صفحة جزء
الطرف الثالث : الجلد . في التنبيهات ، له ثمانية شروط : البلوغ ، والعقل ، والإسلام ، وعدم الشبهة ، ومغيب الحشفة من قبل أو دبر من آدميين ، من غير إكراه ، ولا جهل بالتحريم ، وفي الثلاثة الأخيرة اختلاف ، وأصله قوله تعالى : ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ) ، وفي الكتاب : يضرب في الحدود كلها على الظهر ، ويجرد الرجل في الحد والنكال من الثياب ، ويقعد ولا يقام ولا يمد ، وتقعد المرأة ولا تجرد مما لا يقيها الضرب ; لأنه السنة في الغامدية وغيرها ، وينزع ما يقيها كاللبد ونحوه ، وأعجب مالكا أن تجعل في القفة للستر . وصفة الجلد في الحدود والتعزير واحد : لا مبرح ولا خفيف ، ولا يجزئ في الحد قضيب ، ولا شراك ، ولا درة ، بل السوط ، ودرة عمر - رضي الله عنه - إنما كانت للتأديب ، وكان يجلد بالسوط ، وعليك طاعة الإمام العادل العارف بالسنة في القتل والحدود ، وإن لم تعلم ذلك إلا من قول كقوله تعالى : ( وأولي الأمر منكم ) [ ص: 81 ] دون الجائز ، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( أطيعوهم ما أطاعوا الله فيكم ) إلا أن تعلم صحة ذلك وعدالة البينة . في التنبيهات : وقع في الكتاب : أمر الإمام بقطع في خرابة - بالخاء المعجمة - وهي سرقة الإبل خاصة ، والمهملة وهي الحرابة في كل شيء .

قال اللخمي : يجلد الحر والحرة مائة ، والعبد ومن فيه علقه رق خمسين ، لقوله تعالى : ( فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ) بسوط بين سوطين لا جديد ولا بال ، بضرب بين ضربين ، في زمان بين زمانين ، من رجل بين رجلين لا بالقوي ولا بالضعيف . وفي الموطأ . ( اعترف رجل بالزنا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فدعى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسوط ، فأتي بسوط مكسور ، فقال : فوق هذا ، فأتي بسوط جديد لم يقطع ثمرته ، فقال : بين هذين ، فأتي بسوط قد ركب به ولان ، فأمر به فجلد ) ، ولا يضع سوطا فوق سوط ، ويعطى كل عضو حقه إلا الوجه والفرج . قال ابن شعبان : ومذهب الكتاب أظهر ، لقوله - عليه السلام - في الصحيحين لهلال بن أمية لما قذف زوجته بشريك بن سحماء : [ ص: 82 ] ( أربعة وإلا حد في ظهرك ) ، وتجعل المرأة في قفة بها تراب وماء ، فإن حدث منها شيء خفي . قال ابن القاسم : ويجرد في التعزيرات إذا بلغت للحدود ، وفي الخفيف على ثيابه وفوق رأسه .

فرع :

في الكتاب : يجمع عليه بين حد الزنا ، والقذف ، وشرب الخمر ، إلا أن يخاف عليه فيجتهد في التفريق ، وكذلك المريض إذا خيف عليه أخر كما يؤخر السارق للبرد ، ويؤخر الجلد للبرد والحر ، ويبدأ حد الزنا على غيره ; لأنه لا عفو فيه ، وتؤخر الحامل حتى تضع ، وتستقل من النفاس ، وتؤخر المحصنة حتى تضع ، وإن لم يجد الولد مرضعة ، فهي ترضع ، لما في الموطأ : ( أن امرأة جاءت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته أنها زنت وهي حامل ، فقال : - صلى الله عليه وسلم - : اذهبي حتى تضعي ، فلما وضعته جاءته ، فقال : اذهبي حتى ترضعيه ، فلما أرضعته جاءته ، فقال لها - عليه السلام - : اذهبي فاستودعيه ، فاستودعته ، ثم جاءت ، فأمر بها فرجمت ) ، وإن ادعت الحمل أو قال البينة رأيناها تزني من ثلاثة أشهر أو أربعة ، نظر إليها النساء ، فإن صدقنها لم يعجل عليها ، وإلا فلا ، وتقدم حدود الله تعالى على القصاص ، وإن كان فيه فضل ، أقيم عليه ما للناس ، وإن خيف عليه لمرض أخر حتى يبرأ ، وإن سرق وزنى - وهو محصن - رجم ولم يقطع ; لأن القطع يدخل في القتل ، وإن أقر أنه زنى بنسوة ، أو شهد عليه بذلك ، فحد واحد ، أو شهد عليه بالزنا وهو بكر ، ثم زنى وهو محصن ، أجزأه الرجم ، وكل حد لله أو قصاص اجتمع مع قتل أجزأه القتل إلا في حد القذف ، يقام قبل القتل لحجة المقذوف في عار القذف إن لم يجلد . قال ابن يونس : قال عبد الملك : إذا زنى وقذف ضرب أكثر الحدين مائة ، وأجزأه . قال اللخمي : اختلف إذا قذف وشرب ، أو قذف جماعة ، هل حد واحد أم لا ، وإن سرق وقطع يمين رجل قطع للسرقة ، تقدمت أو تأخرت [ ص: 83 ] لأن حق الله تعالى لا يدخله العفو ، ولو قتل ، ثم قتل وليس لأحد الأولياء مال ولا دية ; لأنه لو قطع يمينه ، ثم ذهبت يمين القاطع بأمر من الله تعالى لم يكن للمقطوع يده شيء . وإن يمينه من الرسغ وسرق وقطع ، قطع من الرسغ ، وسقط يمين المقطوع ، أو من المرفق ثم سرق ، قطع من المرفق ، ودخل فيه القطع للسرقة ; لأن مقصود قطع السرقة النكال بين الناس لا الألم بالقطع . وإن سرق وحارب ورأى الإمام قطعه في الحرابة ، دخل قطع السرقة فيها ، أو نفيه أقام عليه الحدين ، أو قتله لم يقطع للسرقة ، وإن سرق وقتل بحرابة أو عداوة ، قتل ولم يقطع . وإن زنى وحارب أجزأ الرجم من الثيب ، أو بكرا قتل بالسيف ، إن رأى الإمام قتله للحرابة ، أو رأى قطعه أو نفيه ، أقام الحدين ، وإن زنى وقتل أجزأ الرجم ولا مقال للأولياء ، وإن كان غير محصن ، قتل ولم يجلد للزنا ، وإن قتل في الحرابة وأخذ في العداوة أو غيلة ، قتل للحرابة والغيلة ، ولم يكن للأولياء مقال في عفو ولا دية . وإن زنى المحصن ، أو قتل في حرابة أو افترى على رجل ، حد لفرية ; لتندفع المعرة ثم قتل ، وإن قطع يمين رجل ، يقتل للحرابة ولم يقطع . قال ابن القاسم ، قال : وأرى أن يقطع ، ثم يقتل ; ليستشفي بالقطع المجني عليه ، وإن كان المحدود ضعيف الجسم يخاف عليه الموت ، سقط حد السرقة ، وعوقب وسجن ، وفي القصاص يرجع للدية ، ويختلف : هل في مال الجاني أو العاقلة ؟ وفي القذف يفرق الضرب عليه وقتا بعد وقت ، وكذلك الزنا والشرب ، ويبدأ بحد الزنا على القذف إذا اجتمعا ، وإن كان الحقان لآدمي كقذف هذا وقطع هذا ، اقترعا أيهما يقدم إن خيف عليه ، وإن كان يكمل أحدهما دون الآخر ، أقيم عليه الأدنى منهما من غير قرعة ، أو أحدهما لله ، قدم إلا أن لا يحتمل إلا حق الآدمي [ ص: 84 ] ويؤخر الآخر لوقت لا خوف فيه . وإن خيف عليه دائما ، وحق الله تعالى جلد ، ابتدئ به مفرقا ، ثم ما للآدمي . ومتى تقدم للمرأة أربعون يوما من يوم زنت ، انتظر حملها ، وإلا حدت ; لأنه قبل الأربعين مضغة لا حرمة لها ، إلا أن تكون ذات زوج ، لم يستبرئها ، خير في قيامه بحقه في الماء ، أو يسقط حقه ، فتحد .

قاعدة : الأصل أن يترتب على كل سبب مسببه : فكل إيلاجة أو نقطة من الخمر سبب للحد ، لكن أجمعت الأمة على التداخل رفقا بالعباد ، ولأنها أمور مهلكة ، فهي أولى بالتداخل من غيرها ، والتداخل واقع في الشريعة في ستة مواطن ، في الطهارة إذا تكررت الأسباب أو اجتمعت : كالغائط ، والملامسة ، والحدث الأصغر مع الجنابة ، والجنابة مع الحيض ، وفي الصلاة ، كتحية المسجد مع الفرض ، وفي الصيام : كصيام الاعتكاف مع رمضان ، وفي الكفارات : إذا وطئ في نهار رمضان مرارا على الخلاف ، والحج : كطواف العمرة في حق القارن ، وفي الحدود ، إذا تكرر النوع الواحد ، واختلف السبب ، لكن المسبب واحد ، كالشرب والقذف ، والأموال ، كدية الأعضاء مع دية النفس ، والصدقات في وطء الشبهات ، ويدخل الأول في الأخير ، كالجناية مع الحيض ، والأعضاء مع النفس ، والأخير في الأول في وطء الشبهة ، والطرفان في الوسط على الخلاف بين العلماء في وطء الشبهة ، وقيمة المغصوب إذا هلك هل يلزم الحالة المتوسطة إن كانت أعلى صداقا أو قيمة ، أولا يلزم إلا الأول ؟ ( وهو مذهبنا ) و ( ش ) يعتبر أفضل الحالات ، ويندرج الأقل في الأكثر ، كالأطراف مع النفس ؟ ، والأولى في الأكثر ، كالعضو الواحد مع النفس ، وهذا كله لطف من الله تعالى بعباده ، وإلا فالأصل : ما تقدم .

فرع :

[ ص: 85 ] في الكتاب : يقيم السيد الحد على عبده في الزنا ، والقذف ، والشرب دون السرقة ; لأنها مثلة ، ولا يقيمه إلا الولي ، فإن قطعه السيد والبينة عادلة ، وأصاب وجه القطع ، عوقب للتعدي ، ولا يحد في الزنا إلا بأربعة شهود غير السيد ، فإن كان السيد أحدهم ، رفعه للإمام والحاكم إذا لم تتم الشهادة إلا به ، رفعه لمن فوقه ، فيشهد عنده ، أو رفع ذلك للإمام أو لنائبه ، ويقيم الإمام عليه حد السرقة بشهادة السيد مع آخر ; لعدم التهمة ، ولا يقيم السيد حد الزنا على أمته ولها زوج حتى يرفعه للإمام ، ولا على العبد قصاصا حتى يرفعه للإمام ، فإن كان له عبدان جرح أحدهما الآخر ، فله القصاص بعد مراجعة الإمام ، ولا يقيم الحدود ولاة المياه ; لأنها لم تندرج في ولاياتهم ، ويجلب للأمصار ، ولا يقام في مصر إلا في الفسطاط ، أو بأمر واليها . قال ابن يونس : يحضر السيد في الخمر والفرية رجلين ، وفي الزنا أربعة عدول . قال مالك : لعله يعتق ، فيحد من شهد عليه برد شهادته ، وامتنعت إقامته للسرقة ; لأنها ذريعة للتمثيل به ، ويدعي أنه سرق ، ولا يحكم السيد بعلمه كالحاكم . وعنه : يجلده بعلمه ; لعدم اتهامه في إضراره بماله ، بخلاف الحاكم ، وإنما يمنع الزوج في الأمة إذا كان حرا أو عبدا لغيره ; لأن له حقا في الفراش ، وما يحدث من ولد ، بخلاف الزوج عبد السيد . قال أشهب : إلا أن يكون الزوج وغدا لا يلحقه عيب ذلك ، وكذلك المرأة في عبدها . وقد حدت [ ص: 86 ] فاطمة بنت رسول الله - صلى عليه وسلم - مملوكها . وفي الصحيحين : ( إذا زنت أمة أحدكم ، فتبين زناها ، فليحدها ولا يثرب عليها ) الحديث . قال اللخمي : لا يحدها إذا كان زوجها غير عبده ، إلا أن يعترف بصحة الشهادة ، ولا خلاف أن له التأديب بعلمه ، وإذاقطع في السرقة بغير بينة ، عتق عليه ، إلا أن يعترف العبد بالسرقة ، أو أنه قطع الذي اقتص منه ، قال : وأرى إن أنكر وشهد عدل لا يعتق ; لأنها شبهة تنفي عنه التعدي .

قاعدة : التكاليف في الناس قسمان : عام في الناس : كالصلاة وغيرها ، وخاص ببعض الناس ، كالحدود والتعزيرات تختص بالولاة والقضاة ; لأنه لولا ذلك فسد حال الرعية بثوران بعضهم على بعض . قال أمام الحرمين في الغياثي : فإن شغر الزمان من الإمام ، انتقل ذلك لأعلم الناس وأفضلهم دفعا للحرج والفساد .

تنبيه : وافقنا ( ش ) وأحمد في السيد ، وخالفنا ( ح ) . لنا : ما تقدم ، وقوله - عليه السلام - : ( أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم ) ; ولأنه يملك تزويجه بغير قرشية ، فيحده كالإمام ; ولأنه يؤدبه ، فيحده كالإمام . احتجوا بأنه حق لله فلا يتولاه السيد بخلاف التزويج ; ولأنه لا يحتاج إلى اجتهاد الإمام ، وأوضاع [ ص: 87 ] ومقادر في العدد والهيئة ، فلا يستقل به السيد ; لأنه ليس من أهل الاجتهاد ، وقياسا على الحر .

والجواب عن الأول : أنه وإن كان حقا لله ، ففيه استصلاح العبد ، وهو حق السيد .

وعن الثاني : أنه ينتقض بتعزير السيد عبده ، والزوج امرأته ، مع احتياجه للاجتهاد .

وعن الثالث : الفرق بأن الحر لا حق له فيه .

فرع : مرتب :

قال في النوادر : قال ابن القاسم : اشتراها حاملا ، فعلم أن البائع لم يحدها ، فهو في سعة أن لا يحدها ، فإن زنى عبده ، يحده بغير السوط . قال مالك : لا يقام الحد إلا بالسوط . قال ابن القاسم : قال مالك : إن ضربه بالدرة على ظهره أجزأه وما هو بالبين .

فرع :

قال : الحدود كلها تعلن ، والناس فيها كلها سواء ، خلافا لـ ( ح ) في قوله في الزنا أشد ; لأن مفسدته أعظم . جوابه : أن زيادة العدد قبالة زيادة المفسدة . قال ابن عبد الحكم : يستحب أن يقام قدام القاضي لئلا يتعدى فيها ، ويختار للجلد الرجل العدل لئلا يشتد في الضرب أو يرخي ( قاله مالك ) ، وعن مالك : يخفف في حد الخمر للخلاف فيه . وفي الجلاب : ينبغي للإمام إحضار حد الزنا طائفة من المؤمنين الأحرار العدول ( أربعة فصاعدا ) ، وكذلك السيد في عبده وأمته ; لقوله تعالى : ( وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية