صفحة جزء
الفصل السادس : في وقت الصبح

والصبح والصباح أول النهار ، وقيل من الحمرة التي عند ظهوره ، ومنه [ ص: 19 ] صباحة الوجه ; لحمرته وتسمى صلاة الفجر ; لتفجر النور كالمياه ، وأول وقتها : طلوع الفجر المستطير الصادق وهو الثاني ، ولا يعتبر الأول الكاذب وهو الذي لا يمتد مع الأفق بل يطلب وسط السماء ، وكثير من الفقهاء لا يعرف حقيقته ، ويعتقد أنه عام الوجود في سائر الأزمنة وهو خاص ببعض الشتاء ، وسبب ذلك أنه المجرة ، فمتى كان الفجر بالبلدة ونحوها طلعت المجرة قبل الفجر ، وهي بيضاء فيعتقد أنها الفجر فإذا باينت الأفق ظهر من تحتها الظلام ، ثم يطلع الفجر بعد ذلك ، أما غير الشتاء فيطلع أول الليل أو نصفه فلا يطلع آخره إلا الفجر الحقيقي ، ثم يمتد وقتها الاختياري إلى الإسفار وهو في الكتاب ، وقيل : إلى طلوع الشمس ، قال القاضي أبو بكر : وهو الصحيح ، ولا يصح عن مالك غيره ، وجه الأول : حديث جبريل ، ووجه الثاني : ما في مسلم أنه - عليه السلام - قال : إذا صليتم الفجر إلى أن يطلع قرص الشمس الأول ، وفي رواية وقت صلاة الصبح من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس . قال صاحب الطراز : والجمهور أنها من صلاة النهار ; لتحريم الطعام على الصائم وهو لا يحرم إلا نهارا ، وقال الأعمش : هي من الليل لقوله تعالى : ( فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة ) وآية النهار : هي الشمس ، ولقوله عليه السلام : صلاة النهار عجماء ، والصبح ليست عجماء ، وقول أمية بن أبي الصلت :


والشمس تطلع كل آخر ليلة حمراء تبصر لونها يتوقد



[ ص: 20 ] وقال المازري : قيل هو وقت بداية ، والجواب عن الأول : القول بالموجب ، وعن الحديث قال الدارقطني : هو ليس بحديث ، وإنما هو قول الفقهاء وعن الشعر أن الخليل قال : النهار أوله من الفجر ولعل المراد بالشمس ضياؤها على حذف المضاف ، ويؤكد تقرير هذه الأوقات حديث جبريل في الترمذي ، وأبي داود أنه عليه السلام قال : أمني جبريل عند البيت مرتين ، فصلى بي الظهر حين زالت الشمس وكانت قدر الشراك ، وصلى بي العصر حين صار ظل كل شيء مثله ، وصلى بي المغرب حين أفطر الصائم ، وصلى بي العشاء حين غاب الشفق ، وصلى بي الفجر حين حرم الطعام والشراب على الصائم ، فلما كان الغد صلى بي الظهر حين كان ظل كل شيء مثله ، وصلى بي العصر حين كان ظله مثليه ، وصلى بي المغرب حين أفطر الصائم ، وصلى بي العشاء إلى ثلث الليل ، وصلى بي الفجر فأسفر ، ثم التفت إلي فقال : يا محمد ، هذا وقت الأنبياء من قبلك والوقت ما بين هذين الوقتين ، وفي بعض طرقه أنه - عليه السلام - كان يصلي بصلاة جبريل ، والناس يصلون بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية