صفحة جزء
[ ص: 259 ] الفرض الخامس : مسح جميع الرأس :

في الكتاب : يمسح الرجل ، والمرأة على الرأس كله ، ودلاليهما ، ولا يحل المعقوص خلافا ش في اقتصاره على أقل ما يسمى مسحا ، ولأبي ح في اقتصاره على الناصية .

وحده من منبت الشعر المعتاد إلى القفا ، وقال ابن شعبان : إلى منتهى منبت الشعر محتجا بما في أبي داود أنه عليه السلام مسح رأسه حتى أخرج يديه من تحت أذنيه . وهو ضعيف لا حجة فيه ، والأحاديث الثابتة أنه عليه السلام بلغ إلى القفا .

ومن الأذنين إلى الأذنين ، وجوز ابن مسلمة ترك الثلث ، والقاضي أبو الفرج ترك الثلثين ، وأوجب أشهب الناصية ، وعنه أيضا بعض غير محدود .

حجة المشهور الكتاب والسنة والقياس :

أما الكتاب ، فقوله تعالى : ( وامسحوا برءوسكم ) وجه التمسك به من وجوه : أحدها أن هذه الصيغة تؤكد بما يقتضي العموم ، فوجب القول بالعموم لقولهم امسح برأسك كله ، والتأكيد تقوية لما كان ثابتا في الأصل .

وثانيها : أنها صيغة يدخلها الاستثناء فيقال : امسح برأسك إلا نصفه ، أو إلا ثلثه ، والاستثناء عبارة عما لولاه لاندرج المستثنى تحت الحكم ، وما من جزء إلا يصح استثناؤه من هذه الصيغة ، فوجب اندراج جملة الأجزاء تحت وجوب المسح ، وهو المطلوب .

وثالثها : أن الله تعالى أفرده بذكره ، ولو كان المراد أقل جزء من الرأس لاكتفى بذكر الوجه لأنه لا بد معه من ملامسة جزء من الرأس .

وأما السنة : فما روي عنه عليه السلام أنه مسح بناصيته ، وعمامته ، ولو كان الاقتصار على مسح بعض الرأس جائزا لما جمع بينهما لحصول المقصود بالناصية .

[ ص: 260 ] وأما القياس فنقول : عضو شرع المسح فيه بالماء ، فوجب أن يعمه حكمه قياسا على الوجه في التيمم ، أو نقول : لو لم يجب الكل لوجب البعض ، ولو وجب البعض لوجب البعض الآخر قياسا عليه ، وهذا قياس يتعذر معه الفارق لعدم تعين المقيس عليه .

وأما قول الشافعية : إن الفعل في الآية متعد فيستغنى عن الباء ، فتكون للتبعيض صونا لكلام الله تعالى عن اللغو .

قلنا : الجواب عنه من وجوه : أحدها لا نسلم أنه مستغن عن الباء ، وتقريره أن فعل المسح يتعدى إلى مفعولين أحدهما : بنفسه ، والثاني : بالباء إجماعا كقولنا : مسحت يدي بالمنديل ، فالمنديل المزيل عن اليد ، وإذا قلنا : مسحت المنديل بيدي ، فاليد المزيلة ، والمنديل المزال عنه ، والرطوبة في الوضوء إنما هي في اليد ، فتزال عنها بالرأس فيكون معنى الآية : فامسحوا أيديكم برءوسكم ، فالمفعول الأول هو المحذوف ، وهو المزال عنه ، والرأس المفعول الثاني المزال به ، فالباء على بابها للتعدية .

الثاني : سلمنا أنها ليست للتعدية ، فلم لا يجوز أن تكون للمصاحبة كقوله : تعالى ( تنبت بالدهن ) بضم التاء يدل على أنه عدي بالهمزة ، فتتعين الباء للمصاحبة لأنه لا يجتمع على الفعل معديان ، وكقولنا : جاء زيد بمائة دينار ، والباء في هذا القول للمصاحبة دون التعدية لأنها لو كانت للتعدية لحسن أن تقوم الهمزة مقامها فيقال : أجاء زيد مائة دينار ، وليس كذلك .

الثالث : سلمنا أنها ليست للمصاحبة ، فلم لا يجوز أن تكون زائدة للتأكيد ، فإن كل حرف يزاد في كلام العرب ، فهو للتأكيد قائم مقام إعادة الجملة مرة أخرى ، والتأكيد أرجح مما ذكرتموه من التبعيض ، فإنه مجمع عليه ، والتبعيض منكر عند أئمة العربية حتى إن ابن جني شنع عليه ، وقال : لا يعرف العرب الباء للتبعيض [ ص: 261 ] فضلا عن كونه مجازا مرجوحا ، وحمل كتاب الله تبارك وتعالى على المجمع عليه أولى من المختلف فيه ، فضلا عن المنكر .

وأما قولهم : تعميم الوجه في التيمم إنما ثبت بالسنة ، وكان مقتضى الباء فيه التبعيض ، فنقول على ما ذكرتموه تكون السنة معارضة للكتاب ، وعلى ما ذكرناه لا تكون معارضة بل مبينة مؤكدة ، وعدم التعارض أولى .

وأما وجه القول بالثلثين ، فلأنه عضو مختلف فيه ، والثلث في حيز القلة ، بدليل إباحته للمريض ، والمرأة المتزوجة مع الحجر عليهما .

ووجه الربع : مسحه عليه السلام بالناصية ، والعمامة ، والناصية نحو الربع .

ووجه الاقتصار على أقل ما يسمى مسحا أن الباء للتبعيض ، وليس البعض أولى من البعض فيقتصر على أقل ما يسمى مسحا ، وقد عرفت ما على هذا الوجه .

فروع أحد عشر :

الأول : حكي في تعاليق المذهب أن رجلا جاء لسحنون ، فقال : توضأت للصبح وصليت به الصبح ، والظهر ، والعصر ، والمغرب ، ثم أحدثت ، وتوضأت ، فصليت العشاء ، ثم تذكرت أني نسيت مسح رأسي من أحد الوضوءين لا أدري أيهما هو ، فقال سحنون : امسح برأسك ، وأعد الصلوات الخمس ، فذهب ، فأعاد الصلوات الخمس ، ونسي مسح رأسه ، فجاء إليه ، فقال : أعدت الصلوات ، ونسيت مسح رأسي ، فقال له : امسح برأسك ، وأعد العشاء وحدها ، ففرق سحنون بين الجوابين مع أن السائل نسي في الحالتين .

ووجه الفقه في المسألة : أنه أمره أولا بإعادة الصلوات كلها لتطرق الشك للجميع ، والذمة معمرة بالصلوات حتى يتحقق المبرئ ، فلما أعادها بوضوء العشاء صارت الصلوات الأربع كل واحدة منها قد صليت بوضوءين : الوضوء الأول [ ص: 262 ] والثاني ، وأما العشاء ، فصليت بوضوئها أولا ، وأعيدت بوضوئها أيضا ، فلم يوجد فيها إلا وضوء واحد ، فجاز أن يكون هو الذي نسي منه مسح الرأس ، فلم تتحقق براءة الذمة منها ، فتجب إعادتها ، وأحد الوضوءين في الصلوات الأول صحيح جزما بأنه ما نسي المسح إلا من أحدهما .

وإذا وقعت بوضوءين : صحيح ، وفاسد صحت بالوضوء الصحيح ، فلا تعاد ، ولا فرق في هذه المسألة بين أن تكون الصلوات الأول كل واحدة بوضوء ، أو كلها بوضوء ، وهذا فرع لا يكاد تختلف العلماء فيه .

الثاني : من نسي مسح رأسه ، وذكره في الصلاة ، وفي لحيته بلل قال مالك رحمة الله عليه في الكتاب : لا يجزئه مسحه بذلك البلل ، ويعيد الصلاة بعد مسح رأسه . قال صاحب الطراز : يحتمل قوله الوجوب ، والندب ، وقال عبد الملك : يجزئه إن لم يجد ماء قريبا ، وكان في البلل فضل بين .

قال المازري : المسألة تتخرج على القولين في الماء المستعمل .

وحجة عبد الملك ما روي عنه عليه السلام أنه لم يستأنف لرأسه ماء .

الثالث : في الجلاب : لا يستحب فيه التكرار ، وهي إحدى خمس مسائل لا يستحب فيها التكرار : هذه ، والوجه ، واليدان في التيمم ، والجبائر ، والخفان ; لأن حكمة المسح التخفيف إذ لولا ذلك لشرعه الله عز وجل غسلا ، فلو كرر لخرج بتكراره عن التخفيف ، فتبطل حكمته .

الرابع : في الجواهر : يجزئ الغسل عن المسح فيه عند ابن شعبان ; لأن الغسل إنما سقط لطفا بالمكلف ، فإذا عدل إليه أجزأه كالصوم في السفر .

وقال غيره : لا يصح ; لأن الله تعالى أوجب عليه المسح ، وحقيقته مباينة للغسل ، ولم يأت به ، وكرهه آخرون لتعارض المآخذ .

الخامس : ما انسدل من الشعر من محل الفرض . قال المازري : فيه قولان كالمنسدل من اللحية نظرا إلى مبادئه فيجب ، أو محاذيه ، فلا يجب .

[ ص: 263 ] قال ابن يونس : روى ابن وهب أن عائشة ، وجويرية زوجتي النبي - صلى الله عليه وسلم - وصفية زوج ابن عمر كن إذا توضأن أدخلن أيديهن تحت الوقاية فيمسحن جميع رءوسهن ، وقال مالك : تمسح المرأة على ما استرخى من دلاليها ، وإن كان شعرها معقوصا مسحت على ضفرها .

وكذلك الطويل الشعر من الرجال إذا ضفره ، وقال في العتبية : يمر بيديه على قفاه ، ثم يعيدهما من تحت شعره إلى مقدم رأسه .

قال ابن حبيب : إذا كان في شعرها خيط ، أو شعر لم يجز مسحها حتى تنزعه إذا لم يصل الماء إلى شعرها بشيء للعنه عليه السلام الواصلة ، والمستوصلة .

السادس : قال في الكتاب : إذا توضأ ، وحلق رأسه ليس عليه إعادة مسحه ، وكذلك قال فيمن قلم أظفاره . قال ابن القاسم : وبلغني عن عبد العزيز بن أبي سلمة أنه قال : هذا من لحن الفقه .

قال صاحب الطراز : لا يعرف في هذه المسألة مخالف إلا ابن جرير الطبري ; لأن الفرض قد سقط أولا ، فزوال الشعر لا يوجبه كما إذا غسل وجهه ، أو تيمم ، ثم قطع أنفه ، ولأن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يحلقون بمنى ، ثم ينزلون لطواف الإفاضة ، ولم ينقل عن أحد منهم إعادة مسح رأسه ، ولأنه لا يعاد الغسل للجنابة ، وهي أولى ; لأن منابت الشعر لم تغسل قبل الحلق ، وهي من البشرة المأمور بغسلها ، وأما كلام عبد العزيز ، وهذا من لحن الفقه ، فكلام محتمل .

قال ابن دريد : اللحن الفطنة ، ومنه قوله عليه السلام : ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض ؛ أي : أفطن لها .

وأصل اللحن : أن تريد الشيء ، فتوري عنه ، واستشهد بقول الفرزدق :

[ ص: 264 ]

وحديث ألذه ، وهو مما يشتهي الناعتون يوزن وزنا .

    منطق صائب وتلحن أحيا
نا وأحلى الحديث ما كان لحنا

.

قال ابن يونس : ذكر أهل اللغة أن اللحن بإسكان الحاء الخطأ ، وبفتحها الصواب ، فمن رواها بالإسكان ، فمعناه أن القول ينقض الوضوء خطأ ، وبالتحريك معناه أن القول بعدم النقض صواب ، وقال القاضي عبد الوهاب : معناه أنه عاب قول مالك ، ووافقه القاضي عياض في التنبيهات ، وقال : لا يلتفت إلى قول من يقول إنه أراد تخطئة غيرنا .

وقال عبد الحق في النكت : يحتمل كلامه التصويب ، والتخطئة ، فلأن اللحن من أسماء الأضداد .

والفرق بين الخفين ، ومسح الرأس : أن الشعر أصل ، والخف فرع ، فإذا زال رجع إلى الأصل ، وفرق صاحب الطراز بأن ماسح الرأس مقصوده الرأس لا الشعر ، فإن كان الرأس من التراوس ، فقد صادف الواجب ، وإن كان الرأس العضو ، فهو المقصود بالمسح ، والشعر تبع بخلاف الخف ، فإنه المقصود ، وكذلك القول في الأظفار هي تبع أيضا .

قال : وقد فرع أصحابنا على القول بأن المراد باللحن الخطأ إذا قطعت بضعة منه بعد الوضوء أنه يغسل موضع القطع ، أو يمسح إن تعذر الغسل ، وهو تخريج فاسد ، فإنه لا يعرف لأحد ، فإنا نعلم أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يجرحون ، ويصلون بجراحهم من غير إعادة ، وفي البخاري في غزوة ذات الرقاع أن رجلا رمي بسهم وهو يصلي ، ونزفه الدم ، فركع ، وسجد ، ومضى في صلاته .

السابع : قال في الكتاب : الأذنان من الرأس ، ويستأنف لهما الماء ، فإن نسي حتى صلى ، فلا إعادة عليه ، ويمسحهما للمستقبل ، وكذلك إن نسي داخلهما .

قال صاحب الطراز : اختلف في معنى قوله هما في الرأس ، قيل : في وجوب المسح ، وقيل : في المسح دون الوجوب ، واعتذر بهذا عن عدم الإعادة ، والقولان للأصحاب .

[ ص: 265 ] وقال الشعبي ، والحسن بن صالح : يغسل باطنهما مع الوجه ، ويمسح ظاهرهما مع الرأس ، وقال الزهري : يغسلان مع الوجه .

حجة الأول : أن ابن عباس ، والمقداد ، والربيع رضي الله عنهم ذكروا وضوءه عليه السلام ، وكلهم مسح أذنيه ظاهرهما ، وباطنهما أخرجه أبو داود ، والترمذي ، وفيهما عنه عليه السلام قال : ( الأذنان من الرأس ) إلا أنه يرويه شهر بن حوشب ، وقد تكلم فيه .

حجة الثاني : قال المازري : إن الأمة مجمعة على أن مسحهما لا يجزئه عن الرأس مع أن أكثر العلماء على أن بعض الرأس يجزئ مسحه .

حجة الثالث : قوله عليه السلام في سجوده : ( سجد وجهي للذي خلقه ، وصوره ، وشق سمعه ، وبصره ) فأضافهما للوجه ، وهذا الحديث لا حجة فيه ; لأن الوجه يراد به هنا الجملة لأنه اللائق بالنسبة إلى الخضوع إلى الله تعالى ، وهذا المجاز جائز ؛ كما قال تبارك وتعالى : ( ويبقى وجه ربك ) أي ذاته وصفاته .

وهو معارض بقوله عليه السلام : فإذا غسل وجهه خرجت الخطايا من وجهه حتى تخرج من أشفار عينيه ، فإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج من أذنيه ) فأضافهما إلى الرأس كما أضاف العينين إلى الوجه .

وأما تجديد الماء ، فقد احتج به بعض الأصحاب على أن مسحهما سنة ، وإلا لمسحا مع الرأس بمائه كالصدغ ، وغيره من أجزاء الرأس ، وهذا قول الشافعي : إنهما سنة ، ويجدد الماء لهما .

وقال أبو حنيفة رحمة الله عليه : لا يجدد ، محتجا بأن كل من وصف وضوء رسول الله لم ينقل التجديد بل الذي في الصحيحين لم يذكر الأذن أصلا لاعتقاد أنهما من الرأس .

[ ص: 266 ] حجتنا أنهما مباينان للرأس حقيقة ، وحكما ؛ أما الحقيقة فبالمشاهدة ، فإنهما غضاريف منفردة عن الرأس بحاجز خال من الشعر ، وأما حكمهما ، فلا خلاف أن مسحهما بعد مسح الرأس ، والمحرم لا يؤمر بحلق شعرهما ، وجنايتهما منفردة بأرشها ، وإذا تحقق التباين وجب تجديد الماء لهما .

وفي الموطأ : كان ابن عمر رضي الله عنهما يجدد لهما الماء ، وهو شديد الاتباع جدا ، ولم ينكره أحد من الصحابة رضي الله عنهم .

فروع مرتبة :

الأول : قال صاحب الطراز : إذا قلنا مسحهما سنة ، فلا يمسحهما بماء الرأس ، قال مالك : فإن فعل أعاد ، وقال محمد بن مسلمة : إن شاء جدد ، وإن شاء لم يجدد ، ويمسح بماء الرأس ، وإن قلنا إن مسحهما واجب ، فتركهما سهوا وصلى ، فلا يختلف في صحة صلاته ، والذي صرف المتأخرين عن الإعادة إجماع المتقدمين على الصحة .

واختلف في التعليل ، فقيل : هو استحسان ، وليس بقياس ، وقال الأبهري : السبب اجتماع خلافين في كونهما من الرأس ، ووجوب مسحهما .

فإن تركهما عمدا اختلف القائلون بالوجوب ، فتعليل الأبهري يقتضي صحة الصلاة ، وقال بعض أصحابنا : يعيد الوضوء ، وحمل قول مالك على السهو استحسان .

الثاني : في كيفية مسحهما . قال صاحب الطراز : قال عيسى بن دينار : يقبض أصابع يده إلا السبابتين يبلهما ، ويمسح بهما أذنيه من داخل وخارج ; لأن ابن عمر كان يفعل ذلك ، رواه مالك في الموطأ ، والأمكن أن يبل إبهاميه ، وسبابتيه فيمسح بإبهاميه ظهورهما ، وبسبابتيه بطونهما ، قال مالك في المختصر : ويدخل أصبعيه : [ ص: 267 ] لأنه عليه السلام كان يدخل أصبعيه في صماخيه لأنه عليه السلام كان يدخل أصبعيه في جحري أذنيه . خرجه أبو داود ، والترمذي .

قال ابن حبيب : وليس عليه أن يتتبع غضونهما اعتبارا بغضون الوجه في التيمم ، والخفين .

الثالث : قال صاحب الطراز : إذا قلنا إن مسحهما سنة ، وهو الصحيح فيفارق الغسل ، والوضوء على ظاهر الكتاب ، فإنه قال في تاركهما في الوضوء : لا إعادة عليه ، وتارك داخلهما في الغسل : لا إعادة عليه فيكون ظاهرهما ، وباطنهما مستويين في الوضوء ، وداخلهما في الجنابة مسنون فقط ، وعلى القول الآخر يكون ظاهرهما في الوضوء واجبا ، وداخلهما سنة فيستوي المسنون منهما في الطهارتين . الثامن : قال في الكتاب : لا يمسح على الحناء . قال صاحب الطراز : إن كان للضرورة جاز من حر ، وشبهه ، أو يكون في باطن الشعر لتغييره وقتل دوابه ، فالأول لا يمنع كالقرطاس على الصدغ ، وكما مسح عليه السلام على ناصيته ، وعمامته ، وإن كانت لغير ضرورة ، - وهي مسألة الكتاب - منع المسح خلافا لابن حنبل ، وجماعة معه ، فإن الماسح عليه ليس ماسحا .

فرعان مرتبان :

الأول : قال صاحب الطراز : إن كانت الحناء ليس على ظاهر الشعر منها شيء لا يمنع ; لأن مسح الباطن لا يجب ، وقد أجاز الشرع التلبيد في الحج ، وفي أبي داود أنه عليه السلام لبد رأسه لئلا يدخله الغبار ، والشعث ، والتلبيد يكون بالصمغ ، وغيره .

الثاني : قال : إذا خرج الحناء من بعض تعاريج الشعر يخرج على الخلاف في قدر الواجب من الرأس .

التاسع : قال في الكتاب : لا تمسح المرأة على خمارها ، ولا غيره . قال صاحب الطراز : يريد إذا أمكنها المسح على رأسها ، وهو قول الشافعي ، وأبي حنيفة .

[ ص: 268 ] وقال ابن حنبل : يجوز المسح على الخمار ، والعمامة كالخفين ، واشترط اللبس على طهارة ؛ لما في مسلم أنه عليه السلام مسح على الخفين ، والعمامة ، وفي أبي داود مسح على عمامته ، ومفرقه .

ومستندنا قوله تعالى : ( وامسحوا برءوسكم ) قال سيبويه : بالباء للتأكيد ، معناه رءوسكم أنفسها ، وقوله عليه السلام بعد الوضوء : لا يقبل الله الصلاة إلا به ، وكان قد مسح رأسه فيه ، ولأنه لو مسح على غيره لكان ذلك الغير شرطا ، وهو خلاف الإجماع .

ولنا أيضا : القياس على الوجه ، واليدين .

العاشر : قال في الكتاب : تمسح المرأة على شعرها المعقوص ، والضفائر من غير نقض . قال صاحب الطراز : فلو رفعت الضفائر من أجناب الرأس ، وعقصت الشعر في وسط الرأس ، فالظاهر عدم الإجزاء لأنه حائل كالعمامة .

الحادي عشر : مسح الرقبة ، والعنق لا يستحب خلافا ش لعدم ذكره في وضوئه عليه السلام .

إيضاح قوله تعالى : ( وامسحوا برءوسكم ) إن راعينا الاشتقاق من التراوس ، وهو كل ما علا فيتناول اللفظ الشعر لعلوه ، والبشرة عند عدمه لعلوها من غير توسع ولا رخصة ، وإن قلنا : إن الرأس العضو فيكون ثم مضاف محذوف تقديره امسحوا شعر رءوسكم ، فعلى هذا يكون المسح على البشرة لم يتناوله النص فيكون المسح عليها عند عدم الشعر بالإجماع لا بالنص ، وعلى كل تقدير يكون الشعر أصلا في الرأس ، فرعا في اللحية ، والأصل الوجه .

التالي السابق


الخدمات العلمية