صفحة جزء
قاعدة : الحقوق ثلاثة أقسام : حق لله صرف كالإيمان ، وللعبد صرف كالإيمان ، وحق مختلف فيه ، هل يغلب فيه حق الله أو حق العبد كالقذف ، فيفرق في الثالث ، إن اتصل بالإمام ، تعين حق الله ; لاتصاله بنائبه في أرضه ، وحق الله [ ص: 111 ] تعالى : أمره ونهيه ، وحقوق العبد مصالحه ، وما من حق للعبد إلا وفيه حق لله تعالى ، وهو أمره بإيصال ذلك لمستحقه ، لكن المعنى في أنه غلب فيه حق العبد : أن العبد متى أسقط حقه سقط حق الله بإيصال ذلك الحق ، ويبقى من حق الله تعالى إثم المخالفة في الغصب ونحوه . فإن المغصوب منه إذا أسقط الطلب بالمغصوب ، لم يأمر الله بعد ذلك بإيصاله ، لكن يؤاخذ على جريمة الغصب في الدار الآخرة أو في الدنيا ، إلا أن يعفو ، أو يترجح كون القذف حقا للعبد بتوقفه على قيام طالبه ، وكونه يورث . وحقوق الله تعالى لا يدخلان فيه .

فرع : .

في الكتاب : لا يقوم بالحد إلا المقذوف ، فإن أكذب المقذوف البينة ، ردت الشهادة ، وإن قالت البينة بعد وجوب الحد : شهدنا بالزور ، سقط الحد ، وإن قذف ميتا ، فلابنه ، وولد ولده ، ولجده لأبيه القيام ، وإن كان ثم من هو أقرب منه ; لأنه عيب يلزمهم . وليس للعصبة والإخوة مع هؤلاء قيام إلا عند عدمهم . وللجدات القيام بالحد ، إلا أن يكون له ولد ، فإن لم يكن للمقذوف وارث لم يقم به أجنبي ; لعدم تعلق الضرر به . وأما الغائب : فلا يقوم ولد لغيره بقذفه ; لأنه لم ينتقل الحق عنه ، وإن مات وأوصى بالقيام ، قام الوصي . في التنبيهات قوله : لا يقوم أحد للغائب ، ظاهره ، أنه لا يتعرض للقاذف ، وقال عبد الملك : يسجن حتى يقدم من له عفو أو قيام . قال ابن يونس في الموازية : ليس للإخوة والبنات والجدات قيام بقذف الميت إلا أن يوصي به ، وقال أشهب : لا يقوم إلا الأقرب [ ص: 112 ] فالأقرب ، وكذلك العفو ; لأنه ميراث الابن ، ثم ابن الابن ، ثم الأخ ، ثم الجد ، ثم الأم ، وكذلك القرابات من النساء ، الأقرب فالأقرب ، ولا حق للزوجة ولا بنت البنت . قال ابن القاسم : ويقام للغائب وإن طالت غيبته ، وقيل : لولده القيام في الغيبة البعيدة دون القريبة ، ويكتب للمقذوف ، وقال ابن القاسم : لا يقوم للغائب إلا الولد في أبيه وأمه ، قال : ولو سمعه السلطان مع شاهدين ، حده ، وإذا رفعه من سمعه للإمام سمع شهادته ، فإذا كمل النصاب حد القاذف . في النوادر : إذا قام المقذوف بعد طول الزمان ، حلف : ما سكت تركا ، وإنما يكون الحق للأولياء إذا مات المقذوف قبل طول الزمان ، أما بعد طوله فلا ; لأنه ليس موجودا حتى يحلف ، والطول ظاهر في الترك ، وقال أشهب : وإن طال قبل موته ; لأنه لو عفا ثم قام ، كان ذلك له .

فرع : .

في الكتاب : لا يحد القاذف حتى يبلغ بالاحتلام أو بسن لا يبلغه إلا محتلم دون الإنبات ، ومن فيه علقة رق ، فحده حد العبيد ، ويؤاخذ المحارب إذا تاب بما قذفه حال حرابته وبحقوق الناس ، فإن قذف حربي مسلما ، ثم أسلم أو أسر ، لم يحد ; لأن القصاص موضوع عنه ، وإن قدم بأمان فقذف مسلما ، حد ; لأن له عقدا كالذمي .

فرع :

في الكتاب : إذا ارتد المقذوف ، أو قذف وهو مرتد ، لم يحد ولو رجع إلى الإسلام ، كالزنا قبل الحد وبعد القذف ، فإن ارتد القاذف أو قذف وهو مرتد ، حد ، أقام على ردته أو أسلم ; لأن الردة لا تأبى أخذ الحقوق ، وتأبى أن تثبت لصاحبها [ ص: 113 ] حقوقا ; لكونها مستصدر الحياة . والحقوق إنما هي الحياة ، وكذلك لا شفعة له ، وإن قذف ملاعنة التعنت بولد أو بغير ولد ، حد ; لأن ولد الملاعنة يتوارثون فإنهم أشقاء ، ولو رجع الأب ثبت النسب ، وإن قال لولدها : لست لأبيك اختيارا ، لم يحد ، أو مشاتمة ، حد . ويحد قاذف المجنون ; لأن عرضه ممنوع ، كماله ونفسه .

فرع :

قال : إن خاصم في القذف ، ومات قبل إقامة البينة ، قام الوارث به .

قاعدة : الوارث ينتقل إليه المال بالإرث ، فينتقل إليه كل ما يتعلق به من الخيار والشفعة والرد بالعيب ونحوه . ولا يرث النفس والعقل ، فلا تنقل إليه الإمامة والقضاء وما فوض إليه من خيار الغير ، ولا اللعان ، ولا نية الإيلاء ، ولا نحو ذلك ; لأنها أمور متعلقة بالنفس والعقل . ومقتضى هذه القاعدة : أن لا ينتقل القصاص والقذف ، لكن ضررهما متعد للوارث ، فانتقلا إليه لهذا السبب ، فهذا ضابط ما ينتقل للوارث وما لا ينتقل ، فليس كل حق مات عنه ينتقل .

فرع : .

في الكتاب : حد القذف والخمر على العبد ، أربعون ، ( نصف حد الحر ) ، وحده في الزنا ، خمسون ; لقوله تعالى ( فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ) قال ابن يونس : قال محمد : إن أقيم عليه حد العبد ، ثم علم أنه حر ، حينئذ كمل حد الحر .

[ ص: 114 ] فرع :

في الكتاب : إذا قال المشهود عليه : الشهود عبيد ، صدق الشهود في الحرية ; لأنها الأصل ، وكذلك القاذف للمقذوف ، عبد ، فإن ادعى بينة قريبة أمهل ، وإلا جلد . وإن أتى بها بعد ذلك ، زالت عنه جرحة الحد ، ولا أرش له في الضرب .

فرع :

في الجواهر : إذا ادعى عليه ، وأقام شاهدا أنه قذفه ، أحلفه ، فإن نكل حبس أبدا حتى يحلف . اتفق مالك وأصحابه أنه يحبس أبدا ، ( قاله محمد ) . وفي النوادر : في الموازية : إن طال سجنه ، خلي . قال أصبغ : ويؤدب إذا خلي إن كان يعرف بأذى الناس ، وإلا فأدبه حبسه . ولا يؤدب مستوجب الأدب ، إلا بعد الإياس من يمينه . وتوقف ابن القاسم في التأديب .

فرع : .

في النوادر : إن أقام القاذف شاهدين أن الوالي ضربه في الحد في الزنا ، لم يسقط الحد عنه ، وحد الشاهدان معه ، ولا تنفعه إلا أربعة على رؤية الزنا .

فرع :

قال : إن قال للمنبوذ : يا ولد زنا ، أو يا ابن الزانية ، لا يحد ; لأنه ليس له نسب ينفى عنه ، ولا أمه معلومة ، فيحد لها ، بخلاف يا زان .

فرع :

[ ص: 115 ] قال في الموازية : إن قذف الغريب ، فعليه إقامة البينة على نسبه ، إلا أن يطول الزمان ، وينتشر عند الناس ، ويعرف به ، فيحد قاذفه . قالمالك : والناس على أنسابهم ; لأنهم حازوها ، وعرفوا بها كالأملاك ، ومن ادعى غير ذلك ، كلف البينة ، وإلا حد . وفي العتبية : إن قال : يا ابن الزانية للغريب الذي لا تعرف أمه ، وهو مسلم ، حد قاذفه . قال : وقد يقدم الرجل من خراسان ، ويقيم السنين ، فيحد قاذفه ، ولا يكلف بينة أن أمه حرة مسلمة .

فرع :

قال ابن القاسم : المعتق في الوصية المأمونة يقذف قبل تنفيذه من الثلث ، لا حد له ، ثم رجع إلى الحد إن أمن المال ، ويرث ويورث . والأمة الحامل من سيدها ، يموت سيدها قبل الوضع ، ولم تكن ولدت منه قبل ذلك ، لم يختلف قول مالك أنه يحد قاذفها ، ولم يراع أن الحمل ينقص .

فرع :

قال : إذا أخذ في الزنا أو الفرية أو الخمر ، فقال : أنا مملوك ، إن كان محصنا ، رجم في الزنا ، وجعل عليه حد المملوك في الفرية والخمر ; لأنه لا يتهم في رق نفسه ، وقال محمد : إن أقر بالرق لرجل حاضر أو قريب الغيبة ، سئل من أقر له ، فإن ادعاه ، لم يحد في الجلد ، إلا في حد العبد . وأما الزنا ، والقطع ، والقتل ، فلا يسقط إلا بالنية ; لأن الأصل الحرية .

[ ص: 116 ] فرع .

قال : قال ابن القاسم : إن قال لعبده أو أجنبي : قل لفلان : إن فلانا يقول لك : يا ابن الفاعلة ، ففعل ، حد الآمر دون المأمور . وإن قال له : اقذف فلانا - يعني العبد - يحد مع السيد ، ويحد الحر دون الآمر ; لأنه غير منحكم له . وفي الواضحة : يحد السيد والعبد ، أمره بالقذف أو بقوله له : يا ابن الفاعلة . وإن قال لأجنبي : قل له : يا ابن الفاعلة ، حدا معا . قال ابن حبيب ، وهو أحسن ما فيه ، وفيه خلاف . وفي الموازية : إن حمل لرجل كتابا فيه : يا ابن الفاعلة ، فدفعه إليه ، حد إن علم ما فيه ; لأنه تعريض .

فرع :

قال : كان مالك إذا سئل عن حد ، أسرع الجواب ، وساس به ، وأظهر السرور بإقامة الحد . وقيل : لحد يقام بأرض ، خير لها من مطر أربعين صباحا .

فرع :

في المقدمات : في ثبوت القذف بشهادة النساء ، والشاهد مع اليمين ، خلاف جار على الخلاف في شهادتهن في جراح العمد ، وفي القصاص باليمين مع الشاهد ، والاتفاق في اللفظ دون المواطن ، جازت الشهادة اتفاقا ، واختلف اللفظ والمعنى ، واتفق ما يوجب الحكم ، كشهادة أحدهما بالقذف ، والآخر [ ص: 117 ] بنفي النسب ، ردت على الشهود ، أو اختلف الجميع ، لم يأتوا اتفاقا .

فرع :

قال : قال مالك وأكثر أصحابه و ( ح ) : إن شهادة القاذف جائزة حتى يحد ; لأن الله تعالى قال : ( ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا ) ، فرتبت عدم القبول على عدم الإتيان بالشهادة ، وإذا لم يحد فهل تتأتى منه إقامة الشهادة ، وقال ( ش ) وعبد الملك : لا يقبل ; لأنه قبل الحد شر منه بعده ; لأن الحد كفارة له ، وإذا تاب قبلت عند مالك و ( ش ) ومنعها ( ح ) ، لقوله تعالى : ( ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا ) ، والاستثناء في قوله تعالى : ( إلا الذين تابوا ) ، يعود على التفسيق دون قبول الشهادة ، وهو باطل ; لأن سبب الرد التفسيق ، إذا زال قبلت .

التالي السابق


الخدمات العلمية