صفحة جزء
تنبيه : وافقنا ابن حنبل ، وقال ( ح ) و ( ش ) : لعامله النصف . لنا : الحديث المتقدم ، قال مالك : وقال ربيعة : قلت لسعيد بن المسيب : كم في أصبع المرأة ؟ قال : عشر ، قلت : ففي أصبعين ؟ قال : عشرون ، قلت : ففي ثلاث أصابع ، قال : ثلاثون ، قلت : ففي أربع ؟ قال عشرون ، قال : قلت : لما عظمت مصيبتها قل عقلها ؟ قال سعيد : عراقي أنت ؟ فقلت : بل عالم متثبت ، أو جاهل متعلم ، فقال سعيد : هي السنة يا ابن أخي ، وهذا يدل على أنه أمر مشهور عندهم من السنة النبوية ، ويخرج من الثلث ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعله غاية ، والغاية تخرج من المغيى . احتجوا بأنها جناية فتكون على النصف كالنفس مع النفس ; ولأنه نقص نصف الشهادة فنصف الدية .

والجواب عن الأول : أنه قياس قبالة النص فيكون باطلا ، سلمناه : لكن الفرق بأن النفس أعظم حرمة يزيد فيها .

وعن الثاني : أن الأصل قبول المرأة الواحدة وصف العدالة ، وإنما [ ص: 378 ] أضاف الله تعالى امرأة أخرى للتذكير خشية النسيان ; لقوله تعالى : ( أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ) .

نظائر : قال أبو عمران : الثلث في حيز الكثرة في ثلاث مسائل كلها جوائح : المعاقلة ، وما تحمله العاقلة ، وجائحة الثمار . وفي حيز القلة في تسع مسائل : الوصية ، وهبة المرأة ذات الزوج ، واستثناء ثلث الصبرة إذا بيعت ، وكذلك الثمار ، والكباش ، والسيف ثلث وزنه حلية تباع بذلك الجنس ، قال العبدي : هو قليل في الطعام إذا استحق منه أو نقص في الشراء فهو قليل عند أشهب ، وفي الأرطال يستثنيها من الشاة والدالية في دار الكراء .

فرع

في الكتاب : يجتهد في لسان الأخرس والرجل العرجاء وكل شيء أصيب فانتقص ثم أصيب فإنما له بحساب ما بقي ، وما خلقه الله تعالى لم ينتقص منه شيء كاسترخاء البصر والعين الرمدة يضعف ، أو يد تضعف إلا أنه ينظر وينتفع بيده فالدية كاملة ، وكذلك المصاب بأمر سماوي ، وفي ضعف الجناية ; له ما بقي ; لأنه أخذ بدل نقصها بخلاف الضعف ، وعن مالك : إن أصابها رجل فنقص بصرها واليد ، ولم يأخذ لها عقلا : ففي الإصابة بعد ذلك الدية كاملة ، قال ابن يونس : هذا يقتضي اختلاف قوله في المحاسبة بما تقدم إذا لم يأخذ له عقلا ، أما إن أخذ فالاتفاق في المدونة ، والخلاف عن مالك في غيرها إذا أخذ عقلا .

فرع

في الكتاب : إن ذهب سمع إحدى أذنيه فضربه رجل فأذهب سمع الأخرى [ ص: 379 ] فعليه نصف الدية ، ( وفي عين الأعور الدية كاملة ) لما جاء فيها من السنة ، ووافقنا أحمد ، وقال ( ش ) و ( ح ) : نصف الدية . لنا : أن عمر وعثمان وعليا وابن عمر رضي الله عنهم قضوا بذلك من غير مخالف ، فكان إجماعا ; ولأن العين الذاهبة يرجع ضوؤها للباقية فهي في معنى العينين . احتجوا : بقوله عليه السلام : ( في العين خمسون من الإبل ) ، وقوله عليه السلام : ( في العينين الدية ) يقتضي أنه لا تجب عليه دية إلا إذا قلع العينين ، وهذا لم يقلع عينين ، ولأن ما ضمن بنصف الدية ومعه نظيره ، ضمن بنصفها منفردا ، كالأذن ، واليد ; ولأنه لو صح القول بانتقال الزوج الضامن لم يجب على الأول نصف الدية ; لأنه لم يذهب نصف المنفعة .

والجواب عن الأول والثاني : أنه محمول على العين غير العوراء ; لأنهما عمومان مطلقان في الأحوال فيقيدان بما ذكرنا من الأدلة .

وعن الثالث : الفرق بانتقال قوة الأول بخلاف الأذن ، ولو انتقل التزمناه .

وعن الرابع : لا يلزم اطراح الأول ، لأنه لو جني عليهما فأحولتا ، أو أعمشتا أو نقص ضوأهما ، فإنه يجب عليه العقل لما نقص ، ولا تنقص الدية على ما جنى ثانيا على قول غيرنا ، وهذا السؤال قوي ، وكذلك يلزمنا أن نقلع بعينه عينين اثنتين من الجاني . وفي النوادر : فيها ألف وإن أخذ في الأولى ديتها قاله مالك وأصحابه . قال أشهب : ويسأل عن السمع ، فإن كان ينتقل فكالعين وإلا [ ص: 380 ] فكاليد ، وإن أصيب من كل عين نصف بصرها ، ثم أصيب باقيها في ضربة فنصف الدية ; لأنه ينظر بهما نصف نظرهما ، فإن أصيب بباقي أحدهما ، ثم أصيب بنصف الصحيحة ، فثلث الدية ; لأنه أذهب من جميع بصره ثلثه ، وإن أصيب ببقية المصابة فقط فربع الدية ، فإن ذهب باقيها والصحيحة بصيرة فالدية كاملة ، أو الصحيحة وحدها فثلثا الدية ; لأنها ثلثا بصره ، فإن أصيب بقية المصابة فنصف الدية ، بخلاف لو أصيب والصحيحة باقية ، قاله أشهب ، قال ابن القاسم : ليس فيما يصاب من الصحيحة إذا بقي من الأولى شيء إلا من حساب نصف الدية .

فرع

في الكتاب : إذا قطع كفه خطأ فشل الساعد : فدية واحدة ; لأنها ضربة واحدة .

قاعدة : كما شرع الله تعالى الزواجر بالجوابر ، فالجوابر : لتحصيل المصالح ، والزواجر : لدفع المفاسد ، والمقصود من الجوابر إخلاف ما فات من مصالح حقوق الله تعالى وحقوق عباده ، ولا يشترط ( وجود الأول ، ولذلك يجبر الخطأ ، والعمد ، والمجهول والمعلوم ، والذكر والنسيان ، وعلى المجانين ) والصبيان ، بخلاف الزواجر ; فإن معظمها على العصاة زواجر عن المعصية ، وقد تكون على غيرهم دفعا للمفاسد من غير إثم ; كرياضة البهائم وتأديب الصبيان استصلاحا لهم ، واختلف في بعض الكفارات هل هي زواجر ، لما فيها من مشاق تحمل الأموال وغيرها ، أو جوابر لأنها عبادات لا تصح إلا بالنيات ؟ [ ص: 381 ] وليس التقرب إلى الله تعالى عقوبة وزجرا ، بخلاف الحدود والتعزيرات ; لأنها ليست قربات لأنها ليست فعل المزجور ، بل فعل ولاة الأمور ، والجوابر تقع في العبادات ، والأموال ، والنفوس والأعضاء ، ومنافع الأعضاء والجراح ، والزواجر ، ففي العبادات كالوضوء مع التيمم ، والسهو مع السجود ، والصلاة لجهة السفر وجهة العدو مع الخوف بدلا عن الكعبة ، وصلاة الجماعة فيمن صلى مفردا ، وجبر ما بين الشيئين بالدراهم في الزكاة ، أو الذكورة في ابن لبون مع بنت مخاض ، وهو مباين لقاعدة الجوابر لتباين النوعين جدا ، والصيام بالإطعام في حق من لم يصم أواخر القضاء ، ومناهي النسك بالدم والصيام ، وجبر الصيد المأكول في الحرام أو الإحرام بالمثل أو الطعام ، أو الصيام ، أو الصيد ، والمملوك لله تعالى بما تقدم ومالكه لقيمته وهو مجبور ، وآخر اجتمع عليه جابران وشجر الحرم يجبر ، ثم اعلم أن الصلاة لا تجبر إلا بعمل ، والأموال لا تجبر إلا بالمال ، والنسكان تارة بعمل كالعمرة أو الصوم ، وتارة بالمال كالهدي ، وجزاء الصيد ، والطعام ، والصيام ، والصوم يجبر بمثله في القضاء وبالمال كالإطعام .

وأما جوابر المال : فالأصل رد الحقوق بأعيانها ، فإن ردها ناقصة الأوصاف [ ص: 382 ] جبرت بالمال ، أو لم يردها جبرنا المثلي ; لأنه أقرب للعين من القيمة ، وفي غير المثلي بالقيمة ; لأنها تحصيل المثل ، وتجبر الناقص بأجرة المثل ، وخرج عن جبر المثلي صورتان : المصراة ، وغاصب المال في موضع غلائه ، والمنافع المحرمة لا تضمن احتقارا لها كالزمر ونحوه ، وكذلك الأعيان النجسة ، وتجبر المنفعة المحرمة في المزني بها كرها بصداق المثل دون اللواط ; لأنه لم يتقدم قط فأشبه القتل والعتاق ، والمنافع في الجماد تضمن بالعقود الصحيحة والفاسدة والفوات تحت أيدي الغصاب ، ومنافع الحد تضمن بالعقد الصحيح والفاسد والشبهة والإكراه دون الفوات تحت الأيدي العادية ، والفرق : ( أن قليل سائر المنافع يجبر قليلها بالقليل وكثيرها بالكثير ، وضمان الأبضاع ) بمهور الأمثال وهي بأيسر المنافع من التقاء الختانين ، فلو ضرب للزمت أموال لا يقدر عليها ، وهو بعيد من مقاصد الشرع ، وأما النفوس فخارجة عن قاعدة جبر الأموال ، والمنافع ، والأوصاف ، إذ لا يجبر بأمثالها وتساوت جوابرها مع اختلاف . قال سحنون : إنها في الفضائل والرذائل ( وإنما يختلف باختلاف الأديان والذكورة والأنوثة ، ولا عبرة في الأموال بالأديان ) فيجبر العبد المجوسي بالآلاف ، والعبد المسلم باليسير ; لأن المجبور هو المالية دون الدين ، وسواء في الجرح المقدرة بين صغيرها وكبيرها ، وأوسعها وأضيقها ، وغير المقدر على قياس الإتلاف في الحكومات ، ودية الأعضاء على خلاف القاعدة ، وإذا وجب في الإنسان ديات ثم مات فدية واحدة ، ولو وجب في الحيوان ضمان في أعضائه ثم مات لم يتداخل ; [ ص: 383 ] لأن الغالب من جنايات الأناسي البعيد الذي لا يتوقف على حقيقته ، والحكومات وإن كانت قياسا فهي على خلاف القياس من جهة نسبتها للدية ، وسوي بين الإبهام والخنصر مع التفاوت في اليد والرجل ، وكذلك أصابع اليدين والرجلين ، وأعظم من ذلك إبهام اليد اليمنى وسبابتها مع خنصر الرجل اليسرى وبنصرها .

وأما الزواجر : فتارة تجب على فاعل المفسدة كمفسد الصوم ، والحج ، والظهار ، وتارة على غير الفاعل ، وهي ثلاثة : قسمان على الأئمة ، كالحدود والتعذيرات ، وقسم يخير مستوفيه بين العفو والاستيفاء كالقصاص ، وقد يكون الزجر عن غير المحرم فمن طلق امرأته ثلاثا في ثلاث مرات فيزجر بنكاية التحليل ; لأنه مراغم للمروءة والأنفة ، وقتال البغاة والصبيان على ترك الصلاة وغيرها .

التالي السابق


الخدمات العلمية