، وقيل للمستحق : أعطه قيمته قائما أو يعطيك قيمة أرضك ، فإن كان على وجه التعدي أعطاه قيمته مهدوما وبقي له قائما ، وقول سحنون : أحسن ؛ لأن المستحق يأخذ بحق تقديم على الحبس ويرده من أصله ، فله إذا ثبت تعديه أن يأخذه ما لا بد من نقضه وهدمه ، لأن بناء المسجد لا يوافق بناء الدور ، فما كان من ذلك لا يستغنى عن هدم هدم وجعل غيره أخذ بقيمته ، وإن كان بوجه شبهة وأبى المستحق من دفع القيمة للبناء وأبيت من دفع قيمة الأرض كنتما شريكين ، فإن حمل القسم وكان فيما ينوب الحبس ما يكون مسجدا قسم ، وإن لم يحمل القسم ولم يكن فيه [ ص: 63 ] ما يكون مسجدا بيع وجعل في مثله ، وأما إذا تقدم أنه بنى أرضا دارا ثم ثبت أنها مسجد ، لم يكن للباني قيمته قائما لتقدم حق صحيح ، وإن ثبت أن القاعة حبس على معينين ، قيل للمحبس عليهم : أعطوه قيمته قائما ، ويكون لكم الانتفاع به إلى وقت يسقط حقكم من الحبس بالموت ، أو بانتفاء الأجل إن كان مؤجلا ، فإن رجعت الأرض إلى محبسها كان لورثة المحبس عليهم أخذ قيمة ذلك قائما كما كان لمورثهم ، لأنهم يحلون محله ، فإن أبى كانوا شركاء معهم بقدر ذلك ، وإن أبى المحبس عليهم إعطاء قيمة البناء قائما أعطاه مالك الأرض وبقي شريكا مع المحبس عليهم بقدره ، فإن أبى كان الباني شريكا بقدر قيمة البناء قائما فما نابه سكنه أو باعه ، وما ناب المحبس عليهم سكنوه ، فإذا انقضى حقهم في الحبس عاد ذلك القدر للمحبس على إحدى قولي مالك : إن الحبس على المعينين يعود ملكا ، وعلى قوله يرجع مرجع الأحباس ، فإنما يعطى قيمته قائما على أنه يبقى إلى انقضاء حق من حبس عليهم ، ولم يهدم ، وعلى قول سحنون : والحبس وغيره سواء يجوز للباني إعطاء قيمة الأرض إذا لم يعط قيمة البناء ويجعل القيمة في مثله .

التالي السابق


الخدمات العلمية