صفحة جزء
الخاصية الخامسة : القرعة ومحلها ، وفي الكتاب : إذا أوصى بعتق عبيده أو بتلفهم في المرض ، ثم مات عتقوا إن حمله الثلث ، وإلا تبلغه بالقرعة وإن لم يدع غيرهم قبلهم بالقرعة ، وقاله ( ش ) وابن حنبل ، وقال ( ح ) : لا تجوز القرعة في الأولى ، ويعتق من كل واحد ثلثه ، ويسعى في باقي قيمته للورثة حتى يؤديها فيعتق .

لنا : ما في الموطأ : ( أن رجلا أعتق عبيدا له عند موته ، فأسهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأعتق ثلث العبيد ) قال مالك : وبلغني أنه لم يكن لذلك الرجل مال غيرهم ، وفي غير الموطأ من الصحاح : ( أعتق ستة ممالك في مرضه ، لا مال له غيرهم ، فدعاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فجزأهم فأقرع بينهم ، وأعتق اثنين ورق أربع ) . ولأن الإجماع في حصر التابعين عليه عن عمر بن عبد العزيز ، وخارجة بن زيد ، وأبان بن عثمان ، وابن سيرين ، وغيرهم ، ولم يخالفهم من حصرهم أحد ، ووافقنا ( ح ) في القرعة في قسمة [ ص: 171 ] الأرض لعدم المرجح ، وهو هاهنا ، ولأن في الاستسعاء ضررا على العبيد بالإلزام ، وعلى الورثة بتأخير الحق وتعجيل حق الموصى له ، والقواعد تقتضي تقديم حق الوارث ، لأن له الثلثين ، ولأن مقصود الموصي كمال العتق في العبد ليتفرغ للطاعات والكسب ، وتجزئة العتق تمنع من ذلك ، وقد لا يحصل الكمال أبدا . احتجوا : بقول النبي - - صلى الله عليه وسلم - : ( لا عتق إلا فيما يملك ابن آدم ) واحد جاز ، والبيع يلحقه الفسخ ، والعتق لا يلحقه الفسخ فأولى لعدم القرعة ، لأن فيها تحويل العتق ، ولأنه لو كان مالكا لثلثهم فأعتقه لم يجمع ذلك في اثنين منهم ، والمريض لم يملكه غير الثلث فلا يجمع ، لأنه لا فرق بين منع التصرف وعدم الملك في نفوذ العتق ، ولأن القرعة في جميع الحقوق إنما تدخل فيما يجوز التراضي عليه ، لأن الحديث حال الصحة لما لم يجز التراضي على إسقاطها لم تدخل القرعة فيها ، وقسمة الأموال يجوز التراضي فيها فدخلت القرعة فيها .

والجواب عن الأول : أن العتق ما وقع إلا فيما يملك ، وما قال : العتق في كل ما يملكه ، فإذا نفذ العتق في عبدين ، وقع العتق فيما يملك .

وعن الثاني : أنه قضية في عين ، لتمهيد قاعدة كلية كالرحم وغيره ، ولقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( حكمي على الواحد ، كحكمي على الجماعة ) .

وعن الثالث : لو كان العتق شائعا لبطلت القرعة ، واتفاقهم في القيمة ، [ ص: 172 ] أو اثنين سهم ليس متعذرا عادة ، لا سيما الجلب ، ووخش الرقيق .

وعن الرابع : أن الميسر هو القمار ، وميسر الحقوق ليس قمارا وقد أقرع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أزواجه وغيرهم ، واستعملت القرعة في شرائع الأنبياء عليهم السلام لقوله تعالى : ( فساهم فكان من المدحضين ) و ( إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم ) وليس فيها نقل الحديث ، لأن عتق المريض لم يتحقق لأنه إن صح عتق الجميع ، وإن طرأت ديون بطل ، وإن مات وهو يخرج من الثلث ، عتق الثلث ، فلم يقع في علم الله تعالى من العتق إلا ما أخرجته القرعة .

وعن الخامس : الفرق : بأن مقصود الهبة والوصية : التمليك ، وهو حاصل في الملك الشائع كغيره ، ومقصود العتق : التخليص للطاعات والاكتساب ، ولا يحصل مع التبعيض ، ولأن المالك شائعا لا يؤخر حق الوارث ، وها هنا يتأخر بالاستسعاء .

وعن السادس : أن البيع لا ضرر فيه على الوارث كما تقدم الوصية ، ولا تحويل للعتق كما تقدم .

وعن السابع : أنه إذا ملك الثلث فقط ، لم يحصل تنازع في العتق ، ولا جريان من تناوله لفظ العتق .

وعن الثامن : أن الوارث لو رضي تنفيذ عتق الجميع فهو يدخله الرضا .

التالي السابق


الخدمات العلمية