صفحة جزء
البحث الرابع : في كيفية استيفائه ، وفي الكتاب : إن قتل بحجر قتل به ، أو قتله خنقا خنق ، أو غرقه غرق ، أو بعصى ، قتل بعصا ، وليس في مثل هذا عدد ، وإن ضربه بعصوين ضرب بالعصا حتى يموت ، أو قطع يديه ثم رجليه ثم [ ص: 347 ] عنقه قتل ولا تقطع أطرافه . قال ابن يونس في موضع آخر : إن طرحه في النهر وهو لا يعلم أنه يعوم ، إن كان لعداوة قتل ، أو لعب فالدية . وقال في المضروب بعصوين : ذلك للولي يقتاد بالسيف أو بما قتل به . وقال أشهب : إن خيف أن لا يموت في مثل هذا أقيد بالسيف ، وإن رجي ذلك فضرب ضربتين كما ضرب ، فإن لم يمت ورجا زيد ضربتين . وقال عبد الملك : لا يقتل بالنبل ، ولا بالرمي ، ولا بالحجارة ; لأنه لا يأتي على ترتيب القتل بل تعذيب ، ولا بالنار ، لأنه تعذيب . وقوله : لا تقطع أطرافه ، يريد : إلا أن يفعله تعذيبا ومثله فيصنع به مثل ذلك ، وكذلك إن قطع أصابعه ، ثم بقية كفه ، قال اللخمي : أصل القصاص : التسوية ، وما تقدم من اقتصاص رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجر من اليهود ، ومتى طلب الولي القود بأخف مما له ، لم يمنع ; لأنه ترك بعض حقه ، أو بالأشد ، كقتل الأول بالسيف ، فأراد الثاني بالرمح ، منع ، فإن ذبح الأول لم يمنع من السيف ، أو بالنار لم يمنع من الرمح ، أو بالرمح منع من النار ، أو بالسم . قال ابن القاسم : ينظر الإمام فيه ، والأصل : إن سقي سما أو طرح من شاهق على سيف أو رمح أقيد بالسيف ; لأن الأول قد يخطئ قتله فيكون تعذيبا وطولا ، وأصل قول مالك : الفوت بالأول ، وإن أمكن الخطأ ، والظالم أحق أن يحمل عليه ، قال الله تعالى : ( وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم ) قال : وأرى أن يمثل به بعد القتل .

فرع

في الكتاب : يقتص في الموضحة بمساحتها وإن أخذت جميع رأس الثاني ، ومن الأول نصفه . قال ابن يونس : إن استوعب الرأس ولم يكمل . القياس : قال مالك : لا شيء له ، كما لو مات الجاني ولا يتم له من الجبهة ، وقال أشهب : إن [ ص: 348 ] أخذ ما بين قرنيه ( أخذ من الثاني قرنيه ) وإن كان أكثر وإن نصف بنصف ; لأنها المماثلة في العضو . قال مالك : إن قطع ثلث أصبع طويلة : قطع من الثاني ثلث أصبعه وإن كانت قصيرة ، وكذلك الأنملة .

فرع

قال ابن يونس : إن قتله في الحرم جاز قتله فيه ، أو في الحل فوجد في الحرم ، جاز القود فيه ، قاله مالك : قال ابن القاسم : ويقتل وهو محرم ، وتفعل حدود الله تعالى كلها في الحرم ، وقال ( ش ) وفي الجواهر : يخرج من المسجد فيقتل خارجه ، وقال ( ح ) : لا يقتل ، بل يضيق عليه حتى يخرج ، ووافقنا في قطع الأطراف ( وحد الزنا ) وإذا ابتدأ القتل فيه وعلى الحدود . لنا : عمومات القصاص ، والقياس على مبتدئ القتل فيه ، والأطراف ، وحد الزنا ، وشرب الخمر ، وبالأولى ، لأن الحدود تسقط بالرجوع عن الإقرار وبغيره . احتجوا بقوله تعالى : ( ومن دخله كان آمنا ) وبالقياس على ما إذا دخل البيت الحرام ; ولأنه إذا امتنع قتل الصيد فالآدمي أولى .

والجواب عن الأول : أنكم خالفتم الأمر بمنعكم إياه الطعام والشراب ; ولأنه خبر عما مضى ، ولا نسلم أن ( من ) شرطية ، ولا أن ( كان ) للدوام ، وأنتم لا تؤمنوه إذا ابتدأ القتل ، ولا في الأطراف ; ولأن الذبائح تقع فيه .

وعن الثاني : أن حرمة البيت أعظم .

وعن الثالث : إن الصيد غير جان ولا أنه ظالم بخلاف الآدمي .

[ ص: 349 ] فرع

في الجواهر : إن زاد الطبيب المستحق على المستحق في القصاص فعلى عاقلته إن بلغ الثلث من الدية ، وإلا فعليه .

فرع

قال : يؤخذ القصاص فيما دون النفس للحر المفرط ، والبرد المفرط ومرض الجاني ليلا يتعدى القصاص إلى الجناية ، ويمنع من الموالاة في قطع الأطراف خوف القتل ، والحامل حتى تضع عند ظهور مخايله لا بدعواها في الجراح المخوفة ، وبعد الوضع إلى كمال الرضاع إن تعذر من يرضعه ، وتحبس الحامل في الحد والقصاص ، فإن بادر الولي فقتلها فلا غرة في الجنين إلا أن يزايلها قبل موتها فالغرة ما لم يستهل .

فرع

قال القاضي أبو بكر : من قتل بشيء قتل به إلا في وجهين وصفتين : الوجه الأول : المعصية كالخمر واللواط . الثاني : النار والسم ، وقيل : يقتل بها . والصفة الأولى ، فروى ابن نافع : إن كانت الضربة مجهزة قتل بها ، أو ضربات ، فلا ; لأنه تعذيب ، وقد تقدم الخلاف فيه . الصفة الثانية : إذا قطع أربعته ويمينه قصد التعذيب ، فعل ذلك به ، كما ( فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بالعرنيين فسمل أعينهم كما سملوا ) . أو لا على قصد التعذيب في مدافعة ومضاربة ، قتل بالسيف ، ووافقنا ( ش ) في المماثلة في آية القصاص من حيث الجملة ، وقال ( ح ) : لا قود إلا بالسيف . لنا : ما في البخاري : ( أن اليهودي رض رأس الجارية بين حجرين على أوضاح لها ، فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه بين حجرين ) الحديث . وقد تقدم . احتجوا : بما روي عن [ ص: 350 ] النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا قود إلا بالسيف ) وأجابوا عن الحديث بأن النبي صلى الله عليه وسلم ) إنما قتله للحرابة على مال الجارية لا للقصاص ، فإن الأوضاح حلي من الفضة .

والجواب عن الأول : منع الصحة .

وعن الثاني : أن المحارب لا يقتل بالحجارة إجماعا ، فكيف جاز لكم ترك إجماع الأمة لما لم يصح ومعنا ظاهر القرآن قوله تعالى : ( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ) وقال صاحب المنتقى : المشهور عند مالك وأصحابه : القصاص بالنار إذا قتل بها ، وهو مخالف لما تقدم في الجواهر . وقال ( ش ) : يقتص بالنار خلافا لـ ( ح ) ، لنا : قوله تعالى : ( وجزاء سيئة سيئة مثلها ) وما تقدم من الظواهر . احتجوا : بنهيه عليه السلام عن المثلة ، وبقوله عليه السلام : ( لا يعذب بالنار إلا رب النار ) .

والجواب عن الأول : أنه يتعين حمله إما على سببه ; لأنهم كانوا يمثلون بالأنعام بقطع أيديها ، أو يحمل على عمومه في تمثيل لم يتقدم له مقتض جمعا بينه وبين ما ذكرناه من الأدلة .

وعن الثاني : أنه ظاهر في العذاب على الكفر والمعاصي لا القصاص ، فإن لفظ العذاب ظاهر في ذلك .

فرع

قال البصري في تعليقه : إذا مات من القصاص في الأطراف فلا شيء فيه قاله [ ص: 351 ] مالك : و ( ش ) ، وقال ( ح ) : إن قطع يده فمات ضمن نصف الدية . لنا : قوله تعالى : ( ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل ) وقياسا على قطع الإمام يد السارق . احتجوا : بأن حقه في الطرف لا في النفس فأفسد ما ليس له فيضمنه .

والجواب : أنه أفسده بسبب مشروع ، وإنما يضمن حيث لم يشرع له الفعل .

فرع

في النوادر : قال مالك ، يقيم الإمام أهل المعرفة فيقتصوا بأرفق ما يقدر عليه ويجزئ الرجل العدل الواحد فيشرط في رأسه مثل الموضحة ، وينزع السن بالكلبتين بأرفق ما يقدر عليه ، وإن كسر أطرافها أو بعضها ينحل من الجانب بقدر ذلك .

فائدة : إنما سمي القصاص قودا ; لأن العرب كانت تقود الجاني بحبل في رقبته فتسلمه ، فسمي القصاص قودا ; لأنه كان يلازمه .

التالي السابق


الخدمات العلمية