صفحة جزء
الثالث : في الكتاب : للوصي عند الموصى عليه على وجه النظر ، ويمتنع عتقه على مال ; لإمكان الانتزاع ، ويجوز من الأجنبي على عتقه كبيعه إن كان نظراء ، وللأب مكاتبة مدبر ابنه نظرا له ، كما يبيع ويشتري له نظرا ويعتق عبد ابنه الصغير ، والأب ملي ، وإلا لم يجز ، قال غيره : إلا إن تيسر قبل النظر في ذلك فيتم عتقه ، ويقوم عليه ، قال ابن يونس : قال مالك : وإن لم يكن الأب موسرا يوم أعتق فرفع للحاكم رد عتقه إلا أن يتطاول زمانه ، وتجوز شهادته ، ويتزوج [ ص: 265 ] الأحرار فيتبع بقيمته ، وأما الكبير الخارج عن ولايته فيرد عتقه لعبده كالأجنبي ، قال محمد : وإن أعتق عبد ابنه الصغير عن الابن امتنع ، وإنما يلزمه ويقوم عليه إذا أعتقه عن نفسه ، وقاله ( ش ) و ( ح ) : لا تجوز مكاتبة الأب والوصي . لنا : قوله تعالى : ( أوفوا بالعقود ) وقوله تعالى : ( ولا تبطلوا أعمالكم ) وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( وإنما لكل امرئ ما نوى ) وهما قد نويا الكتابة ، ولأن لهما البيع ، وهما في معنى البيع . احتجوا : بأنها عتق بغير عوض لأن لها أخذ اليسير بغير عتق ، ولأن فيها تغريرا بمال الصبي ، لأن المكاتب يجوز ماله فقد يتلف ويعجز ، والجواب : أن النظر قد يؤدي إلى ذلك فإن يخف آفاته ، كما له بيعه بالثمن اليسير نظرا ، وقد لا يكون له كسب فيحتاجون للكتابة بكسبها ، ويحصل في الكتابة أضعاف قيمته .

الرابع : في الكتاب : يمتنع مكاتبتك شقصا لك بإذن شريكك أو بغير إذنه للذريعة إلى عتق النصيب بغير تقويم ، ويفسخ ويرد ما أخذت فيكون بينكما مع رقبة العبد ، قبضت الكتابة كلها أو بعضها ، قال غيره : إنما يكون ذلك بينكما إذا اجتمعتما قسمة ، ومن طلب رد العبد فذلك له ; لأن مال العبد المشترك لا يأخذ أحدكما منه شيئا إلا بإذن صاحبه ، ولا ينزع ماله حتى يجتمعا ، وإن كاتبت حصتك ثم كاتب الآخر حصته ولم يتساويا امتنع ذلك إذا لم يكاتباه جميعا كتابة واحدة ، كاتبتماه على مال متفق أو مختلف ; لأن كل واحد يقتضي دون الآخر ، قال غيره : إن تساويا في الأجل والمال جاز ذلك ، وأما إن أعتق هذا أو [ ص: 266 ] دبر ، ثم فعل الآخر مثله ولم يعلم لصاحبه جاز ، قال ابن يونس : وقيل : إن كاتبه إلى سنتين بمائتين ، والآخر بمائة إلى سنة فإن حطه صاحب المائتين مائة وخيره بمائة إلى سنة جاز وكأنهما كاتباه معا ، وإن أبق : قيل للمكاتب : أترضى أن تزيد صاحب المائة مائة وتؤجلها إلى سنة ليتفق الأداء ؟ فإن فعل جاز ، وإلا فسخت الكتابة ، قال اللخمي : إن اتفقت في القدر والنجوم ، والعقد مفترق امتنع ، فإن وقع قال ابن القاسم : يفسخ وأمضاها غيره ، وأبطل الشرط ، ويكون الاقتضاء واحدا ، وإذا فسدت ولم يعلم حتى أدى نجما أو صدرا من الكتابة ففي الفسخ قولان ويسقط الشرط إن أمضيت ، وإن أدى الجميع عتق قولا واحدا ، وقاله ( ش ) الفوت إن كان الفساد بإمكان الافتراق في الاتصال ، واختلاف النجوم ، أما اختلاف الأداء : فإن أخذ أحدهما مائة والآخر مائتين فالفسخ باق إلا أن يسمي العبد الآخر مائة ، أو يرضى السيد أن تكون الدنانير والعروض بينهما ، وإن كاتبه على مائة إلى سنة والآخر على مائة إلى سنة ، والثاني بمائة إلى سنة فسخت ، فإن أدى نجما أو صخرا فإن رضي من له الفضل والعبد بلحوق الأعلى أو رضيا بأن يكون الاقتضاء واحدا مضت الكتابة ، وإلا مضت على أحد الأقوال ويكون اقتضاؤهما واحدا ، ويفسخ على القول الآخر ما لم يؤد نجما أو صدرا وإن كاتب نصيبه وحده ففي الكتاب : يفسخ ، وعنه يحلف السيد ما علم أنه يعتق عليه إذا أدى فإن حلف لم يقوم عليه وإلا قوم ، وظاهر قوله : إنه لا يرد عتق ذلك النصيب ; لأنه لم يقل : إن حلف رد عتق النصيب الذي أدى ، ويختلف على هذا إذا لم يكن فيه شرك ، ففي المدونة : يرق ما كوتب منه وإن أدى ، وعلى القول الآخر : يحلف ، فإن نكل عتق كله إلا أن يكون عليه دين يغترق ما لم يكاتب منه فيمضي ما كاتب في نصفه ، للخلاف أنها [ ص: 267 ] بيع أو عتق فإن كان فيه شرك وفات بالأداء أو فات ما قبضه وهو معسر ، والذي اقتضاه مثل ما ينوبه من مال كان بيده أو من خراجه مضى عتق ما كاتب منه ; لأن الرد إما للاستكمال - وهو معسر - أو لحق الشريك فيما يأخذه ، وهذا لم يأخذ فوق حقه إن كان من خراجه وإن لم يكن أذن ، وإن كان من غير الخراج مضى إن كان بإذنه ، فإن كان العبد معتقا نصفه جاز مكاتبة بقيته ، ويختلف في كتابة نصف البقية فعلى القول بأنه ليس بزيادة فساد يجوز ، وإن كان نصفه مدبرا جازت كتابة الآخر إذا كان يسعى في كتابته في يوم من لم يدبر ، وإن كانت السعاية من مال بيده قسم فكان للمدبر نصيبه ، ويسعى في اليوم ، والآخر للكتابة ، وكذلك إذا أعتق الأول - وهو معسر - أو أولد ; لأن المقال في قسمة المال للثاني ، لأن بيعه بماله أفضل ، قال ابن وهب : إن أعتق أحدهم - وهو معسر - ودبر الآخر وكاتب الثالث يؤدي من ثلثي المال الذي في يده أو ثلثي ما يكسبه ، ولا يؤدي من الجميع ; لأن للمدبر أخذ ثلث ماله وخدمته .

الخامس : في الكتاب : إذا كاتب النصراني عبدا لنصراني جاز ولا يمنع من بيعه ، ولا فسخ الكتابة ; لأنه من المظالم ، وإن كاتب مسلما ابتاعه أو كان عنده أو أسلم مكاتبه بيعت الكتابة من مسلم ، فإن عجز رق لمشتري الكتابة أو أدى عتق ، وولاء الذي كوتب - وهو مسلم - للمسلمين دون مسلمي ولد سيده ، ولا يرجع إليه ولاؤه إن أسلم ; لأن يوم العقد لم يكن ممكنا منه ، وولاء من أسلم بعد الكتابة لمن يناسب سيده من المسلمين ولدا أو عصبة ، لاستيلائه يوم العقد فإن تعذر فللمسلمين ، فإن أسلم رجع إليه ولاؤه لتسويته له عند العقد ; لأنه كان على دينه ، وإن أسلمت أم ولد الذمي وقفت حتى يموت أو يسلم فيحل له لبقاء حق الوطء ، [ ص: 268 ] ثم رجع إلى أنها تعتق ، ولا شيء عليها من سعاية ولا غيرها ; لبطلان الوطء بإسلامها ، وولاؤها للمسلمين إلا أن يسلم سيدها بعد عتقها عليه ، فيرجع إليه ، وولاؤها له لثبوته له يوم الاستيلاد ، فإن أولد أمته بعد أن أسلمت عتقت عليه ، وولاؤها للمسلمين ، ولا يرجع ولاؤها إن أسلم ، قال ابن يونس : قوله إلا أن يسلم ، يريد : فتلزمه كتابته وعتقه ، وله في العتبية : إن أسلم وبان عنه حتى صار كحال الأحرار فلا رجوع له فيه ، وإن كان هو مختدمه على حاله فله الرجوع فلم يعتبر الإسلام إلا بالبينونة - عندنا - تمنع الرجوع وإن لم يسلم ، وإلا فرق بين الكتابة والعتق ، وظاهر المدونة : أن الإسلام كاف ; لأنه حكم بين مسلم وكافر ، قال سحنون : إن كاتبه بخمر فأسلم العبد بعد أداء نصفه ، فعليه نصف قيمته نصفه عبدا قنا ونصف كتابة مثله في قوته على السعي ، وكذلك إن أسلم السيد ، قال ابن القاسم : إن أسلم سيد أم الولد بعد إسلامها وقبل أن يعتق فهو أحق بها أم ولد له وإن طال ما بين إسلامهما ، ما لم يقض به الإمام ، وإن أولد أمته بعد أن أسلمت عتقت عليه وولاؤها للمسلمين لا يرجع إليه ، قال اللخمي : اختلف في الكتاب في فسخه للكتابة بناء على أنه من التظالم أم لا ، قال : وأرى إن كاتبه على ما يقارب الخراج فهو عتق ، وبابها الهبات فله الرجوع أو على أكثر من الخراج بكثير فهو من باب البيع فيحكم عليه ، وإذا أسلم المكاتب : قال القاضي إسماعيل : يباع عبد خلاف المدونة ، قال : وهو على ما تقدم إن كاتبه على أكثر من الخراج بالكثير بيع مكاتبا ; لأنه لو لم يسلم منع من بيعه عبدا غير مكاتب ، أو على نحو الخراج بيع مكاتبا على نحو عقد له ، إلا أن يرجع في الكتابة فيباع عبدا .

السادس : في الكتاب : إذا كاتب المريض من قيمته أكثر من الثلث وامتنع الوارث من الإمضاء عتق مبلغ الثلث ، فإن حاز الوارث الكبير قبل الموت لزمه ذلك بعده ، كما لو أسقط الشفعة بعد الشراء وقبل الأخذ أو عفا عن القصاص [ ص: 269 ] بعد الجرح ، وإن قبض الكتابة في مرضه ولم يحاب ومات جاز كبيعه ، ومحاباة في البيع في ثلثه ، وتمتنع كتابة المديان من ناحية العتق بخلاف المريض ، وقال غيره : الكتابة في المريض من ناحية العتق بمحاباة أم لا ، ويوقف بخدمة فإن مات والثلث يحمل جازت الكتابة ، وللأخير الورثة في الإجارة أو بتل محمل الثلث فمنه بما في يديه من الكتابة ، وإن كاتبه في صحته وأقر في مرضه بقبض الكتابة جاز ، ولا يتهم إن ترك ولدا وإن ورث كلالة ، والثلث لا يحمله لم يصدق إلا ببينة ، وإن حمله الثلث صدق ; لأنه لو أعتقه جاز عتقه ، وقال غيره : إذا أقسم فالميل والمحاباة له لم يجز إقراره حمله الثلث أم لا ، ولا يكون في الثلث إلا ما أريد به الثلث ، وإن كاتبه في مرضه وأقر بقبض الكتابة في مرضه ، وحمله الثلث وعتق ورثته ولدا وكلالة ، وإن لم يحمله الثلث خير ورثته في إمضاء كتابته أو عتق محمل الثلث ، وقال غيره : توقف نجومه ; لأن الكتابة في المرض عتاقة من الثلث لا من ناحية البيع ; لأن المؤدى من جنس الغلة ، وإن كاتبه في المرض بألف وقيمته مائة ، وأوصى بكتابته لرجل ، وحمل الثلث رقبته جازت الكتابة ، والوصية كالوصية بأن يخدم فلانا سنة ثم هو حر ، وإن لم يحمله الثلث ولم يجز الورثة عتق منه محمل الثلث ، وبطلت الوصية بالكتابة لتبدية العتق عليها ، قال في النكت : قال بعض شيوخنا : إذا كاتبه في المرض وحابى وقبض الكتابة جعل في الثلث قيمة الرقبة كلها بخلاف محاباته في البيع تعجل المحاباة خاصة ; لأن الكتابة في المرض عتق ، وإذا حابى والثلث يحمل رقبته جاز ، ولا يغرم في النجوم المقبوضة ، ولا يضاف للمال الميتة ، وإن لم يحمله الثلث ردت النجوم المقبوضة ليد العبد وأعتق منه بماله محمل الثلث ; لأن الثلث إذا حمل [ ص: 270 ] أخذ المال الورثة فلا يكثر مال الميت به ، قال بعضهم فيما إذا كاتب في الصحة وأقر في المرض بقبض الكتابة والثلث يحمله : إنما يصح إذا كان الثلث لم يؤمر فيه بشيء وإلا فمراده : تنفيذ وصاياه ، ويخرج العبد من رأس ماله فهو كالقائل : أعتقت عبدي في صحتي فلا يعتق ، وقيل : سواء أوصى أم لا يجوز إقراره إذا كانت وصاياه يقدم عليها هذا العبد . قال اللخمي : إن كانت كتابة المريض بمثل الخراج فهي من ناحية العتق ; لأنه وإن لم يحابه لا يقدر على أكثر من ذلك ، وله أخذ ذلك من غير كتابة ، وأكثر من الخراج بالأمر البين فهي مبايعة ، وينظر هل فيها محاباة أم لا على المجنون ، أو لأنه أحد طرفي العقد فلا يصح من الصبي كالطرف الآخر .

والجواب عن الأول : أن أدلة الكتابة خاصة وآية البيع عامة فيقدم الخاص .

وعن الثاني : أن المسألة مبنية على إجبار العبد فتكون المكاتبة كالمعاقبة لا تفتقر إلى تكرر الفعل من عاقبة اللص وطارقة الفعل ، مع أن تكرر الفعل أن يفعل كل واحد مثل فعل الآخر ، وهذا منفي إجماعا وإلا لزم أن كل واحد منهما يوجب ويقبل ويستحق العرض وهذا محال .

وعن الثالث : أن كتابة المجنون عندنا جائزة على كراهة قاله ابن القصار تخريجا على رواية البحر ، وقد يتصدق عليه بالأداء . وفي الجواهر : إذا فرعنا على قول أشهب في منع كتابة الصغير فعنه : حده : عشر سنين ; لأنه حد الضرب على الصلاة ، والتفريق في القوة على العمل ، لم يكره ( ش ) كتابة الأمة غير المكتسبة . لنا : ما روي عن عثمان - رضي الله عنه - أنه قال : لا تكلفوا الأمة الكسب ; فإنها تكسب بفرجها . وروي مرفوعا .

[ ص: 271 ] الثاني : في الكتاب : تمتنع كتابة بعض عبده ، وإن أدى لم يعتق منه شيء ككتابة شقصه ; لأنه ذريعة إلى عدم استكمال العتق بالتقويم .

الثالث : في الجلاب : لا تكاتب أم الولد وتفسخ إن أدركت قبل فوتها ، فإن فاتت بالأداء عتقت ، ولا ترجع على السيد بما أدت ، قال الأبهري واللخمي : أصل مالك : جواز إجارتها برضاها ، وإذا جاز ذلك جازت الكتابة برضاها ، وأولى بالجواز بمصلحة العتق ، قال بعض الفقهاء : ينبغي إذا كاتبها في مرضه أن يرجع على بركته إذا مات من ذلك المرض ويكاتب المدبرة ، وإن مات قبل الأداء عتقت في الثلث وسقطت الكتابة ، وإلا عتق ثلثها .

التالي السابق


الخدمات العلمية