صفحة جزء
فصل في الرعاف : ففيه ثلاثة عشر فرعا ، الأول في اشتقاقه وهو مأخوذ من الرعاف الذي هو السبق فقول العرب فرس راعف إذا كان يتقدم الخيل ، ورعف فلان الخيل إذا تقدمها ، وقال رعف يرعف بفتح العين في الماضي وضم المستقبل وفتحه والشاذ الضم فيهما ، ولما كان الدم يسبق إلى الأنف سمي رعافا . الثاني قال اللخمي : الدم في الرعاف أربعة أقسام : يسير يذهبه الفتل ففي الجواهر يستوي فيه الظن والشك فإنه يفتله ، وكثير لا يذهبه الفتل ولا يرجى انقطاعه لعادة تقدمت فهذان لا يخرج لهما من الصلاة يفتل الأول على رءوس الأنامل ، ويكف الآخر ما استطاع ، وكثير يذهبه الفتل ; لثخانته ففيه قولان ، فكان ابن الماجشون يمسحه بأصابعه حتى تختضب فيغمسها في حصباء المسجد ويردها ، وقال مالك : لا أحب ذلك فراعى مالك قدر النجاسة [ ص: 82 ] وتفاحشها ، وراعى عبد الملك المواضع دون القدر . وكثير يذهبه الفتل فهذا يخرج لغسله ويبني على صلاته بعد الغسل إن شاء ، والأحسن أن يتكلم ويخرج من الصلاة ; فإنها رخصة على خلاف الأصول غير لازمة ، وإذا خرج فله شروط ستة : أن يمسك أنفه ، وأن يغسل في أقرب المواضع ، وأن لا يمشي على نجاسة ، وأن لا يتكلم عمدا ولا سهوا ، وأن لا يتلطخ كثير من جسده أو ثيابه ، وأن لا يبعد المكان جدا ، ولا يشترط استقبال القبلة قاله اللخمي وصاحب الطراز ، ووافقنا الشافعي وقال أبو حنيفة : تبطل طهارته ويتوضأ ، ويبني بناء على أن الخارج النجس يبطل الوضوء . وقد تقدم الكلام عنه ، لنا ما يروى عن ابن عباس وابن عمر وابن المسيب وجماعة من التابعين ، من غير نكير فكان إجماعا وهو مذكور في الموطأ أيضا مثل هذا في مخالفة الأصول لا يقدم السلف عليه إلا بتوقيف ظاهر ، فإن كان تكلم لما خرج قال في الكتاب : إذا تكلم الإمام حين خروجه بطلت صلاته ، قال صاحب الطراز : تبطل عند ابن الماجشون عمدا أو سهوا ، إماما أو منفردا ، وقال سحنون : إذا تكلم سهوا في غسل الدم ، والمستخلف لم يفرغ من صلاته ، حمله عند خليفته ، وفي كتاب ابن سحنون : إذا تكلم الراعف قبل فراغ الإمام حمله الإمام عنه قال ابن حبيب : إن تكلم في ذهابه ناسيا بطلت ، وإن تكلم في رجوعه لم تبطل ، وجه البطلان مطلقا انسلاخه من هيئة المصلين بالرعاف والكلام وقد جاء في الحديث إن كان مطعونا عليه من إصابة قيء أو رعاف فلينصرف ، وليتوضأ وليبن ، ما لم يتكلم .

[ ص: 83 ] ورأى ابن حبيب أن حالة الرجوع إقبال على الصلاة فيكون الكلام منافيا لها ، بخلاف الذهاب . ويرد عليه أن الإمام لو سها - والمأموم راجع - فوجد الإمام قد سلم لم يلزمه سهوه قاله صاحب الطراز ، وقال ابن يونس : لو أبطل الإمام صلاته عمدا حالة خروج المأموم بطلت عليه خلافا لسحنون ، ولو مشى على عشب يابس بطلت صلاته عند سحنون ، خلافا لابن عبدوس وقد جاء في الحديث أنه عليه السلام قال : إذا جاء أحدكم المسجد فإن كان ليلا فليدلك نعله ، وإن كان نهارا فلينظر إلى أسفلها . فدل ذلك على المسامحة في الرطب إذا دلك فضلا عن العشب وقد تقدم في الطهارة معنى العشب ولم يفرق ، وأما في الجواهر فقد حكي في الكلام سهوا والمشي على النجاسة ثلاثة أقوال : تبطل مطلقا ، لا تبطل مطلقا ، التفرقة بين الرجوع فتبطل ، وبين الذهاب فلا تبطل ، ولم يعين لا إماما ولا غيره ، وكذلك أبو الطاهر .

تفريع

فإن آثر الراعف ابتداء الصلاة من أولها فليأت بما ينافيها لئلا يكون قد زاد في الصلاة ما ليس منها ، وقال ابن القاسم في المجموعة : فإن ابتدأها ، ولم يقطعها فسدت وإن آثر التمادي حيث قلنا له الخروج فإن وقف الدم فتله [ ص: 84 ] على أنامله ، فإن زاد قال مالك في الموازية : يفتله على أربع أصابع إلى الأنملة فإن وصل إلى الوسطى أعاد صلاته احتياطا ، قال صاحب النكت إذا زاد على الأنامل الأول وابتلت الأصابع كلها أو جلها لا يباح له البناء ، قال صاحب الطراز : هذا التحديد عسير بل يقال ما لا يزيد على رءوس الأنامل لا يجب أن ينصرف منه ; لأنها حالة السلف وهو يقدر على أن يفتله بإبهامه ، فإن عسر فتله وجب الانصراف ، فإن لم ينصرف فسدت الصلاة قال : وهذا الفتل إنما شرع في مسجد محصب غير مفروش حتى ينزل المفتول في ذلك الحصباء ، أما المفروش فيخرج من أول ما يسيل أو يقطر أحسن ; لأنه ينجس الموضع وحيث قلنا لا يخرج لكون الدم لا ينقطع بغسل ولا غيره فأضر به الدم ، قال صاحب الطراز : قال مالك يوصي بالصلاة ، وكان ابن المسيب يأمر بذلك في هذه الحالة ، واختلف في تفسير الضرر الذي أشار إليه فقال محمد بن مسلمة : معناه في جسمه كالأرمد إذا سجد يتضرر رأسه ووجهه وكذلك هذا ، ولأن المواد تنصب إلى الوجه والأنف حالة الركوع والسجود فتكثر الدماء فيضربه الاستفراغ ، وقال غيره : بل معناه يتضرر بالتلويث كما قلنا في الطين الخضخاض يصلي فيه إيماء ; ليسلم من التلويث ، والدم أقبح من الطين قال : والأول أقيس ، فإن العجز عن إزالة النجاسة لا يسقط وجوب الركوع والسجود كما قلنا في العجز عن السترة في العراة ، والفرق بين الدم والطين : أن الطين يدخل في العينين والأنف فيشغل عن [ ص: 85 ] الصلاة ، وإذا قلنا بالإيماء فقال ابن حبيب : يومئ للركوع والسجود ويقوم ويقعد ، وقال القاضي في المعونة : يومئ للسجود ويأتي بالقيام والركوع قال : وهو أطهر ، وإذا صلى بإيماء انقطع الدم بعد الصلاة وقبل خروج الوقت ، قال أعاد عند أشهب قال : ويتخرج فيه قول أنه لا يعيد . الثالث قال في الكتاب : إذا رعف خلف الإمام وذهب لغسل الدم يصلي في أقرب المواضع ، قال ابن القاسم : وذلك إذا سلم الإمام إلا في الجمعة فإنه يرجع إلى المسجد ، قال صاحب الطراز : الرعاف على خلاف الأصل فيقتصر منه على الضرورة ، وقول ابن القاسم يقتضي الرجوع ولو أدرك الإمام في التشهد لأجل فضيلة الجماعة التي التزمها في صلاته ، وقال ابن شعبان : إن رجا ركعة رجع وإلا فلا ; لأن أقل من ذلك نافلة زائدة على الصلاة ، ولا ضرورة إليها ، قال : فلو كانت صلاته في المسجد الحرام أو في مسجد المدينة رجع إليه ولو سلم الإمام لفضيلة البقعة عند مالك ، وعلى قول ابن شعبان لا يرجع ، فإن قدر انصراف الإمام فأتم مكانه وتبين خطؤه ، قال ابن القاسم : تجزيه ; لأنه عمل ما يجوز له من الاجتهاد ، ولذلك يلزم إذا قدر بقاءه فأخطأ .

تنبيه

تعارض هاهنا محذوران : أحدهما أن مفارقة الإمام بعد التزام الصلاة معه لا تجوز ، والثاني الحركات إلى الإمام فعل زائد في الصلاة لا يجوز ولا بد [ ص: 86 ] للراعف من أحدهما بعد مفارقة الإمام فيحتاج إلى الخروج ، فالمشهور مراعاة الأول ووجوب الرجوع لوجوه ، أحدها : أن وجوب الاقتداء راجح بالاستصحاب ; لثبوته قبل الرعاف ، بخلاف الآخر ، وثانيها أن الزيادة إنما تمنع وتفسد إذا كانت خالية من القربة ، وهذه وسيلة للقربة في الاقتداء فتكون قربة ، وثالثها أن هذه حالة ضرورة فتؤثر في عدم اعتبار الحركات ، ولا تؤثر في ترك الاقتداء كما في صلاة الخوف فإن الرجوع جوزته الزيادة في صلاة الإمام بطول الانتظار ; لأجل الاقتداء الذي لم يجب فكيف إذا وجب ، وأما الجمعة فإنه يرجع إلى الجامع ولو علم انصراف الناس على ما في الكتاب ; لأن الجامع من جملة شروطها فلا تصح دونه قال صاحب الطراز : قال ابن شعبان : إذا انصرف الناس أتم الجمعة في أدنى موضع يصلي فيه بصلاة الإمام ; لأنه لو صلى ، ثم أحدث صحت صلاته ، ولأن المسجد إنما يجب عند استكمال الشروط وقد فاتت الجماعة والإمام فلا يجب الجامع ، ولأنه لو أدرك أحد ثمة ركعة وهو مسبوق لأتمها ثمة منفردا ، وكذلك الراعف ، وابن القاسم يرى أن الأصل استقلال كل شرط بنفسه وأن صلاة المنفرد عن الجامع إنما تصح ، لأجل اتصاله بالصفوف فهي ضرورة منفية هاهنا ، وإذا فرعنا على المشهور فحال بينه وبينه سيل يضيف إليها أخرى ، ثم يصلي أربعا وهو يجري على أصل ابن القاسم فيمن نسي سجدة من أربع ركعات لا يدري من أيتها هي فيضيف إليها أخرى ، مراعاة لقول ابن شعبان ويعيد أربعا ; لعدم شرط الجمعة وهو المسجد فإن أتم في الجامع ، ثم ذكر أن عليه سجدتي سهو ، قال مالك : اللتان قبل السلام لا يسجدهما إلا في الجامع ، قال محمد : وإن [ ص: 87 ] سجدهما في غيره لم يجزياه ; لأنهما من نفس الجمعة .

الرابع : قال في الكتاب : إذا رعف في الجمعة بعد ركعة بسجدتيها ، ثم رجع فوجد الإمام جالسا جلس معه وسلم ، ثم قضى ; لأنه مأموم يجب عليه الاتباع ، والقضاء لا يكون إلا بعد سلام الإمام ، وإذا لم يتم الأولى بسجدتيها ولم يرجع حتى فرغ الإمام ابتدأ ظهرا أربعا ، قال صاحب الطراز : وهذا متفق عليه بين أصحابنا بخلاف غير الجمعة ; لأنه لو صلى بها جمعة لصلاها فذا وهو لا يجوز وإذا قلنا يبتدئ الظهر فهل يستأنف الإحرام ثلاثة أقوال : يقطع عند مالك في سائر الصلوات ; لأنه لا يعتد بما بعد الإحرام فلا يدخله في صلاته ، ولا يقطع عند سحنون مطلقا ; لأن إحرامه قد انعقد على فضل الجماعة وهو أعظم من مدرك التشهد الأخير مع الإمام ، وسبق في غيره لا سيما قد يكون قد حضر القراءة أو الركوع ، وهذه قربات لا ينبغي أن تهمل ، وقد نقل ابن حزم الإجماع في أن المسبوق إذا لم يطمع في إدراك جماعة أخرى ولم يبق إلا التشهد فإنه مأمور بالدخول مع الجماعة فيه ، وخيره أشهب لتعارض الأدلة ، فإن فارقه بعد ركعة في الجمعة فلما عاد نسي أم القرآن حتى ركع قال ابن الماجشون : يسجد قبل السلام وتجزئه ، وقيل يبتدئ القراءة ويسجد بعد السلام ، وكذلك الخلاف إذا ذكر بعد سجدة فإن لم يذكر حتى فرغ من تلك الركعة أجزأه عند ابن الماجشون سجدتا السهو ، ويلغي تلك الركعة عند ابن عبد الحكم ويأتي بركعة وسجدة ، وعند ابن القاسم يسجد قبل السلام ويعيد ظهرا أربعا ; لوصول السهو نصف الصلاة فيسجد رجاء الإجزاء على قول من يرى ذلك ويعيد [ ص: 88 ] ظهرا ; لأن الجمعة لا تصح من الفذ . الخامس قال في الكتاب : لا يبني على أقل من ركعة ، ويلغي ما هو أقل منها ولو سجدة كانت الأولى أو غيرها منفردا كان أو مأموما ، قال صاحب الطراز : فيها أربعة أقوال : يلغى أقل من الركعة مطلقا ، ولا يلغي شيئا مطلقا إلا في الجمعة ، وقال أشهب : الابتداء أحب إلي وإن بنى أجزأه ، وقال ابن الماجشون : إن رأى أن الأقل من الركعة في الأولى ألغاه ، وإن كان في الثانية بنى عليه ، وجه المذهب قوله عليه السلام : من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة . وقياسا على أرباب الأعذار في أواخر الأوقات ، وعلى المشهور وجه الثاني أن الرعاف لا يبطل الصلاة ويبني في القليل والكثير ، وامتنع في الجمعة ; لفوات الجماعة والإمام ، اللذين هما شرط . وجه التخيير : تعارض الأدلة ، وجه الفرق : القياس على الناعس مع الإمام فإنه يبني ويلحق الإمام في الثانية ، بخلاف الأولى فإنه يلغيها ، والفرق المشهور بينه وبين الناعس أن منافاة الرعاف للصلاة أشد من النعاس فإنه فيه مفارقة المكان والهيئة ، وإذا قلنا يبني على القليل والكثير ، فرعف وهو راكع أو ساجد رفع وخرج لغسل الدم قال ابن حبيب : يجزئه هذا الرفع ولا يعود إلى ركوعه ولا سجوده .

قاعدة :

الموالاة شرط في الصلاة بالإجماع فلا يجوز أن يفرق بين ركعاتها ، ولا بين أجزاء ركعاتها فمن لاحظ أن الرعاف مخل بها سوى بين الركعات وأجزائها ; لأنه لا فرق ، ومن لاحظ أن الركعة الواحدة كالعبادة المستقلة [ ص: 89 ] والصلاة المنفردة ; لأن الشرع قد خصصها بأحكام : إدراك الأوقات ، وفضيلة الجماعات والجهات ، وتحصيل الأداء بإدراكها دون القضاء فصارت أولى بالموالاة في نفسها من جملة الصلاة ، فلا يلزم من إهمال الموالاة في جملة الصلاة إهمالها في الركعة وهو المشهور . السادس قال في الكتاب : إذا فارق الإمام بعد التشهد وقبل السلام فإن رجع ووجد الإمام انصرف قعد وتشهد وسلم ، وإن رعف بعد ما سلم الإمام سلم وأجزت عنه ، قال صاحب الطراز : معناه يرجع إلى طمع في إدراك الإمام والخلاف مع ابن شعبان على ما مر إن كان في جمعة أو في الحرمين ، وقال سحنون : إذا رعف بعد سلام الإمام لا يسلم حتى يغسل الدم إن كان كثيرا ; لأن السلام ركن ، حجة المذهب أن وقوع السلام مع الرعاف أخف من العمل الكثير في الصلاة لإزالة الدم ، قال في الكتاب : ولو فارقه بعد سجدة من الأولى فوجده في ركوع الثانية لا يضيف سجدة لتلك السجدة ، ويلغيها . قال اللخمي : يتخرج على قول أشهب فيمن أدرك الثانية من الجمعة وذكر بعد سلام الإمام أنه نسي سجدة أنه يسجد وتجزيه جمعته أنه يأتي بالسجدة وتجزئه الأولى ، قال صاحب الطراز : وليس كذلك ; لأن الراعف عقد الإمام عليه ركعة فليس له البناء والناعس بخلاف الساهي عن سجدة حتى سلم الإمام فإن السلام عند أشهب ليس في حكم عقد ركعة ، ووافقه المازري على الإنكار . السابع قال في الكتاب : إذا فارقه بعد ركعة من الظهر وعاد إليه في الرابعة يتبعه فيها ولا يقضي ما فاته حتى يفرغ الإمام لما في ذلك من المخالفة ، وقد قال عليه السلام : " فلا تختلفوا عليه " . قال صاحب الطراز : [ ص: 90 ] قوله يقضي ما فاته فإنه يدل على أنه قضاء ، وقال ابن حبيب : يقرأ في الأولى بأم القرآن ، ويقوم في الثانية بأم القرآن وحدها ولا يجلس بينهما ; لأن الأولى ثالثة إمامه ، ويكون بانيا في الفعل قاضيا في القول ، فيجتمع القضاء والبناء هاهنا في ثلاث صور إحداها : تفوته الأولى ويصلي الثانية ، وتفوته بقية الصلاة ، فعند ابن القاسم يبدأ بالبناء فيأتي بركعة بأم القرآن ، ويجعلها ثانية ، ثم يأتي بأخرى بأم القرآن ويجلس كما كان يفعل مع إمامه ، ثم ركعة القضاء بأم القرآن وسورة ، وعند سحنون يبدأ بالقضاء يأتي بالأولى بالحمد وسورة ويجلس ، ثم بالرابعة بأم القرآن ويقوم ، ثم بركعة القضاء ونظيره مقيم أدرك ركعة من صلاة المسافر ، وهكذا يفعل عنده ، وقال ابن المواز في المسألتين : تصير صلاته كلها جلوسا والبناء أرجح ; لأن حكم الأولى في المسبوق أن تؤخر إلى بعد الفراغ . وثانيها تفوته الأولى ويصلي الوسطيين ، ومن رعف في الرابعة فصلى ، قول ابن القاسم يبدأ بالرابعة وتكون ثالثة ، ويجلس عند ابن القاسم ويقوم على القول الآخر ، وعلى قول سحنون يقضي الأولى بالحمد وسورة . وثالثها تفوته الأوليان ويصلي الثالثة وتفوته الرابعة ، فعلى قول ابن القاسم يأتي بركعة بالحمد وسورة وهي ثانية له فيجلس ، ويأتي بركعتين متواليتين بالحمد لله وسورة وعند سحنون يأتي بالأوليين قبل الرابعة ويجلس بينهما كمن فاتته ركعة من [ ص: 91 ] المغرب . الثامن إن فاتته الأولى ، وأدرك الثانية ورعف في الثالثة وأدرك الرابعة ، قال سحنون : يأتي بالتي سبقه بها ، ثم بالتي رعف فيها ، وعلى قول ابن القاسم يبتدئ بالتي رعف فيها ، وهل يجلس لهما يأتي على حكم ما تقدم . التاسع قال صاحب الطراز : اختلف في الراعف في صلاة الجنازة والعيد ، قال ابن المواز : يرجع بعد الغسل إلى موضع الصلاة ; لأن ذلك المكان من سننها ولو أتم في بيته أجزأه ، وقال أشهب : إن خاف فواتها لم ينصرف وإن لم يكن كبر على الجنازة شيئا ولا صلى ركعة من العيدين . العاشر قال في الكتاب : إذا قاء عامدا أو غير عامد استأنف الصلاة بخلاف الرعاف ، قال صاحب الطراز : القيء النجس الخارج عن صفة الطعام يبطل الصلاة على المشهور ، وإن لم يتعمده . والطاهر يتعلق بالمتعمد وغيره كما بين في الأكل والشرب ، قال ابن القاسم في العتبية : إن تقيأ بلغما أو قلسا فألقاه تمادى ، وإن ابتلع القلس بعد ظهوره على لسانه فسدت صلاته ، قال في المجموعة : وإن كان سهوا بنى وسجد بعد السلام ، قال صاحب الطراز : ولو طرأ عليه القيء النجس هل يغسله عنه ويبني ؟ فعند أشهب يبني فيه وفي غيره من النجاسات ، وعند ابن شهاب يبني في القيء والرعاف خاصة وإن كانا عنده موجبين للوضوء والبناء ، والفرق بين الرعاف والقيء عندنا أن القيء فيه تفريط بسبب أن أسبابه تتقدم بحس الغثيان وغيره ، بخلاف الرعاف . الحادي عشر إذا ظن أنه رعف فخرج ، ثم تبين عدم الرعاف فعند مالك لا يبني ; لأنه مفرط ، وعند سحنون يبني ; لأنه فعل ما يجوز له ، قاله صاحب الطراز . الثاني عشر قال : لو افتتح الصلاة بالتيمم ، ثم صب المطر وهو في الصلاة ، ثم رعف غسل عنه الدم ولم يبطل صلاته فإن أحب قطع صلاته بالرعاف فتكلم ، ولو وجد من الماء قدر ما يغسل به الدم فقط فهل تبطل صلاته لأن تيممه لم يبطل بصلاته بسبب اشتغاله بالغسل ؟ أو لأنه يجب عليه اختبار [ ص: 92 ] الماء ، هل يكفيه أم لا فتبطل صلاته بالطلب أو لا تبطل ؟ وهو مذهب الشافعي . الثالث عشر قال : اتفق أصحابنا أن المأموم يبني في الرعاف لفضيلة الجماعة ، وكذلك الإمام ; لأنه واحد منهم وهو محتاج لفضيلة الجماعة ، واختلفوا في الفذ فأجاز مالك له البناء ومحمد بن مسلمة ; لأنه معنى لا يمنع البناء فيستوي فيه المصلون كالسلام من اثنتين ولأنه محتاج لتحصيل فضيلة أول الوقت ، ومنعه ابن حبيب بناء على أن سبب الرخصة فضيلة الجماعة فقط ، وأما الثوب ففي الجواهر إذا كان طرف عمامته على نجاسة قال عبد الحق : إن كان يتحرك بحركته فهو مصل بالنجاسة وإلا فلا ، وفي السليمانية يعيد في الوقت وإن كانت العمامة طويلة نظرا للاتصال ويجب صون الثياب ، وما يلابسها عن النجاسات ; صونا للعبادات عن دنيء الهيئات ، وقال صاحب البيان : إذا قطر على الإمام نجاسة في الصلاة ولم يكن عليه غير ذلك الثوب ولا معه غيره تمادى على صلاته ويعيد في الوقت ، وإن وجد غيره خرج واستخلف فإن كان فذا قطع وابتدأ بالثوب الطاهر وإن كان عليه سواه فالقياس الاستخلاف للإمام والقطع للفذ ، وقد روي عن مالك أن القطع أحب إليه ; لأن عقبة بن أبي معيط طرح على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي سلا الجزور ، وغسلته فاطمة - رضي الله عنها - وتمادى على صلاته ، وروي أنه فرث ودم ولا حجة فيه ; لأنه في أول الإسلام وقبل تحريم ذبائح المشركين ، والسلا وعاء الولد فهو كلحم الناقة المذكاة ، وكذلك الفرث طاهر عندنا ولعل الدم الذي كان فيه يسير ، قال صاحب الطراز : إذا قلنا لا تجوز الصلاة بالعمامة المتصلة [ ص: 93 ] بالنجاسة فمن صلى ومعه حبل طرفه مربوط بميتة ، فإن كان الحبل تحت قدميه فلا شيء عليه كالبساط ، وإن كان مشدودا به لم تجزه وهو قول ( ش ) ولو كان مربوطا في أذن دن خمر والأذن طاهرة لم ينفعه ذلك ; لأن الأذن متصل بالنجاسة فلو كان مربوطا بقارب فيه النجاسة ، أو جرار خمر ، أو القارب في ماء نجس ، فإن كان الرباط في موضع نجس لم يجزه ، وإن كان متصلا بموضع طاهر ففيه نظر ; لأنه لو مشى على جنب النهر لتحرك القارب بما فيه من النجاسة كدن الخمر ، أو الميتة أو يقال : إنما مسك القارب والنجاسة جاورته فهو كما لو ربطه في دابة واقفة على شيء نجس ، وللشافعية هاهنا قولان : فإن قلنا في الدابة لا تجزيه وكان مشدودا في رأس دابة وعليها رحل نجس فيظهر هاهنا أن لا شيء عليه ; لأن الدابة لها فعل وهي التي تعد حاملة للنجاسة ، بخلاف القارب فإنه بمنزلة العود المتنجس ولهذا تؤثر النجاسة التي تقوم فيها بخلاف النجاسة التي تقف عليها الدابة .

التالي السابق


الخدمات العلمية