صفحة جزء
فروع ستة :

الأول : الاشتراك عندنا واقع في الأوقات خلافا ( ش . ح ) وابن حبيب من أصحابنا ، لنا وجوه أحدها : الأوقات الدالة على جمعه - عليه السلام - بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء دون غيرها ولولا الاشتراك لروعيت الضرورة في غيرها ، كما روعيت فيها وإلا يلزم نقض العلة لا لموجب ، وثانيها : أن أرباب الضرورات [ ص: 21 ] يدركون الصلاتين قبل الغروب وقبل الفجر ، مع انعقاد الإجماع على أنه لا يجب عليهم ما خرج وقته في غير محل النزاع فيكون وقتها باقيا ، ولا معنى للاشتراك إلا ذلك ، ثالثها : قوله عليه السلام أمني جبريل مرتين الحديث ، وذكر فيه أنه صلى به العصر في اليوم الأول حين صار ظل كل شيء مثله ، وصلى به الظهر في اليوم الثاني ذلك الوقت فيكون مشتركا ، احتجوا بحديث عبد الله بن عمر ، وفيه وقت الظهر ما لم يدخل وقت العصر وبحديث جبريل ، وأنهما يوجبان حصر الأوقات وأما أوقات الضرورات فخاصة بهم .

والجواب عن الأول والثاني : قوله عليه السلام : من أدرك ركعة قبل غروب الشمس فقد أدرك العصر . فلا بد من الجمع بين الأحاديث فيحمل الأول على أفضل الأوقات ، والثاني على ما فيه تفريط أو عذر ، وعن الثالث أن معنى اختصاص الوقت بأرباب الضرورات أنهم غير مقصرين فيه بخلاف غيرهم لما ذكرناه من الإجماع على عدم لزوم ما خرج وقته . التفريع : إذا قلنا بالاشتراك فالمشهور المنقول في الجواهر أنه خاص بأربع ركعات من أول القامة الثانية ، وقال التونسي : الاشتراك في آخر القامة الأولى بقدر أربع ركعات ، ومنشأ القولين قوله عليه السلام : فصلى بي العصر حين صار ظل كل شيء مثله ، إن حملنا الصلاة على أسبابها ، وهو مجاز كان الاشتراك واقعا في القامة الثانية أو على أحكامها ، وهو الحقيقة كان الاشتراك في آخر الأولى ، ولا يتجه في قوله عليه السلام : فصلى بي الظهر حين زالت الشمس إلا الابتداء والمجاز ، ويكون من إطلاق لفظ الكل على الجزء ، وكذلك المغرب والصبح ، فيتأكد المشهور بهذه الصلوات . قال صاحب التلخيص : فما بين القامتين ثلاثة أقوال : [ ص: 22 ] مشترك بين الصلاتين ، مقسوم بينها بقدر اشتراك ، مستقل بذاته . قال : ولو صلى الظهر عند الزوال والعصر بإثره لم تجب عليه الإعادة على القول بالاشتراك ، وحكاه صاحب اللباب وقال أشهب : الاشتراك عام في الثانية بدليل أرباب الضرورات ، وقال صاحب التلقين ، وابن القصار ، وغيرهما : تختص الظهر بمقدارها عند الزوال والعصر بمقدارها عند الغروب ; لوجوب إيقاع الظهر قبل العصر ، وفوات الظهر مع إيجاب العصر آخر النهار ، وقال المازري : وعند بعض الأصحاب عدم الاختصاص مطلقا وبقول تقدم الظهر ; لأجل الترتيب ، لا لعدم الاشتراك .

الثاني : قال صاحب الطراز : تجب الصلاة عندنا ، وعند الشافعي وجوبا موسعا من أول الوقت ، وعند زفر يجب تأخير الوقت بقدر ما توقع فيه الصلاة ، وقال أبو بكر الرازي من الحنفية : يكتفى بتكبيرة الإحرام ، وقال الكرخي منهم تجب إما بالشروع أو بالتأخير إلى آخر الوقت ، واختلف القائلون بآخر الوقت هل هي نافلة أول الوقت أو موقوفة ؟ فإن خرج الوقت وهو مكلف أثبتنا أنها واجبة وإلا كانت نقلا . وروى المزني عن الشافعية أن الوجوب متعلق بأول الوقت ، وحكي عن بعضهم أن من مات وسط الوقت أثم وعندنا لا يأثم .

قاعدة

الواجب المخير والموسع والكفاية ، كلها مشتركة في أن الوجوب [ ص: 23 ] متعلق بأحد الأمور ، ففي المخير بأحد الخصال ، والموسع بأحد الأزمان الكامنة بين طرفي الوقت ، وفي الكفاية بأحد الطوائف ومتى تعلق الوجوب بقدر مشترك كفى فيه فرد من أفراده ، ولا يتعين الإخلال به إلا بترك جميع أفراده فلا جرم خرج المكلف عن العهدة بأي زمان كان منهلا إلا بترك جميعها ، فمن لاحظ هذه القاعدة - وهو الحق - قال : الوقت كله طرف الوجوب ; لتحقق المشترك في جملة أجزائه الذي هو متعلق الوجوب ، ومن لاحظ أن الوقت سبب والإجزاء حاصل بالفعل أول الوقت ، مع أن الأصل ترتب المسببات على أسبابها ، حكم بأن أوله وقت الوجوب ، ومن لاحظ أن حقيقة الواجب ما يلحق الإثم بتركه وهذا إنما يتحقق آخر الوقت قال : الوجوب مختص به ، ومن أشكلت عليه الحجاج ، قال بالوقف ، والحق الأبلج معنى ما تقدم في تقرير القاعدة .

فرع :

قال القاضي عبد الوهاب الذي تقتضيه أصول مذهب مالك رحمة الله عليه : أنه لا يجوز تأخير الواجب المخير إلا لبدل وهو العزم على أدائها في الوقت ; لأن من توجه عليه الأمر ، ولم يفعل ، ولم يعزم على الفعل فهو معرض عن الأمر بالضرورة والمعرض عن الأمر عاص ، والعاصي يستحق العقاب واختار الباجي وغيره عدم وجوب هذا العزم ; لأن الأمر دل على وجوب الفعل فقط والأصل عدم وجوب غيره ، ولأن البدل يقوم مقام المبدل فيلزم سقوط المأمور به وهو خلاف الإجماع . الثالث قال صاحب الطراز : لا تزال الصلاة أداء ما بقي الوقت الضروري ; لأن الأداء إيقاع العبادة في وقتها المحدود لها وهذا الوقت محدود لها فإذا تعمد التأخير إلى آخر [ ص: 24 ] الضروري لا يأثم عند ابن القصار ; حملا لقوله عليه السلام : من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر على إدراك الأداء والمؤدي ليس بآثم ; لأنه فعل ما أمر به ، وقال الثوري : لو قيل بالإثم لم يبعد ، للتأخير عن الوقت المحدود في حديث جبريل ؛ قال : ولا خلاف أن من تعمد التأخير حتى بقي زمان ركعة فقط أنه عاص ، ورجح صاحب الطراز الأول محتجا بأن العبادة تسقط في هذه الحالة بالأعذار ، ولولا أن الوقت باق لم يسقط ، وأنكر الإجماع وظاهر كلام ابن القصار يأباه ، قال صاحب المقدمات : اتفق أصحاب مالك على امتناع تأخير الصلاة عن الوقت المختار إلى ما بعده من وقت الضرورة ، وأنه لا تجوز إلا لضرورة وهو القامة في الظهر والقامتان في العصر ، أو ما لم تصفر الشمس ، ومغيب الشفق في المغرب على القول بأن له وقتين ، وانقضاء نصف الليل في العشاء الأخيرة ، والإسفار في الصبح ; لقوله عليه السلام : تلك صلاة المنافقين الحديث . ولأنه لم يعهد في السلف فمن فعل ذلك فهو مضيع لصلاته ، وإن كان مؤديا ، وأما تركها حتى يخرج الوقت فمن الكبائر لقوله تعالى : ( فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية