صفحة جزء
[ ص: 140 ] الركن الثالث : عاقده ، في الجواهر : لا يشترط فيه إلا أهلية التوكيل ، لأنه وكيل على الحفظ ، وقاله الأئمة ، وقال اللخمي : يشترط فيه أن يكون ذا محرم إذا كانت الوديعة امرأة إلا أن يكون مأمونا أو امرأة لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( لا يخلون رجل بامرأة ليس بينه وبينها محرم ) وأجاز مالك لمن ادعى أمة وأقام شاهدا أو لطخا ووضع القيمة أن يسافر بها إذا كان مأمونا ، ومنعه أصبغ ، وهو أصوب للحديث ، ولأن الخوف عليها من المدعي أشد لأنه يقول : هي أمتي أستبيحها إذا غاب عليها . وفي هذا الركن ثلاثة فروع :

الفرع الأول

في الكتاب : إذا أودعت صغيرا بإذن أهله أم لا لم يضمن ، كما لو بعته سلعة فأتلفها ، لا يبيعه بثمن ولا قيمة ، ولو اشتريت منه ودفعت الثمن إليه فأتلفه ضمنت السلعة . ولا يضمن الثمن ، وقال ( ش ) وابن حنبل : لا يضمن الصبي الوديعة إلا إن أتلفها بنفسه ، وكذلك المعتوه ، ووافقنا ( ح ) .

لنا : القياس على البهيمة ، ولأنك سلطته على الإتلاف ، فهو كالإذن فلا يضمن كالبالغ .

احتجوا بأنك سلطته على الحفظ ولم تسلطه على الإتلاف ، فهو كما لو أودعت عند خائن تعلم خيانته فإنه يضمن إجماعا ، فكذلك هاهنا .

والجواب عن الأول : إن علم المودع بحال يتنزل منزلة الأكبر ( كذا ) كما أن من قدم حيوانا للسباع يضمنها إياه لأن علمه بحال السبع تسليط .

وعن الثاني : أن الجائز متوقع في حقه الوازع الشرعي بخلاف الصبي .

الفرع الثاني

في الكتاب : إذا أودعت عبدا محجورا عليه فأتلفها فهي في ذمته إن عتق [ ص: 141 ] يوما ؛ لأنه لم يحق ( كذا ) لتسليطك عليها ، فيكون كالدين في الذمة إلا أن يفسخها عنه السيد في الرق ، وذلك له لأنه عيب ، وإذا أسقطته سقط في رقه وبعد عتقه . وإلا لبقي العبد ، وما أتلفه المأذون له من وديعة ففي ذمته لا في رقبته ، لأنك متطوع بالإيداع وليس لسيده إسقاط ذلك عنه ، لأنه عرضه لذلك بالإذن ، وكذلك ما أفسده العبد الصانع المأذون له في الصناعة مما دفع إليه ليعمله أو يبيعه ، وكذلك ما ائتمن عليه أو استسلفه فهو في ذمته لا في رقبته ، ولا فيما بيده من مال السيد ، وليس للسيد فسخ ذلك عنه ، لأنه أذن له فيما تتوقع فيه هذه الأمور ، وما قبضه العبد والمكاتب وأم الولد والمدبر من وديعة بإذن السيد فأهلكوها ففي ذمتهم لا في رقابهم كالمأذون ، وبخلاف قبض الصبي الوديعة بإذن أبيه لا يلزمه شيء ، ولا ينبغي ذلك لأبيه . قال التونسي : لا يضمن الصبي . وكذلك السفيه أذن وليه أم لا ، لأنك سلطته على ذلك ، واختلف إذا كان العبد هو الذي أدخل نفسه في ذلك وصدقته ، كقوله : سيدي أمرني أن استعير منك فصدقته ودفعت إليه فأنكر سيده ، فقال للسيد : إسقاطه بعد يمينه أنه ما بعثه ، وهو لأشبه ، لأن العبد ليس له أن يعيب نفسه بكذبه وعدوانه ، وأنت أتلفت متاعك بتصديقه ، وقيل : هو دين في ذمته ولا يسقطه ، وأما ما تعدى عليه العبد والصبي فيتبعون به ، وكل ما لزم رقبة العبد لزم ذمة الصبي ، واختلف في الأمة المشتركة بين حر وعبد فيطأها العبد ، فقيل : جناية في رقبته لأنه لم يؤذن له في ذلك ، وقيل : ليس بجناية ، لأنه كالمأذون له في ذلك لشركة الحر إياه ، وفرق أشهب في المأذون له بين الوغد ، فلا يكون الإذن له في التجارة إذنا له في الإيداع ، ولسيده فسخ ذلك من ذمته ، وبين ذي الهيئة فلا يقدر السيد على فسخ ذلك من ذمته ، والمحجور إذا كان يبيع ويشتري بغير إذن فكالمأذون له في ذلك ، وأخذه الودائع ، عن ابن القاسم : إن أسلفت مأذونا له في التجارة ذهبا على عمل فأفلس لزم ذلك العبد في ذمته وخراجه إن أذن له في المعاملات ، وإن لم يؤذن له إلا في عمل الصنعة فقط ، والسلف كثير ، ففي ذمته لا في خراجه ، أو يسيرا [ ص: 142 ] ففي ذمته وخراجه ، قال ابن يونس : في العتبية : إذا أرادت إيداعه فقال له : أودع عبدي ففعلت فاستهلكها العبد فهي في ذمته ، وإن غره السيد في العبد فلا شيء على العبد بكل حال ، قال ابن عبد الحكم : ولا يكون في ذمته بإقراره أنه استهلكها حتى تقوم بينة ، قال اللخمي : لا ينبغي إيداع الصبي ولا السفيه ، لأنه تعريض المال للضياع . ولا يتبعان بإتلافهما إلا أن ينفقا ذلك فيما لا غنى لهما عنه ، ولهما مال فيتبعان في ذلك المال ، ثم أفاد غيره لم يتعاقبه . ووافقنا ابن حنبل في القن ، وقال ( ش ) و ( ح ) : ما ضيع الصبي والعبد من الودائع لا شيء عليهما ، فإن أتلفاها لم يضمنا عند ( ح ) ونقض أصله لقوله : إذا أودع الصبي عبدا أو أمة فقتلهما ضمنهما ، وضمن ( ش ) العبد والصبي ، ومنشأ الخلاف : أن هذا الإيداع تسليط على الإتلاف أم لا ؟ فعند ( ش ) : هذا الإيداع ملغى ، فكأنها حتما ( كذا ) على المال ابتداء . لنا : أن التضييع معلوم من الصبي ، فصاحب المال هو المهلك لماله فلا يضمن ، وأوردوا على هذا أنه لم ينتقض بما إذا أودع عبد معلوم الجناية فإنه يضمن . وقياسا على ما إذا لفت من ( كذا ) الصبي فأتلف لا يضمن ، وكذلك لو اشتريت منه ودفعت له الثمن ، وأجابوا بأن عقد المعاوضة تقتضي التسليط على العوض بخلاف الإيداع ، ولأنا لو ضمنا لك لرجع عليك ، لأنك الذي سلطه ، فلا يفيد التضمين شيئا ، وقياسا على العرض . احتجوا بالقياس على المأذون والمكاتب ، وجوابه : الفرق بأن العبد ليس مظنة الإتلاف .

التالي السابق


الخدمات العلمية