صفحة جزء
الثالثة ، في الكتاب : إذا تكلفت له بما يلزمه من درك فيما اشتراه جاز ، وقاله الأئمة : وإن خالف بعضهم في ضمان المجهول لأجل الحاجة في تسليم الثمن والمثمن ، ولزمك الثمن والمثمن ولزمك الثمن حين الدرك في غيبة البائع أو عدمه ، ولو شرط خلاص السلعة امتنعت الكفالة ولم تلزم ; لأنه لا يدخل تحت قدرة الكفيل ، قال غيره : يلزمه وهو إدخال المشتري في غرم ماله فعليه الأقل من قيمة السلعة يوم تستحق أو الثمن الذي أدى إلا أن يكون الغريم مليا حاضرا فتبرأ ، ولو شرط المبتاع على البائع خلاص السلعة في الدرك وأخذ منه بذلك كفيلا بطل البيع والكفالة كمن باع ما ليس له وشرط خلاصه ، وفي التنبيهات : قوله في المسألة التي خالف فيها الغير ثم ذكر اشتراط المشتري على البائع خلاصها ، وأخذ منه كفيلا لا يحل ، وقال في اشتراطه على البائع فاسد قبل الكلام الأول لم تكن الكفالة مشروطة في العقد فسقطت وصح العقد ، وفي الآخر مشروطة في العقد ففسد الجميع وإنما كانت بين الكفيل والمشتري دون البائع ، وقيل : وقبل ( كذا ) بل يعرض أولا للزوم الكفالة وإسقاطها ، وتكلم آخرا على جواز البيع وفساده ، وقيل : يختلف في جوازه وإسقاط الشرط أو يصح إن أسقط الشرط ويفسد بالتمسك به وقول الغير يرجع بالأقل من قيمتها يوم استحقت يدل على أنه إنما تعلم إذا استحقت ، قالوا : ولو لم يستحق وفاتت أو الثمن رد البيع ولزم المشتري القيمة ، ولو وجد عديما لم يكن على الكفيل شيء ; لأنه إنما ضمن تخليصها من الاستحقاق ، وقد سلمت منه واختلف لو كان الضمان بالثمن لا بخلاص السلعة وفسد البيع بما قارنه من علل الفساد هل تسقط الكفالة بكل [ ص: 213 ] حال ؟ قاله ابن القاسم وأشهب ، وقال عبد الملك : تثبت الكفالة بثبات البيع الفاسد بالفوات فيه وعلى الكفيل الأول من قيمة السلعة ، أو الثمن وعن ابن القاسم يلزم بعلم الكفيل وحضوره فساد العقد ، قال التونسي : الأصل أن العقد إذا فسد بين المتبايعين وقد دخلا فيه مدخلا واحدا لم تلزم الكفالة عند ابن القاسم ; لأن الفساد من قبل المتبايعين فبطل الضمان لبطلان أصله ، والقول الثاني بني على أن الحميل على البائع فلولاه لم يرض بمبايعة المشتري فيكون حميلا بقيمة ما أخرج من يده إلا أن يكون أكثر من الثمن فيسقط الزائد ; لأنه إنما دخل على الثمن ويريد بالقيمة يوم الاستحقاق يوم القبض ، وكذلك لو باع منه دينارا بدرهم إلى أجل وأخذ حميلا ألزمه الأقل على مذهب غير ابن القاسم ، مع أنه روي عن ابن القاسم وعلى ما في المدونة تبطل الحمالة ، أما لو رهنه لذلك رهنا لكان الرهن رهنا بالأقل كله ، وقيل : يقضي نحو أن يعطي دينارا في عشرين درهما قيمة الدينار عشرة دراهم فيصير كأن نصف العشرين بطل فبطل لذلك نصف الرهن فيبقى نصفه رهنا في الدينار ، وعلى ما في المدونة كله رهن بالعشرة ; لأن ما بطل منه فقد نسبه نقضا ( كذا ) بعض الدين قال التونسي : فإن أعطاه حميلا قبل الأجل على أن يؤخره بعد الأجل أو رهنا امتنع ; لأنه سلف ينفع ، فإن لم يحل الأجل سقط الرهن والحميل ، وإن دخل في الأجل الثاني سقط الحميل على ما في المدونة ، وثبت على قول غيره ; لأنه كالمخرج من يده شيئا لإمكان أن يكون قادرا عند الأجل على الأخذ منه فصار الحميل أوجب تأخيره وأوجب الإخراج من يده ، وأما الرهن فرهن إذا أدخل في الأجل الثاني ولو أعطاه حميلا أو رهنا إلى مثل الأجل لجاز إذا كان الدين عينا أو عرضا من القرض ، أما عرض من بيع فيمتنع ; لأن الغريم لا يقدر أن يدفعها قبل الأجل ولو كان له عليه عشرة إلى شهر فأخذ منه حميلا على أن يضع عنه درهمين منعه ابن القاسم ; لأنه ضامن بجعل والحميل وإن لم يأخذ الدرهمين ، فكأنه قال للذي له الدين : هبها للذي عليه الدين كما لو قال : لا أضمن حتى تهب لفلان دينارين ، وقال أشهب : إذا حط عنه على أن يعطيه حميلا أو رهنا إلى أجل تجوز [ ص: 214 ] لأنه معروف لغير الضامن ، وقال أصبغ : لو أعطاه دينارا على أن يأتيه بحميل إلى أجل جاز ، كما حطه من دينه ، والأشبه قول ابن القاسم لأنهم لم يختلفوا لو سأل الغريم التحمل عنه بجعل أنه ممتنع ; لأن رب المال حط من ماله لأمر يمكن أن يحتاج إليه ، وقد لا يحتاج فهو غرر ، وأما إذا حل الأجل فأعطاه حميلا على أن يضع عنه جاز ، إذ لا غرض في هذا إذا كان الغريم موسرا ، وإما معدما فيمتنع على مذهب ابن القاسم ; لأنه لما امتنع أخذ منه أشبه ما لم يحل فيجري فيه الخلاف المتقدم ، فإن أعطاه حميلا بعد حلول الأجل ولم يضع عنه شيئا على أن يؤخره وهو موسر فيجوز ، فإن كان معسرا وأخره مدة تيسر فيها امتنع بمنزلة إعطائه حميلا قبل الأجل على أن يؤخره بعد الأجل ، وذلك إذا كان تيسرا إلى شهر ، وكان الدين لم يحل بعد ، وحلوله إلى شهر وإعطاؤه حميلا على أن يؤخره إلى شهرين صار ( كذا ) ، دفع ما لا يلزمه من الحميل لتأخيره إياه بعد يسره شهرا ، وإن كان إنما أعطاه حميلا قبل الأجل إلى الأجل جاز لعدم النفع به في ذلك ; لأن المعسر مثل ما لم يحل إلا أن يكون معه سلف ثان فلا يحل ذلك ، وإن كان الحميل إلى الأجل الذي تيسر إليه وذلك أنه كان معسرا فالحكم يوجب تأخيره بغير حميل ، فكأنه قال لي : أنا أعطيك حميلا لا يلزمني بشرط أن تسلفني سلفا جر نفعا ، فيمنع ، ولو كان له عنده عشرة دنانير سلفا لم تحل فباعه سلعة بعشرة على أن يعطيه حميلا بالسلف منعه ابن القاسم لإسقاط بعض الثمن للحمالة ، وجوزه أشهب ، ولم يختلفوا إذا كانت العشرة الأولى ثمن سلعة لم تحل فأسلفه عشرة على أن يعطيه حميلا بالأولى أنه يمتنع ; لأنه سلف للنفع وكأنه جعل درهمين لمكان المضار ، فصارت ثمانية يأخذ فيها عشرة ، فإذا قال له بعد الأجل : أسلفني مالا آخر وخذ رهنا بالجميع وأخرني بذلك أو خذ مني حميلا بهما ، جاز قبل تبين عدمه ، قال محمد : أما في الرهن فيجوز وإن كان عديما إذا كان الرهن له ; لأنه ليس بعديم لملكه الرهن ما لم يكن عليه دين يحيط به فيمتنع ; لأنه إذا حاصص [ ص: 215 ] أخذ أقل ، فقد أسلفه السلف الثاني ليختص بالرهن دون الغرماء ، وأما في الحميل إذا كان معدما يمتنع كغير الحال ، فكأنه حميل قبل الأجل بشرط السلف ، وإن كان الذي عليه الدين هو السائل للحميل أن يتحمل عنه بجعل ففعل سقط الجعل ; لأنه عن السلف ، وأما الحمالة فإن لم يعلم المتحمل له ثبتت أو علم سقطت ، والفرق بين هذا وبين الحمالة إذا فسدت من عقد المتبايعين جعلها ابن القاسم غير لازمة ، لأنها أوجبت غررا في أصل البيع لهذا الغرر ( كذا ) أم لا ، وفي الموازية : إذا باع على إن مات الحميل قبل الأجل فالتباعة في تركته ، وإن مات صاحبه قبل ذلك فلا حمالة ، منع ابن القاسم البيع ، واسقط الحمالة وجعل على المشتري قيمة السلعة إن فاتت ، وقال أصبغ : الشرط ثابت ، وكذلك لو تحمل إلى قدوم فلان أو إلى أجل ( كذا ) على أنه إن قدم فلان قبل ذلك فلا حمالة عليه فيجوز ، ولا غرر فيه بين الحميل والبائع ولا في المبايعة قال التونسي : والأشبه ما تقدم ; لأنه غرر في الثمن ; لأن العادة الحط في الثمن لمكان الحمالة ، فإن قبل بأن الحميل قد يموت عديما ، قيل : كما يموت الغريم عديما ، فهو أمر لا يتحفظ منه وقد أجيز رهن الغرر كالآبق قيل : ينبغي على هذا منعه في عقد البيع بل بعده ولم يجزه في المدونة في عقد البيع فيحمل على أنه بعده ، قيل : الرهن قد يموت فيبقى البيع بلا رهن مع أنه حط من الثمن لأجله ، قيل : هذا أمر حدث لم يدخل عليه وهو أخف من الذي دخل عليه رهن الغرر في العقد ، قال اللخمي : والاستحسان ، قول الغير في الكتاب ; لأن الأقل هو الذي أتلفه الحميل بحمالته ، وهذا إذا كان المشتري والحميل يجهلان فساد ذلك ، فإن علما أو المشتري لم يلزمه شيء ; لأنه لم يغره ، وإن علم الحميل وحده لزمه ; لأنه غره ، وإذا فسد البيع في هذه الصورة وفسخ فوجد البائع فقيرا لم يطالب الحميل ; لأنه إنما التزم المطالبة إن استحقت ، ولم تستحق ، وإن كانت الكفالة بالثمن ففسخ البيع للفساد فعلى الكفيل الأقل من القيمة أو الثمن ; لأن الثمن هو الذي تحمل به ، وإن زاد لاحظنا الإتلاف ولو كان المبيع مما يرجع فيه بالمثل عند الفساد ، والحمالة بالثمن ، وهو غير ( كذا ) لجرت على الخلاف : هل تسقط الحمالة أو تلزم [ ص: 216 ] على قول الغير ؟ لأن المثل لم يتحمل به فيسقط على قول مالك ، وعلى قول الغير عليه الأقل من المثل أو الثمن ، وإن كان الثمن مؤجلا لم يغرم بحل الأجل ، ومتى كانت الحمالة فاسدة لأجل أنها بجعل وهو منفعة للغريم كالحمالة لحال يؤخره أو بما لم يحل يأخذه إذا حل الأجل فيختلف فيها ، فإن كانت المنفعة للحميل رد الجعل قولا واحدا ، أو يختلف الجواب في ثبوت الحمالة وصحة البيع ، فتارة يسقط ويثبت البيع ، أو يثبتان ، أو يختلف في ذلك ثلاثة أقسام ، فإن كان الجعل من البائع سقطت الحمالة ; لأنه إنما التزم بعوض وقد فات ، والبيع صحيح لعدم دخول المشتري في ذلك ، أو من المشتري والبائع جاز البيع ولزمت الحمالة ; لأنه غره حتى أخرج سلعته ، ويختلف إذا علم البائع فعن ابن القاسم إذا علم صاحب الحق سقطت الحمالة ويخير في سلعته بين الإجارة بغير حميل وردها ، وقال محمد : الحمالة لازمة إذا لم يكن لصاحب الحق في ذلك سبب ، ويختلف على هذا إذا باع سلعة من رجل على أن يزن عنه فلان الثمن بجعل جعله له المشتري يخرج على الخلاف المتقدم ، وإذا أعطاك حميلا بالمؤجل أجلا جاز أو لتعجله ، فإن كان عينا أو عرضا من قرض جاز لصحة تعجيله وإن كره القابض ، أو من بيع وقصد منفعتك جاز ، وإسقاط الضمان عن نفسه امتنع ; لأنه ضمان بجعل ، وإن حل بإعطائك على أن يؤخره وهو موسر بجميع الحق جاز ، أو معسر وهو موسر عند الأجل أو دونه جاز ، فإن كان بيسر قبله منعه ابن القاسم وأجازه أشهب ، أو موسرا بالبعض وأعطاك حميلا بذلك القدر ليؤجره به جاز ، أو ما هو به معسر ويعطيك الآن ما هو به موسر جاز ، فإن كان يؤجره بالجميع امتنع ، لأنك لم ترتبه بما هو به معسر إلا لمكان تأخيره بما هو به موسر فهو سلف جر نفعا ، وقبل الأجل ليؤخره بعد الأجل يمنع الحمالة ، لأنك لم توثقه قبله إلا لسلفه وهو التأخير بعد الأجل ، وتسقط الحمالة ، واختلف إذا دخل في الأجل هل يلزم أم لا قال : ولا أرى أن يلزم [ ص: 217 ] إذا لم تتغير ذمة الغريم عن الحال التي كانت عليه عند محل الأجل ، فإن تغيرت بنقص فعلى الحميل ما دخل على الطالب من النقص لما كان التأخير ، وإن شرط أنه لا يكون حميلا إن وقع فلس أو غيبة في الأجل الأول ، وإنما يكون حميلا في الأجل الثاني ، جرى على ما تقدم ، إذا تحمل بعد الأجل ليؤخره هل هو موسر أو معسر بالكل أو البعض ، والرهن يجري في الصحة وعدمها على ما تقدم في الحميل إذا كان لغير الغريم كالمستعير ليرهن أو ملكا له أعطاه بعد الأجل ليؤخره به جاز ; لأنه موسر به .

الرابعة ، في الكتاب : يمتنع بمبيع معين كان حاضرا أو غائبا على صفة قريب الغيبة أو بعيدها ، كما يمتنع ضمان البائع لمثله إن هلك ، وصرح الأئمة بأن ضمان المعينات لا تصح كالودائع والعواري ومال القراض ومال الشركة والعين المستأجرة ، قال ( ح ) : بخلاف المغصوب والمبيع بيعا فاسدا ، والمقبوض على السوم ، والدابة المستأجرة بغير عينها ; لأن هذه المستثنيات مضمونة على الأصيل فضمنها الكفيل ونحن نقول القبض للسوم لا يوجب الضمان ، وساعد على الباقي في أنها مضمونة على الأصيل ، وقال الشافعية : لا يصح كل ما هو أمانة أن يضمن بخلاف المغصوب والمبيع قبل القبض ، والكل متفقون على أن الكفيل لا يصح ضمانه حيث لا يضمن الأصيل ; لأنه فرعه .

التالي السابق


الخدمات العلمية