صفحة جزء
الحكم الخامس : وجوب الرد ، والنظر في ظهور المالك .

وفيه ستة فروع ، وقيام اللقطة وفوتها .

النظر الأول : في ظهور المالك ، وفيه ستة فروع .

الفرع الأول

في الكتاب : إذا وصف عفاصها ووكاءها وعدتها ، أخذها وجوبا السلطان على ذلك ، وافقنا ابن حنبل ، وقال : يدفع غلب على صدقه بمنه ( كذا ) أو لا ؟ وقال ( ش ) و ( ح ) : إذا وصف ولم يغلب على ظنه صدقته حرم الدفع إليه ، فإن غلب على ظنه صدقه دفعها على أنه ضامن لما أن جاء مستحق غيره ، ولا يلزمه الدفع بذلك بل بالبينة . لنا : قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( عرف عفاصها ووكاءها ، فإذا جاء من يخبرك بعددها ووعائها فردها عليه ) ولأنه - صلى الله عليه وسلم - أمر بمعرفة العفاص والوكاء ، ولو أن دفعها يفتقر إلى منته لم يكن في ذلك فائدة ، بل فائدته الدفع به ، ولأن إقامة البينة عليها متعذر . فأشبه القتل ، ولما تعذر إقامة البينة عليه أقيم اللوث مقامها ، وإن إقامة البينة عند السقوط متعذرة ، فلا تشترط فيه البينة ، [ ص: 118 ] بل يصدق بغيرها ، كالإنفاق على اليتيم . بل هذا أولى ؛ لأن الإنفاق على اليتيم ممكن من حيث الجملة ، ولأن القول باشتراطها يؤدي إلى ذهاب أموال الناس ، وبطلان حكمة الالتقاط ، ولأنه لو كانت البينة شرطا لحرم الالتقاط ، لأن بقاءها في موضعها يقرب أخذها لمالكها ، والالتقاط يمنعه من أخذ ماله عند عدم البينة ، ومنع الإنسان من ماله حرام ، ولا يقال : لو ادعى السرقة لم يأخذ إلا ببينة ، وإن كانت البينة متعذرة عند السرقة ، لأنا نقول : السرقة يدعي لنفسه بخلاف الملتقط ، وقد قال مالك في قطاع الطريق : أنه يؤخذ المتاع من أيديهم بالعلامات من عدد وغيره بغير بينة كاللقطة ، لأنهم يدعونه لأنفسهم كاللقطة سواء . احتجوا بقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( البينة على من ادعى ، واليمين على من أنكر ) والطالب مدع فعليه البينة ، ولأنها دعوى فلا يستقل بإثباتها الوصف كسائر الدعاوي ، ولأن اليد تنازعه فلا يندفع إلا بحجة وهي البينة ، ويحمل الحديث على الجودة لا على الإجبار جمعا بينه وبين هذه القواعد .

والجواب عن الأول : أنه عليكم ، لأنه جعل اليمين على من أنكر ، والبينة تقام عليه ، وهاهنا لا منكر فلا يمين ولا بينة . سلمنا أنه ليس عليكم لكنه عام ، وما ذكرتموه خاص ، فيكون مقدما عليه على ما تقرر في علم الأصول .

عن الثاني : أن إقامة البينة في غيرها متيسر بخلافها ، فإن الإنسان لا يعلم أن متاعه يقع منه فيشهد عليه ، بخلاف البيع وغيره مشعور به فطلبت فيه البينة ، بل إلحاق هذه المصورة بنفقة اليتيم أشبه .

عن الثالث : أن المنازعة المحوجة للبينة عن اليد التي يدعي صاحبها الملك بنفسه ليقع التعارض بين الرجلين ، وهذا لا يعارض أحدا ، بل صاحبها يقول : أنا [ ص: 119 ] لا شيء لي ، فتبقى معرفة الوصف سالما عن المعارض ، فلا يحتاج إلى بينة ، وحمل الحديث على الجواز خلاف الظاهر من غير ضرورة ، لأن الأمر للوجوب .

التالي السابق


الخدمات العلمية