صفحة جزء
الركن الثالث : المضمون عنه ، وفي الجواهر : لا يشترط رضاه بل يؤدي دين غيرك بغير إذنه ، ووافقنا ( ش ) وابن حنبل في عدم اشتراط رضاه واشترطه ( ح ) ; لأنه إثبات مال لآدمي فلم يثبت إلا برضاه كالبيع يشترط فيه رضا كل من يتعلق به ذلك المال من منقول إليه ومنقول عنه وهو يشترط رضا الثلاثة كلاهما مع الضامن ، ولا يشترط أمر المكفول ، وقال : لا يطالبه الكفيل قبل أن يؤدي عنه ; لأن دفعه في معنى القرض ، ونحن لا نشترط إلا رضا الضامن ; لأنه المتبرع والباذل لماله ، وقد تقدم في الركن الثاني : الفرق بينه وبين البيع .

لنا : ما رواه أبو قتادة الأنصاري فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أقبلت جنازة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : هل على صاحبكم من دين ؟ فقالوا : عليه ديناران ، فقال : صلوا على صاحبكم ، فقال أبو قتادة : هما علي يا رسول الله ، فصلى صلى الله عليه وسلم . وروى أبو سعيد الخدري قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة فلما وضعت قال : هل على صاحبكم من دين ؟ قالوا : عليه درهمان ، فقال صلوا على صاحبكم ، فقال علي رضي الله عنه : هما علي يا رسول الله ، وأنا لهما ضامن ، فصلى صلى الله عليه وسلم ، فلما فرغ من صلاته التفت إليه فقال له : جزاك الله عن الإسلام خيرا ، وفك رهانك كما فككت رهان أخيك . ولأنه معنى لا يمنع بقاء الضمان فلا يمنع ابتداءه كالجنون ، والجواب على الحديثين أن معناهما أن عليا وأبا قتادة رضي الله [ ص: 202 ] عنهما ضمنا الإيصال فوثق رسول الله صلى الله عليه وسلم بقولهما لأنهما تكفلا .

فائدة : امتناعه صلى الله عليه وسلم من الصلاة يدل على أن الميت كان عاصيا بسبب الدين ، مع أن المداينة جائزة ، ولا سيما وفي بعض الأحاديث : الآن بردت جلدة صاحبك . ويدل أيضا على أن هذا الذنب كبيرة ، فإن هذا الزجر العظيم إنما يكون بسبب كبيرة ، وإلا فما من ميت إلا وله صغيرة بل صغائر ، وأجاب العلماء عنه أربعة أجوبة :

أحدها : أنه - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك إحسانا لا زجرا ليبادر الناس إلى قضاء الدين عن المعسر .

وثانيهما : ليكف المعسرون عن المداينة بحسب الإمكان .

وثالثهما : أن المداينة لم تكن مشروعة في أول الإسلام لأجل الضيق ، فلما فتحت الفتوحات شرعت للتمكن من الأداء حينئذ .

ورابعها : أن صلاته تقضي الرحمة والمغفره وتكفير الذنوب ، ومع الدين لا يحصل فكاك منه إلى يوم القيامة ; لأن حق الآدمي لا يسقطه إلا صاحبه أو يأخذه ، ولذلك قال في حديث أنس : هل عليه دين ؟ قالوا : نعم . قال : فما تنفعه صلاتي وذمته مرتهنة بدينه ، فلو قام أحدكم فضمنه فصليت عليه كانت صلاتي تنفعه . وفي هذا الركن خمس مسائل :

الأولى ، في الكتاب : إذا أديت حقا عليه بغير أمره رجعت عليه أو أديت عن صبي ما قضى عليه به بغير أمر وليه رجعت به في مال الصبي ، وكذلك ما لزمه من قيمة متلف ، أو أتلفه أو أفسده أو أخذه .

التالي السابق


الخدمات العلمية