صفحة جزء
فرع :

في الكتاب إن صلى ومعه لحم ميتة أو عظمها أعاد في الوقت ، وكذلك جلدها إذا دبغ ، ولا يصلى على جلد حمار وإن ذكي ، وتوقف في الكيمخت قال ابن يونس : يريد صلى بلحمها ناسيا وبجلدها المدبوغ عامدا أو ناسيا وتوقف في الكيمخت ; لأنه لم يزل في سيوف الصحابة وهم يصلون بها .

فائدة :

في التنبيهات : الكيمخت بفتح الكاف بعدها ياء باثنتين من تحتها ساكنة [ ص: 94 ] وفتح الميم وسكون الخاء المعجمة ، وآخره تاء باثنتين فوقها - وهو جلد الفرس - وشبهه غير مذكى ، فارسي استعمل . وأما المكان فليكن كل ما يماسه عند القيام والسجود والجلوس طاهرا ، وأما ما لا يلابسه فلا يضره ، كما قال في الكتاب : يجوز أن يصلي على طرف حصير بطرفه الآخر نجاسة ، وقال أبو حنيفة : إذا كان موضع قدميه طاهرا صحت الصلاة ، ولو كان موضع ركبتيه نجسا ، وفي الجبهة عنه روايتان بناء منه على أن الركبتين واليدين لا يجب السجود عليهما ، وإنما يجب عند تطهير ما يجب السجود عليه ويرد عليه الثوب النجس الزائد الذي لا يجب لبسه مع فساد الصلاة به .

فائدة :

قال صاحب التلقين : الجسد يجب تطهيره ، وأما الثوب فلا يتوجه عليه فرض إلا في ترك النجس منه أو وجوب الإزالة إن اختاره أو وجب لبسه . يريد أن الجسد إذا كان نجسا توجه الخطاب بإزالة النجاسة عنه ; لتعذر فعل الصلاة بدونه ، وأما الثوب فلا يجب تطهيره لحصول مقصود الشرع بالترك ، فإن اختاره المكلف لسترته أو وجب لبسه لعدم غيره صار كالجسد تجب إزالة النجاسة عنه ، وهذا بعينه يتجه في المكان ولم يذكره . وفي الجواهر لو صلى على حصير ونحوه مما ينتقل وطرفه متصل بنجاسة ففي تنزيله منزلة المتصل بجسده قولان للمتأخرين قال : واختار عبد الحق أنه لا يتنزل [ ص: 95 ] وهذا خلاف ما في الكتاب كما تقدم ، والذي رأيته لعبد الحق خلاف هذا ، وهو أنه لما ذكر مسألة الكتاب في الحصير وبينها قال : وإن كان يتحرك موضع النجاسة فالمختار عن جماعة من شيوخنا أنه لا يضر ، ومنهم من راعى تحريك موضع النجاسة وليس بصحيح . وقولنا يتحرك بحركة المصلي مباين لقولنا هو مما يتنقل ولا يحسن تمثيله بالحصير فإنه يتنقل ، ولا يتحرك بحركة المصلي . ويلحق بالمكان النجس ما تكره الصلاة فيه ، وهو أربعة عشر موضعا ، أحدها قال في الكتاب : لا بأس بالصلاة وأمامه جدار مرحاض .

قال صاحب الطراز : إن كان ظاهره طاهرا لا رشح فيه فلا يختلف في صحة الصلاة ، وإن كانت مكروهة ابتداء ; لأن المصلي ينبغي أن يكون على أحسن الهيأت مستقبلا أفضل الجهات ; لأنه يناجي الله تعالى ، وقد قال ابن القاسم في العتبية : إذا كان أمامه مجنون لا يتطهر أو صبي أو امرأة فليتنح عنهم ، وكذلك الكافر فإن كان ظاهره يرشح فيختلف فيه ، والمذهب أن صلاته صحيحة بغير إعادة ، وقال ابن حبيب : من تعمد الصلاة إلى نجاسة أمامه أعاد إلا أن تبعد جدا ويواريها عنه بشيء فقاس المصلى إليه على المصلى عليه ونحن نقيسها على ما على يمينه أو يساره أو خلفه . وثانيها الثلج قال في الكتاب : لا بأس بالصلاة على الثلج . قال صاحب الطراز : يكره لفرط برودته المانعة من التمكن من السجود كالمكان الحرج . وثالثها المقبرة ، قال في [ ص: 96 ] الكتاب : لا بأس بالصلاة إلى القبر وفي المقبرة ، وبلغني أن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانوا يفعلون ذلك . قال صاحب الطراز : ومنع ابن حنبل من الصلاة إلى القبر وفي المقبرة . والمقبرة تنقسم إلى مقبرة الكفار والمسلمين ، وعلى التقديرين فإما أن يتيقن نبشها أو عدمه ، أو يشك في ذلك فهذه ستة أقسام : منع أحمد والشافعي جميع ذلك ، واختلف قول أحمد في صحة الصلاة : فمرة حمل النهي على التعبد لا على النجاسة فحكم بالصحة ، وفرق ابن حبيب بين قبور المسلمين والمشركين فمنع من قبور المشركين ; لأنه حفرة من حفر النار ، وقال : يعيد في العامرة أبدا في العمد والجهل لبقاء نبشها النجس ، ولا يعيد في الداثرة لذهاب نبشها ، وبين قبور المسلمين فلم يمنع كانت داثرة أو عامرة ، قال صاحب الطراز : ويحمل قوله في الكتاب على أن المقبرة لم تنبش ، أما المنبوشة التي يخرج منها صديد الأموات وما في أمعائهم فلم يتكلم عليه مالك . حجتنا أن مسجده - عليه السلام - كان مقبرة للمشركين فنبشها - عليه السلام - وجعل مسجده موضعها ، ولأنه عليه السلام صلى على قبور الشهداء وهذه المسألة مبنية على تعارض الأصل والغالب ، فرجح مالك الأصل وغيره الغالب ، حجة المخالف ما في الترمذي : نهى عليه السلام أن يصلى في سبعة مواضع : في المزبلة ، والمجزرة ، والمقبرة ، وقارعة الطريق ، ومعاطن الإبل ، وفي الحمام ، وفوق ظهر بيت الله عز وجل . وقال عليه السلام : لا تجلسوا على القبور ، ولا تصلوا إليها . رابعها الحمام ، قال في الكتاب : إذا كان [ ص: 97 ] موضعه طاهرا فلا بأس به ، وكرهه الشافعي والقاضي عبد الوهاب ، ومنعه ابن حنبل مع سطحه ، وجه المذهب قوله عليه السلام في مسلم : " وجعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا " .

حجة الكراهة :

الحديث السابق ، ولأنه موضع النجاسات ، وكشف العورات . خامسها : أعطان الإبل أجاز في الكتاب الصلاة في مرابض الغنم والبقر ، وقال : لا خير في معاطن الإبل . قال المازري : وروي عن مالك لا يصلى فيها ، ولو لم يجد غيرها ولو بسط عليها ثوبا . وفي مسلم أن رجلا سأله عليه السلام فقال : أصلي في مرابض الغنم ؟ قال : نعم ، فقال : أصلي في مبارك الإبل ؟ قال : لا . وفي أبي داود صلوا في مرابض الغنم ; فإنها بركة ، ولا تصلوا في مبارك الإبل ; فإنها من الشياطين . واختلف في الفرق بينهما على ستة مذاهب : فقيل لأن أهلها يستترون بها ; لقضاء الحاجة وهو مذهب ابن القاسم وابن وهب وابن حبيب ، وقيل لنفارها ، وقيل لكثرة ترابها ووسخها فتمنع من تمام السجود ، ومراح الغنم نظيف ، وقيل لأنها تقصد السهول فتجتمع النجاسة فيها ، والغنم تقصد الأرض الصلبة ، وقيل لسوء رائحتها ، والصلاة مأمور فيها [ ص: 98 ] بحسن الرائحة ، ولذلك تبخر المساجد ، وقيل لأنها خلقت من الشياطين ، والصلاة يبعد بها عن مواضعهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية