صفحة جزء
الشرط السادس : أن يكون محرزا . ووافقنا فيه الأئمة ، وأكثر العلماء وقالوا ليس فيه خبر صحيح . وفي الموطأ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( لا قطع في ثمر معلق ، ولا في حريسة جبل ، فإذا آواه المراح أو الجرين فالقطع فيما بلغ ثمن المجن ) .

فائدة : قال صاحب المنتقى : شبه الثمر في إشجاره بالخرائط المعلقة ، وفي التنبيهات : الحريسة : الماشية في المراعي ، والمراح - بضم الميم - : موضع مبيت الماشية ، وقيل : منصرفها للمبيت ، والجرين - بفتح الجيم - كالأندر للتمر ، والمجن - بكسر الميم - : الترس . هذا الحديث وغيره يشعر باشتراط الحرز مطلقا وإن كان إنما ذكر في هذين خاصة ، فيكون في غيرها بالقياس ، وفي هذا الشرط ستة فروع .

[ ص: 159 ] الأول : في الكتاب : إن كان المسروق وديعة ، أو عارية ، أو إجارة ، قطع ; لأنه حرز له ، أو سرق سارق من سارق ما سرقه ، قطعوا كلهم ; لأنهم سراق . ويقطع سارق ما وضع في أقبية الحوانيت للبيع ; لأنه حرز لمثله عادة ، وكذلك المواقف ، وإن لم يكن هناك حانوت كان ربه معه أو لا سرق بليل أو نهار ، أو شاة وقفها ربها في سوق الغنم ; للبيع مربوطة أو لا . وكذلك ما أخذوا من الدور والحوانيت ، غاب أهلها أو حضروا ، وكذلك ظهور الدواب ، وإذا اجتمع في الجرين الحب والتمر ، وغاب ربه ، ولا باب عليه ، ولا حائط ، ولا غلق ، قطع ; لأنه محرز عادة . ولا يقطع في المواشي في المراعي حتى يأويها المراح ، فيقطع ، وإن لم يطلق على المراح حائط أو غلق ، ولا يبيت معها أهلها كالدواب في مرابطها المعروفة ، ويقطع السارق من الحمام إن كان مع المتاع من يحرزه ، وإلا فلا ، إلا إن سرقه أحد لم يدخل الحمام مدخل الناس من بابه كالمتسور والنقب فيقطع ; لأن هذا الوجه ليس مأذونا فيه ، فيقطع ، وإن لم يكن مع المتاع حارس ، وإن جر ثوبا منشورا على حائط بعضه في الدار وبعضه خارج ، فلا يقطع إن كان إلى الطريق . وكذلك إن سرق متاعا من ضيع ، ومن أذنت له في دخول بيتك ، أو دعوته لطعامك ، لم يقطع ; لأنك لم تحرز عنه ، وهذه خيانة . وفي التنبيهات : اختلف في قوله في الضيف ، فقيل : معناه : لم يخرج به ، ولو خرج من الدار ، لقطع ، وقيل : معناه : وإن أخرجه ( وهو مذهب محمد ) . وقال سحنون : يقطع وإن لم يخرج به ، ومسألة الحمام تشكل على كثير ممن لم يذاكر ، فيظن أن من لم ينقب لا يقطع ، بل من دخل وسرق من نقب أو غيره ممن لم يدخل مع الناس داخل الحمام ، أو اعترف أنه لم يأت ليدخل الحمام بل ، ليسرق فقط ; لأن سبب سقوط [ ص: 160 ] القطع الإذن في لبس ثياب بعضهم بعضا ، وتنحيتها عن أماكنها ، ويضع ثيابه مكانها ، فإذا اعترف أنه ليس من أهل هذا الإذن ، قطع ، وقيل : إن سرق من الثياب التي في الطيقان ، قطع ، كان من الداخلين للحمام أم لا ; لأنه لم يؤذن في التصرف في الطيقان ، وإنما هي لمن يسبق ، إلا أن تكون لهم عادة في التصرف فيها ، أو تكون كبارا تحمل ثياب جماعة كما توضع على الألواح . وفي المنتقى : إن وقف صبي عند باب المسجد على دابة ، فسرق رجل ركابي سرجها ، قال مالك : إن كان الصبي قائما ، قطع السارق ; لأن ربها إنما جعل ذلك المكان حرزا ; بسبب يقظة الصبي ، فإن كان نائما ، فلا قطع ; لعدم الحرز . قال ابن يونس : ويقطع سارق ما يبسط في المسجد في رمضان للجلوس إن كان معه صاحبه ، وإن لم يخرج به من المسجد ، وكذلك ما يعلق في محارس الإسكندرية من السلاح والمتاع إن كان معه ربه ، قطع ، وإلا فلا ، إلا أن ينقب الجدار من ورائه ، فيقطع ، كان معه أحد أم لا ، ولا يقطع في حلي الكعبة للإذن في دخولها ، قال ابن القاسم : يقطع في حصر المسجد الحرام الذي لا باب له ، وفي أبواب المسجد . وقال أشهب : لا قطع في حصر المسجد وقناديله وبلاطه للإذن في الدخول ، وقيل : إن سرق الحصر نهارا ، لم يقطع ، أو تسور عليها ليلا بعد غلق الباب ، قطع . ويقطع في القمح الذي يجمع في المسجد من زكاة الفطر وإن لم يخرج به ، ( قاله مالك ) ، وقال ابن القاسم : يقطع في ثوب الرجل يكون قريبا منه في المسجد ، ثم يقوم فيصلي ، فيتوجه القطع لقبضه قبل أن يتوجه به ; لأن ذلك حوزه وإن سرق الطعام من المطامير في الفلاة أخفاه صاحبه ، لم يقطع : بخلاف ما هو بحضرة أهله معروف ، وأسقط القطع في الثوب الذي بعضه للطريق بالشبهة . وعن ابن القاسم : يقطع كما على البعير . واختلف قول مالك فيما على حانوت الصباغ ، والقصار ، وقال في الغسال على البحر يبيس الثياب : لا يقطع ، كالغنم في المراعي . قال محمد : لا قطع في تمر رءوس [ ص: 161 ] النخل في الحوائط ، بخلاف نخلة أو شجرة في دار رجل ، يقطع ، وإذا أوى الثمار الجرين ، قطع إلا في جرين الصحراء ، ولا حائط عليه ولا غلق ; لأن الحديث إنما ورد في الجرين الذي أهله حوله ، يحرسونه ، وسوى ابن القاسم ; لعموم الحديث ، قال مالك في زرع مصر وقرظها ، يحصد ويترك في موضعه حتى ييبس ، لا يقطع فيه ; لأن الحديث اشترط : إذا أواه الجرين ، وكذلك في الزرع يحصد فيجمع في الحائط ، فيحمل منه إلى الجرين ، يقطع فيه ; لأنه إذا ضم في الحائط ، فيحمل منه إلى الجرين ، يقطع فيه ; لأنه إذا ضم في الحائط في موضع ، فهو كالجرين . قال اللخمي : الحرز ثلاثة : ما عليه غلاق ، كالدار والخباء ، فيقطع من لم يؤذن له ، والإنسان لما معه أو عليه نائما أو يقظان ، أو شيء يحرسه ، ولا خلاف في هذين ، والثالث : لا غلق عليه ، ولا حارس ، كالفناء والجبل ففيه اضطراب ، وإن سرق في الحمام مما يجعل في الحصر ، لم يقطع ; لأن له أن يجعل حصيرة معها ويوسع لثيابه . وإن سرق من الحارس من ليس له ثياب عنده ، قطع ، إلا أن يوهمه أن له عنده ثيابا ، أو أذن له في النظر ، لم يقطع للإذن ، وإن ناوله ثيابه فمد يده إلى غيرها ، قطع ; لذهاب الشبهة بأخذه ثيابه ، وإن أذن له في أخذ ثيابه من جملة الثياب ، لم يقطع ; لأنه خائن قال ابن القاسم في الأضياف يسرق أحدهم : لم يقطع ; لأنه بعد الإذن خائن . قال محمد : إن سلب بعضهم من كم بعض ، أو سرق رداءه أو نعله ، لم يقطع ; لأن الحرز هو البيت لا الكم ، قال اللخمي : وليس بالبين إن سرق من الكم ، والقطع أحسن ; لأن كل واحد حرز لما عليه ، ولأن كل واحد يأمن صاحبه على ما بين يديه ، ولا يأمنه على كمه . ومن هذا سرقة أهل السفينة من بعضهم ، وعن [ ص: 162 ] أصبغ : يقطع في حصر المسجد وبلاطه وقناديله ; قياسا على الباب ، وقاله مالك : سرق ليلا أو نهارا ، عليه غلاق أم لا ، وإن لم يخرج به من المسجد ; لأن تلك المواضع أحراز لذلك . وعن سحنون : إن خيط الحصر بعضها لبعض ، قطع وإلا فلا ، وأسقط أشهب القطع مطلقا للإذن ، ورأى مالك أن الإذن ليس من المالك ، وإنما هو شيء أوجبه الحكم . وجعل مالك الكعبة في السرقة مثل المنازل ، إن سرق حليها وهي مغلقة ، قطع ، وإلا فلا ، ولم يجعلها مثل المساجد ، ويقطع في بيت القناديل فيه الحصر وغيرها ، وإن لم يؤذن في دخوله .

قال عبد الملك : إن سرق في الدار نعلا ، لم يقطع ; لأنه جعل له تحريكها وإبعادها ، وجعل له توسعة لنعله . قال مالك : إن أدخله حانوته ، فعرضها عليه فسرق ، لا يقطع ; لأنه ائتمنه على الدخول ، بخلاف أقبية الحوانيت ، وقالعبد الملك : يقطع ، وقال اللخمي : الأحوال ثلاثة : إن أباح له التقليب في صنف ، لم يقطع فيه ، أو من غيره ، لم يقطع عند مالك ، وقطع عند عبد الملك ، وإن لم يؤذن له في الدخول ، قطع اتفاقا ، ويقطع في تابوت الصيرفي كان عنده أم لا ، إلا أن يكون يتقلب به كل ليلة فنسيه ، لم يقطع . قال محمد : لا يقطع في القطاني في القفاف ، أو في أقبية الحوانيت ، فقام صاحبها وتركها ; لأنها مما يخفف نقلها ، فلم يجعل لها ذلك الموضع ; حرزا . وإذا وقفت الغنم للبيع وسرق منها من أذن له في تقليبها ، لم يقطع ، وإلا قطع . وإن تعامل عليه رجلان : أحدهما يسوم ويقلب ، والآخر يسرق ، قطع السارق وحده . قال اللخمي : الأحسن في الشاة الواحدة في السوق [ ص: 163 ] إذا ذهب عنها صاحبها ، عدم القطع مطلقا ; لأنها لا تثبت وحدها في ذلك الموضع ; ولأنها مما يخف نقلها . واختلف إذا سيقت الغنم من المرعى للمراح ، أو أخرجت منه للمرعى ومعها من يسوقها ، هل يقطع ; لأنها أواها المراح ، أو ; لأنها ليست فيه ؟ قال مالك في الدواب تكون في الربيع ومعها قومتها ، لا يقطع فيها ; لأنه مرعى ، بخلاف الدابة على باب صاحبها .

الثاني ، في الكتاب : إن سرق نخلة من مكانها ، أو شجرة في حائط ، لم يقطع كالثمار ، فإن قطع الجذع صاحبه ، ووضعه في الحائط ، فهو حرز له ، فيقطع ، ويقطع سارق البقل إذا أواه حرزه ، بخلافه قائما ، وإن وضع المسافر متاعه في خبائه أو خارجا من خبائه وذهب لحاجته ، قطع فيه ، وكذلك فسطاطه مضروبا في الأرض ، أو احتل بعيرا من قطاره في سيره ، وبان به ، أو كفنا من القبر أو حل الطرار من داخل الكم أو خارجه ، أو أخرج من الخف ثلاثة دراهم ، أو سرق من محمل شيئا مستترا ، أو أخذ من ظهر البعير غرائر ، أو شقها فأخذ منها ، أو ثوبا على ظهر البعير مستترا .

فائدة : في التنبيهات : الطرار الذي يطر ثياب الناس ، أي : يشقها عن أموالهم ليأخذها ، والنطرول - بفتح النون وضمها ، وبالنون من أوله وبالام - قال ابن وهب : هو جنس من الشب ، وقال غيره : غاسول يشبه الطفل . قال ابن يونس : قال أشهب : إذا قطع الجذع ، وألقي في الحائط في حرز وله حارس ، قطع . قال محمد : إن قطعت للحمل حولها ، لم يقطع . قال ابن القاسم : إذا أبعد الراعي بغنمه ، ودخل عليه الليل في موضع غير مراح ، فجمعها وبات عليها ، قطع سارقها ; لأنه كالمراح ، قال [ ص: 164 ] الطرطوشي : أشار - عليه السلام - إلى اعتبار الحرز في حديث الجرين ، ولم يبين صفته ، ووكله إلى اجتهاد العلماء ; ليعظم أجرهم . والقاعدة : أن كل ما لا ينص على ضبطه ، يرجع فيه للعادة ، كالنفقات وغيرها ، فحرز كل شيء على حسبه عادة . قال مالك : القبر حزر لما فيه كان في البيت أو الصحراء ، يقطع سارقه إن أخرجه إلى وجه الأرض . وإن كفن وطرح في البحر ، قطع آخذ كفنه ، شد إلى خشبة أم لا ، ووافقنا أحمد ، قال ( ش ) : إن كان القبر في دار أو في المقابر ، قطع ، أو في الصحراء ، فقولان مبنيان على أن الولي يضمن الكفن ، فلا يقطع ، أو لا فيقطع ، وقال ( ح ) : لا يقطع مطلقا . لنا العمومات والأقيسة على المنازل وغيرها ، وقوله تعالى : ( ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا ) ، والكفت الستر ، فالدور كفاة الأحياء ، والقبر كفاة الأموات . وروي عنه - عليه السلام - أنه قال : ( من غرق غرقناه ، ومن حرق حرقناه ، ومن نبش قطعناه ) ، وكتب ابن مسعود إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما في نباش ، فأمر بقطعه ، فقطعه . وقطع ابن الزبير نباشا في عرفات وهو محرم ، فلم ينكر عليه أحد ، فهو إجماع الصحابة ; ولأنه حرز تملكه وهو على ملكه ، فيقطع كالحي . وملك الميت إنما يزول عما لا يحتاج إليه بدليل وفاء الدين من تركته ، ولا تبرأ ذمته بغير ملكه . احتجوا بأنه لا يسمى سارقا ، بل نباشا ، وعند أهل المدينة يسمي : المختفي ، قالت [ ص: 165 ] عائشة - رضي الله عنه - : ( لعن الله المختفي والمختفية ) ، وقال - عليه السلام - : ( لا قطع على المختفي ) . ولأن القبر ليس بحرز ; لأنه لا قفل عليه ; ولأنه لا تحرز فيه الدنانير ، كسائر الأحراز ، ولو دفن معه مال ، لم يقطع آخذه اتفاقا ، ولو كان حرزا لكان حرزا لما زاد على الكفن المعتاد ، ولو كفن في عشرة أثواب ، فسرق الزائد على الكفن ، لم يقطع ; ولأن الكفن إنما يوضع للبلى لا للحفظ . ولو وضع الكفن في قبر بغير ميت لم يكن حرزا له . ولو وضع الميت على شفير القبر ، لم يقطع سارق كفنه ، فالميت والقبر ليس حرزا . والاجتماع لا يزيد على الانفراد ; ولأنه ليس حرزا للناس ; لأنه لا يدخل بإذن الولي ولا غيره ، وإنما هو حرز لله تعالى ، والخلق عباد الله ، والعبد لا يقطع من حرز سيده ; ولأنه مال مدفون ، فلا يقطع فيه كالبذر .

والجواب عن الأول : أنه سارق ; لقول عائشة - رضي الله عنها - : ( سارق موتانا كسارق أحيائنا ) . ويقال في العرف : سرق الكفن ، ولأن السارق : الآخذ خفية ، والنباش كذلك .

وعن الثاني : مجمل الحديث على ما إذا لم يخرجه ، أو له فيه شبهة جمعا بين الأدلة .

وعن الثالث : أن حرز كل شيء على حسبه ، فقد يصلح حرزا لشيء دون غيره ; لأن ضابط الحرز العادة ، والعادة في الأموال مختلفة اتفاقا ، وهو الجواب عن الزائد في الكفن والمال مع الميت ; لأنه خلاف العادة .

وعن الرابع : أنه يقصد حفظه عليه في القبر حتى يبلى ، فكونه يبلى لا ينافي قصد الحفظ .

[ ص: 166 ] وعن الخامس : أن العادة شهدت بأن الحفر لا يكون حفظا للقماش إلا كفنا ، وأن الكفن وحده خلاف العادة . وكذلك الميت على شفير القبر ، لم تشهد العادة بأن شفير القبر حرز ; لأن ضابط الحرز ما لا يعد الواضع فيه مفرطا . والواضع في غير القبر مع تركه مفرط . وبالضابط تظهر هذه النصوص كلها بأن واضع الميت مع الكفن في القبر ليس مفرطا ، وغير ذلك يعد مفرطا .

وعن السادس : لا نسلم أنه ليس حرزا للغير ، بل حرز للميت وبيته ، كالدار حرز للحي وبيته ; لقوله تعالى : ( ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا ) وعدم الدخول بالإذن ، كعدم الدخول في البيت على الحي العريان . سلمنا أن الحرز لله تعالى ، لكن الكفن للميت ، فهو كعبد سرق من بيت سيده مال غير سيده ، يقطع . وعندنا : إن سرق من بيت سيده مال غير سيده ، يقطع . وعندنا أن من سرق من بيت الله تعالى ذلك ، يقطع .

وعن السابع : أن البذر فيه للعلماء ثلاثة أقوال : القطع كالكفن وعدمه ; لأنه لم يوضع للحفظ ، بل للنبات ، والفرق بينه وبين الكفن : أن كل حبة في حرزها ، فهو مخرج من كل حرز دون النصاب ، وهو المختار ، الثالث : إن نزل المسافرون كل واحد على حدة ، فسرق أحدهما من الآخر ، قطع كأهل الدار ذات المقاصير . ومن ألقى ثوبه في الصحراء وذهب لقضاء حاجته وهو يريد الرجعة إليه ليأخذه ، [ ص: 167 ] فسرقه رجل سرا ، قطع إن كان منزلا نزله ، وإلا فلا . قال ابن يونس : قال أشهب : إن طرحه بموضع ضيعة ، لم يقطع ، أو بقرب منه ، أو خبائه ، أو خباء أصحابه ، وسرقه غير أهل الخباء ، قطع . قال محمد : وأما أهل السفينة يسرق بعضهم من بعض ، فلا قطع ، كالحرز الواحد ، إلا أن يسرق من غير أهل السفينة مستترا ، فليقطع إذا خرج من الركب .

الرابع : في الكتاب : إن سرق من سفينة ، قطع ، والسفينة نفسها فهي كالدابة ، تحبس ، وتربط إن كان معها من يمسكها قطع كالدابة بباب المسجد وفي السوق . وإن نزلوا سفينتهم منزلا ، فربطوها ، قطع ، كان معها صاحبها أم لا ; لأنه كالحرز لها . قال ابن يونس : قوله : يقطع سارق السفينة ، يريد : إنه من غير أهلها ، فيقطع إذا أخرجه من السفينة ، أما أحدهم فلا ; لأنها كالحرز الواحد ، قال محمد : إن أرسى السفينة بموضع يصلح أن يرسى بها فيه ، قطع ، وإلا فلا ; لعدم شهادة العادة بأنه حرز لها ، قال اللخمي : إن انفلتت من المرسى : لم يقطع ، فإن أرسي بها في غير مرسى ، قطعه ابن القاسم دون أشهب ، ولو كان معها في البر من يحرسها ، قطع عندهما .

الخامس : في المقدمات : الدور ستة : دار حجرها ساكنها أو مالكها عن الناس ، يقطع سارقها إن خرج من الدار ، ولا يقطع إن خرج من بعض بيوتها ولم يخرج منها ، ودار أذن فيها ساكنها أو مالكها لخاص كالضيف ، أو رسول يبعثه ليأتيه بقماشه ، فيسرق ذلك الخاص من بيت حجر عليه فيه ، ففي المدونة : لا يقطع ، وإن أخرجه من جميع الدار ; لأنه خائن ، لا سارق ، وقطعه سحنون ، وإن لم يخرج من جميع الدار إذا أخرجه إلى موضع الإذن ; لشبهة بالشركاء في ساحة الدار إذا سرق أحدهم من بيت صاحبه ، وأخرجه إلى ساحة الدار . وعنه : لا [ ص: 168 ] يقطع حتى يخرجه من جميع الدار ، ودار انفرد بسكانها مع امرأته ، فسرقت الزوجة أو أمتها من بيت حجره عليها ، أو الزوج أو عبده من مالها المحجور عليه ، فظاهر المدونة : يقطع إن أخرجه إلى موضع الإذن ، وعن مالك : لا يقطع ; لأنها خيانة ، ودار أذن فيها إذنا عاما ، كالعالم والطبيب ، أو يحجر على بيت منها دون بقيتها ، يدخل بغير إذن ، فيقطع من سرق من بيت محجور إذا خرج به من جميع الدار ، ولا يقطع السارق من قاعتها ولا من غير المحجور من بيوتها اتفاقا حتى يخرج من جميع الدار ; لأن بقية الدار من تمام الحرز ، ففارقت الحجر ، فإنه لا يدخل إلا بإذن صاحبها ، ودار مشتركة بين ساكنيها ، مباحة لسائر الناس ، كالفندق ، فقاعته مباحة للبيع والشراء ، فهي ، كالمحجة ، فالسارق من البيوت من السكان أو غيرهم إذا أخذ في قاعة الدار ، قطع اتفاقا ، ودار مشتركة بين ساكنيها ، محجورة عن الناس ، من سرق من بيت صاحبه ، قطع إذا خرج إلى قاعة الدار ، ( وإن لم يخرج عن الدار ) ولا أدخله بيته ولا قطع في السرقة من قاعة الدار ، وإن أدخله بيته أو خرج به من الدار ; لأنها مأذون فيها لهم ، إلا إن سرق من قاعتها دابة من مربطها المعروف لها ، ونحوه من المتاع الثقيل الذي يجعل بعضه على بعض ، فذلك الموضع حرز له . وإن سرقت زوجته لأحد سكانها ، أو زوجها أو رقيقها من مال صاحبه من بيت محجور عليه منه ، قطع اتفاقا ، أو أجنبي من بيت من بيوت الدار ، وأخذ في قاعتها ، وكالثوب المنشور ، فيخرجه من الدار ، فظاهر المدونة : يقطع في الوجهين . والقياس : إذا قطع في الوجه الثاني أن [ ص: 169 ] لا يقطع في الوجه الأول ، وعليه حمل عبد الحق ما في المدونة . وإذا قطع في الوجه الأول أن لا يقطع في الثاني ، وعليه حمل التونسي ما في الموازية ، فتتحصل أربعة أقوال . واختلف إذا سرق أجنبي ما نسي بعض الأشراك في القاعة مما لم يقصد وضعه فيها ، قطعه ابن القاسم دون محمد ، فإن كان موضعا له كمربط الدابة ، قطع اتفاقا إن أخرجه من الدار ، فإن أخذ قبل ذلك وبان به عن موضعه ، فعلى الخلاف إذا أخرجه من البيت إلى القاعة . وفي النكت : الدار المشتركة المحجور عليها لغير السكان ، كدور مصر ، وإن نشر أحد ثوبه على ظهر بيته المحجور عن الناس ، قطع سارقه ، وإن أخذ في الدار ، ( قاله ابن القاسم ) . قال محمد : إن كان السارق من أهل الدار وإلا لم يقطع حتى يخرج من جميع الدار .

السادس : في الجواهر : إن علم صاحب الحرز بالسارق ، فتركه حتى خرج ، ثلاثة أقوال : لا يقطع لمالك ; لأنه مختلس بسبب الإطلاع ، وقطعه أصبغ ، وفرق بعض المتأخرين : إن شعر بمعرفته ففر ، لم يقطع .

التالي السابق


الخدمات العلمية