صفحة جزء
وفي الركن : سبعة وعشرون فرعا :

الأول ، في الكتاب : تعليق العتق بخلاف تعليق التدبير فلا حنث في العتق عليها إلا أن يجعل حقيقة بعد موت فلان أو خدمة العبد إلى أجل ، فكما قال ، واليمين بالعتق يجب الوفاء به بخلاف الوصية به فيجوز الرجوع فيها ترغيبا في القربات عند الممات ، وإذا حنث في يمين عتق بالقضاء ، وفي النذر يؤمر من غير قضاء ، لأن النذر قربة تفتقر إلى النية والخير منعها ، وإن قال : إن ملكتك أو اشتريتك فأنت حر ، فإن اشتراه أو بعضه عتق عليه جميعه ، ويقوم عليه نصيب شريكه ، لأنه مدخل للعيب [ ص: 103 ] على شريكه بتعليقه ، وإن اشتراه شراء فاسدا عتق عليه ولزمته قيمته ورد الثمن كمن باع عبدا بثوب فأعتقه ، ثم استحق الثوب ، فعليه قيمة العبد ، وإن قال : إن بعتك فأنت حر ، فاشتراه عتق على البائع ، لأنه مرتهن بيمينه ، وقد صار عتيقا بنفس الموت ، وهذا الوصية ونفس البيع ، قال في النكت : العتق قد لا بين فيه فحنث بعد الموت ، وتارة يكون معلقا على موت ، فلما نشأ به أشار إلى الفرق ، وفرق آخر : أن المدبر لا يباع في الحياة في الدين ، والمعلق عتقه يباع ، لأنه قادر على المر ، والتدبير أقوى لعجزه عن حله : وهذا يقدم إذا ضاق الثلث بعد الموت ، وقوله : إذا أعتقه ، ثم استحق الثوب عليه قيمة قبل ، قيل : إنما رجع بقيمة العبد إذا كان دافع الثوب قد تقدمت له فيه شبهة ملك ، وأما إن تعدى على ثوب رجل فباعه بعد فينتقض عتق العبد ويأخذ عبده ، ووجه تشبيهه : التعليق على البيع بالموت أنه بالموت ، فيصير للوارث ، ولم يمنع ذلك العتق ، كذلك البيع يصير للمشتري فلا يمنع ذلك العتق ، قال سحنون : ومال العبد هاهنا للبائع ، لأن العتق ورد بعد تقريره له بالبيع ، قال عبد الحق : وإن استثنى المشتري ماله بيد العبد ، لأن شراء المشتري قد انتقض بالعتق ، والبائع لم يبقه لنفسه ، فإن قال : إن بعت هذا الشيء فهو صدقة ، فباعه لم ينقض البيع ، بخلاف العتق ، لأن الصدقة لا يجبر على إخراجها ، قال ابن يونس : قال ابن القاسم : من قال : لله علي عتق رقيقي هؤلاء ، فليف ، وإن شاء حبسهم ولا يجبر على عتقهم ، لأنها عدة جعلها لله تعالى ، وإنما يعتقهم الإمام الذي حلف له بعتقهم ، وأما التدبير والوعد فيؤمر بهما من غير جبر ، وقال أشهب في : لله علي عتق رقيقي ، يؤمر ، فإن لم يفعل قضي عليه ، وإن قال : أنا أفعل ، ترك وذاك ، فإن مات قبل أن يفعل لم يعتقوا في ثلث ولا غيره ، قال أبو [ ص: 104 ] إسحاق مكانه عنده ، أوجب على نفسه الفعل ، كما أوجب هبة لمعين ، فإنه يجبر على إنفاذها ، ولا يكون الإيجاب عند ابن القاسم إلا بأن يعتق ، وأما : لله علي ، فعدة لا إيجاب وهو يقول : لله علي أن أصوم غدا ، يجب عليه صيامه ، ولا يقضى به عليه ، قال مالك : ومن قال لعبده : لأعتقنك إن قدمت من سفري ، فهو وعد ، وأرى أن تعتق ، لما نهي عنه من إخلاف الوعد ، قال محمد : ويقضى عليه ، قال سحنون : إن قال : إن بعتك فأنت حر ، فباعه بالخيار ، لا يحنث حتى يقطع الخيار ويتم البيع ، وقال عبد العزيز بن أبي سلمة : إن قال : إن بعتك فأنت حر ، فباعه ، لا يعتق ، لأنه في ملك الغير إن تحقق الشرط وإلا لم يعتق لعدم تحقق الشرط ، ويؤكد قول مالك الوصية ، فإن له الرجوع فيها ما دام حيا ، ولا يعتق عليه إلا بعد زوال ملكه بالموت ، ولأن عقد العتق تقدم عقد البيع فيقدم أثره عليه ، ولأن السبب قد ينقطع عنه أثره لمانع ، كما إذا قال : إن ملكته فهو صدقة ، أو إن تزوجتها فهي طالق ، فإن العصمة والملك ينتفيان لما تقدم التزامه ، فإن باع نصفه ولم يستثن المشتري الآن ماله ، فنصف مال العبد قد انتزعه البائع ببيعه إياه ، كما يكون انتزاعا لجميعه إذا باع جميعه ، والنصف الثاني باق في ملك العبد ، فإذا عتق عليه النصف الذي لم يبعه بحكم تبع العبد نصف المال الذي بقي على ملكه ، لأنه لم يطرأ عليه انتزاع ، قاله أبو عمران ، قال سحنون : إن قال : إن انتزعت شيئا من مالك فأنت حر ، فباعه من عبد مأذون له في التجارة ، فإن العبد الأعلى حوز الأسفل ، وجميع مال العبد الأعلى للسيد ، لأن الحنث إنما وقع بعد البيع ، ومال العبد إذا بيع للبائع ، ولو لحق البائع دين لانتقض بيعه إذا لم يجاب ، لأنه إذا رد بيع للغرماء ، فالبيع لا بد منه ، ولأنا إنما نقضنا بيعه لحرمة العتق ، وإذا بطل العتق مضى البيع ، قال ابن القاسم : إذا حلف بحرية عبده لا باعه فباعه وملك الثمن ، رد البيع وعتق ، ويتبع المبتاع بالثمن ، لأنه عتق [ ص: 105 ] وعنده وفاء الثمن ، وإن كانت أمة فأولدها المبتاع عتقت على البائع ، ورد الثمن على المشتري ، ويقاصه فيه بقيمة الولد ، قال محمد : لا ثمن على المبتاع فيها ، لأن البائع حنث فيها حين حملت فصارت حرة بما في بطنها من يوم استقرت النطفة ، وكذلك من اشترى جارية فحملت واستحقت فأعتقها سيدها حاملا لا قيمة له في ولدها ، وإن قال لعبده : إن بعتك فأنت حر بعد البيع بسنة ، فباعه ، قال محمد : رد بيعه وعتق عليه إلى سنة ، وإن كان البيع والحرية وقعا معا : فالعتق أولا ، وقيل : لا يلزمه العتق ، قال محمد : ولو كانت أمة فوطئها المشتري وحملت قبل رد البيع ، ولا قيمة عليه للولد ، وتعتق على سيدها إلى سنة ، كما لو باعه معتقه إلى سنة فأولدها المبتاع ، قال محمد : وإن قال : غلامي حر إن بعته ، وغلامك حر إن اشتريته ، فباع غلامه بغلامك ، عتقا عليه ، وعليه قيمة غلامك ، وإن بعت عبدي ميمونا فهو حر ، ثم حلف بحرية آخر ليبيعن ميمونا ، فباع ميمونا ، عتق عليه وبرئ الآخر ، كمن حلف ليبيعن فلانا الحر فباعه رد بيعه وعتق عليه وسائر رقيقه ، لأنه هاهنا حلف على البيع النافذ ، قال ابن القاسم : إن قال : عبدي حر إن بعته ، وحلف آخر أن امرأته طالق ليشترينه ، فباعه منه . حنث البائع والمشتري إن كان المشتري عالما بيمين البائع إذا لم يتم البيع ، وهو مخالف لما تقدم ، وعلى ما تقدم لا يحنث المشتري لأنه قد اشتراه الشراء الذي يرجعه إلى حرية ، وإن لم يعلم باليمين حنث اتفاقا ، وإن حلف بحريته إن باعه ، فباعه بيعا فاسدا حنث ، وهو أحوط ، لأن الضمان فيه من المشتري ، وفي بيع الخيار : الضمان من البائع ، قال اللخمي : اختلف في تعليل : إن بعتك فأنت حر ، قال محمد : وقع البيع والعتق معا ، فقدم العتق ، قاله محمد ، وقاله القاضي إسماعيل : بل معناه : فأنت حر قبل البيع ، وقال سحنون بالإيجاب قبل القبول ، وهل يفتقر عتقه إلى حكم لأنه موضع خلاف ؟ قولان ، والافتقار أجيز بقوة الخلاف .

التالي السابق


الخدمات العلمية