صفحة جزء
النظر الأول : في الجناية .

ولها ثلاثة أركان :

الركن الأول : الجاني ، وفي الجواهر : شروطه : التزام الأحكام ، فلا قصاص على صبي ، ولا مجنون ، ولا حربي ; لأن الإسلام يجب ما قبله ، ويقتص من الذمي لالتزامه أحكامنا في عدم التظالم ، والسكران ; لأن المعاصي لا تكون أسباب الرخص ، وفي الكتاب : إن جنى الصبي أو المجنون عمدا أو خطأ ، فكل خطأ تحمله العاقلة إن بلغ الثلث ، وإلا ففي ماله ، ويتبع به دينا في [ ص: 274 ] عدمه ، وما جنى المجنون في إفاقته فكالصحيح ، وإن رفع للقود وقد أخذه الجنون ، أخر لإفاقته ; لأنها حالة لا تناسب العقوبة قياسا على الحدود ، ولأنهما غير مكلفين فيكونان كالمخطئ في القصاص أو الدية ; لأن قتل الخطأ ليس لله تعالى فيه حكم لا تحريم ولا غيره ، قال ابن يونس : قال محمد : هذا في الصبي المميز ، أما الرضيع ونحوه كالبهيمة . قال اللخمي : قال ابن القاسم : ابن سنة فأكثر ، ما أفسد فعليه ، وعنه في ابن سنة ونصف : ما أفسد من المال فهدر ، أو الدم فعلى العاقلة إن بلغ الثلث ، وإلا ففي ماله يتبع به دينا في ذمته إن لم يكن له مال ، وإن أيس من إفاقة المجنون الذي أخر حتى يفيق فالدية ، قاله محمد : كالقصاص المتعذر ، وقال المغيرة : يسلم لولي المقتول ، وإن ارتد ، ثم جن لم يقتل حتى يصح ; لأنه حق لله تعالى يدرأ بالشبهة ، والقتل حق العباد . قال اللخمي : وأرى أن يخير الولي في القصاص أو العفو مع الدية من ماله دون العاقلة .

فرع :

في الكتاب : إن قتل رجل وصبي عمدا ; فالدية عليهما ; للشك في أيهما مات بهما . قال ابن يونس : يريد في الأول أنهما تعاونا عليه ، فإن لم يتعاقدا عليه ولا تعاونا عليه ، بل رماه هذا عمدا وهذا عمدا : لم يقتل الرجل عند ابن القاسم ; لأنه لا يتعين القاتل ويريد في الثاني : أن نصف الدية في مال الرجل ، ونصفها على عاقلة الصبي . قال أشهب : يقتل الكبير ، وعلى عاقلة الصبي نصف الدية ، وإن قتل عبد وحر عبدا عمدا قتل العبد ، وعلى الحر نصف قيمته في ماله ، لأن العاقلة لا تحمل عمدا ، ولا يقتل حر بعبد ، وإن قتلا حرا خطأ ; فعلى عاقلة الحر نصف الدية ، ويخير سيد العبد في إسلامه أو فدائه بنصف الدية . قال مالك : إن قتل أب ورجلان ابنه عمدا قتلوا ، أو بالرمي والضرب لم يقتل الأب . قال عبد الملك : عليه ثلث الدية مغلظة ، ويقتل [ ص: 275 ] الرجلان ، وإن جرحه رجلان : خطأ ، والآخر عمدا ، قال أشهب : يقتسمون على أيهما شاءوا ; فإن اقتسموا على المتعمد قتلوه ، وعلى المخطئ دية الجناية ، قال محمد : ذلك إن عرفت جناية العمد من جناية الخطأ ، وإن اقتسموا على المخطئ فالدية كاملة على عاقلته ، واقتصوا من المتعمد جرحه إن كان مما فيه قصاص ، وإلا أخذوا دية جنايته ، وقال ابن القاسم : فإن عاش بعد موتهم فعنه القسامة إن اقتسموا على المتعمد قتلوه ، ولا شيء على الآخر ، أو على المخطئ فالدية على عاقلته ، ويبدأ المتعمد ; لأنه لا يقتل بالقسامة إلا واحد ، قال محمد : ويضرب مائة ، ويحبس سنة .

فرع :

في الكتاب : إن قتل النائم فعلى عاقلته إن بلغ الثلث ، وإن نامت على ولدها فديته على عاقلتها وتعتق رقبة .

فرع :

إن قتل وليك عمدا فقطعت يده فله أن يقتص منك ; لأن يده يوجد لها مبيح ، وفي الخطأ الدية على عاقلتك .

فرع :

في النوادر : إن ضربه ، أو رفسته دابة ، أو تردى من حائط فمات قعصا : قال عبد الملك : يقتل مشارك الأب ، أو الصبي ، أو المخطئ ، أو الدابة ، أو الغرق ، أو تردى ; فلا قسامة ، ويستظهر في شركة الدابة والهدم والغرق بالقسامة أنه مات من جرحه ; لأن ما شاركه من هذه الأمور تشبه الحياة بعد الجرح ، وإن [ ص: 276 ] لم يقسموا على شريك ( للدابة ) ونحوها ، ضرب وسجن ، وهذا إذا كان اجتماعهم في فور واحد ، فإن افترقوا وعاش بعد ضرب فهو كالفور ، وإن كان الأخير فغصه ولم يتأخر بعده فهو قاتله ، يقتل إن كان ممن يقتل في العمد ، وفي الخطأ الدية بلا قسامة ، وإن كان الآخر دابة ونحوه ، وقد ذهب دمه هدرا ، ويقتص من جرح الأول في العمد ، ويعقل في الخطأ ، ومتى أنفذ الأول مقاتله فالحكم له قصاصا ودية ، واختلف قول ابن القاسم إذا شاركه دابة ونحوها فقال مرة : يقسمون على العمد ، وجعله كحياة المجروح ، وقال مرة : على المتعمد نصف الدية في ماله بغير قسامة ، ويضرب مائة ويحبس .

فرع :

قال : إذا اجتمع رجال ونساء وصبيان واقتسموا على رجل أو امرأة فقتلوه ، والصبيان خمسة ، والرجال والنساء عشرون ، فخمس على عواقل الصبيان أخماسا ، قال أشهب : قال محمد : يقسمون ثانية على الصغار ، وعلى عواقلهم قدر ما يقع عليهم ، والذي عليه أصحاب مالك : أن على من بقي من رجل أو امرأة الحبس والضرب ، وإن قالوا : تقسم على الصغار ; أقسموا عليهم ولهم الدية كلها على عواقلهم ، ولو كان ذلك بغير قسامة قتل الكبار ، فإن كانوا عشرة والصغار خمسة ، فعلى عواقلهم ثلث الدية في ثلاث سنين .

فرع :

قال : قال مالك : قطع يده حر وثلاثة أعبد خطأ ، فثلاثة أرباع العقل في رقاب العبيد ، وربعه في مال الحر ، أو حر أو حران وعبد ، فثلثاها على عاقلة الحر ، وثلثها في رقبة العبد ، وفي العمد يقطع الحران ، وثلث ديتها في رقبة العبد ، أو مسلم ونصراني خطأ ; فعلى عاقلتهما نصفين ، أو عمدا قطع المسلم ، ونصف العقل في مال النصراني .

[ ص: 277 ] فرع :

قال : قال ابن القاسم : إن أنفذ الأول مقاتله ، وأجهز عليه الثاني ، اقتص من الأول وعذر الثاني وقد أتى عظيما ، وعنه : أنه يقتل الثاني ; لأنه المزهق ، ويعاقب الأول ، وإن قطع حلقومه وبقيت فيه الحياة ، وقطع الثاني أوداجه وحز رأسه قتل الأول ، قاله أشهب ; لأنه لا يعيش مع قطع الحلقوم . وقال سحنون : إن ضربه أحدهم بعصا وضرب الآخر عنقه : قتل ضارب العنق فقط ، وكذلك إن قطع يده وضرب الآخر عنقه ; لأنه المنفذ للمقاتل .

التالي السابق


الخدمات العلمية