صفحة جزء
المســـألة التاسعة : قال ابن القصار : شارب النبيذ المختلف فيه يحد ويفسق ولا تقبل شهادته ، وقال ( ح ) : لا يحد ، وتقبل شهادته ، وقال ( ش ) : إن شربه من يعتقد تحريمه حد وفسق ، أو حنفي متأول حد وقبلت شهادته . لنــا : أن الحد لا يثبت إلا على فاسق ، وقد حد فيكون فاسقا ، كالزنى والقذف . احتجــوا : بأن من اعتقد استباحة محرم فهو أشد ممن يتناوله وهو معتقد لتحريمه ، ألا ترى أن من اعتقد استباحة الخمر كفر ، ولو شربها معتقد التحريم فسق ، ومعتقد حل النبيذ لا يفسق بالاتفاق ، فلا يفسق بالتناول أولى ، ولأنه متأول فلا يفسق لأنه مقلد ، ولأن الحد لا يوجب الفسق ; لأن الزاني بحد أنت بحد ، ولا هو فاسق ، ولأن المعقودات تتبع المفاسد دون المعاصي ; لأننا نؤدب الصبيان والبهائم مع عدم [ ص: 231 ] المعصية ، بل لدرء المفسدة ، والاستصلاح ، فكذلك الحنفي يحد لدرء مفسدة النبيذ من الإسكار ، ولا معصية لأجل التقليد .

والجواب عن الأول : أنه يلزم أن لا يحد شارب النبيذ لاعتقاده تحليله كسائر الأشياء المختلف فيها ، ولا يحد إلا متناول ، ولا يكفر باعتقاد إباحة كبقية الحدود ، وإذا لم يفترقا في الحد لا يفترقان في الفسق أيضا لثبوت الفرق بين الشيئين لا يوجب اختلافهما في الحكم ، فإن الحر أعظم حرمة من العبد ، وقد ساواه في أحكام كثيرة ، والعبد أقوى حرمة من البهائم ، وإن كان الجميع مالا ، ومع ذلك ساوى الأموال في كثير من الأحكام : يشترى ويكاتب ويوهب ، وغير ذلك ، ثم نقول : التناول في النبيذ أشد من اعتقاد إباحته ; لأن التناول يترتب عليه الحد بخلاف الاعتقاد ، والتناول هو المحقق للمفسدة بخلاف الاعتقاد ; لأن المفسدة هو التوسل لفساد العقل ، والاعتقاد وسيلة بعيدة .

وعن الثانــي : أن الثاني معتبر أوجب أن لا يحد ، لكنه حد فهو غير معتبر ، والأصول تقتضي أحد قولينا : إما أن يكون النبيذ حراما فيفسق ويحد ، وهو قولنا ، أو حلالا فلا يحد ولا يفسق ، وهو قول ( ح ) ، أما حلالا ولا يفسق ويحد : فخلاف الأصول .

وعن الثالث : أنا لم نقل : إن المحدود لا يجب أن يكون حالة إيقاع الحد فاسقا بل نقول : لا بد أن يكون ذلك الفعل مفسقا .

وعن الرابع : أن العقوبات لا تستلزم المعصية ; لكن العقوبات المحدودة لا تكون إلا في فسوق ، فلا نجد حدا في مباح عملا بالاستقراء .

التالي السابق


الخدمات العلمية