صفحة جزء
الطرف الثالث : فيما يستنجى به ، وفي الجواهر : هو الماء ، والأحجار ، وجمعها أفضل لإزالة العين والأثر ، ولأن أهل قباء كانوا يجمعون بين الماء والأحجار ، فمدحهم الله تعالى بقوله : ( إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ) ، والاقتصار على الماء أفضل من الاقتصار على الأحجار ، والاقتصار على الأحجار مجزئ لقوله عليه السلام في الحديث السابق ( تجزئ عنه ) وقال بعض أهل العلم : يكره الماء لأنه مطعوم ، وقال ابن حبيب : لا يجزئ مع القدرة على الماء ، وخصص الأحاديث بالسفر ، وعدم الماء ، ويقوم مقام الأحجار كل جامد طاهر منق ليس بمطعوم ، ولا ذي حرمة ، ولا شرف سواء أكان من نوع الأرض كالكبريت ونحوه ، أو غير نوعها كالخزف والحشيش ، ونحوهما خلافا لأصبغ ؛ لقوله عليه السلام في البخاري : ( ائتني بثلاثة أحجار ، ولا تأتيني بعظم ولا روث ) واستثناء هذين يدل على أنه أراد الأحجار ، وما في معناها ، ولأصبغ : إن طهارة الحدث والخبث اشتركا في التطهير بالماء والجماد ، فكما لا يعدل بغير الماء من المائع ، فلا يعدل بغير جنس الأرض من الجماد ، والفرق بين التيمم والاستنجاء أن مقصود الاستنجاء إزالة العين ، فكل ما أزالها حصل المقصود ، والتيمم تعبد ، فلا يتعدى محل النص .

واشترطنا الطهارة لأنها طهارة ، والطهارة لا تحصل بالنجاسة ، ولقوله عليه السلام فيما تقدم : ( لا تأتيني بعظم ولا روث ) .

واشترطنا ألا يكون مطعوما صونا له عن القذر ، وقد نهي عن الروث لأنه طعام للجان ، فأولى طعامنا .

واشترطنا ألا يكون ذا حرمة حذرا من أوراق العلم ، وحيطان المساجد ، ونحو ذلك .

[ ص: 209 ] واشترطنا عدم الشرف احترازا من الجواهر النفيسة .

واشترطنا المنقي احترازا من الزجاج والبلور ونحوهما ؛ لنشره النجاسة من غير إزالة .

فرع : قال : فإن استنجى بعظم أو روث أو طعام ونحو ذلك أجزأه خلافا ش لحصول المقصود ، وهو إزالة العين ، وفي الإعادة في الوقت خلاف لمراعاة الخلاف .

فرع : مرتب عليه : قال صاحب الطراز : لو علقت به رطوبة الميتة ، أو تعلقت الروثة على المحل تعين الغسل .

فروع : الأول : قال : ظاهر قول مالك - رحمه الله - جواز الاستجمار بالحمم لأنه لم يذكره عليه السلام في استثنائه ، ومنعه مرة لما في البخاري : قدم وفد الجن عليه صلوات الله عليه ، فقالوا يا رسول الله إنه أمتك أن يستجمروا بعظم أو روث أو حممة ، فإن الله تعالى جعل لنا فيها رزقا ، فنهى عليه السلام عن ذلك .

الثاني : لو استجمر بأصابعه ، أو ذنب دابة ، أو شيء متصل بحيوان ، وأنقى أجزأ خلافا ش ، فإن الأمر بالأحجار إن كان تعبدا فينبغي أن يمنع الصوف والخرق ، وإن كان المقصود الإزالة فينبغي أن يصح بالجميع ، وما الفرق بين قلع صوف من ذنب دابة فيستنجي به ، أو يستنجي به متصلا ، فلا هو أعطى التعميم حكمه ، ولا هو أعطى التخصيص حكمه .

الثالث : إذا انفتح مخرج للحدث ، وصار معتادا استجمر منه ، ولا يلحق بالجسد ، وما قارب المخرج مما لا انفكاك عنه غالبا . قال ابن القاسم : حكمه حكم المخرج ; لأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يستنجون مع اختلاف حالاتهم ، ولا يستعملون الماء ، والغالب وقوع مثل ذلك منهم .

وخالف ابن عبد الحكم ; لأن الأصل في النجاسة الغسل .

التالي السابق


الخدمات العلمية