صفحة جزء
السابع والعشرون . في المقدمات : إن قال : أنت سائبة ، قال ابن القاسم : إن أراد به العتق فهو حر ، وولاؤه لجميع المسلمين ، وهو مكروه ، لنهيه - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الولاء وهبته ، ولم يكرهه أصبغ ، كعتق عبده عن زيد ، ويعتق ، أراد [ ص: 134 ] الحرية أم لا ، لصراحته في العتق ، وقال عبد الملك : يحرم عتق السائبة لظاهر قوله تعالى : ( ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ) أي لم يشرع ، فإن فعل فالولاء له إن عرف ، فإن ما بقي منه إن كان له مال ، وفي الكتاب : إذا أعتق المليء شقصا له في عبد فليس لشريكه التمسك بنصيبه ، ولا عتقه إلى أجل ، إنما له أن يبتله أو يقوم على شريكه ، فإن أعتق حصته إلى أجل ، أو دبره ، أو كاتبه ، رد ذلك إلى التقويم ، إلا أن يبتله ، قال غيره : إن كان الأول مليا بقيمة نصف نصيب المعتق إلى أجل ، قوم ذلك عليه ، وبقي ربع العبد معتقا ، وقال غيره : إن كان الأول مليا وأعتق الثاني إلى أجل فقد ترك التقويم ، ويعجل عليه العتق الذي ألزم نفسه ، واستثنى من الرق ما ليس له ، وقال ( ش ) قولين : أحدهما : أن الموسر يلزمه أن يؤدي قيمة العبد ، فإذا أدى عتق فاللفظ وجب الأداء ، وبالأداء عتق . وهو ظاهر قول مالك ، والثاني : يعتق بالسراية ، وتكون القيمة في ذمة الشريك ، وقاله ابن حنبل ، وقال ( ح ) : يتخير شريك الموسرين ثلاث : بين أن يعتق نصيبه ، أو يقوم على شريكه الموسر ، أو يستسعى العبد في قيمته ، فإذا أداها عتق ، ويتخير مع العسر في العتق والاستسعاء ، وقال صاحباه : العتق يقع جزما وإن كان موسرا ، إذ القيمة والاستسعاء للعبد . لنا في بطلان الاستسعاء : ما تقدم من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وإلا فقد أعتق منه ما أعتق ، وما في الصحيح : ( أن رجلا أعتق ستة أعبد ، لا مال له غيرهم ، فدعاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأقرع بينهم ، فأعتق اثنين وأرق أربعة ) فلم يلزمهم الاستسعاء و ( ح ) يعتق من كل واحد بعضه ، ويستسعيه [ ص: 135 ] في الباقي ، ولأنه لا يجزيه على الكتابة ، فنقيس عليه ، لأنها عتق بعوض ، ولأنه لو أوصى المريض بعتق عبده ولا مال له غيره ، عتق ثلثه واستسعي في الباقي ، فيؤدي إلى تقديم حق الموصى له على حق الوارث ، مع أن الوارث مقدم فيما عدا الثلث . احتجوا بما خرجه البخاري وغيره أن النبي - - - صلى الله عليه وسلم - قال : ( أيما عبد كان بين رجلين فأعتق أحدهما نصيبه ، فإن كان موسرا قوم عليه ، وإلا استسعي العبد غير مشقوق عليه ) وجوابه : قال صاحب الاستذكار : روى الحديث جماعة ، والحفاظ منهم لم يذكروا السعاية ، فضعف نقلها ، قال صاحب القبس : وإلا فقد عتق منه ما عتق في الحديث الأول ، ( وإلا استسعي العبد ) من كلام الراوي فتيا من قبل بنفسه ، قاله علماء الحديث ، سلمناه ، لكن ليس في اللفظ ما يقضي الجبر على ذلك ، فيحمل على أنه برضا العبد والسيد على سبيل الندب ، لأنه توسل للعتق ، ويؤكده قوله : ( غير مشقوق عليه ) ، وهو يدل على الاختيار وعدم الجبر ، وإلا حصلت المشقة ، أو يحمل على إثبات السعي للسيد في يوم الرق ، ليلا يظن السيد أن استخدام العبد بعد ذلك يمتنع لمشاركة الحرية ، وقاسوه على الكتابة على القول بالجبر عليها ، والفرق : أن هاهنا حصلت جناية من المعتق ، فأصل التعلق به لجناية ، فقد وجد المزاحم فسقط الإجبار على العبد لتعين الغير ، بخلاف الكتابة ، ولنا على عدم العتق بالسراية حتى يقوم : ما في الحديث المتقدم : وكان له مال يبلغ ثمنه فهو عتيق ، والفاء للترتيب ، فدل على أن العتق إنما يكون بعد تحقق ذلك بالكشف والتقويم ، وفي الأحاديث : إذا كان العبد بين اثنين [ ص: 136 ] فأعتق أحدهما نصيبه ، فإن كان موسرا قوم عليه قيمة عدل ، ولا لبس ولا شطط ، ثم يعطى صاحبه ، ثم يعتق . وهو يدل أن العتق توقف على تسليم القيمة لأن ( ثم ) للتراخي ، ولأن التقويم يدل على أن المقوم مال لأحد . احتجوا بأن التقويم يعتمد الإتلاف ، فدل على أنه تلف بالعتق ، ولأنه يروى : ( من أعتق شركا له في عبد فهو حر له ) .

والجواب عن الأول : قد يكون التقويم فيما هو في حكم التالف كما إذا غصب عبدا فأبق منه . فإنا نقومه عليه ، وهذا في حكم التالف بتفريق الخدمة ونقصان الثمن بقلة الرغبات فيه ، ولأنه لإزالة الضرر عن الشريك ، فلا يزول إلا بعد قبض المال كالشفعة ، ولأنه لو أعتق نصيب شريكه ابتداء لم يعتق منه شيء ، فدل على أن النصيبين كالعبدين ، ولو أعتق أحد العبدين لم يعتق الآخر . وعن الثاني : أنه يتعين أنه آئل إلى العتق كله بالتقويم جمعا بينه وبين ما ذكرناه .

تفريع : في التلقين : لا يجوز تبعيض العتق ابتداء ، ومن بعض العتق باختيار أو لسببه لزمه تكميله ، كان باقي المعتق له أو لغيره ، ويريد بسببه : شراء حر ممن يعتق عليه أو يقبله في هبة ، أو صدقة ، أو وصية ، أو نكاح .

وفي الكتاب : يقوم النصيب يوم القضاء ويعتق على المعسر غير حصته ، وإن كان مليا ببعضها قوم ذلك عليه ويباع عليه في شوار بيته ، والكسوة ذات البال ، دون ما لا بد منه ، وعشرة الأيام . فإن كان مليا وأعتق الآخر نصف نصيبه عتق باقي حصته عليه ، لأنه قد أتلف نصيبه بعتقه لبعضه ، ولا يقوم [ ص: 137 ] على الأول إذا قيم عليه ، والعبد غير تالف ، فلو مات قبل التقويم لم يلزمه شيء ، لأنه مات على ملك سيده ، وإن مات المعتق لنصف نصيبه قبل أن يعتق عليه ما بقي بقيمة على المعتق الأول : قال ابن يونس : إذا لم ينظر في أمره حتى أيس قوم عليه ، لأن العبرة بحال الحكم لا يوقعه الرفع إلى الحاكم ، وأجمع أصحابنا أنه بتقويم الإمام حر بغير إحداث حكم ، لأنه الوارد في الحديث ، وكذلك لو دبر فقوم عليه لشريكه ، وأنكر على عبد الملك : أنه لا يكون مدبرا إلا بالحكم ، وقالوا : إن أعتق بعض عبده لا يعتق إلا بالحكم ، لأن الأول وارد في لفظ الحديث قريب فيه العتق على التقويم ، ولتعين ضرر الشريك ، وها هنا لم يضر نفسه وفي العتق بالمسألة قولان ، وعتق القرابة بمجرد الملك ، قال سحنون : وإن يكن للمعتق مال ظاهر ، سئل عنه جيرانه ومن يعرفه ، فإن لم يعلموا له مالا أحلف ولا يسجن ، وإن كان للعبد يجبر بدفع قيمته بموضعه ، ولا يجلب إلى غيره ، وإن قال : هو سارق وشريكي يعلم ذلك ، وأقر به قوم سارقا ، أو أنكر ، فلا يمين له عليه ، ويقوم سليما ، إلا أن تقوم بينة أو شاهد ، قال أشهب : يحلف معه ، فإن نكل أحلف شريكه ، فإن كان الشاهد غير عدل لم يحلف معه ، وتوجهت اليمين على شريكه ، وقال محمد : غير العدل لا يوجب شيئا ، قال اللخمي : لو تراضى الشريك والعبد بترك التقويم لم يصح ، لحق الله تعالى في العتق ، وللملك في عتق المقوم هل بنفس المعتق الأول أو بعد الحكم ، قال : والأحسن أن لا يكون إلا بعد الحكم ، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( قوم عليه وأعتق ) فهو أمر بإيقاع العتق . والأصل : بقاء الرق حتى يتيقن زواله ، فإن لم ينظر فيه حتى خرج أو قذف فهو على أحكام العبيد ، وقيل : إنه بنفس التقويم يعتق ، وهو وهم ، لأن التقويم يحصل حق الشريك ويبقى حق الله تعالى يفتقر إلى حكم [ ص: 138 ] تحققه ، وإذا قوم على الشريك صار له كله ، والمعروف من المذهب إذا كان كله لا يعتق إلا بعد الحكم ، وإذا اختار المتمسك أن يعتق ، ثم انتقل للتقويم ، لم يكن له ذلك إلا إذا رضي شريكه ، لأنه أسقط حقه عنه ، فإن اختار التقويم ، ثم انتقل للعتق ، قيل له : ليس لك ذلك لتعين الولاء لغيره ، وقال ابن حبيب : له ، لأنه أولى بالتقريب لملكه ، وقاله ابن القاسم ومحمد ، قال محمد : ويقوم على أنه لا عتق فيه ، لأنه كذلك عينه ويقوم لم يسو القيمة يوم الحكم على أن نصفه حر ، لأنه أذن في العيب ، ولا شيء له إن كان معسرا ، ولو تأخر الاستكمال حتى يغير سوقه . فلمن لم يعتق قيمة عيب العتق يوم أعتق ، وقيمة النصف معينا يوم الحكم ، فإن مات العبد قبل الاستكمال ، أو أراد الشريك العتق ، أو المعتق معسرا بيع بقيمة العيب في ذمته ، فإن رضي الشريك بالتقويم مع العسر ليكمل العتق : قال محمد : ذلك له : لأن تأخير أخذ القيمة بسبب الإعسار حق له ، وقيل : ولا يشغل ذمة شريكه بغير رضاه ، والحديث لم يرد فيه ، قال : وهو أحسن ، وإذا أعسر ، ثم أيسر أو قال : كنت معسرا أو علم أن الذي في يده فائدة ، لكان القول قوله في الاستكمال ، لأن هذه فائدة ، والحديث : ( من أعتق وله مال ) ، ولا يقوم عليه إذا شك هل كان له مال أم لا ؟ والقيمة : أصلها الحلول كسائر قيم المتلفات ، فإن تراضيا بالتأجيل امتنع ، لأنه ربا وفسخ دين في دين ، وإن تراضيا بالتأجيل مع العسر جاز ، لأنه بيع باختيار ، وفي الجواهر : يترك للمقوم عليه عيشة الأيام وكسوة ظهره ، كما في الديون ، وقال أشهب : لا يترك له إلا ما يواريه لصلاته ، وقال عبد الملك : يترك له ما لا يباع على المفلس ، وإن كان عليه دين بقدر ماله فهو معسر ، ويقوم كاملا لا عتق فيه ، وقيل : على أن نصفه حر ، وعلى الأول اتفاق الأصحاب ، ويقوم بصنعته وماله وما حدث له من ولد بعد العتق أو [ ص: 139 ] مال ، وتقوم الأمة بولدها ومالها ، ولو تقاوم الشريكان العبد والأمة فبلغاه أضعاف ثمنه ، فأعتقه أحدهما ، قال ابن القاسم : نزلت بالمدينة بين رجل وامرأته فاستحسن مالك أن ينادى عليه ، فإن زادت عليها ، وإلا لزمه الزوج ، فلو بقيت قبل التقويم قوم بعينه ، قال صاحب المنتقى : في تحليفه إذا لم يوجد له مال ، قولان : التحليف كالمفلس للتهمة ، وعدمه ، لأنها يمين لو نكل عنها لم يستحق بها شيء ، والأول عليه الجمهور ، فإن كان له مدبرون ، أو معتق إلى أجل ، فلا حكم لهم في القيمة ، وتقوم ديته على مال حاضر ، وأمد قريب ، ويتبع في ذمته دون أسير أو على غائب ، قاله عبد الملك ، وفي الموازية : شطر ديته ، ويمنع شريكه من البيع ، وشطر فيه ، وإن كان ماله يبلغ بعض الحصة فروى القاضي أبو محمد : يعتق ذلك فيبقى الباقي رقا لمالكه ، وقاله سحنون إلا في التافه .

التالي السابق


الخدمات العلمية