صفحة جزء
الفرع الثالث

في الكتاب : إذا عنست البكر في بيت أبيها وآنس منها الرشد جازت [ ص: 197 ] كفالتها وعتقها وهبتها وإن كره أبوها ، قاله ابن القاسم ، ومنع مالك وهو الذي يعرف . قال مالك : ويجوز عتقها إن أجازه أبوها ، وعن مالك : جواز أمرها ، ومنشأ الخلاف أن صحة العبارة ونفوذ التصرف ينشآن عن وصف الرشد حيث وجد ، وعن الحكم وهي قاعدة تقدم الخلاف فيها في كتاب الحجر ، والفقه اعتبار الرشد وعدمه لا الحكم ; لأنه منشأ الحكمة في الإمضاء والرد ، وتمنع كفالة غير المعنسة وبيعها ومصروفها ، وإن أجازه أبوها لعدم تجارتها ومخالطتها الموجبين لضبط المصالح ، فتكون كالبهيمة ، ولا ينبغي أن يجيزه السلطان كالصبي والمولى عليه ، ويرد هبتها لأبيها كالأجنبي وكذلك بعد تزويجها ودخولها حتى يؤنس رشدها فيجوز ، وإن كره الزوج ، والكفالة وغيرها إن حمله الثلث ، وإذا أجاز الزوج كفالة الرشيدة في أكثر من الثلث جاز ، فإن اغترقت الكفالة مالها لم تجز في ثلث ولا غيره ، وأصل هذا البحث قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تتصرف في ذي بال من مالها إلا بإذن زوجها ) والثلث ذو بال لقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( الثلث والثلث كثير ) . ولأن الثلث معتبر في التحذير في الوصية وغيرها فاعتبر هاهنا ، وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( تنكح المرأة لأربع ) . فذكر المال ، فتعلق به حق الزوج خلافا لـ ( ش ) في هذا .

فائدة : في التنبيهات : التعنيس كبر المرأة في بيت أبيها ، ويقال أيضا للتي بقيت مدة لم تتزوج ، ويقال ذلك في الرجل أيضا إذا بقي بعد إدراكه لم يتزوج زمانا ، وهي في عرف الفقهاء في البكر إذا كبرت ولم تتزوج ولكنهم اجروا [ ص: 198 ] حكمها في تصرفها قبل التزويج وبعده سواء ، ويقال : عنست بفتح العين وضمها وتشديد النون وفتحها مع الفتح وكسرها وبفتحها وتخفيف النون فهي عانس ومعنسة وأعنست أيضا ، وأصلها من القوة والتمام ، قال بعض اللغويين : لا تسمى بذلك لأقل من ثلاثين سنة ، واختلف الفقهاء في ذلك في ذات الأب وفي اليتيمة من أقل من ثلاثين إلى ستين وبعدها من انقطاع الحيض ، وقال التونسي : إذا زادت الزوج على الثلث رد الكل لاشتماله على الممنوع ، إلا أن يكون يسيرا كالدينارين ، كقول مالك فيمن أوصت بعتق جاريتها إن وسعها الثلث عتقت ، وإن لم يسعها الثلث فلا تعتق إلا أن يفضل الديناران ، فلا يحرم العتق ، قال ابن القاسم : ويغرم ذلك قال التونسي : وهذا استحسان ; لأنه خلاف بعض الوصية وقيل : يرد منها بقدر ذلك عن ابن القاسم إذا أعتقت عبدا ثم أعتقت ثانيا بعد زمن ثم أعتقت ثالثا بعد زمن وليس لها غيرهم جاز عتق الأول إن كان ثلث قيمتهم ، ثم إن قرب عتقها الثاني بما يعرف به الضرر بطل ، وإن بعد مثل الشهور وقيمته قدم الثلث منه ، ومن الثاني جاز ولا يعتق الثالث ، فإن كان الأول أكثر من الثلث رد عتقه ، والثاني أكثر من ثلث قيمة الثلاثة رد أيضا أو قيمة الثالث بعد إبطال الأول ثلث قيمة الثلاثة رد أيضا ، أو قيمة الثاني بعد إبطال الأول ثلث قيمة الثلاثة جاز ، وعنه : إن أعتقت اليوم واحدا وفي غد الثاني وبعد غد الثالث أو بعد يومين فإن كان الأول الثلث جاز وحده أو أكثر بطل عتقهم ، قال : فانظر لم يبطل عتق الأول وإن قرب عتق ما بعده ، وينبغي إبطال لجميع لأنها في معنى قصد عتق الجميع ففرقتهم لتجيز أكثر من الثلث ، ثم أبطل عتق الجميع إذا كان الأول أكثر من الثلث ، ولم يجعل الثاني كالأول إذا كان ثلثه [ . . . ] أنه يجوز ; لأن الأول إذا بطل صار كأنه أعتق الثاني كالأول ، وعلى قياس قوله إذا لم يعتبر ما حدث بعد الأول أن يجيز عتق الثاني إذا كان ثلث [ ص: 199 ] الثلاثة وقد بطل عتق الأول ، وقد اعتبر ذلك في رواية عنه ، وفي الموازية : إذا أعتقت ثلث جارية لا يملك غيرها جاز ذلك ، قاله مالك ، وقال أشهب : إذا أجاز الزوج استتم بقيتها إن لم يجز رد عتقها ، قال التونسي : أرأيت لو أن امرأة لرجل تزوجها ثم قالت بعد ذلك : أكرهني ، لم تصدق إلا ببينة ، قاله مالك ; لأن عطيتها لزوجها جائزة وإن أحاط ذلك بمالها ، وقال أشهب : أما حمالتها لزوجها لغيره تلزمها ، ولا يقبل قولها كما في المدونة إلا أن يكون الأجنبي صاحب الحق عالما بذلك ، وتقوم لها ببينة على الإكراه ، فإن أنكر الأجنبي العلم حلف ، فإن نكل حلفت : لقد علم وبرئت في القرية القريبة الجوار ، وأما غير الجار من يبعد علمه لا يحلف ، وحمالتها بغير زوجها لزوجها إن كان ظاهر الإساءة لها ، وهو قليل الورع في ذلك متحامل عليها بطلت الحمالة إذا حلفت ، فإن كان غير ذلك حلف الزوج : ما أكرهها ولا أخافها ولزمتها الحمالة ، قال اللخمي : قوله إن أجازه إلا الأب يريد أنه يعلم بحالها ، فإن علم رشدها أجاز ، وإلا رد كالوصي إذا علم من يتيمه رشدا أنه يدفع إليه ماله بغير حاكم ، وجعل فعل الثيب على الجواز يريد إذا طال أمرها بعد البناء ، وإن كانت اليوم لا زوج لها ، وكذلك الثيب ذات الزوج واختلف في خمس مسائل : إذا قصدت الضرر وإن لم يجاوز الثلث ، وإذا جاوزته هل يمضي قدر الثلث أو يرد الجميع ؟ وإذا كان المتحمل به موسرا هل يمضي جميعها وإن زادت على الثلث ، وإذا تكفلت بكفالة بعد كفالة بقرب الأولى ، والخامسة إذا كانت على بعد من الأولى فتكفلت ووهبت من صدقة المال الأول ، أو من فائدة فأما كفالتها بموسر بأكثر من الثلث منعها ابن القاسم ، وأجازها عبد الملك وهو أشبه ; لأن الغالب السلامة وبقاؤه عن اليسير ، وإذا تكفلت بالوجه على أن مال عليها فقال ابن عبد الحكم : لزوجها رد ذلك لتوقع حبسها ، وإلجائها للخروج للخصومة بخلاف المال ، قال صاحب النوادر : [ ص: 200 ] قال أصبغ : إذا طلقت وأيسر المعدم ولم تفسخ الحمالة فهي ثابتة إلا أن يكون الزوج أسقطها عن زوجته ، والغرماء عن غريمهم ، وقال ابن القاسم : حمالة الذي أحاط الدين بماله تسقط ، ولا يتبعه فيما بينه وبين الله ، وقال أصبغ : هي كحمالة ذات الزوج كما تقدم .

التالي السابق


الخدمات العلمية