صفحة جزء
الثالثة ، في الكتاب : إذا أخذت كفيلا بعد كفيل فلك في عدم غريمك أيهما شئت بجميع الحق بخلف كفيلين في صفقة ، إلا أن يشترط حمالة بعضها لبعض ، وليس أخذ الحميل الثاني إبراء للحميل الأول ، بل كل واحد حميل بالجميع ، قال التونسي : إذا كان أحدهما حميلا بالوجه فمات لم تسقط الحمالة عند ابن القاسم بموته ، وسقطت عند عبد الملك ; لأنه إنما تكلف المجيء به إذا كان حيا ، وعند ابن القاسم يلزم ورثته الإتيان به ، ولعله يريد إذا حل أجل الدين وإن مات حميل الحميل ثم تحمل بالمال فالحمالة عليه ثانية ، ولم يقل هاهنا يؤخذ من تركته المال لرب الدين أو يوقف قدر ذلك ; لأن الحميل هاهنا بالمال وهو الميت إنما تحمل [ ص: 236 ] بالحميل بالوجه ، والحميل بالوجه لم تلزمه غرامة ولا طلب .

قال ابن يونس : قال ابن القاسم : إذا تحمل ثلاثة بمال حيهم بميتهم ومليهم بعدمهم ، وأخذ من أحدهم حميلا بما عليه ، ولم يشترط ذلك على الحميل ، فقام على هذا الحميل في عدم الذي عنده تحمل ، وأراد إغرامه جميع المال فقال : أنا أغرم ثلث المال الذي على صاحبي في نفسه ، قال : يلزم جميع الحق ; لأنه قد لزمه ما لزم من تحمل عنه ، يريد وقد علم الحميل ما على الحملاء من الشروط ، ولو تحمل هذا الحميل عنهم بجميع الحق فوداه فله أن يأخذ بالحق كله أحدهم كما كان للطالب ، وكما لو تحمل هؤلاء بما على أحدهم فللغريم اتباعه بالحق كله ، كما له أن يتبع أحد الغرماء ، وقد تقدمت مباحث من هذه المسألة في الركن الرابع في الشيء المضمون .

الرابعة ، في الكتاب : اشترى ثلاثة وتحمل بعضهم عن بعض بالثمن على أن يأخذ البائع أيهم شاء لحقه ، فمات أحدهم وادعى الوارث أن موروثه دفع جميع الثمن ، وشهد شاهد حلف مع شاهده وبرئ وليه ، ويرجع على الشريكين بحصتهما ، فإن نكل لم يحلف الشريكان لأنها يغرمان ، إلا أن يقولا نحن أمرناه بالدفع عنا وعنه ، ودفعنا ذلك إليه وإنما هو حق علينا ، فالشاهد لنا فيحلفان ، ويبرآن ، قال صاحب النكت : معنى قوله لا يحلف الشريكان إذا ادعيا أن الميت دفع الثمن من ماله ويغرم الوارث ما ينوبه لنكوله بعد رد اليمين ، على البائع له أنه ما قبض من وليه شيئا ، وهذا إذا كان الميت مليا بما ينوب الوارث اليوم ، فإن كان عديما اليوم كان لهذين أن يحلفا ، فإن دعواهما أن الميت دفع الجميع من ماله ليبرآ من حمالة الثلث الذي الميت به عديم ، فإن حلفا غرما الثلثين للورثة ، وغرم الورثة للبائع ثلث الحق مما قبضوا من الشريكين لنكول الورثة ، وإن ادعيا أن الثمن من عندهما حلفا ، لقد دفع الميت ذلك وبرآ ، ورجع البائع على الورثة بما ينوبهم لنكولهم بعد أن يحلف البائع أنه ما قبض من وليهم شيئا ، وللشريكين أن يرجعا عليهما فيقولا لهما نحن دفعنا جميع الثمن ، فإما أن تحلفوا على علمكم أنا ما دفعنا إليه شيئا وتبرؤا ، وإن نكلتم حلفنا لقد دفعنا الجميع ، [ ص: 237 ] وغرمتم ثلث جميع الثمن ، وقوله لا يمين على الشريكين إن ادعيا أن الميت دفع الثمن من ماله ، يريد ولا يغرمان للورثة شيئا من أجل قولهم إن الميت دفع عن الثلثين ; لأن الشريكين يقولان : الميت لم يشهد حين دفع ، وقولهم لم يدفع بحضرتنا ، وإنما بلغنا ذلك عنه فلا يلزمنا للورثة بإقرارنا أنه دفع ، قال بعض الأندلسيين : وفيها نظر وينبغي أن حلف الشريكان أنهما دفعا للميت ما لزمهما ، وأنهما أمراه بالدفع أن يتبع ذمة الميت بحصته بعد أن يحلف أنه ما دفع له شيئا ، وإن قال الشريكان دفعنا إليه الجميع ، وأمرناه بالدفع عنه وعنا وحلفنا على ذلك ، لاتبعا ذمة الميت بحصته إذا لم يحلف ورثته ، وعلى الشريكين إذا حلفا أن يزيدا في حلفهما ، ولقد دفعنا ما أمرناه بدفعه ، قال صاحب المقدمات : في هذه المسألة إشكال ، وهو الورثة إذا نكلوا عن اليمين مع شاهدهم ، فالميت إما أن يكون مليا أو معدما ، فإن كان الميت مليا وصدق الشريكان الورثة فيما ادعوا من أن الميت دفع جميع الحق من ماله للبائع عن نفسه وعنهما ليرجع عليهما ويرجع بالثمن على البائع ، فيحلف على تكذيب ما شهد به الشاهد ، ويرجع بجميع حقه فيأخذ ثلثيه من الشريكين ، وثلثيه من مال الميت ، ولا يرجع الورثة على الشريكين بما يقربهما من المال الذي أقروا أن موروثهم أداه على ما شهد به الشاهد ، وإن كانا قد صدقاه في شهادته بذلك لتفريط الميت بترك الإشهاد فالمصيبة منه ، قال ابن أبي زيد : إلا أن يكون الدفع بحصتهما فيكون لهما الرجوع ، وفيه قولان لابن القاسم وتعليله ، في الكتاب : لا يحلف الشريكان ، لأنهما يغرمان ، يوهم أنهما إن حلفا غرما للورثة ، وإن لم يحلفا غرما للبائع ، ولو كان كذلك لكان من حصتهما أن يحلفا إن شاء إسقاط طلب البائع عنهما لما يرجوان من مسامحة الورثة ولا يصح ذلك ; لأن الورثة لا يرجعون عليهما بما ينوبهما مما أدى الميت عنهما من ماله وإن صدقاه على الدفع ، إلا أن يقرا أنه كان بحضرتهما على أحد القولين لابن القاسم ، وإنما كان يجب أن يقول لا يحلفان ، [ ص: 238 ] ويغرمان للبائع ، فإن نكل البائع في هذا الوجه عن اليمين بعد نكول الورثة سقط حقه ، ورجع الورثة على الشريكين بما ينوبها من الحق ، وأما إن قالا دفع جميع ذلك من أموالنا بوكالتنا ، فقال ابن أبي زيد : يحلف الشريكان بعد دفع الميت ذلك ويبرآن ، ورجع البائع على الورثة بما ينوبهم لنكولهم بعد يمينه أنه ما قبض من وليهم ، وللشريكين تحليف الورثة إن كانوا كبارا ما يعلمون أنهم دفعوا من أموالهما إلى وليهم شيئا ، فإن نكلوا حلفا لقد دفعا جميع الحق إليه ورجعا عليهم بالثلث الذي ينوبهم منه ، وقال أبو إسحاق التونسي : يأخذ البائع من جميع ماله بعد حلفه ، ويحلف الورثة للشريكين ما يعلمون أنهما دفعا إلى وليهم شيئا ، وإن نكلوا حلف الشريكان لقد دفعنا ذلك إليه ورجعا عليهم في التركة بما ينوب الميت من ذلك ، ولا يكون للشريكين أن يحلفا لقد دفع الميت ذلك من أموالهما ويبرآن ; لأن ما في يد الميت على ملكه حتى يثبت الدفع ، وقال بعض الأندلسيين : يحلف الشريكان لقد دفع الميت ذلك من أموالهما ويبرآن ويرجعان على الورثة بما ينوبهما إذا لم يحلفوا ، فهذه ثلاثة أقوال في هذا الوجه ، والذي يوجبه النظر إذا لم يكن للشريكين بينة على دعواهما أن يحلف الورثة ما علموا ذلك ، فإن حلفوا لا يمكن الشريكان من اليمين ، وحلف البائع لنكول الورثة ، ورجع عليهما وعلى الورثة بحقه ، وإن نكلوا عن اليمين حلف الشريكان لقد دفعنا ذلك إليه ، ولقد دفع ذلك هو للبائع ويبرآن من نصيبهما ، ورجعا على الورثة بما ينوبهما ، وأما إن قالا دفعنا للبائع من ماله وأموالنا ، ففي قول ابن أبي زيد يحلف الشريكان ويبرآن ، ويحلف البائع ويرجع على الورثة بما ينوبه من ذلك ، وعلى قول التونسي لا يمكن الشريكان من اليمين ، ويحلف البائع ويرجع على جميعهم بحمالته ، والذي يوجبه النظر أن يحلف الورثة أنهم ما يعلمون أنهما دفعا إليه شيئا ، فإن حلفا على ذلك لم يمكن الشريكان من اليمين ، وحلف البائع ورجع على جميعهم ، وإن نكلوا حلف الشريكان لقد دفعا ذلك للميت وحلفا مع الشاهد لقد دفع ذلك الميت إلى البائع ويبرآن من قصتهما ، وحلف البائع ما دفع إليه شيئا ، ورجع على الورثة بما ينوبهم وإن كان [ ص: 239 ] الميت معدما فلا يخلو أيضا من الوجوه الثلاثة المذكورة ، الوجه الأول أن يصدق الشريكان الورثة أن الميت دفع جميع الحق من ماله عن نفسه وعنهما ليرجع عليهما بما ينوبهما ، قال ابن أبي زيد : للشريكين أن يحلفا مع الشاهد ليبرآ من حمالة الثلث الذي الميت به معدم ، فإن حلفا غرما للورثة الثلثين ورجع البائع عليهم بالثلث ، إذا غذا حلف أنه لم يقبض من وليهم شيئا ، وقال التونسي : إذا حلف الشريكان مع الشاهد ليبرآ من حمالة الثلث الذي الميت به معدم لا يغرمان الثلثين للورثة ، وإنما يغرمان ذلك للبائع بعد يمينه ، وهو الصحيح على ما تقدم أنهما لا يلزمهم للورثة ما دفع للميت عنهما من ماله لتفريطه بعدم الإشهاد ، والوجه الثالث إن كان الميت مليا ويستوي ملاؤه وعدمه إلا في اتباع ذمته إذا طرأ له مال .

الخامسة قال صاحب البيان : قال ابن القاسم : إذا اشتريت وغلامك سلعة وتحمل بعضكما ببعض ، فبعت العبد قبل الأجل ، ليس عليك شيء حتى يحل الأجل ، ولا يلزمك إخلاف حميل مكان العبد ، ويتبع البائع العبد حيث كان ، وإن رضي المشتري بالعبد معيبا بذلك ، وإلا رده إلا أن يخرجه من العيب بالقضاء عنه لدخول الحميل على ذلك ; لأن شأن العبد أن يباع ، قال القاضي : وفي جواز هذا البيع نظر ، لأنك بالبيع منتزع لماله ، والعبد المأذون له في التجارة إذا كان عليه دين لا ينتزع ماله ، فمعنى المسألة عندي أن العبد محجور عليه ; لأن ما لزم المحجور من الدين لا يسقطه السيد عن ذمة المحجور ، نحو هذا الدين الذي علم به فأمضاه ، لا يكون إلا فيما وهب له ، أو تصدق به عنه .

السادسة قال : قال ابن القاسم : اشتريتها وتحمل بعضكما ببعض ، وأيكما شاء أخذ بالثمن فتحمل عنكما ثالث بذلك الحق ، فأخذ الحق منه فله أخذكما بجميع الحق ; لأنه لو تحمل للغريم بما على أحدكما فإن للغريم أن يتبعه بالحق كله ; لأنه مع أحدكما لذلك يريد إذا تحمل بأحدكما وعرف ما عليه من الشرط قال ابن [ ص: 240 ] القاسم : فلو سأل البائع أحدكما حميلا بما عليه ففعل ولم يشترط على الحميل شيئا فعليه الحق كله إن أراد أخذ المحمول عنه بالحق تحمل بأحد الغريبين ، وهو محمول على عدم العلم حتى يثبت العلم ويحلف على ذلك ; لأن الأصل عدم الإطلاع .

السابعة قال صاحب النوادر قال أصبغ : في ثلاثة تحمل بعضهم عن بعض فيما عليهم ، فأخذها ربها من أحدهم وادعى كل واحد ( كذا ) أنه يصدق المقتضي في تعيينه مع يمينه ، فإن قال : لا أدري حلف أنه لا يدريه ; لأنه أمر لا يعلم إلا من قبله ثم يحلف أنه الدافع ، فإن حلفوا أو نكلوا لم يرجع أحد على الآخر ، وإلا رجع الحالف على الناكل بما يقتضيه يمينه ، ولو قبض البعض من أحدهم وادعاهم جميعهم صدق في الدفع كالكل ، فإن قال : لا أدري ، حلف الحملاء ، ولا تراجع بينهم لعدم تعين الدافع ، ولو قال بعد ذلك أدري الدافع إلي ، لم يعتبر قوله ، لتقدم ما يكذبه منه ، ونحو قول أصبغ هذا لسحنون ، وقال ابن القاسم : إذا قال القاضي : لم يبق لي عندهما شيء ، وادعى كل واحد منهما أنه الدافع القابض كشاهد يحلف معه الدافع ، إذا لم يبق عليه تهمة ، وقال محمد غن قال نسقا لم يبق لي عندهما شيء قد أخذته من فلان جاز قوله بغير يمين لمن أقر له ، وإن لم يكن عدلا لو قال : تركت حقي كله ، وأما إذا ثبت سقوطه عنهم ثم قال : أخذته من فلان ، وهو كشاهد ليخلص قوله من الإقرار على نفسه لعدم الحق للشاهد .

الثامنة قال : قال ابن القاسم : إذا قلت : أيها شئت أخذت بحقي ، فتحت ( كذا ) أحدهما ، فله أن يقول : احبسوا معي صاحبي لاستوائهما في الحالة .

التالي السابق


الخدمات العلمية