صفحة جزء
[ ص: 215 ] المسألة الثالثة : في الكتــاب : يجمع الرجل إذا شهدت البينة أنه شارب خمر ، أو آكل ربا ، أو صاحب قيان ، أو كذاب في غير شيء واحد ونحوه ، ولا يجرحه إلا عدلان ، وقال ربيعة : ترد شهادة الظنين وهو المغموص في خلائقه ومخالفة حال العدل وإن لم يظهر منه قبيح عمل .

في التنبيهات : القيان : المغنيات ، وأصل القينة : الأمة ، وصاحب القيان : هو الذي يكن عنده ، ويحتمل أنه الذي يسمعهن أينما كن له أو لغيره .

وفي الكتاب : تمنع شهادة المغني والنائحة إذا عرفوا بذلك ، والشاعر الذي يمدح من أعطاه ويهجو من منعه ، فإن كان يأخذ ممن أعطاه ولا يهجو من منعه قبل ; لأن الذم حرام والأخذ مكروه ، ومدمن الشطرنج لا يقبل بخلاف لاعبها مرة بعد مرة ; لأنه صغيرة مختلف فيها ، وكره مالك اللعب بها ، وقال : هي شر من النرد ، وتجوز شهادة المحدود في القذف إذا حسنت حاله في الحقوق والطلاق ، وفي النكت : تجوز شهادة الفقير الذي يقبل ما يعطى من غير سؤال ; لقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( ما أتاك من غير مسألة فخذه ، فإنما هو دنق دنقكه الله ) وقال أحمد بن نصر : الذي لا تجوز شهادته بإدمان الشطرنج الذي يلعب بها في السنة أكثر من مرة ، قال ابن يونس : قال محمد : ولعب الحمام كالشطرنج ترد الشهادة بهما إن قامر أو أدمن من غير قمار ، وقال ابن عبد الحكم : إن لعب بالشطرنج حتى يشغله عن الصلوات في الجماعات لم يقبل وإلا قبلت ، وقيل : ترد شهادته ولم يذعن للشطرنج ، ومنع مالك شهادة القدرية ، قال سحنون : ترد شهادة أهل [ ص: 216 ] البدع كلهم : المعتزلة ، والإباضية ، والجهمية ، والمرجئة وغيرهم ; لأن البدع إما كفر ، أو كبيرة ، قال عبد الملك : من عرف بالبدعة لا يقبل بخلاف من لطخ بها غير صريح ، ومنع سحنون شهادة المنجم الذي يدعي القضاء . قال ابن كنانة : ولا الكاهن لورود النهي عن ذلك والتغليظ فيه ، واختلف في شهادة من ترك الجمعة مرة أو ثلاثا ، قال ابن كنانة : لا يقبل من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود إن تعمد ذلك في فرض أو نافلة ، لوجوب ذلك فيهما بالشروع ، قال سحنون : إذا لم يحج وهو كثير المال في طول الزمان من غير مانع ، لا يقبل ، ورد ابن القاسم قاطع الدنانير إلا أن يعذر بجهل ، وعنه : وإن كان جاهلا لإفساد سكة المسلمين ، وقال سحنون : لا ترد شهادته ، قال ابن يونس : إن كان البلد دنانيرهم مقطوعة مجموعة فأحسن قول سحنون ، وإلا فقول ابن القاسم ، قال صاحب البيان : في قاطعها أقوال : ثالثها : الفرق بين الجاهل وغيره ، قال : وهذا الاختلاف - عندي - إنما هو إذا قطع الدراهم أو الدنانير وهي وازنة فردها ناقصة في البلد الذي لا تجوز فيه ناقصة ، وهي تجري فيه عددا غير وزن فينفقها ، وتبين نقصها ، ولا يغش بها ، وأما إن لم يبين وغش فلا خلاف أنه جرحة ، وأما إن قطعها وهي مقطوعة أو غير مقطوعة غير أنها لا تجوز أعيانها بل بالميزان ، فلا خلاف أنها ليست جرحة ، وإن كان عالما بمكروه ذلك ، ويحتمل حمل الخلاف على اختلاف هذه الأحوال ، فلا يكون في المسألة خلاف ، قال ابن يونس : قال سحنون : خروج الفقيه الفاضل للصيد ليس بجرحة ، ومطل الغني بالدين جرحة ، والوطء قبل الاستبراء إن كان لا يجهل مكروه ذلك ، وكذلك وطء صغيرة مثلها يوطأ قبل الاستبراء ، قال عبد الملك : الأقلف يترك القلفة لعذر قبلت شهادته وإلا فلا ، قال ابن عبد الحكم : سماع صوت العود وحضوره من غير نبيذ جرحة إلا أن يحضرها في عرس أو صنيع فلا يبلغ رد الشهادة إذ لم يكن [ ص: 217 ] معه نبيذ ، وسماع الغناء ليس بجرحة إلا أن يدمن ، ولا يقرأ القرآن بالألحان فإن فعل ففي رد شهادته خلاف ، قال أشهب : من ظهرت توبته ، جازت شهادته ، حد في قذف أو غيره من الحدود ; لقوله تعالى : ( إلا الذين تابوا ) .

وقال ابن القاسم وأشهب وسحنون : لا ترد شهادة القاذف حتى يجلد ، وبقبول شهادة القاذف إذا تاب قال ( ش ) وابن حنبل ، وقال ( ح ) : بعدم قبولها . لنا : قوله تعالى : ( إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ) الآية ، فدل ذلك أن العدل لا يتبين في خبره . ويقبل وهذا عدل ، وقوله تعالى : ( واستشهدوا شهيدين من رجالكم ) وقال أيضا ( وأشهدوا ذوي عدل ) ولم يفرق ، وقوله تعالى : ( إن الله يحب التوابين ) ، ومن أحبه الله تعالى فهو عدل ، والاستثناء في آيات القذف يدل على ذلك ، وإجماع الصحابة ، فإن الذين شهدوا على المغيرة بالزنا جلدهم عمر - رضي الله عنه - ثم قال لهم بعد ذلك : توبوا تقبل شهادتكم ، فتاب منهم اثنان فقبل شهادتهما ، وقال لأبي بكرة : تب تقبل شهادتك ، وهو يقول : لا أتوب . ولم يخالفه أحد ، فكان إجماعا منهم ، ثم الكافر إذا قذف فحد ثم أسلم قبلت شهادته ، فكذلك المسلم ، وجميع الحدود إذا تاب جناتها قبلوا ، وهي أعظم من القذف كالزنا إجماعا ، والحد مطهر فيجب القبول ، والحد استيفاء حق فلا يبقى مانع من القبول . احتجوا بقوله تعالى : ( ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا ) ولم يفرق ، ولأنه خصص بهذا ، فلو أنه يقبل إذا تاب ، وسائر المعاصي كذلك ، لم يبق في التخصيص فائدة ، ولأن الجلد لا يرتفع بالتوبة فكذلك رد [ ص: 218 ] الشهادة ، ولأن الاستثناء في الآية يجب عوده على آخر جملة في الآية ، وهي قوله تعالى : ( وأولئك هم الفاسقون ) صونا للكلام عن الإبطال ، فيبقى قوله تعالى : ( ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا ) على حاله ، وأصل مالك : عود الاستثناء على الجملة الأخيرة فلم ينقض أصله ها هنا .

والجواب عن الأول : أنا نخصص التأبيد بحالة عدم التوبة لأنه فسق .

وعن الثاني : أن فائدة التخصيص ثبوت الحكم في الزنا وغيره بطريق الأولى ; لأن القذف أخفض رتبة منها ، فإذا ردت الشهادة فأولى بغيره .

وعن الثالث : أن الحد حق كأخذ المال والقصاص ، فكما لا يسقط رد المال في الحرابة وغيرها بالتوبة ، فكذلك الحدود لا شهادة إنما هو اهتضام والحار عن تعظم الله تعالى ، والحوبة ، تمحوها التوبة ، فتقبل شهادته .

وعن الرابع : أن العلة في أحكام هذه المسائل واحدة ، وهي القذف وقبح الجناية ، فإذا زال ذلك بالتوبة وحسنت حاله مع الله تعالى زالت تلك الأحكام كلها لزوال سببها المتحد إلا الحد لكونه لا يزول لما تقدم ، ولقوله - صلى الله عليه وسلم - في الغامدية : ( لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له ) فأخبر عن عظيم توبتها ، ومع ذلك رجمها . فعلم بأن الحدود لا تسقط بالتوبة إلا الحرابة ، لكون الحد فيه تنكيل ، ولا تنكيل مع التوبة ، وهو في غيرها إن وقع قبل التوبة هو تنكيل ، أو بعدها فتطهير ، وهو الجواب عن مخالفتنا لأصلنا . فإنا إنما نقول بعوده على الأخيرة إذا لم يكن سببها واحدا ، وقال صاحب المنتقـى : إذا ترك الجمعة مرة واحدة : قال أصبغ : هي جرحة كإحدى الفرائض ، وهو ظاهر ما قاله ابن القاسم في العتبية ، ومنع سحنون حتى يتركها ثلاثا متواليات ; لأنه الذي جاء فيه الحديث ، والواجبات على التراخي لا [ ص: 219 ] يفسق إلا بتركها المدة الطويلة الذي يغلب على الظن تهاونه بها مع تمكنه من أدائها . والمندوب إن كان يتكرر ويتأكد كالوتر ، وركعتي الفجر ، وتحية المسجد : تركه جرحة إذا أقسم لا يفعله ، أو تركه جملة ؛ لأن ذلك يدل على تهاونه بالدين ، تركه مرة ، وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحالف : لا أزيد على ذلك ولا أنقص ، الحديث المشهور : ( أفلح إن صدق ) ، فالحالف إنما حلف أن لا يفعل غير ما ذكره له - صلى الله عليه وسلم - على وجه الوجوب : أن لا يزيد زيادة مفسدة كركعة خامسة ، ولو كان معناه : لا أفعل شيئا من الخير لأنكر عليه كما أنكر على الذي سمعه يحلف عند باب المسجد ، وخصمه يستوضعه من حقه ، وهو يقول : والله لا أفعل ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : أين المتألي أن لا يفعل المعروف ؟ فقال : أنا يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : مه ، أي : دع .

تنبــيه : قال صاحب المقدمــات : المشهور قبول شهادة القاذف قبل جلده ، كما نقله ابن يونس ، وقاله ( ح ) وردها عبد الملك ، ومطرف ، و ( ش ) وابن حنبل . لنا : أنه قبل الجلد فاسق ; لأنه ما لم يفرغ من الجلد ، ويجوز رجوع البينة وتصديق المقذوف ، فلا يتحقق الفسق إلا بعد الجلد ، والأصل : استصحاب العدالة والحالة السابقة ، احتجوا : بأن الآية اقتضت ترتيب الفسق على القذف ، وقد تحقق القذف فيتحقق الفسق سواء جلد أم لا ، ولأن الجلد فـرع ثبوت الفسق ، فلو توقف الفسق على الحد لزم الدور ، ولأن الأصل : عدم قبول الشهادة إلا حيث تيقنا العدالة ، ولم تتيقن ها هنا فيرد .

[ ص: 220 ] والجــواب عن الأول : أن الآية اقتضت صحـة ما ذكرنـاه ، وبطلان ما ذكرتموه ; لأن الله تعالى قـال : ( فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون ) فرتب رد الشهادة والفسق على الجلد ، وترتيب الحكم على الوصف يدل على علية ذلك الوصف لذلك الحكم ، فيكون الجلد هو السبب في الفسق ، فحيث لا جلد لا فسوق ، وهو مطلوبنا وعكس مطلوبكم .

وعن الثاني : أن الجلد فـرع ثبوت الفسق ظاهرا ظهورا ضعيفا لجواز رجوع البينة ، قاله أشهب ، أو تصديق المقذوف ، فإذا أقيم الحد قوي الظهور بإقدام البينة وتصميمها على أذية القاذف ، وكذلك المقذوف ، وحينئذ نقول : إن مدرك رد الشهادة إنما هو الظهور القوي ; لأنه المجمع عليه ، والأصل : بقاء العدالة إلا حيث أجمعنا على انتفائها .

وعن الثالث : أن الأصل : بقاء العدالة السابقة .

تنبيه : قال صاحب المنتقى : قال القاضي أبو إسحاق ، و ( ش ) : لا بد في توبة القاذف من تكذيبه لنفسه ، فإنما قضينا بكذبه في الظاهر لما فسقناه ، فلو لم يكذب نفسه لكان مصرا على الكذب الذي فسقناه لأجله في الظاهر ، وعليه إشكالان : أحدهما : أنه قد يكون صادقا في قذفه ، فتكذيبه لنفسه كذب ، فكيف تشترط المعصية في التوبة وهي ضدها ، وتجعل المعاصي سبب صلاح العبد وقبول شهادته ورفعته ؟ وثانيهما : أنه إن كان كاذبا في قذفه فهو فاسق ، أو صادقا فهو عاص ; لأن تعيير الزاني بزناه معصية ، فكيف ينفعه تكذيب مع كونه عاصيا بكل حال .

والجواب عن الأول : أن الكذب لأجل الحاجة جائز ، كرجل مع امرأته ، والإصلاح بين الناس ، وهذا الكذب فيه مصلحة الستر على المقذوف ، وتقليل [ ص: 221 ] الأذية والفضيحة عند الناس ، وقبول شهادته في نفسه ، وعوده إلى الولايات التي تشترط فيها العدالة ، وتصرفه في أموال أولاده ، وتزويجه لمن يلي عليه ، وتعرض للولايات الشرعية .

وعن الثاني : أن تعيير الزاني صغيرة لا يمنع من الشهادة ، وقال مالك : لا يشترط في توبته ولا قبول شهادته تكذيبه نفسه ، بل صلاح حاله بالاستغفار والعمل الصالح كسائر الذنوب .

تفريع : قال ابن يونس : قال سحنون : ترد شهادة المحدود فيما حد فيه من قذف أو غيره وإن تاب ، كشهادة ولد الزنا في الزنا للتهمة في تسوية الناس ، وجوزها ( ش ) و ( ح ) في الزنا وغيره ، وقال عبد الملك وغيره : ترد شهادة الزاني في الزنى والقذف واللعان وإن تاب ، والمنبوذ ، وكذلك لا تجوز شهادته في شيء من وجوه الزنى للتهمة ، وقالمالك : تقبل شهادة ولد الزنى إلا في الزنى ، قال : فإن قيل : ينبغي أن لا يقبل السارق في السرقة ، والقاذف في القذف ، والزاني في الزنى ، قيل : قد قيل وليس بصحيح عند مالك ، بل قبل مالك القاذف في القذف وغيره ، والفرق بين هذه وبين ولد الزنى : أن معرفة هذه الأشياء تزول بالتوبة كالكافر إذا أسلم ، ولكونه ولد زنى دائم المعرة ، وهذا موافق للمدونة ، والقياس : ما قاله سحنون في اعتبار التهمة .

فـرع

قال : إذا حد نصراني في قذف ثم أسلم بالقرب ، فثبت شهادته ، وتوقف سحنون فيه حتى يظهر صلاحهم حاله كالمسلم .

فـرع

في النوادر : قال ابن كنانة : ترد شهادة من لا يحكم الوضوء ولا الصلاة ولا يعذر في ذلك بالجهل ; لأن التعلم واجب قبل العمل ، وكذلك إن لم يعلم التيمم [ ص: 222 ] وقد وجب عليه ، وكذلك الجهل بنصب الزكاة وقدر الواجب فيها إذا كان ممن تلزمه الزكاة ، قال ابن القاسم : ويرد الفار من الزحف حيث يجب الوقوف ، قال سحنون : يرد بائع النرد ، والعيدان ، والمزامر ، والطنبور ، وعاصر الخمر وبائعها وإن لم يشربها ، فإن باعها عصيرا لم يرد إلا أن يقدم إليه فلا ينتهي ، ويرد موجب الحانوت لبيع الخمر وهي له أو لغيره ، قال محمد : وكذلك الذي يستحلف أباه في حق وهو جاهل أو جده وإن كان حقه ثابتا ; لأنه عقوق ولا يعذر بالجهالة ، قال سحنون : إذا تسلف من حجارة المسجد ورد عوضها وقال : ظننت أن هذا يجوز ، إذ قد يجهل مثل هذا ، قال ابن القاسم : إذا سمى ابن فلان ، وأنها مات ابن فلان ، وله أمة حامل ، فولدت هذا ، فلم يورثه الورثة ولا ادعوا رقبته ولا رقبة أمه ، وكبر ، وانتسب إلى الميت ، ولم يطلب الميراث ، فينبغي أن يسأل بني الميت إن أقروا به لم يضره ترك الميراث ، وإن لم يقروا ولا قامت بينة بوطء أبيه الأمة لم تجز شهادته ، فإن أعتقه الورثة مع أمـه وهو مقيم على الانتساب للميت ، ردت شهادته .

قــاعدة : الكبيرة : ما عظمت مفسدتها ، والصغيرة : ما قلت مفسدتها ، فيعلم ما ترد به الشهادة بأن يحفظ ما ورد في السنة أنه كبيرة ، فيلحق به ما في معناه ، وما قصر عنه في المفسدة لا يقدح في الشهادة . فورد في الحديث الصحيح ، ونقله مسلم وغيره : ( ما أكبر الكبائر يا رسول الله ؟ فقال : أن تجعل لله شريكا وقد خلقك ، قلت : ثم أي ؟ قال : أن تقتل ولدك خوف أن يأكل معك ، قلت : ثم أي ؟ قال : أن تزاني حليلة جارك ) وفي حديث آخر ( اجتنبوا [ ص: 223 ] السبع الموبقات ، قيل : وما هن يا رسول الله ؟ قال : الشرك بالله ، والسحر ، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكل مال اليتيم ، والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات ، وأكل الربا ، وشهادة الزور - وفي بعض الأحاديث - وعقوق الوالدين - وفي آخر - واستحلال البيت الحرام ) ، قال بعض العلماء : كل ما نص الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وتوعد عليه ، أو رتب حدا أو عقوبة ، فهو كبيرة ، ويلحق به ما في معناه مما ساواه في المفسدة . وثبت في الصحاح : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جعل القبلة في الأجنبية صغيرة ، فيلحق بها ما في معناها ، فتكون صغيرة لا تقدح إلا أن يصر عليها ، فإنه : لا كبيرة مع استغفار ، ولا صغيرة مع إصرار .

تمهــيد : ما ضابط الإصرار المصير للصغيرة كبيرة ؟ وما عدد التكرار المحصل لذلك ؟ وكذلك ما ضابط إخلال المباح بالعدالة ، كالأكل في السوق وغيره ؟ ضابطه - كما حرره بعض العلماء - : أن ننظر إلى ما يحصل من ملابسة الكبيرة من عدم الوثوق بفاعلها ، ثم ننظر إلى الصغيرة ، فمتى حصل من تكرارها مع البقاء على عدم التوبة والندم ما يوجب عدم الوثوق به في دينه ، وإقدامه على الكذب في الشهادة ، فاجعل ذلك قادحا ، وما لا فلا ، وكذلك الأمور المباحة ، ومن تكررت الصغيرة منه مع تخلل التوبة والندم ، أو من أنواع مختلفة مع عدم اشتمال القلب على العودة ، لا يقدح في الشهادة .

[ ص: 224 ] فـرع

في الجواهر : إذا تاب الفاسق قبل ، ولا يكفي قوله : تبت ، ولا إقرار القاذف بالكذب ، بل لا بد في كل فاسق أن يستبرأ حاله مدة بقرائن الأحوال حتى يغلب على الظن استقامته بالأعمال الصالحات ، وحدها بعض العلماء بسنة من حين إظهار التوبة كالعنين ، وتأثير الوصول في الغرائم كتأثيرها في الأمراض ، قال الإمام أبو عبد الله : والتحقيق : الرجوع للقرائن ، فمن الناس بعيد الغور لا يكاد يعلم معتقده ويغالط الحذاق حتى يظنوا أنه صالح فيستظهر في حقه أكثر ، ومنهم من لا يكاد يخفى حاله فيكفي زمنا يظهر فيه الانتقال .

التالي السابق


الخدمات العلمية