صفحة جزء
[ ص: 246 ] مسألة

اختلف الفقهاء في أول العصر الذي أدركته : هل يدخل الزهد والورع في المباح ؟ فسلمه بعضهم ومنعه آخرون ، وصنف بعضهم على بعض ، وأكثروا التشنيع ، فقال الأنباري رحمه الله : لا يدخل الورع فيها ; لأن الله تعالى سوى بين طرفيها ، والورع مندوب ، والندب مع التسوية متعذر ، وعمل في ذلك مجلدا ، وقال بهاء الدين بن الحميري ، وغيره : بل تدخل ، وما زال السلف الصالح على الزهد في المباحات ، ونبه على ذلك قوله تعالى : ( أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا ) وغيره من النصوص ، والكل على الصواب ، وطريق الجمع أن المباح لا زهد فيه ، ولا ورع من حيث ذاته ، وهما فيه من حيث أن الاستكثار من المباح يخرج إلى كثرة الاكتساب الموقع في الشبهات ، وبطر النفوس ، لقوله تعالى : ( إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى ) إلى غير ذلك مما المباح وسيلة له ، فهو مزهود فيه بالعرض لا بالذات ، قال صاحب " المقدمات " : الزهد هو الورع ، فالزهد في الحلال لا في الحرام ، وحفظ المال خوف المسألة مأمور به .

التالي السابق


الخدمات العلمية