صفحة جزء
وفي القسامة خمسة أركان :

الركن الأول : مظنتها . وفي الجواهر : هي قتل الحر المسلم في محل اللوث إذا لم يثبت القتل ببينة أو إقرار من مدعى عليه ، ولا قسامة في الأطراف ، والعبيد ، والكفار . واللوث : هو أمارة تغلب على الظن صدق مدعي القتل ; كشهادة العدل الواحد على رؤية القتل ، وفي شهادة من لا تعرف عدالته ، أو العدل يرى المقتول يتشحط في دمه ، والمتهم نحوه أو قربه عليه آثار القتل خلاف . وفي الركن ستة فروع :

الأول : في الكتاب : إذا قال : دمي عند فلان ، قتلني عمدا ، أو قال : خطأ ، فلولاته أن يقسموا ويقتلوا في العمد ، ويأخذوا الدية في الخطأ من العاقلة ، ولا [ ص: 290 ] يقتسمون على خلاف ما قال المقتول ، فإن لم يذكر : عمدا ولا خطأ ، فما ادعاه الولاة من عمد أو خطأ يقتسمون عليه ، فإن قال بعضهم : عمدا ، وبعضهم خطأ ، وحلفوا كلهم استحقوا دية الخطأ بينهم ، وامتنع القتل للشبهة ، فإن حلف مدعو الخطأ فلا قسامة لمدعي العمد ، ولا دية ، وإن قال بعضهم : عمدا ، وقال الآخرون : لا علم لنا بمن قتله ولا يحلف ; بطل دمه للشبهة ، وإن قال بعضهم : خطأ ، وقال الآخرون : لا علم لنا ، ونكلوا ، حلف مدعو الخطأ وأخذوا نصيبهم من الدية ; لأنه مال أمكن توزيعه بخلاف العمد ، وليس للآخرين الحلف بعد النكول ; لأنهم أسقطوا حقهم ، وإن حلف مدعو الدم ، وردوا الأيمان على المدعى عليهم ، لم يكن لهم الحلف بعد ذلك ، وإن لم يكن للمقتول إلا وارث واحد وادعى الخطأ حلف خمسين يمينا واستحق الدية كلها ، أو العمد ، لم يقتل المدعى عليه إلا بقسامة رجلين فصاعدا ، فإن حلف معه آخر من ولاة الدم ، ولم يكن مثله في التعدد قبل ، وإلا ردت الأيمان على المدعي ، يحلف خمسين يمينا ، وإن نكل حبس حتى يحلف ، وإن أقام شاهدا على جرح عمد وحلف ، اقتص ، فإن نكل حلف المدعى عليه وبرئ ، فإن نكل حبس حتى يحلف ، والمتهم إن ردت عليه اليمين لا يبرأ إلا بخمسين يمينا ويحبس حتى يحلفها .

فائدة : في التنبيهات . اللوث : ما ليس بقاطع لأنه ملبس ، والآث من الشجر ما التبس بغضه ، قال ابن يونس في بقرة بني إسرائيل لما ذبحوها وضربوا بها القتيل فقال : قتلني فلان ، فاعتبر ذلك دليلا على أن قول المقتول : لوث ، ولا يقال : ذلك معجزة لنبي ، فإن الإعجاز في إحيائه لا قوله بعد حياته ، ولا يقدح في قول المقتول : كون القاتل عدوه ، وقول العدو غير مقبول على عدواته ; لأن العداوة هنا تؤكد صدقه [ ص: 291 ] لأنها مظنة بخلاف سائر الدعاوي ، ( وقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قول الجاريتين على اليهودي مع عظيم العداوة بينهم تعظيما لحرمة الدماء ) وعن مالك : اللوث شاهد ، وإن لم يكن عدلا ، والمرأة دون العبد ، ولم يختلف قوله وقول أصحابه في العبد والصبي والذمي أنه ليس بلوث ، ولا شهادة النساء في قتل عمد ، ولا يكون لطخا ، يريد المرأة الواحدة ، ويقسم مع شهادة امرأتين عدلتين ، ويقتل بذلك ويوجب القسامة : أن يرى نحوه ميتا أو خارجا ملطخا بالدم من منزل فيوجد فيه القتيل وليس معه غيره ، أو يعدو عليه في سوق عامر فيقتله فيشهدون بذلك وإن لم يعرفوا . وعن مالك : وشهادة النساء أو يرى المتهم حوله ، وإن لم يروه حين الإصابة ، قال يحيى بن سعيد : شهادة المرأة أو العبيد والصبيان واليهود والنصارى والمجوس إذا حضروا القتل فجأة والضرب أو الجرح [ . . . . ] لا يقوله مالك ولا أحد من أصحابه ، وعن مالك : اللفيف من السواد والنساء والصبيان وغير العدول لوث ، ( قال : ومن روى عنه : العدل لوث ) فقد وهم ; إنما كان يسأل : هل العدل لوث ؟ فيقول : نعم . قال محمد : ولا يقسم مع العدل في قتل الغيلة ، ولا يقتل فيه إلا بشاهدين . وعن يحيى بن سعيد : يقسم معه . قال محمد : وإنما يقسم مع الواحد على معاينة القتل بعد أن يثبت معاينة جسد القتيل كما عرف موت عبد الله بن سهل ، وكذلك لو شهدت امرأتان ورجل على قتله ، ولم يعرف موته ، فلا قسامة ، [ ص: 292 ] ويحبس المشهود عليه ، ولا يعجل عسى أن يأتي بشاهد آخر ، ويثبت موت القتيل برجلين ; لأن الجسد لا يفوت ، والقتل يفوت ، وعن أشهب : إن قال : قتلني خطأ ، وقال ولاته عمدا ، بطل ما وجب لهم من الدية ، ولا يقتل ، وإن قال : عمدا ، وقالوا : خطأ ; بطل القود والدية ; قال بعض أصحابنا ، إن ادعى القاتل ( أن ولي الدم عفا عنه ، فطلب باليمين فنكل ، حلف القاتل ) يمينا واحدا لا خمسين ; لأنها اليمين التي ردت عليه ، ولأنه تنازع في عفو كسائر الحقوق ، بخلاف نكول الورثة عن القسامة ، ويؤدونها على المدعى عليه ، فيحلف خمسين يمينا المردودة عليه ، وإن ردت الأيمان على أولياء القاتل لنكول أو لفقد من يحلف ، حلف من أولياء القاتل خمسون ; خمسين يمينا ، فإن لم يكن له إلا وليان ، حلفا خمسين دون القاتل ويبرأ ، ولا يجبرون على الحلف ، فإن لم يكن إلا ولي واحد ، لم يحلف المدعى عليه ( حقه ; لأنه إذا حلف ) معه لم يبرئه إلا خمسون يمينا يحلفها وحده ( قاله ابن القاسم ، وقال عبد الملك : مع من أعانه من عصبته ، يحلف أكثر منهم أو أقل ، فإن لم يجد حلف وحده ) وإن وجبت القسامة بقول الميت أو بشاهد على القتل ، وردت الأيمان على المدعى عليه حلف هو أو ولاته أنه ما قتله ، فإن حلف حبس حتى يحلف ، هذا قول مالك وأصحابه . وإن كانت القسامة بضرب أو بجرح ثم مات بعد ذلك ، قال ابن القاسم : يحلف : ما من ضربي ولا جرحي مات ( فإن نكل حبس حتى يحلف وضرب مائة وحبس سنة فإن . . . أنه من ضربه مات ) لم يقتل ، ولا بد أن يحلف . قال أشهب : لا يحلف في هذا ، وهذا غموس ، وإن أبيح للولي اليمين فيما لم يحضره ; [ ص: 293 ] لأن نكول المدعي يبطل الدم ، وترد الأيمان على المدعى عليه ، فإن نكلوا لم يحكم عليهم بنكولهم ، وكيف يحلفون يمينا لو أفردوا أو نكلوا لم يؤخذوا بذلك ، قال اللخمي : في اللوث في قتل العمد خمسة أقوال : الشاهد العدل ماله ، وعنه الذي ليس بالقوي العدالة ، والمرأة دون العبد ، وقال أبو مصعب : جماعة نساء أو صبيان ، أو جماعة ليسوا عدولا ، وعن أبي سعيد : ما تقدم في ابن يونس ، وعن ربيعة : الصبي والذمي .

قال محمد في الحر المسلم يقتله العبد وينكل الولي : إن كانت القسامة بقول الميت : قتلني فلان ، أو بشاهد عدل على القتل الموجب ، حلف السيد يمينا واحدة على علمه ، فإن حلف أسلمه أو يفتديه بدية المقتول ، وقيل : يحلف العبد خمسين يمينا ، وإن وجبت القسامة بالنية ومات من الجرح ، لم ترد اليمين هاهنا على العبد ولا على السيد ، وثبت جرحه فيفديه السيد بدية الجرح أو يسلمه ، ويضرب العبد ماية ويحبس عاما ; لأن السيد والعبد يقولان : لا علم عندنا ، هل مات من الجرح أم لا ، ويجوز موته منه ، إلا أنه لا يستحق دية في عمد ولا خطأ إلا بقسامة ولا وجه ليمين السيد في المسألة الأولى ; لأنه لا علم عنده ، واختلف إذا قال : قتلني ولم يقل : عمدا ولا خطأ ، فقيل : ما تقدم في الكتاب ، وقال محمد : لا يقسمون إلا على الخطأ ، وعنه : يكشف عن حال المقتول وجراحاته ، وحالة القاتل من عداوة وغيرها ، فيقسمون حينئذ على ما يظهر من العمد وغيره ، ويقتلون ، وإن لم يظهر عمد ولا خطأ فيتوقف ; لأن السنة إنما جاءت في قبول قول المقتول . قال محمد : إن قتل بعضهم عمدا وبعضهم خطأ حلف جميعهم ، فإن أقسم على الخطأ ، نصيبه من الدية على عاقلة القاتل ، ولمن أقسم على العمد نصيبه من مال القاتل . قال : وهو أحسن توفية بالأسباب ، ويكون نصيب مدعي العمد من الإبل من الأربع خمسا وعشرين ( بنت مخاض ، وخمسا وعشرين بنت لبون وخمسا وعشرين ) من كل صنف ، وعن مالك : إذا رجع مدعي العمد إلى [ ص: 294 ] دية الخطأ له ذلك ; لأنه أقل أحواله ، ومنعه أشهب ، لأن أصل العمد القود ، وعن ابن القاسم : إن قال بعضهم : عمدا ، وبعضهم : لا علم لنا ، أو قال جميعهم : عمدا ونكل بعضهم ، فلمدعي العمد أن يحلفوا ويستحقون نصيبهم من الدية ، ونكولهم على الحلف قبل وجوب الدم كعفوهم عنه بعد الوجوب ، بخلاف القائلين : لا علم لنا ، ومتى سقط الدم بنكول أو اختلاف حلف المدعى عليهم ، وكل هذا إذا استوت منزلتهم : بنين أو إخوة ، أو أعمام ، فإن اختلفت كابنة وعصبة . فقال العصبة : عمدا ، وقالت الابنة : خطأ ، فلا قسامة ، ولا قود ، ولا دية ; لأنه إذا كان عمدا فإنما ذلك للعصبة ، ولم يثبت لهم ذلك ، أو خطأ ، فإنما فيه الدية ، ولم يثبت الخطأ ، ويقسم المدعى عليه : ما قتله عمدا وينعصم دمه . قال محمد : وإن ادعى العصبة كلهم العمد ، لم ينظر إلى ورثته من النساء ; لأنه لا عفو للنساء مع الرجال ، أو ادعت العصبة كلها الخطأ والنساء العمد ; أقسم العصبة خمسين يمينا وأخذوا نصيبهم من الدية ، وليس من اللوث وجوده في محلة قوم ، أو على باب إنسان ; لأن القاتل يبعد من قتله ، وقوله : فلا قتلني ; لوث إن قال : عمدا ، أو به جراح وادعى ذلك على من يشبه ، واختلف إذا قال : خطأ أو عمدا أو لا جراح به ، أو به جراح فادعى على من لا يشبه من رجل صالح ، أو عدوه ، أو شهد واحد على ( قول البينة ، فإن أنفذت مقاتله ، فعن مالك : لا يقسم على قوله في الخطأ ; لأنه يتهم في غير ولده ، وعن ابن القاسم : إن ادعاه على رجل صالح أقسم معه وقتلوه ، وعن ابن عبد الحكم : يبطل قوله ، بخلاف عدوه ، فإنه يتوقع قتل عدوه له ، وقيل : يتهم على عدوه وقال عبد الملك : إن شهد واحد على قوله كفى ، ويقسم معه ; لأنه لوث يرجح الصدق ، وقيل : لا بد من اثنين ، ورجحه ابن عبد الحكم ، [ ص: 295 ] والموضع الذي يقسم بواحد على المعاينة ، إذا أنفذت مقاتله يقسم ما شهد شاهدي إلا بالحق في الخمسين يمينا ، أو شاهدين على معاينة ولم تنفذ مقاتله ، فيقسم : لمات من ذلك ، وإن كان الشاهد على قول الميت ، أو أنه أصابه ولم ينفذ مقاتله ، فمن صار إلى أنه يحلف ; فيحلف أنه شهد بالحق ، وأنه قتله ، لأنه لو شهد شاهدان على قول الميت ، لم يستحق بذلك القتل إلا بعد القسامة أنه قتله ، فهو يحلف أنه شهد بحق ، ولا يحلف ( أنه قتله ، وكذلك شهادته على معاينة الضرب يحلف مع شاهديه بضربه ليتوصل إلى اليمين أنه مات من ذلك الضرب ، ولا يحلف ) على من أجاز ذلك ، أنه يجمع ذلك في قسامة واحدة في خمسين يمينا .

نظائر . قال ابن زرب : تجب القسامة بأربعة : إذا ثبت قول المقتول الحر المسلم البالغ بشاهدي عدل : أن فلانا ضرب المقتول ( حتى قتله عمدا أو خطأ ) ضربة فأجافه بها ، أو غير ذلك من الجراح عمدا أو خطأ ، فعاش الرجل بعد ذلك ، وأكل وشرب ، ولم يسأل أين دمه حتى مات ، وإذا اعترف رجل بقتل رجل خطأ ، والمعترف مأمون لا يتهم ، فيقسم ولاة المقتول ، فإن أبوا فلا شيء لهم . قال الطرطوشي : لا يجب بمجرد الدعوى يمين ولا شيء ، وكذلك النكاح والطلاق ، وقال ( ح ) و ( ش ) : تجب اليمين على المدعى عليه في ذلك كله ، وهل يحلف خمسين في دعوى القتل أو يمينا واحدة ؟ عند ( ش ) قولان : وخالفنا الأئمة في شهادة عدلين على قوله : قتلني فلان ، إنه لوث ، قالوا ولا يجب فيه شيء ، وهو اختيار القاضي أبي الوليد . لنا : آية البقرة ، وفي البخاري ( أن يهوديا قتل جارية بحجر على أوضاح له ، فجئ بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبها رمق ، فقال : أقتلك فلان ؟ فأشارت برأسها : أن لا ، ثم قال الثانية : فأشارت برأسها : أن نعم فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فرضخت رأسه بين [ ص: 296 ] حجرين ) ولا حجة فيه ; لأن في بعض طرقه : لم يزل به حتى أقر ، ولأن الغالب من المؤمن عند حضور الأجل : البعد عن الذنوب والأذية ، والخوف والندم على التفريط ، فإقدامه على السبب لقتل النفس التي حرم الله تعالى خلاف الظاهر ، فيكون ذلك لوثا كسائر صور اللوث ، مثل كونه عنده ومعه آلة القتل ، وغير ذلك احتجوا بقوله عليه السلام : ( لو أعطي الناس بدعاويهم ; لادعى قوم دماء قوم وأموالهم ، ولكن البينة على من ادعى ، واليمين على من أنكر ) ، ولأن شيم النفوس الظلم فيتهم على أذية من يعاديه حتى لا يعيش بعده ، وآية البقرة لا حجة فيها ; لأن القاتل يشاهد الآخرة وعلم مقدار الجنايات وعقوباتها ، فقوله يحصل العلم بخلاف صورة النزاع ، ولذلك قال العلماء : إنه لا يمكن أن يموت أحد كافرا لما يشاهد عند الاحتضار مع أن مالكا رحمه الله نقض أصله هذا ، وأبطل تصرفات المشرف على الموت في ضرر التهمة كما قلناه في الطلاق ، والمرض ، والنكاح فيه ، والإقرار للصديق .

والجواب عن الأول : أنا لا نعطي الولي بدعواه ، بل بأيمانهم ، وقول الميت مرجح لجهتهم لوجوده في قرية أو محلة ، وبينهم عداوة ظاهرة ، ولا يسكنها غيرهم ، أو تفرق جماعة في دار عن قتيل ، أو ازدحم الناس في الطريق ، أو دخول البيت ونحوه ، فوجد هناك قتيل أو بين طائفتين مسلمتين يقتلون ، أو شهد عبيد ونساء ، فهذه كلها لوث عندكم ، يقسمون معها ويستحقون .

وعن الثاني : أن الظاهر عند مفارقة الدنيا عدم العدوان ، والصدق وغيره بإذن ، والمطلوب هو الظن .

[ ص: 297 ] وعن الثالث : لا نسلم حصول العلم ، بل قد أخبر الله تعالى عن قوم في الآخرة بأنهم يكذبون ، وفي قوله تعالى : ( يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون ) وعن آخرين : ( ما جاءنا من بشير ولا نذير ) ومع قيام الاحتمال لم يبق إلا الظن .

وعن الرابع : لم يورث المطلقة للتهمة ; لأنها لو سألته الطلاق وأعطته مالا ورثت ، بل للسنة ، وفسخ نكاح المريض لا للتهمة ، بل لأنه ممنوع من إخراج المال لغير حاجة إلا من الثلث ، ولا يمكن إيقاف المهر حتى يخرج من الثلث ، ولأن هذه الأمور التهمة فيها على مال ، والجناية على النفس أعظم ، فيكون الصدق أبين ، ولذلك لو قال : قتلني عبد فلان ، لم يقتله ولأنه مال ، وإنما قتلناه في قوله : قتلني خطأ وإن كان مالا ; لأن المال في الرتبة الثانية ، ولم يذكر القتل ، كما تمتنع شهادة النساء في النسب ، ونقبلها في الولادة .

الثاني ، في الكتاب : لا يحبس المشهود عليه في الخطأ ; لأن الدية على العاقلة ، ويحبس في العمد حتى يزكى الشهود فتجب القسامة ، وإلا فلا قسامة مع غير عدل ، وإن وجد قتيل في قرية قوم أو دارهم لا يعلم من قتله ، فلا شيء فيه ، لا دية في بيت المال ولا غيرها ، ويقسم بقوله : دمي عند فلان ، وإن كان مسخوطا والولي مسخوط ، والمرأة يقسم بقولها ، وإن قال صبي : قتلني فلان الصبي ، وأقر القاتل ، فلا يقسم على قوله لعدم الوثوق به ، ولا يقبل الإقرار لحق الله تعالى في الدم والصبي بخلاف المسخوط ; لأن الصبي لا يحلف مع شاهده في المال ، وإن [ ص: 298 ] قال النصراني : دمي عند فلان ، لا يقسم على قوله ; لأن النصراني لا يقسم ، وإن قال البالغ : قتلني الصبي فلان ، أقسم على قوله ، والدية على عاقلة الصبي ، وإن رمى ذميا أو عبدا اقتسموا ، ولهم القتل في العمد ، وإن قال ابن الملاعنة : دمي عند فلان ، وهي معتقة ، أقسم مواليها ، أو من العرب : أقسم في الخطأ أمه وإخوته لأمه ، وأخذوا نصيبهم من الدية ، وفي العمد لا قسامة كمن لا عصبة له .

الثالث ، قال : لا قسامة مع شهادة عدلين ، وإن شهد شاهد أنه قتله وقال : دمي عند فلان ، لم يكتف بذلك ، ولا بد من القسامة ، وإن شهد أن فلانا ضربه حتى قتله ( قتل بالقسامة أو إن ضرب وعاش وتكلم ، أو أكل ولم يسأل حتى مات فالقسامة ) .

الرابع ، قال : إن صالح من موضحة خطأ على مال فمات منها ، أقسم ولاته لمات منها واستحقوا الدية على العاقلة ، ورجع الجاني فيما دفع وكان في العقل كرجل من قومه ; لانكشاف العاقبة عن أنه قتل نفس ، أو عن قطع يده عمدا فعفا ، ثم مات منها ، فلهم القصاص في النفس بالقسامة إن كان عفوه عن اليد لا عن النفس .

الخامس : إن شهد أحدهما أنه قتله بسيف ، والآخر أنه قتله بحجر : بطلت الشهادة ، للاختلاف ولا قسامة بذلك .

السادس . في المقدمات : إن جرح جرحا له عقل عمدا أو خطأ فمات فثلاثة أحوال : أحدهما : أن لا يعلم الجرح إلا من الميت فيقول : دمي عند فلان جرحني هذا الجرح ومنه أموت ، بطل في الجرح القصاص ; لأنه لا يستحق بالقسامة والدية ، لامتناع القسامة في الجرح ، بل يقسمون ويقتلون في العمد ، أو يأخذون الدية في الخطأ . قال محمد : وعاب ما وقع في سماع يحيى أنهم إن شاءوا أقسموا واستحق الدم ، أو يقتصوا من الجرح أو يأخذوا ديته إن كان خطأ . وثانيها : إن [ ص: 299 ] يثبت بشاهدين فيخيروا في أن يقسموا أو يقتلوا في العمد ، أو الدية في الخطأ على العاقلة ، أو لا يقسموا ويقتصوا من الجرح إن كان عمدا ، وديته في الخطأ ، وعن ابن القاسم : إن أبوا القسامة امتنع القصاص في الجرح في العمد ، والدية في الخطأ . وثالثها : إن شهد على الجرح شاهد فينبغي أن يفترق العمد من الخطأ ، فيخيرون في الخطأ في أن يقسموا على الدم ويستحقون ديته في مال الجاني أو العاقلة إن بلغ الثلث ، وإن نكلوا في العمد امتنع القصاص في الجرح ; لتعذر القصاص فيه بالقسامة .

السابع . في الجواهر : إذا انفصلت قبيلتان عن قتيل لا يدرى من قتله ، فعقله على الفرقة التي نازعوه ونازعوا أصحابه فتضمن كل فرقة من أصيب من الفرقة الأخرى فإن كان من غيرهما فعقله عليهما ، ولا قسامة في ذلك ولا قود . قال أشهب : هذا إذا لم يثبت دمه عند معين ، قال ابن القاسم : لا قسامة بقول الأولياء ، أما إن قال : فلان قتلني ، أو أقام شاهدا عدلا أن فلانا قتله ، ففيه : القسامة أو شاهدان أن فلانا قتله بين الصفين ، يقتل به ، وعن ابن القاسم : لا قسامة فيمن قتل بين الصفين ، وإن شهد على قتل شاهد ، أو على إفرازه ، ورجع عن هذا إلى القتل بالقسامة لمن ادعي عليه القتل .

الثامن . قال : حيث شهد عدل على رؤية القتل قال : لا يقسم حتى تثبت معاينة القتيل ويشهد بموته ، كقصة عبد الله بن سهل ; لأن اللوث يفوت ، والجسد لا يفوت ، قال أصبغ : لا يعجل الإمام بالقسامة حتى يكشف ، فإذا بلغ أقصى الانتظار قضى بالقسامة .

التاسع . قال : مسقطات اللوث أربعة . الأول : تعذر إظهاره عند القاضي ، فإن ظهر عمده في جمع ثان شهدت البينة أنه قتل ودخل في هؤلاء ولم يعرفوه منهم ، فللمدعي استحلاف كل منهم خمسين يمينا ويغرمون الدية بلا قسامة ، [ ص: 300 ] ومن نكل منهم فالعقل عليه ، قال سحنون : لا شيء عليهم ، وتبطل الشهادة ; لعدم تعيين القاتل . الثاني : إذا ظهر في أصل القاتل دون وصفه كما إذا قال : دمي عند فلان ، ولم يقل : عمدا ولا خطأ ، فالأولياء إما أن يتفقوا على الخطأ أو العمد ، أو يختلفوا وقد تقدم بيانه . الثالث : دعوى الورثة خلاف قول الميت من عمد أو خطأ ، يسقط حقهم من الدم والدية ، ولا يقبل رجوعهم لقوله ، قاله أشهب . وقال ابن القاسم : لا يقسمون إلا على قوله . الرابع : دعوى الجاني البراءة ويقيم البينة ، قال ابن يونس : إن قال : ضربني فلان وفلان ، ثم خوف فقال : فلان وفلان غير الأولين فلم يبرئ الأولين ، لم يقسم على الأولين والآخرين ; لأنه أبرأ الأولين ، وقوله الأول يكذبه في الآخرين .

التالي السابق


الخدمات العلمية