صفحة جزء
الثاني ، في الكتاب : إذا رضيت بالدين الذي على المحال عليه برئت ذمة غريمك ، ولا يرجع عليه في غيبة المحال عليه أو عدمه ، ولو غرك من عدم تعلمه أو فلس ، فلك طلب المحيل ، ولو لم يغرك لزمتك الحوالة ، ووافقنا ( ش ) وابن حنبل : في البراءة أبدا ، وقال ( ح ) : يرجع في حالتين إذا مات المحال عليه مفلسا ، وإذا جحده وحلف عند الحاكم وليس له بينة ، وللمسألة أصلان أحدهما أن الحوالة تحويل الحق وليس بتبديل ، ولهذا جازت الحوالة بالمسلم فيه وعلى أصلهم [ ص: 250 ] يمتنع ; لأن الاستبدال بالمسلم فيه ممنوع وعند المخالف هي تبديل دين بدين وذمة بذمة وهو غير صحيح ; لأن تبديل الدين بالدين لا يجوز ; ولأن اسم الحوالة من التحويل لا من التبديل ، والأصل الثاني أن الحوالة معاوضة عندنا ، ولهذا أسقطنا المطالبة من الجانبين وقد اتفقنا على تعذر المطالبة والتخفيف بالإبراء ، فدل على انقضاء [ . . . ] وعند المخالفة هي معاوضة غير مقبوضة .

لنا : قوله - صلى الله عليه وسلم - المتقدم وهو يدل من وجهين : أحدهما أنه أمر باتباع المليء ولم يخص حالة دون حالة ، وثانيهما أنه - صلى الله عليه وسلم - اعتبر وصف الملاء مع جواز الحوالة على المعسر إجماعا ، فيكون معتبرا في أن لا يدخل على المحال ضرر ، لا في جوازها ، وإنما يحصل له الضرر بعدم الملاية إذا تحول الحق مطلقا ، وأما القياس على ما إذا لم تتغير حاله أو بالقياس على ما إذا فلس في حال حياته ، أو تقول عند تعلق بالذمة فلا ينفسخ بموت صاحبه كموت المشتري مجلسا بل أولى ; لأن دين الثمن ثبت لمعاوضة تنفسخ بهلاك المعوض قبل القبض ، ودين الحوالة لا ينفسخ بهلاك مقابله ، ويؤكده أن دين الحوالة لا يشترط فيه القبض ; لأن القبض والدينية يتضادان ، ولأن فوات الدين بالإفلاس لو وجب الرجوع لكان تعذر استيفائه في وقت استحقاق الاستيفاء ، فثبت حق الفسخ كبدل الصلح ، ولأن البائع له جنس المبيع بالثمن ، فلو أحاله المشتري لزمه تسليم البيع ، وكذلك الضامن من لا يرجع على المضمون حتى يزن ، فلو أحال الضامن المضمون له على غريمه كان له الرجوع ، فصارت حوالة كالوزن ، والوارث لا يتصرف في التركة ، وإذا أحال صاحب الدين أجاز له التصرف أو تعذر استيفاء الحق من المحال عليه فلا يرجع كما إذا هب المحال عليه .

واحتجوا بأن عثمان رضي الله عنه قضى في رجل أحيل على ذمة فمات المحال [ ص: 251 ] عليه مفلسا أن له الرجوع على المحيل ، وقال : كانوا على مسلم ( كذا ) ، وبالقياس على ما إذا صالح من الدين على عبد فمات العبد قبل القبض ، ولأنه إنما احتال بشرط السلامة ، وهو مقصود العقلاء في العادة ، ولأن إفلاس المشتري بالثمن يوجب الرجوع ، فكذلك إفلاس المحال عليه ; لأنه إنما يجري مجرى الغبن أو الاستحقاق ، فأينما كان فإنه يوجب الرجوع ، ولأن في الحوالة معنى المعاوضة ، لأنها تقبل الفسخ كالإقالة في البيع ، ولأن مقصود الحوالة توثيق الحق ، فإذا أغرم عاد إلى حقه كما لو قبض دينه فوجد زيوفا ، ولقوله صلى الله عليه وسلم : ( ومن أحال على مليء ) . دل على اعتبار الملاء في ترتيب الحوالة ; لأن ترتيب الحكم على الوصف يدل على عليته فتكون الملاءة علة ثبوت الحوالة ، وعدم العلة علة لعدم المعلول ، فتعدم الحوالة وتعود لحقه ، فالحديث منقلب عليكم .

والجواب عن الأول : منع الصحة ، سلمناه لكنه معارض بما روي عن علي رضي الله عنه أنه سأله رجل له حق ، فأحاله ، ثم رجع إليه وزعم أن المحال عليه قد أفلس ، فقال له علي رضي الله عنه : اخترت علينا غيرنا ، ومنعه الحق .

عن الثاني أن المصالح عليه عين ، والعقود تبطل عند تعذر المعينات ، والحوالة والعقد لا يبطل لتعذر ما في الذمة كالبيع .

عن الثالث بل دخل على توقع الفلس والموت لا يكون أتم غرضا من المبايع ، ولا يبطل عقده الفلس والموت .

عن الرابع أن البائع غير شبه ( كذا ) في يده ، فاستصحب ملكه عليه ، إنما عاوض على غير معين ، فاتبعت الذمة عند التعذر ، كالبائع إذا سلم المبيع ثم أفلس المشتري أو مات بعد هلاك العين المبيعة .

عن الخامس أن ينقض بالفلس في الحياة .

[ ص: 252 ] عن السادس أن مقصود الحوالة تحول الحق ، وما تحول ، الأصل : عدم رجوعه ، وأما إذا قبضه زيوفا تبين أن المحول لم ينقبض فرجع للذمة كالمسلم إذا قبضه معينا ، فإنه يرجع لذمة المسلم إليه .

عن السابع أنا بينا أن اشتراط الملاءة لنفي الضرر ، ولا مشروعية الحوالة ، ( كذا ) بدليل جوازها على المعسر إجماعا .

تفريع : في النكت : إنما فرق بين الحوالة لا ترد إلا إذا غر ، وبين العيب في البيع يرد به غر أم لا ; لأن البيع باب مكايسة فغلظ على البيع ، والحوالة معروف فسهل على المحيل به ، قال التونسي : إذا مات المحال عليه ، فقال المحال : احتاض ( كذا ) على غير أصل ، وقال المحيل : بل على دين ، صدق المحيل ; لأن دعواه أصل الحوالة وظاهرها ، قال : وانظر على هذا لو أحاله ثم أنكر المحال عليه أن يكون عليه دين هل ذلك عيب في الحوالة لقول المحال : لو علمت أنه ليس له بينة ، لما قبلت الحوالة ، أو يقال له أنت فرطت حين أحالك عليه وهو حاضر أن يشهد عليه وهو الأظهر ، فلو كان غائبا لكان للمحال حجة ، فإن مات قبل أن ينكر ينبغي أن يكون غنيا ، وجعل في الكتاب الغرور بالفلس عيبا يوجب الرد ، ولو اطلع البائع على فلس غره به المشتري لم يكن له الرد لتعذر كشف ذم الناس وبيع الدين نادر ، فإنه إذا لم يجز بيع الدين إلا بعد العلم بعدم الغريم وملائه كان عيبا في الحوالة إذا غره ، قال : فانظر على هذا لو لم يغره فوجده خرب الذمة لم تكن له حجة كشراء الدين ، فإنه لا يجوز إلا بعد معرفة ملائه من عدمه ، وفي الموازية : إن أحلت على من ليس لك عليه شيء ، ثم دفعت للمحيل الحق فأفلس ومات فرجع الغريم عليك ، وقال : كانت حمالة ، وقلت : حوالة ، صدق ورجع عليك ، وترجع أنت على الآخذ منك ، ولو أحلت على المودع بالوديعة وضمنها المودع للغريم فوجدها قد ضاعت صدق في الضياع وضمن الطالب لأجل ضمانه لمن [ . . . ] إلا أن يكون [ . . . ] ويرجع المودع عليك ; [ ص: 253 ] لأنه أدى في حقك ما يلزمك ، قال اللخمي : [ . . . ] مالك [ . . . ] الحوالة مع الجهل بذمة المحال عليه ، قال : وله الرجوع مع أنه لم يغره ; لأنه [ . . . . . ] في الذمة ولو علم ذلك لم يحتل ، وإذا فلس المحال عليه بعد الحوالة أو مات أو غاب لم يرجع ، إلا أن يشترط الرجوع قاله المغيرة ، وإن قال : اقبض حقك [ . . . . . ] فإن لم يقبض رجع ; لأنه لم [ . . . . . ] وإنما أراد كفايته المرومة ، ولو قلت لشريكك في المكاتب : خذ هذا النجم أفديك عنه وأنا آخذ النجم الآخر ، ثم فلس ( كذا ) الرد عليه الدين فترجع على صاحبك ; لأنه [ . . . . . ] لا حوالة بل وكالة ابن القاسم ، ولو قلت : واحتال على النجم الآخر لم ترجع .

تنبيه : الحوالة هي تحويل الحق من ذمة إلى ذمته ، وقد تقدم في كتاب الحمالة حقيقة الذمة ما هي ، هل هي وجودية أم عدمية ، وهل هي حكم شرعي أو وصف حقيقي ؟ وتفصيل أحوالها هنالك .

الثالث ، في الكتاب : إذا لم يقبض مما أحالك به حتى فلس المحتل لا يدخل غرماؤه معك في ذلك الدين ; لأنه كبيع نفذ .

الرابع ، في الكتاب : إذا أحالك على من ليس له قبله دين فليست حوالة بل حمالة لها حكم الحمالة ، فإن شرط عليك المحيل [ . . . . . ] فرضيت لزمك أن [ . . . . . ] بعدم الدين ، وإلا فلك الرجوع ; لأنه غرور ، وعن مالك : حرق صحيفتك واتبعني بما فيها من غير حوالة بدين له عليه بل حمالة ، فاتبعه حتى فلس أو مات ولا وفاء له فلك الرجوع على الأول ، قال ابن يونس : لأن المتحمل إنما هو رجل وعد بالسلف ، فليس مخالفا لما تقدم ، وتأول بعضهم حرق صحيفتك [ . . . . . ] أنه حميل ، ولا رجوع له على المحيل ، ومعناه ليس يحتمل إلا أنه كان اشترط أن يبتدأ بطلب المحال عليه فمات معدما رجع على الذي عليه الدين ، وعن مالك : إذا قال : لك علي لمن ليس له عنده إلا بعض الحق تمت الحوالة في قدره ، والباقي في حمالة يتبع أيهما شاء به ، قال محمد : إذا كان له عليه خمسون ، أو أحالك عليه بمائة وعليه [ ص: 254 ] لغريمك مائة ، وترك مائة والحميل غائب ، فالميت يحل ما عليه دين ، ومن الحمالة ، فتخلص غرماؤه بالمائة [ . . . . . ] خمسين نفسها على الحوالة ، والآخر من الحمالة ، فنصيب الحمالة يعين دينا للميت على الحميل الغائب ولكانت عليه بهذه الخمسين التي هي الحمالة ، وهي خمسة وعشرون ، [ . . . . . ] بها أيضا حميل ، وبقي لك على الميت خمسة وعشرون حوالة لا ترجع بها على أحد ، فإذا قدم الغائب أخذت منه الخمسين للحمالة خذها لنفسك والميت ، فترد على الميت منها الخمسة والعشرين التي كنت أخذتها في المحاصة بسبب الحمالة ، والذي كان هذا الميت تضرب فيه أنت بما بقي لك على الميت من الحوالة وهي خمسة وعشرون ; لأنه لم يبق لك من الحمالة شيء ، ويضرب غرماء الميت بما بقي لهم وهو خمسون ، فتأخذ أنت ثلثها وهم ثلثيها ، وإن لم يوجد في مال القادم إلا خمسة وعشرون لزمك نصفها وهو اثنا عشر ونصف إلى الميت فتخلص فيها أنت غرماءك بما بقي لك من الحوالة ، وقد بقي لك من الحوالة خمس وعشرون صار كأنه لم يجب لك عن الميت بالحمالة إلا خمسة وعشرون ، وفيها [ . . . ] أن يحاص فكان بقي لك اثنا عشر ونصف ، إذا صار لكل غريم نصف حقه ، فيعطى مفرد اثنى عشر ونصفا لأنك أخذت خمسة وعشرين [ . . . ] غرماء الميت من ماله فتضرب أنت بما بقي لك من الحوالة خمسة وعشرين ، ومن الحمالة اثني عشر ونصفا فذلك خمسة وثلاثون ونصف فيحاص به [ . . . ] اثني عشر ونصفا [ . . . ] الحمالة ولو لم يوجد له إلا عشرون ، أو كانت هي التي أصابتك في الحصاص ، قال اللخمي : إذا أحالك على غير دين ، وذلك هبة أو تحمل أو سلف ، ثم فلس المحال أو مات ، لا يختلف أنه يبدأ بالمحال عليه ، وفي الهبة قولان قيل : هي بالحوالة كالمقبوضة فيضرب مع الغرماء ، وما عجز لم يرجع وقيل : ليست مقبوضة فلا يضرب ، وهذا مع علم المحال أنه أحيل على غير دين ، فإن لم يعلم رجع الآن ; لأنه عيب في الحوالة ، ولا يطالبه الآن للاختلاف في سقوطها عند الفلس إلا أن [ ص: 255 ] يعلم أن الواهب وهو المحال عليه مأمون الذمة لا يخشى فلسه يرفع إلى حاكم فيحكم بالقول بوجوبه عند الفلس فيسقط العيب ، وإن كان ذلك على وجه السلف فلم يجد عنده شيئا رجع قولا واحدا ، وأما إذا قال : خرق صحيفتك واطلبني ، فهو وعد بالسلف ، فلا يثبت له حتى يعطي ، فإن كان الحميل موسرا فلمن عليه الدين أن يرجع عليه ولا يدخل معه غرماء المحال عليه ; لأن صاحبهم لم يصح منه سلف ، وإن كان الأول معسرا وأحب هذا أن يضرب مع غرماء المحال عليه فله ذلك على القول فيمن أحال على هبة ; لأن هذا وهب منافع ، وأحيل عليه فيها فإن أضرب معهم ثم أيسر غريمه ببعض حقه رجعا جميعا ، فيرجع غريمه بما بقي له ، ويضرب غرماء المحال عليه بما قضي عنه من مال غريمه .

التالي السابق


الخدمات العلمية