صفحة جزء
[ ص: 317 ] 2 ( الباب الرابع )

3 ( في المسح الذي هو بدل من الغسل )

وفيه فصلان

الفصل الأول

في المسح على الجبائر

قال في الكتاب : يمسح عليها ، فإن ترك ذلك أعاد الصلاة أبدا خلافا ح في قوله بعدم الإعادة ; لأن المسح لا يجب عنده لاقتضاء القرآن الغسل ، والزيادة على النص نسخ عنده ، ونسخ القرآن بخبر الواحد ممتنع إجماعا ، وقال بمسح الخفين لوصول أحاديثه إلى التواتر عنده ، فأمكن النسخ .

احتج أصحابنا بما رواه الدارقطني عن علي رضي الله عنه قال : انكسرت إحدى زندي ، فأمرني عليه السلام أن أمسح على الجبائر قال عبد الحق : وهو غير صحيح . قال صاحب الطراز : والأحاديث في هذا الباب واهية ، فنعدل إلى القياس على الخفين بجامع الضرورة ، وبطريق الأولى لمزيد الشدة ، ويؤكد هذا القياس ما في أبي داود أنه عليه السلام بعث سرية ، فأصابهم البرد ، فلما قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرهم أن يمسحوا على العصائب ، والتساخين ، قال أبو عبيد : العصائب العمائم ، والتساخين الخفاف ، وإذا جاز المسح لضرورة البرد ، فأولى الجراح .

قال صاحب الطراز : ولا فرق في المذهب بين ترك الجبيرة ، أو بعضها ، وقال بعض الشافعية : يجزئ أقل ما يقع عليه الاسم على أصلهم في مسح الرأس .

حجتنا : أن العضو كان يجب استيعابه ، والأصل بقاء ما كان على ما كان [ ص: 318 ] ولأن الأصل في ذمته بيقين ، والأصل عدم براءته بما ذكره الخصم من الطهارة .

سؤال : مسح الخف ، والتيمم بدلان من الغسل ، ولا يجب تعميمها في مواضع الغسل لجواز الاقتصار على أعلى الخفين ، والكوعين في التيمم .

جوابه : الفرق بين الجبيرة ، والخفين أنها لا يجوز المسح عليها مع القدرة على الغسل بخلاف الخفين ، وبينها ، وبين التيمم أنه عبادة مستقلة بدل عن أصل الغسل ، والوضوء لا بدل عن أجزائهما ، فالوضوء ، والغسل لم يهجرا بل هما مطلوبان ، فوجبت العناية بمراعاة أجزائهما ، والتيمم فقد أعراض الطهارتين ، فلا يراعى فيه أجزاؤهما . فروع ستة :

الأول : قال في الكتاب : إذا كان الجنب ينكب الماء عن جرحه ، أو شجته غسل ذلك الموضع إذا صح ، فإن لم يغسل حتى صلى صلوات كثيرة ، وهو في موضع لا يصيبه الوضوء أعاد صلاته من حين قدر على مسه بالماء كاللمعة .

قال صاحب الطراز : يريد في غسل جسده لا أنه لا يمسحها ، فإذا صح غسل الموضع الذي كان يمسح عليه كالخف إذا نزعه إلا أن يبرأ الجرح ، وهو على وضوئه الأول ، كما إذا نزع خفه ، وهو على وضوئه الأول .

فإن كانت الشجة في رأسه ومسحها للوضوء لا يجزئه المسح عن الجنابة .

وهذا الفرع يدل على أن الجنابة تجزئ بنية الوضوء لأنهما فرضان ، فأجزأ أحدهما عن الآخر كالحيض مع الجنابة .

قال ابن يونس : فإن اغتسل لجنابته أعاد حين الغسل .

قال : قال ابن حبيب : يعيد الموضع إذا تركه ناسيا فقط ، والمتأول والعامد يعيدان الغسل .

سؤال : تنوب نية الوضوء عن نية الجنابة ، ولا تنوب نية التيمم للوضوء عن [ ص: 319 ] نية التيمم للغسل إذا نسيه ، وإن كان بدلا من الوضوء فرضا كالجنابة ، ونقل صاحب الطراز في ذلك خلافا .

جوابه : أن التيمم عن الوضوء بدل الوضوء ، وهو بعض الغسل ، والتيمم عن الجنابة بدل عن غسل جميع الجسد ، وبدل البعض لا يقوم مقام الكل ، والوضوء والغسل أصلان في لمعة الجبيرة متساويان فيها بإجزاء أحدهما عن الآخر . الثاني : قال في الكتاب : يمسح على الدواء ، والمرارة على الظفر ، والقرطاس على الصدغ للضرورة . قال صاحب الطراز : ولا يشترط في ذلك أن يكون الغسل متلفا بل لمجرد الضرورة ، أو خوف زيادة المرض ، أو تأخير البرء خلافا ش في اشتراطه التلف . الثالث : لو سقطت الجبيرة قبل البرء ، أو حلها للتداوي . قال صاحب الطراز : إن قدر أن يمسح نفس الجرح وجب ، وإلا رد الجبيرة في حينه ، ومسح عليها ، فإن احتاجت المداواة إلى طول ، فهل يعيدها ، أو يبني على قصده ، وهو ظاهر المذهب ، ويتخرج فيها الخلاف الذي في ناسي بعض طهارته ، ثم ذكره بحيث لا ماء ، وطال عليه طلبه للماء ، أو هريق ماؤه من غير تفريط ، وطال ذلك .

قال : فإن كانت الجبيرة في ذراعه ، فمسح عليها لم يعد ما بعدها ; لأن الترتيب قد وقع في وضوئه أولا ، واتصف بالكمال بخلاف من نسي بعض طهارته ، ولا فرق بين سقوط الجبيرة ، والعصابة العليا التي عليها المسح كالخف الأعلى إذا نزعه . الرابع : إذا كثرت الخرق قال عبد الحق عن بعض شيوخه : إن أمكن المسح على السفلى لا يمسح على العليا . قال صاحب الطراز : يجزئ ، ويتخرج ذلك على لبس خف على خف لأنه إذا انتقل الفرض للجبيرة لا يجب محل مخصوص بل الإمرار باليد .

فرع مرتب : من الطراز : إذا قلنا لا يمسح إلا على أقل ما يمكن لا يمسح على الكثيف المستغنى عنه ، وهذا الكلام في الارتفاع ، وأما العرض فلا يجوز [ ص: 320 ] أن يؤخذ من الموضع السالم إلا ما كان من ضرورة شده ، وكذلك العصابة إن أمكن حلها من غير ضرر حلها ، ومسح على الجرح إن تعذرت مباشرته بالمسح . الخامس : قال في الطراز : لا يعيد ما صلى بالمسح على الجبيرة خلافا ش قياسا على ما صلى بالتيمم ، والخفين ، وصلاة المريض ، والخائف ، ولأن القضاء بأمر جديد ، والأصل عدمه .

وهذا الخلاف مبني على أن الطهارة هل هي شرط في المسح على الجبيرة أم لا ، فعند الشافعي هي شرط محتجا بحديث أبي داود قال : خرجنا في سفر ، فأصاب رجلا منا شجة في رأسه ، فاحتلم ، فسأل أصحابه هل تجدون لي رخصة في التيمم ؟ فقالوا ما نجد لك رخصة في التيمم ، وأنت تقدر على الماء ، فاغتسل ، فمات ، فلما قدمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبر بذلك ، فقال : ( قتلهم الله ألا سألوا إذا لم يعلموا ، وإنما شفاء العي السؤال ، وإنما كان يكفيه أن يتيمم ، ويشد على جرحه خرقة ، ثم يمسح عليها ، ويغسل سائر جسده ) .

وجوابه : أن التيمم لو كان طهارة لم يحتج إلى الغسل لأنا لا نعني بالطهارة إلا ما أزال المانع الشرعي ، ولأن الجمع بين طهارتين خلاف قواعد الشرع في الأحداث فيتعين حمل الحديث على حالتين حتى يكون معناه إنما كان يكفيه أن يتيمم إن عجز عن استعمال الماء ، ويشد على جرحه خرقة ، ثم يمسح عليها ، ويغسل سائر جسده إن أمكنه استعمال الماء ، ومثل هذا الإضمار مجمع على جوازه ، وما ذكرتموه على خلاف القواعد غير مجمع عليه ، وحمل كلام الشارع على موافقة قواعده ، وطرد عوائده ، وما أجمع عليه أولى مما ذكرتموه ، ولأن الإجماع منعقد على جواز الصلاة بالمسح على الجبيرة ، وإن ابتدأ لبسها على غير وضوء ، وإنما الخلاف في الإعادة ، وإذا ثبت الجواز بدون الطهارة لا تكون شرطا فيه .

وأما القياس على الخفين ، فمندفع بفارق الضرورة ، فإن الجرح يأتي بغير علم . [ ص: 321 ] السادس : في الجواهر : إذا كان الموضع لا يمكن وضع شيء عليه ، ولا ملاقاته بالماء ، فإن كان في موضع التيمم ، ولا يمكن مسه بالتراب وجب تركه ، فلا غسل ، ولا مسح لأنه المقدور ، وإن لم يكن في أعضاء التيمم ، فثلاثة أقوال : التيمم ليأتي بطهارة تامة ، والغسل ترجيحا للأصل ، والجمع بينهما احتياطا .

فائدتان :

الأولى : إيقاع الطهارة في غير محل الحدث عبث لكنه جاز على الجبائر والخفاف لمسيس الحاجة لهذه الأمور ليلا يعتاد المكلف ترك المسح ، والغسل فيثقلا عليه عند إمكانهما .

الثانية : يفرق الفصل من الجسد : إن كان في الرأس قيل له شجة ، أو في الجلد قيل له خدش ، أو فيه ، وفي اللحم قيل له جرح ، والقريب العهد الذي لم يفتح يقال له خراج ، فإن فتح قيل له قرح ، أو في العظم قيل له كسر ، أو في العصب عرضا قيل له بتر ، وطولا قيل له شق ، وإن كان عدده كثيرا سمي شدخا ، أو في الأوردة ، والشرايين قيل له انفجار ، وهذه الفائدة محتاج إليها في قول الجلاب والتهذيب : من كانت له شجاج ، أو جراح ، أو قروح فيعلم الفرق بينها في اللغة .

التالي السابق


الخدمات العلمية