صفحة جزء
المانع الثانــي

العداوة في الكتاب : تجوز شهادة المسلم على الكافر ، وفي الجواهر : لا يقبل العدو على عدوه ، ويقبل له ، والعداوة المانعة التي ليست من أسباب الدين ، فالمنازعة في مال أو جاه التي تحمل الغصب ، وتحمل على الفرح بالمعصية والغم بالسرور ، والغضب لله لا يمنع ، ككون المغضوب عليه كافرا أو فاسقا ، فإنه يدل على قوة الإيمان ، فهو أولى بأن يؤكد العدالة ، قال الإمام أبو عبد الله : إلا أن يسري ذلك إلى إفراط لذي الفاسد حتى يحقد الصدر فيعاديه حينئذ لنفسه لا لله فترد الشهادة إذا تحققت التهمة ، ولو كانت عداوة الدين تمنع لما قبلت شهادتها على الكافر ، ووافقنا ( ش ) وابن حنبل ، وقال ( ح ) : العداوة لا تمنع مطلقا ، لنا : قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( لا تقبل شهادة خصم ولا ظنين ) والظنة : التهمة ، والعدو متهم على عدوه ، وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( وتقبل شهادة ذي الغمر على أخيه ، ولا الخائن والخائنة ) ولا البائع لأهل البيت ، والبائع ، قيل : السائل ، وقيل : البائع لأهل البيت كالوكيل وغيره ، والغمر : الحقد ، وهذا نص ، قياسا على الولد بجامع التهمة .

[ ص: 267 ] احتجوا : بالظواهر ، نحو قوله تعالى : ( ذوي عدل ) و ( شهيدين من رجالكم ) ولأن عدالته تمنعه أن يشهد على عدوه بالباطل ، ولأنهما ليس بينهما سبب توارث فلا تمتنع شهادته عليه قياسا على غير العدو .

والجواب عن الأول : أن دليلنا أخص من تلك العمومات فيتقدم عليها .

وعن الثاني : أنه ينتقص بغمر ذي النسب ، ولا نسلم أن العدالة تمنع إلا عند عدم المعارض .

وعن الثالث : الفرق أن العداوة توجب التهمة بخلاف غير العدو .

وفي الباب ثمان مسائل :

المسألة الأولـى ، قال صاحب البيان : قال مالك : إذا ردت للعداوة لا يحلف ، بخلاف الخلطة ، وعن سحنون : ذلك آكد من الخلطة فيحلف ، وهذا على الخلاف في الخلطة ، هل لا تثبت إلا بما تثبت به الحقوق ، أو يكتفى فيها بالشاهد الواحد والمرأة الواحدة .

المسألة الثانية ، قال : قال مالك : إذا شهد وجب عليه أن يخبر الحاكم بأنه عدو ، وعن سحنون : لا يخبر تنفيذا للحق ، ولا يسعى في إبطاله ، وهو الأصح ، وقولهم : لو سكت لكان ساعيا في إثبات الحكم بغير سببية ، ضعيف ; لأن الحق يصل وهو المقصود ، قال ابن القاسم : وإذا ادعى أنك تعلم أن الذي يشهد عليه بريح الخمر عدو له ، أخبرت بذلك القاضي إلا أن يكون المشهود عليه أقر عندك أن الذي وجد منه خمر ، فلا يخبره بذلك حتى يقام الحد ، وكذلك إذا أقر عندك بالدين الذي شهد به عليه أعداؤه ، ولا يخبر القاضي بذلك .

المسألة الثالثة ، قال : قال ابن القاسم : إذا سجن صاحب السوق سكرانا لا يشهد عليه ، وبسجنه صار عدوا ، وكذلك إذا شهدوا بالزنى ، وتعلقوا بالمشهود [ ص: 268 ] عليه ، ورفعوه للسلطان ; لأن الرفع والتعلق لا يلزمهم ، بل مكروه ; لأنهم مأمورون بالستر فلا تنفذ شهادتهم عليه ، وصاروا قذفة يحدون إلا أن يأتوا بأربعة غيرهم على شروط شهادة [ . . . ] موكلين بذلك صحت شهادتهم ، وقال أصبغ ومطرف : تقبل شهادة الأولين ; لأن الستر وإن أمروا به إلا أنه لم يحرم عليهم ذلك فيقبلوا إذا فعلوا ذلك لله ، ولو شهدوا فيما يستدام فيه التحريم كالطلاق والعتق لجازت وإن قاموا ; لأن القيام متعين ، وقال بعض المتأخرين على قول ابن القاسم : ترد لاتهامهم في إتمام ما قاموا فيه .

المسألة الرابعـة : قال : قال ابن القاسم : تجوز شهادة أعداء الوصي عن الصبي أنه جرح إنسانا ، أو على الميت بدين إذا لم يكن بيد الوصي مال تؤخذ منه دية الجراح ، أو كانت ديته أكثر من الثلث حتى تحمل العاقلة ، وكذلك الدين يجوز قبل أن يصير المال بيد الوصي ، أما بعد فلا ، وتمتنع شهادة أعداء الأب على الابن ، قال سحنون : تجوز على الابن ، وكذلك أعداء الابن على الأب في المال دون القصاص والحدود ، كذلك على الأخ ، ووافق ابن القاسم سحنون أنها تجوز على الأخ في المال لخفته ، قال ابن يونس : قال محمد : تمتنع شهادة عدوك عليك ، وتجوز على ولدك وإن كان في كفالتك ، إذا لم يكن في شهادته حد أو قصاص ; لأن ذلك يلصق بك ، وكذلك الأم والجد ، ومنع عبد الملك شهادته على ابنك مطلقا ; لأنه يؤملك .

المسألة الخامسة : قال صاحب البيان : قال ابن القاسم : إذا حدثت العداوة بعد الأداء وقبل الحكم ; لا يضر لتأخر المانع عن زمن الاعتبار ، قال اللخمي : إذا كانت عنده شهادة وهو يذكرها ثم عاداه ، فاختلف في قبول شهادته ، قال : والقبول أحسن إذا كانت قيدت عنه حذر الزيادة والتغير ، والقول الآخر يلاحظ [ ص: 269 ] أن الشاهد قد تكون عنده شهادة فيها ريبة فيتحدث بها قبل الأداء ، ولا يذكر الريبة فيؤديها بعد العداوة مع الريبة المانعة .

المسألة السادسة ، قال ابن يونس : قال سحنون : إذا شهدت عليه فشهد عليك بعد ذلك وهو في خصومته ، ردت شهادته ، وذلك بعد الشهرين ونحوهما من وقت شهادتك عليه .

المسألة السابعة ، قال اللخمي : إذا اصطلح المتهاجران : قال عبد الملك : ترد الشهادة لأحدهما على الآخر بقرب الصلح حتى تظهر البراءة من العداوة ، قال ابن كنانة : يجوز عقيب الصلح إن كانت الهجرة خفيفة في أمر خفيف ، وقال محمد : تجوز الشهادة إذا اصطلحا ، ولم يفرق ، وقال عبد الملك : إن سلم عليه ولم يكلمه : امتنعت الشهادة .

المسألة الثامنة ، وفي الجواهر : كل من لا تجوز شهادته عليك لا يزكي من شهد عليك .

التالي السابق


الخدمات العلمية