صفحة جزء
الركن الخامس : فيما يترتب على القسامة ، وهو إما القصاص أو الدية . وفي الكتاب : إن ادعوا على جماعة ، وأتوا بلوث أو بينة على أنهم حملوا صخرة فرموا بها رأسه ، وعاش بعد ذلك أياما وأكل وشرب ومات ; أقسموا على واحد أيهم شاءوا وقتلوه ، ولا يقسموا على جميعهم ويقتلوهم ، ويقسمون في الخطأ على الجماعة ، وتفرق الدية على عواقلهم في ثلاث سنين ، وكذلك إن شهدت بينة أنهم جرحوه خطأ فعاش أياما ، فليس لهم أن يقسموا على واحد ويأخذوا الدية من عاقلته ، بل على الجميع ، وبعض الدية على عواقلهم ، والفرق : أن في الخطأ يقول : الضرب منا أجمعين ، فلا تخصوا عاقلتي ، بخلاف العمد ، قال ابن يونس : قال مالك : إذا أقسموا على واحد ، قالوا في القسامة : لمات من ضربه ولا يقولون : من ضربهم ; لأن الأصل : مطابقة اليمين للدعوى ، قال أشهب : لهم أن يقسموا على اثنين وأكثر ، وعلى جميعهم لعموم اللوث فيهم ، ولا يقتلون إلا واحدا من المقسم عليهم ; كأن يقول الميت : قتلني فلان وفلان ، أو ضربوني أو شاهد على القتل فمات مكانه ، أو عاش أياما ، إن أقسموا عليهم وهم رجال ونساء وصبيان ، فلا يقتلوا إلا بالغا رجلا أو امرأة ، وعلى عواقل الصبيان حصتهم من الدية ، فإن كان الرجال والنساء عشرين ، والصبيان خمسة ، فعلى عواقلهم خمس الدية ، خمس الخمس على عاقلة كل صبي ; لأنه من أصل دية كاملة ، قال مالك : إن قال : ضربني فلان وفلان أنفذ مقاتلي ، فلا يقسمون إلا عليه ; لقوة سببه ، وعلى الباقين الضرب والسجن ، وإذا قال لهم : أقسموا على فلان ليس لهم [ ص: 314 ] أن يقسموا على غيره ; لأن قول الميت مقدم ; لأنه أعلم ، ولا يقبل منه في الخطأ ، ويقسموا على الجميع ; لأنه يتهم في الوصية بالدية وينظر إلى حصة من أبرأه إن حملها الثلث سقطت ، قاله في المجموعة . وقال ابن القاسم وأشهب : هو مثل العمد ، ولا يقسموا إلا على من عينه ; لأنه أعلم ، ويلزم عاقلته حصتهم إن قالوا : لا يقسموا إلا على فلان ، وإن قال : لا شيء على الآخرين من الدية ، ولم يسع الثلث ، خير الورثة في القسامة على ذلك وحده ، ويجبروا وصيته أو يقسموا عليه ويحاصص الموصى لهم إلا أن يقسم المقسم عليهم في الثلث ، ويوضع عن كل وارث ما ينوبه في الثلث ، وما بقي على عواقلهم ، وعلى الذي أمر أن يقسم عليه ما ينوبه من الدية أقسموا عليهم أو عليه وحده ، وإن قالوا : لا نقسم إلا على جميعهم فذلك لهم ضاق الثلث أم لا ، ويسقط عن الموصى لهم ما عليهم إن جرحه أحدهما عمدا ، والآخر خطأ ، وثبت ذلك بالبينة أقسموا ( عليهم أو عليه وحده ، وإن قالوا لا نقسم إلا على جميعهم فذلك لهم ، ضاق الثلث أم لا ، وسقط عن الموصى لهم ما عليهم ، وإن جرحه أحدهما عمدا والآخر خطأ ، وثبت ذلك بالبينة أقسموا ) على المتعمد وقتلوه وأخذوا من الآخر عقل الجراح إن عرفت جناية الخطأ من العمد ، أو يقسموا على الخطأ عليهم ; ليستفيدوا من الجرح ويأخذوا الدية ، وإن لم يثبت الجرحان إلا بقول الميت فكالبينة ، قاله ابن القاسم ، وقاله سحنون . كذلك إن عاش ، وإن مات مكانه خالفت البينة قول الميت ، قال ابن القاسم : إن مات من ضربهما مكانه قتل المتعمد ، وعلى عاقلة الآخر نصف الدية . قال محمد : إذا لم يكن جرح الخطأ معروفا بعينه ، قال 315 [ ص: 315 ] مالك : إن أقر بالقتل غير من وجبت القسامة عليهم قتل ، وأقسم الأولياء على كل واحد من هؤلاء وقتلوه ، وذلك بإقراره ، وهذا بالقسامة ، وقال ابن القاسم : لا يقتل إلا واحد من ( المقربين أو المقسم عليهم ، وعنه : يقتل المقر ) بقسامة ، وعنه : بغير قسامة ، بل بإقراره ; لأنه سبب مستقل ، وإن أقسموا على واحد وأرادوا العدول لغيره ، امتنع ، ثم إن تركوه بذاة امتنع قتله أو عصبه على الثاني ونزاهة فلهم قتل الأول . وإن قال : قتلني فلان وأناس معه ، وثبت أن قوما ضربوه أقسموا على أيهم شاءوا . قال اللخمي : إن حملوا صخرة فدمغوه بها ، أو سقطت من أيديهم فلا يقسموا إلا لمات من تلك الضربة ، ويقتلون في العمد ، والدية في الخطأ إلا أن يقصدوا القسامة لما هو آمن ويتركوا الأخوف ; فمن حق صاحب الضربة أن لا يمكنهم من ذلك ، وإن تعاونوا عليه عمدا أقسموا : لمات من كل الضرب وقتلوهم ، ولو كان منهم الممسك لقتل به ، لاشتراكهم في السبب ، وإن لم يقصدوا التعاون وإحدى الضربات نافذة ، ولا يعلم ضاربها ، ولا يعلم أنها قتلت واختلطت الضربات أقسموا : لمات من ذلك الضرب . وتفرق الدية عليهم في أموالهم ، ويسقط القصاص للنفس ، ومثله إن مات بالفور ، وقالوا : لا ندري أي الضربات قتله ، أو نفذت إحداها مقاتله ولا يدرون أيهم ضربها ، أو ضربه أحدهم عمدا ، والآخر خطأ ، ومات بالحضرة فلا يقتل المتعمد ; لعدم تعينه ، وعليه نصف الدية ، وفي تحمل عاقلة المخطئ نصف الدية قولان ; لأنه يحمل بالشك ، ولا يسقط نصف الدية عن المتعمد ; لأن الظالم أولى أن يحمل عليه ، فإن كان الضربتان خطأ وشكوا في القاتلة فيختلف هل تفض الدية على 316 [ ص: 316 ] عاقلتهما أو تسقط للشك . وفي الجواهر : لا يقتل بالقسامة إلا واحد ; لأنه المتحقق . وقال المغيرة : يقتل بها الجماعة .

تنبيه : [ . . . ] أحمد في قتل واحد ، وقاله الشافعي في القديم ، وعنه : تقتل الجماعة بها ، وقال ( ح ) و ( ش ) في الجديد : لا يقتل بالقسامة أصلا بل الدية . لنا : حديث ابن سهل وقوله عليه السلام فيه : ( وتستحقون دم صاحبكم ) فجعل الدم مستحقا بالحلف ، وفي بعض طرقه : ( يحلف خمسون رجلا منكم على رجل منهم فيعطى برمته ) ; ولأنهم ادعوا العمد ، وموجبه : القصاص ، وقياسا على ما إذا حلف المدعون ; ولأنه مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قتل بالقسامة ، احتجوا بأنها أيمان فلا يقتل بها كالشاهد واليمين ; ولأنه تخمين ، فيكون فيه شبهة .

والجواب عن الأول : الفرق أن هذه خمسون يمينا ، ولا قياس قبالة النص فيكون باطلا .

وعن الثاني : ليس مجرد الاحتمال مانعا ، وإلا لما اقتص مع البينة لقيام الاحتمال ، فلم يبق إلا اعتبار الظن الغالب ، وهو حاصل من خمسين يمينا ، ولا قياس . واحتجوا على قتل الكل بأنها حجة يقتل بها الواحد فيقتل بها الجمع كالبينة ، وجوابه : الفرق أن البينة شاهدت وعاينت الحالة ، وهاهنا لم يتعين ولم يدر فقتلنا الجميع .

التالي السابق


الخدمات العلمية