صفحة جزء
المحل الثالث : المنافع . في الجواهر : في السمع والبصر القصاص عند إيضاح الرأس بالسراية ، بأن يقتص منه في الموضحة ، فإن ذهب سمعه وبصره فقد استوفى ، وإلا فعليه دية ما لم يذهب في ماله عند ابن القاسم . وقال أشهب : على عاقلته ، فإن ذهبت عينه من لطمة ونحوها فلا قصاص كالضربة بعصا من غير أن يدمي .

المحل الرابع : الجراح . وفي الجواهر : القصاص في الموضحة ، وهي التي توضح العظم من الرأس ، أو الجبهة ، وإن كان مثل مدخل إبرة ، وفي الحارصة وهي : شق الجلد ، وفي الدامية وهي : التي تسيل الدم ، والسمحاق وهي : التي تكشف الجلد ، والباضعة وهي : التي تبضع اللحم ، والمتلاحمة وهي : التي تغوص في اللحم غوصا بالغا وتقطعه في عدة مواضع ، والملطاة وهي : التي يبقى بينها [ ص: 328 ] وبين العظم ستر رقيق ، ولا قصاص فيما بعد الموضحة ، من الهاشمة العظم والمنقلة له على خلاف فيها خاصة ، والآمة : وهي البالغة إلى أم الرأس ، والدامغة وهي : الخارجة لخريطة الدماغ ، وفي هاشمة الجسد القصاص إلا المخوف كالفخذ . ولا قود في هاشمة الرأس عند ابن القاسم ; لأنها تعود منقلة . وقال أشهب : فيها القصاص إلا أن تصير منقلة .

فائدة : في التنبيهات : عند أهل اللغة : أولها : الحارصة بحاء مهملة وصاد مهملة : وهي التي حرصت الجلد أي شقته . وهي الدامية لأنها تدمي . وهي الدامعة بعين مهملة لأن الدم ينبع منها كالدمع . وقيل : الدامية أولا : لأنها تخدش فتدمي ولا تشق جلدا ، ثم الحارصة لأنها شقته ، وقيل : هي السمحاق كأنها جعلت الجلد كسماحيق السحاب ، ثم الدامعة ; لأن دمها أكثر الزمان يقطر كالدمع ، ثم الباضعة : وهي التي أخذت في اللحم وبضعته ، وهي المتلاحمة بعد الباضعة ; لأنها أخذت في اللحم في غير موضع ، ثم الملطاء بكسر الميم ويقال : ملطاة وهي التي قربت من العظم ، بينها وبينه فصيل من اللحم . وقيل : هي السمحاق ، ثم الموضحة ، وهي التي كشفت عن العظم ، ثم الهاشمة التي هشمت العظم ، ثم المنقلة ، وهي التي كسرت العظم فتحتاج إخراج بعض عظامها لإصلاحها ، وتختص بالرأس : المأمولة التي أفضت لأم الدماغ ، وبالجوف : الجائفة التي نفذت إليه ، والقصاص في جميع الجراح ، إلا المنقلة ، والمأمومة ، والجائفة للخطر ، وتوقف مالك في القود في هاشمة الرأس ، وقال : لا أرى هاشمة إلا وهي منقلة .

[ ص: 329 ] فرع

في النوادر : قال مالك : إن جرحه عمدا ثم قتله آخر ، فالقتل يأتي على الجراح في رجل أو رجال ، فإن عفي عن دمه أقيد منه من الجراح ، فإن قتل عمدا وجرح آخر خطأ أو قتل أو الخطأ أولا فهو على عاقلته ويقاد منه في العمد ، وإن جرح جماعة ( جرحا وأخذ جرح ذلك الجرح للجميع كالعضو فإن عفا أحدهم فللباقي القصاص . قال مالك : إن ضرب جماعة ) فوجدت موضحة لا يعلم جارحها : فالعقل عليهم كلهم . قال ابن القاسم : [ . . . . ] لا يدرى من شجه ، فإذا حلف حلفوا ما شجوه ، فإن نكلوا أو حلفوا فالعقل عليهم أو بعضهم ، ونكل البعض فالعقل على الناكلين . قال ابن القاسم : ليس له أن يقول : فلان جرحني ، كما يقول : فلان قتلني إلا قوم قد شهد عليهم بالقتال بينهم ، فيظهر بأحدهم جرح ، فيدعي المجروح أن واحدا جرحه فيحلف ويقبض ، فإن وجد به أربع موضحات : قال مالك : يحلف على من يزعم أنه شجه ويستفيد ، وكذلك إن قال : إن واحدا شجها كلها ، وإن لم يحلف فلتجعل الشجاج على جماعتهم . قال المغيرة : إن قال : لا أدري أيهم شجني ، حلف كل منهم أنه ما شجه ، ثم الشجاج بينهم ، ولا قود عليهم ، فإن شهدت بينة أنهما ضرباه ضربتين ، لكل واحد ضربة ، لم يضربه غيرها ، ووجد به موضحة ومنقلة ، سئل : من جرحه الموضحة ؟ ومن جرحه المنقلة ؟ ويقبل مع يمينه ، وإن جهل حلف : ما يدري سبيلا ; فإن ادعى كل واحد الموضحة ونفى المنقلة : حلف وأخذ الموضحة من أيهما شاء [ ص: 330 ] قودا . ومن الآخر نصف عقل منقلة ، ويقبل قول المجروح أبدا إذا ثبت الضرب ، إلا أن يستدل أن الجرح قديم ، وما أشكل يحلف ويقتص منه إن شهد اثنان بالضرب ، وواحد با [ . . . ] قال مالك : إن تراموا فجرح أحدهم ، لا تقبل شهادة بقيتهم أن فلانا جرحه ; لأنهم يدفعون عن أنفسهم ، وعليهم العقل ، وإن قال : جرحني هذا ثلاث جراحات ; فقال : بل جرحتين ، حلف المجروح على الثالثة واقتص منه من الثلاثة ; لاعترافه بأصل الجراح .

نظائر : قال أبو عمران : أربع عشرة مسألة ، تعتبر فيها السنة : الجرح لا يحكم فيه إلا بعد البرء ، والسنة ، واللقطة ، والعبد الآبق يحبس سنة ثم يباع ، والمجنون ، والمعترض ، والعهدة في الرقيق للأدواء الثلاثة ، والمستحاضة ، والمرتابة ، والمريضة في العدة ، والشفعة عند أشهب ، وابن القاسم يزيد الشهرين ، واليتيمة إذا مكثت سنة في بيت زوجها المشهود عليه بالطلاق إذا أبى أن يحلف حبس سنة ، وحيازة الهبة سنة ثم لا يضر الرد ، والموصى بعتقه وامتنع أهله من بيعه ينتظر سنة ، فإن باعوا عتق بالوصية . قال صاحب التنبيهات : اختلف في الاستيناء بالجراح سنة إذا ظهر برؤها قبلها ، فتأول بعض الشيوخ أنه لا بد من السنة مخافة أن ينتقض حتى يمر عليه الفصول الأربعة ، وقاله ابن شاس ، وقال غيره : خلافه . وهو ظاهر ما في الأصول ، ولا معنى للانتظار بعد البرء ، فإن نفدت السنة ولم يبرأ ؟ ففي الكتاب : ينتظر برؤها بعد السنة ولا قود ولا دية إلا بعد البرء . وقال أشهب : ليس بعد السنة انتظار في الخطأ [ ص: 331 ] ويعقل الجرح بحاله عند تمامها ، ويطالب بما زاد بعد تمامها . قال صاحب النكت : لا بد من السنة وإن برئ قبلها وأمن من الانتفاض ، وقال ( ح ) وأحمد : لا يقتص إلا بعد الاندمال ، وقال ( ش ) : يجوز قبله ، وبنى مالك ومن معه على أصلهم : أن الطرف إذا سرى للنفس يسقط في الطرف القصاص . وعند ( ش ) : لا يسقط ، واستظهرنا نحن بالسنة لاحتمال الانتفاض في أحد الفصول الأربعة . لنا : ( أن رجلا طعن بقرن في رجله فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أقدني ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : دعه حتى يبرأ ، فأعادها عليه مرتين أو ثلاثا ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : حتى يبرأ ، فأقادها منه ، ثم عرج المستقيد فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : برئ صاحبي وعرجت رجلي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا حق لك ) ; ولأنه موجب الجناية فلا يعجل كالدية والأرش ; ولأنه قد سرى للنفس فيئول الحال للقصاص في النفس لا في غيرها . احتجوا بقوله تعالى : ( والجروح قصاص ) والأصل : تعجيل مسببات الأسباب . والجواب : أن القصاص أصله من القص والقصص ، وهو المماثلة بين الشهرين والحكاية والمحكي في القصص ، وذلك معلوم قبل السنة فينتظر .

التالي السابق


الخدمات العلمية