صفحة جزء
[ ص: 290 ] 2 ( الباب الثالث )

3 ( في الغسل ، وفيه ، فصلان )

الفصل الأول

في أسبابه

وهي سبعة عشر : التقاء الختانين ، وإنزال الماء الدافق من الرجل ، والمرأة ، والشك في أحدهما ما لم يستنكح ذلك ، وتجديد الإسلام بعد البلوغ ، والولادة ، وإن كان الولد جافا ، وانقطاع دم الحيض ، وانقطاع دم النفاس ، والموت في غير الشهداء ، فهذه أسباب الوجوب .

وتليها أسباب الندب ، وهي : شهود الجمعة ، وشهود صلاة عيد الأضحى ، وشهود صلاة عيد الفطر ، وإحرام الحج ، ودخول مكة ، والرواح لعرفة للوقوف ، ومباشرة غسل الميت ، وانقطاع دم الاستحاضة ، وانقطاع دم المرأة التي شأنها ألا تحيض ، فإنها لا تترك الصلاة بسببه ، وتغتسل لانقطاعه .

والمقصود بالكلام ها هنا الخمسة الأول ، فغيرها نتكلم عليه في مواضعه إن شاء الله تعالى ، وهذه الخمسة هي أسباب الجنابة .

والجنابة مشتقة من التجنب ، وهو البعد ، ومنه الرجل الأجنبي منك أي البعيد عن قرابتك وصحبتك ، ومنه المجانبة للقبائح ، ولما كان المتصف بهذه الأسباب بعيدا من العبادات سمي جنبا ، وقيل : مشتقة من الجنب ; لأن الغالب في حصول هذه الأسباب مباشرة النساء فيحصل اجتماع الجنب مع الجنب حسا لذلك .

السبب الأول : في الجواهر : التقاء الختانين يوجب الغسل ، أو مقدار [ ص: 291 ] الحشفة من مقطوعها ؛ لما في مسلم عنه عليه السلام أنه قال : ( إذا جلس بين شعبها الأربع وجهدها ، فقد وجب الغسل ) وفي مسلم أن رجلا سأله عليه السلام عن ذلك ، وعائشة رضي الله عنها جالسة ، فقال عليه السلام : ( إني لأفعل ذلك ، ثم أغتسل ) .

فهذه الأحاديث قال العلماء : هي ناسخة لما تقدمها من قوله عليه السلام في مسلم للأنصاري الذي مر عليه ، فخرج إليه ، ورأسه يقطر بالماء ، فقال : ( لعلنا أعجلناك قال : نعم يا رسول الله ، فقال عليه السلام : إذا أعجلت ، أو قحطت ، فلا غسل ) ومن قوله عليه السلام في مسلم : ( إنما الماء من الماء ) أي إنما يجب استعمال الماء في الطهر من إنزال الماء الدافق .

وقال بعض العلماء : كانت هذه رخصة في أول الإسلام ، ثم نسخت ، وقال صاحب الاستذكار : قال ابن عباس في قوله عليه السلام : ( إنما الماء من الماء ) محمول على النوم ، فإن الوطء فيه من غير إنزال لا يوجب شيئا إجماعا ، وهذا أولى من النسخ ، فإنه وإن كان عاما في الماءين ، فهو مطلق في الحالين : النوم واليقظة ، فحمله على النوم تقييد للمطلق ، والتقييد أولى من النسخ ؛ لما تقرر في علم الأصول ، ومما يدل على أن التقاء الختانين يوجب الغسل أنها طهارة حدث ، فتتعلق بنوع من اللمس كالوضوء ، ولأن التقاء الختانين سبب قوي لخروج المني فيتعلق به حكمه كاللمس لما كان سببا قويا للمذي فيتعلق به حكمه .

قاعدة أصولية : اللفظ إذا خرج مخرج الغالب لا يكون له مفهوم كقوله تعالى : ( ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق ) فإن الغالب أنهم إنما يقدمون على ذلك لخوف غزو ، أو فضيحة ، فلا يدل مفهومه على جواز قتل الأولاد إذا أمن ذلك .

إذا تقرر ذلك ، فنقول : لما كان الغالب على الناس الختان لم يدل مفهوم اللفظ [ ص: 292 ] على انتفاء الحكم إذا لم يوجد الختانان ، فلا جرم . قال صاحب الطراز : يجب الغسل بالإيلاج في الحية ، والميتة ، والبهيمة خلافا ح في قوله : فرج الميتة غير مقصود ، فأشبه الكوة ، ولنا عموم الحديث ، والنقض عليه بالعجوز الفانية ، والمجذومة ، والبرصاء .

ويجب بالإيلاج في فرج الخنثى المشكل خلافا لأصحاب الشافعي لعموم الخبر ، وقياسا على دبره .

وقال ابن شاس : خرجه الإمام أبو عبد الله على نقض الطهارة بالشك . قال صاحب الطراز : يجب باستدخال المرأة ذكر البهيمة كما يجب على الرجل بفرج البهيمة ، ولا فرق بين القبل ، والدبر ، والنوم ، واليقظة في حق الرجل ، والمرأة لعموم الخبر .

فرعان :

الأول : في الجواهر : إذا عدم البلوغ في الواطئ ، أو الموطوء ، أو فيهما .

أما الأول : قال في الكتاب : لا غسل عليه إلا أن ينزل ؛ يريد لنقصان لذته ، وفتور شهوته ، وبالقياس على أصبع رجل لو غيبه فيها .

وقال أصبغ في الواضحة : يغتسل لعموم الحديث .

وأما الثاني : وهو عدم البلوغ في الموطوءة ، وهي ممن تؤمر بالصلاة . قال ابن شاس : قال في مختصر الوقاد : لا غسل عليها لأنها إنما أمرت بالوضوء لتكرره بخلاف الغسل كما أمرت بالصلاة دون الصوم ، وقال أشهب : عليها الغسل .

وأما الثالث : وهو عدم البلوغ فيهما قال أبو الطاهر : يقتضي المذهب ألا غسل عليهما ، وقد يؤمران به على وجه الندب .

[ ص: 293 ] الثاني : إذا جامع دون الفرج ، فأنزل ، ووصل ماؤه إلى فرجها ، فإن أنزلت وجب الغسل ، وإن لم تنزل ولم تلتذ لم يجب ، وإن التذت ، ولم يظهر منها إنزال : فقولان : الوجوب ; لأن التذاذها قد يحصل به الإنزال ، وهو الغالب ، وهو مقتضى قول مالك - رحمة الله عليه - في الكتاب لقوله : لا يجب عليها إلا أن تكون قد التذت ، وعدم الوجوب رواية لابن القاسم عن مالك .

قال صاحب الطراز : إذا قلنا تبطل الطهارة برفض النية وجب عليها الغسل ، ويؤيد قول مالك قوله عليه السلام في الصحيح : ( إذا جلس بين شعبها الأربع ، ومس الختان الختان وجب الغسل ) فالشرط التقاء الختانين .

تمهيد : يوجب التقاء الختانين نحو ستين حكما ، وهي تحريم الصلاة ، والطواف ، وسجود القرآن ، وسجود السهو ، ومس المصحف ، وحمله ، وقراءة القرآن ، والإقامة في المسجد ، ويفسد الصوم ، ويوجب فسق متعمده ، والكفارة لذلك ، والتعزيز عليه ، وفساد الاعتكاف ، والتعزيز عليه ، وفسق متعمده لا سيما إذا تكرر ، أو وقع في المسجد ، وفساد الحج ، والعمرة ، وفسق متعمده ، والتعزيز عليه ، والهدي ، وأما المضي في الفاسد ، فمسبب عن الإحرام ، وتحليل المبتوتة ، وتقرير المهر المسمى في الصحيح والمثل في الفاسد ، ووطء الشبهة ، والتفويض ، والعدة ، والاستبراء في المملوكة قبل الملك ، وبعده ، والمستكرهة ، والجلد ، والتعزير في الزنا ، والرجم ، والتفسيق ، وتحريم المظاهرة في الحلال والحرام ، ولحوق الولد في الحلال ، والإماء المشتركات ، ووطء الشبهات ، وجعل الأمة فراشا ، وإزالة ولاية الإجبار عن الكبيرة ، وتحصين الزوجين ، والفيتة في الإيلاء ، والعود في الظهار على الخلاف ، وتحريم أم الزوجة وجداتها ، وبنت الزوجة ، وبناتها ، وبنات أبنائها ، وفسق المتعمد لارتكاب الممنوع من ذلك ، وتحريم الجمع بين الأختين في الإماء ، وتفسيق فاعله ، وتحريم وطء الزوج في استبراء وطء الشبهة ، وتعزيره لمن فعل ، وكل موضع حرم على الرجل المباشرة حرم على المرأة التمكين إذا علمت بالتحريم ، أو ظنته ظنا معتبرا .

[ ص: 294 ] تنبيه : فرج المرأة يشبه عقد الخمسة والثلاثين ، وهو جمع الإبهام والسبابة : فهذه الثلاثون ، وإلصاق الوسطى بالكف ، وهو الخمسة ، فإذا جمع بينهما ، فهو خمسة وثلاثون ، فإذا كان بطن الكف إلى فوق ، فالثلاثون مجرى البول ، والخمسة مجرى الحيض ، والنفاس ، والوطء ، والولد ، فإن قلبت اليد كان الأمر بالعكس ، وموضع ختان المرأة هو في الخمسة العليا فيكون التقاء الختانين عبارة عن مقابلتهما كما تقول العرب التقى الفارسان إذا تقابلا ، وجبلان متلاقيان إذا كانا متقابلين ، ولو التقيا على التحقيق بأن يقع ختانه على ختانها لم يكن شيء من الحشفة ، ولا غيرها في مجرى الوطء ، فلا يجب غسل كما قاله في الكتاب بل إنما تتحقق ملاقاة ختان الرجل بختان المرأة بمغيب الحشفة في الفرج ، فهذا التقاء الختانين .

التالي السابق


الخدمات العلمية