صفحة جزء
الفصل الثالث في دم الاستحاضة

وهو ما زاد على الدم المعتبر . قال ابن شاس : إذا حكمنا بالاستحاضة ، فالحائض إما مبتدأة ، أو معتادة ، وكلاهما إما مميزة ، أو غير مميزة ، فهذه أقسام أربعة :

[ ص: 389 ] الأول : المبتدأة المميزة ، فحيضتها مدة تمييزها ما لم يزد على خمسة عشر يوما ، وأما المبتدأة غير المميزة ، فقد تقدم حكمها ، وأما المعتادة المميزة ، فحيضتها مدة التمييز لحديث فاطمة بنت أبي حبيش ، ولأن العادة تختلف ، والتمييز لا يختلف ، والنظر إلى اللون اجتهاد ، والعادة تقليد ، والاجتهاد أولى ، وأما المعتادة غير المميزة فثلاثة أقوال : الاقتصار على العادة للمغيرة وأبي مصعب ، فإذا شكت أهو انتقال عادة ، أو استحاضة اغتسلت وصلت ، وصامت ، ولا يصيبها زوجها احتياطا ، فإن انقطع الدم لخمسة عشر يوما علمت انتقال العادة ، فكانت المدة كلها حيضا ، وإن استمر الدم علم أنها استحاضة ، وثبت حيضها على ما تقدم من عادتها ، وتقضي الصوم فيما بين ذلك ، وبين الزيادة على الخمسة عشر يوما .

الثاني : قال مطرف : تبلغ خمسة عشر يوما .

الثالث : الاستظهار على العادة ، والمشهور أنها لا تتجاوز الخمسة عشر يوما ، وقال في كتاب محمد : تتجاوز باليومين ، وقال ابن نافع : وأنكره سحنون .

فروع تسعة :

الأول : استحب للمستحاضة في الكتاب أن تتوضأ لكل صلاة . قال صاحب الطراز : لا يختلف في وجوب الصلاة عليها ، واختلف إذا كانت جاهلة ، فتركت الصلاة ، فأنكر سحنون ما ذكر من سقوطها بالجهل ، واستحب لها الوضوء ، ولم يستحب لها الغسل كما جاء في حديث حمنة ; لأن ترك الغسل ( متفق عليه ) ، وإنما الخلاف في الوضوء . قال الخطابي : اتفق العلماء على عدم وجوب الغسل إلا أن تشك ، وذهب أبو ح ، و ش ، وجماعة إلى وجوب الوضوء عليها ، ويدل على عدم الوجوب أن حديث وجوبه لم يخرجه أحد ممن اشترط الصحة . قال أبو داود : زاد عروة : ثم توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت ، وقال : هذه الزيادة موقوفة على عائشة رضي الله عنها ، وأنكرها صاحب الطراز ، ويدل على عدم الوجوب اتفاق الجميع على أنه إذا خرج في الصلاة أتمتها ، وأجزأتها .

[ ص: 390 ] ووجه الاستحباب أنه من جنس الأحداث كالسلس ، والفرق بينه وبين فضلة المني أنها توجب الوضوء دون الغسل - عدم الحرج فيها لندرتها بخلافه ، وإنما وزانه سلس المني لا جرم يستحب منه الوضوء ، ولو خرجت فضلة المني في الصلاة أبطلتها وفاقا بخلاف دم الاستحاضة .

الثاني : قال في الكتاب : إذا انقطع دم الاستحاضة لا غسل عليها ، ثم رجع إلى الغسل ، وجه الأول أن الوضوء مستحب ، فلا يستحب الغسل كالسلس ، ووجه الثاني أمره عليه السلام لحمنة به حين أمرها بالجمع بين الصلاتين ، وكان الأصل أن تغتسل ، وتتوضأ لكل صلاة . ترك العمل بالغسل في الابتداء ، وكان علي ، وابن عباس رضي الله عنهما يأمران المستحاضة به في كل صلاة إن قويت على ذلك ؛ نقله أبو داود . قال ابن شاس : تغتسل من طهر إلى طهر إن كانت مميزة ، وإلا فغسلها عند الحكم عليها بالاستحاضة يكفي .

الثالث : المستحاضة توطأ خلافا لابن علية ؛ لما في أبي داود أن حمنة بنت جحش كانت مستحاضة يأتيها زوجها ، ولقوله تعالى : ( حتى يطهرن ) وهذه طاهر ، ولأن مطلقها لا يجبر على الرجعة ، فتوطأ قياسا على موضع الإجماع .

الرابع : قال في الكتاب : إذا رأت الدم خمسة عشر يوما ، ثم الطهر خمسة ، ثم الدم أياما ، ثم الطهر سبعة ، فهي مستحاضة . قال صاحب الطراز : قال بعض المتأخرين : أراد مستحاضة في الدم الثاني ، وقيل : في السبعة ، وفيه نظر ؛ لأنه لا معنى لربط هذا الدم بالسبعة بعده ، وأرى أنه يريد : بعد السبعة ، واختلف في هذا أيضا ، فقال التونسي : راعي الطهر خمسة ، والأيام أقلها يومان فيكون الجميع سبعة مع سبعة . الطهر أربعة عشر يوما ، فجاء الدم ، ولم يكمل الطهر .

وقيل : الدم الآتي بعد السبعة على صفة الاستحاضة قبلها . قال التونسي : يمكن أن تكون أيام الدم ثلاثة ، والدم الآتي بعد السبعة من جنس الآتي في الثلاثة التي بعد الخمسة ، فلذلك جعلها مستحاضة ، وينبغي إذا كان على صفة الحيض أن يكون حيضا ، والمستحاضة ترى دما تنكره قال : والذي قاله صواب .

[ ص: 391 ] الخامس : إذا تغير دم الاستحاضة إلى الغلظ والسواد ، قال صاحب الطراز : إن لم يمض بعد الحيض زمان هو أقل الطهر على ما تقدم ، فالاستحاضة باقية ، وإن مضى فهو حيض ، فإن تمادى على صفته ، أو تغير قال مطرف : تجلس خمسة عشر يوما ، وفرق عبد الملك بين هذه ، وبين ابتداء الاستحاضة ، فقال في تلك تجلس خمسة عشر ، وفي هذه تستظهر بثلاث ، ورواه ابن القاسم عن مالك ، وقال : إن علق بها دم الاستحاضة بعد أيام حيضتها لن تستظهر ؛ يريد بعد أن تغتسل .

وقال ابن القاسم مرة : تستظهر ، ومرة : لا تستظهر .

قال اللخمي : إذا جاء المستحاضة دم الحيض ، وزاد على العادة ، وهو مثل الاستحاضة ، فلا تحاط له ، وإن كان مثل دم الحيض ، فهي حائض ، وإن أشكل فالأحسن أنها مستحاضة ، وقيل : تستظهر بثلاثة أيام ، وقيل : تجلس خمسة عشر يوما .

السادس : لو تمادى دم الاستحاضة عشرة أيام تفريعا على أن الطهر خمسة عشر يوما ، ثم رأت الدم بعد الاستحاضة بخمسة أيام قال التونسي : إن أشبه الحيض فهو حيض ، وإن أشبه الاستحاضة فهو استحاضة . قال صاحب الطراز : وهذا مشكل بأنها رأت ابتداء الدم بعد طهر تام ، فلا تراعي صفته كما لو انقطعت الاستحاضة مدة أقل الطهر ، ثم رأت الدم . نعم لو جاء في أيام العادة دلت قرينتها على أنه حيض ، أو قبل العادة على صفة الحيض ، فقرينة الصفة تدل على الحيض .

فإن كان قبل العادة على غير صفة الحيض ، فاستحاضة لانتفاء القرائن ، وفيه على هذا نظر ; لأن دم المرض قد انقطع ، والحيض لا يتغير زمانه ، والاحتياط أحسن ، فلا تدع الصلاة إلا بما لا يشكل أنه دم حيض ، وهو معنى قول مالك .

السابع : إذا كانت لا ترى الدم إلا عند وضوئها ، فإذا قامت ذهب عنها . قال صاحب الطراز : روى ابن القاسم : لا تدع الصلاة إلا أن ترى دما تنكره - يعني المستحاضة - أما غيرها فتغتسل منه ، ولا تدع الصلاة عند انقطاعه ، فإذا جاوز ذلك أيامها ، فهي مستحاضة لا تغتسل له ، وروى ابن القاسم في هذه أنها تشده ، وتصلي من غير غسل كالمستحاضة . قال صاحب البيان : لأنها مستنكحة بذلك من قبل الشيطان قال : قال ابن أبي زيد : معنى قول مالك رضي الله عنه أنها تغتسل عند [ ص: 392 ] كل وضوء حتى تجاوز الأيام والاستظهار ثم هي مستحاضة . قال : وقد قال مالك : ليس عليها غسل ، وهو أولى بتفسير قوله من ابن أبي زيد .

والمستند في هذا الحكم أن امرأة استفتت عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، فقالت كلما أقبلت أريد الطواف هرقت الدم ، ثم إذا ذهبت ذهب . قال : إنما ذلك ركضة من الشيطان ، فاغتسلي ، ثم استثفري بثوب ، وطوفي ، وقال أيضا في موضع آخر : ومراده بعدم الغسل إذا أصابها ذلك في زمن الاستحاضة كما قاله ابن أبي زيد .

الثامن : قال صاحب الطراز : يستحب للمستحاضة والحائض والنفساء إذا تطهرن أن يطيبن فروجهن ؛ لما في البخاري أن امرأة سألته عليه الصلاة والسلام عن غسلها من الحيض ، فأراها كيف تغتسل قال : ( خذي فرصة من مسك ، فتطهري بها قالت كيف أتطهر بها قال : سبحان الله تطهري بها ، قالت عائشة ، فأخذتها إلي ، فقلت لها : تتبعي بها أثر الدم ) .

التاسع : قال صاحب البيان : قال مالك : إذا تركت المستحاضة الصلاة بعد انقضاء الاستظهار جاهلة لا إعادة عليها . قال ابن القاسم : الإعادة أحب إلي قال : ولو طال ذلك أيضا عليها لأنها متأولة ، والقضاء إنما ورد في الناسي والنائم لتفريطهما ، وقيل : تعيد إن كان يسيرا ، وإن كان كثيرا لم تعده قال : وقد سألت شيخنا ابن رزق ، فقال : ذلك محمول على ما بينها وبين خمسة عشر يوما للخلاف أما غير ذلك ، فلا بد من قضائه ; لأن ذلك ليس بحجة ، وكذلك قاله ابن حبيب .

التالي السابق


الخدمات العلمية