صفحة جزء
النوع الثاني عشر : السلام

قال عليه السلام في " الصحيح " : " لن تدخلوا الجنة حتى تتحابوا ، وهل أدلكم على ما به تتحابون ، أفشوا السلام بينكم " ، وفي " الموطأ " قال عليه السلام : " يسلم الراكب على الماشي ، وإذا سلم من القوم رجل واحد أجزأ عنهم ، وقال عليه السلام : إن اليهود إذ سلم عليكم أحدهم إنما يقول : السلام عليكم ، فقل : " عليك " [ ص: 290 ] كلها في " الموطأ " ، قال صاحب " المنتقى " : قوله عليه السلام يسلم الراكب على الماشي معناه : يبدؤه بالسلام ويرد الآخر عليه ، وابتداء السلام سنة ، ورده واجب ، قال البراء بن عازب : أمرنا عليه السلام بسبع : بعيادة المريض ، واتباع الجنائز ، وتشميت العاطس ، ونصر الضعيف ، وعون المظلوم ، وإفشاء السلام ، وإبرار القسم . ووجوب الرد من قوله تعالى : ( وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها ) ، ولأنه تعين حقه بالبداءة ، وصفة السلام أن يقول المبتدئ : السلام عليكم ، ويقول الراد : وعليكم السلام ، أو السلام عليكم كما قيل له ، ووقع للشافعية أنه لا يجزئ إلا بالواو على أحد القولين ; لأنه ليس مجاوبا ، بل الآخر مبتدئ ، وكره مالك أن يقول : سلم الله عليك ، وكان الراكب يبدأ ; لأنه أفضل من الماشي في الدنيا ، والأفضل أولى بالتكليف ، ولأنه أقدر ، فالخوف منه أشد ، فناسب أن يؤمن بالسلام ، ولأنه ينفي الكبر عن الراكب ، ويسلم المار على الجالس ; لأنه لقيامه أقوى على البطش ، أو لأن الجالس لو كلف ذلك مع كثرة المارين لشق عليه ، فإذا لم يلزمه إلا الرد لم يشق عليه ، فإذا استويا في المرور والالتقاء ابتدأ من حقه أقل على الأفضل منه ; لأن الأدنى مأمور ببر الأعلى ، وفي الحديث : " يسلم الماشي على القاعد ، والقليل على الكثير ، والصغير على الكبير ; لأن الكثير طاعة الله منهم أكثر باعتبار مجموع عباداتهم فيتعين برهم على القليل ، وبر الكبير على الصغير .

ولا خلاف أن ابتداء السلام سنة ، أو فرض كفاية يسقط بواحد ، وأن رد السلام فرض على الكفاية ، وعن أبي يوسف يلزم الجميع الرد .

لنا : الحديث المتقدم ، والقياس على الابتداء ، وينتهي السلام للبركة ، ولا يزاد على الثلاث كلمات .

قال الشيخ أبو محمد : المصافحة حسنة ، وعن مالك : الناس يفعلونها ، وأما أنا فلا [ ص: 291 ] أفعلها ; لأن السلام ينتهي للبركة فلا يزاد عليه قول ، ولا فعل ممنوع كالمعانقة ، وأجازها أنس بن مالك ، وكانت في الصحابة رضي الله عنهم ، ولم يكره مالك السلام على المتجالة بخلاف الشابة ; لأن الهرمة لا فتنة في كلامها ، والسلام شعار الإسلام عند لقاء كل مسلم عرفته أم لا ، إلا أن يمنع منه مانع ، سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الإسلام خير ؟ قال : " تطعم الطعام ، وتقرئ السلام على من عرفت ومن لم تعرف " .

وابتداء الذمي بالسلام غير مشروع ، ويرد عليهم بقوله : وعليكم ، فإن قالوا شرا عاد عليهم ، ففي الحديث : إذا سلم عليكم أهل الذمة ، فقولوا : وعليكم . وفي الحديث : " لا تبتدئوا اليهود ، والنصارى بالسلام ، فعلى هذا تكون الآية خاصة بالمسلمين في الرد .

[ قال مالك : وإن سلم على الذمي فلا يستقيله لعدم الفائدة ] ، وعن عبد الله بن عمر أنه استقاله لئلا يعتقد أن المسلم يعتقد ذلك ، ولا يسلم على المبتدعة ، ولا أهل الأهواء تأديبا لهم ، وفي " الموطأ " كان عبد الله بن عمر يمر بالسوق ، ولا يمر على سقاط ، ولا صاحب بيعة ، ولا مسكين ، ولا عبد إلا سلم عليه ، وسلم عليه رجل فقال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته والغاديات والرائحات ، فقال له عبد الله : وعليك ألفا ، كأنه كره ذلك ، قال الباجي : قال ابن دينار : معناه الطير التي تغدو وتروح ، قال الباجي : ويحتمل الملائكة الحفظة الغادية الرائحة .

قلت : الذي يناسب الكلام أن الغاديات والرائحات الخيرات والبركات والنعم التي تغدو أول النهار عليه وتروح بعد الزوال ; لأن الحركات قبل الزوال تسمى غدوا وبعده رواحا ، وقول عبد الله : وعليك ألفا ، قال ابن دينار : معناه ألف كسلامك على معنى الكراهية لتعمقه في الزيادة على البركة ، ثم كره كونه أيضا تجاوزوا .

في " الموطأ " : مالك بلغه أنه إذا دخل البيت غير المسكون يقول : السلام علينا وعلى [ ص: 292 ] عباد الله الصالحين ، قال الباجي : إذا لم يكن فيه من يسلم عليه فليسلم على نفسه وعلى عباد الله الصالحين كما يفعله في التشهد ، قوله تعالى : ( فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم ) قال ابن عباس معناه : إذا دخلتم بيوتا ، فقولوا : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، وإذا دخل الإنسان منزله ينبغي أن يسلم على أهله .

قال صاحب " القبس " : يقال : السلام معرفا : السلام عليكم بالألف واللام ، ومنكرا : سلاما عليكم ، فإن نكر فهو مصدر تقديره : ألقيت عليك مني سلاما ، فألق علي سلاما منك ، وإن عرف احتمل أن يكون مصدرا معرفا ، واحتمل أن يكون اسم الله تعالى ، معناه : الله رقيب عليك ، والسنة تقديم السلام على " عليك " ، ويكره عليكم السلام ، ففي أبي داود قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : عليك السلام ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم قل : سلام عليكم ، فإن عليك السلام تحية الميت ، يشير عليه السلام إلى ما وردت به اللغة في قولهم :

عليك سلام الله قيس بن عاصم ورحمته ما شاء أن يترحما

وكقول الآخر :

عليك سلام الله مني وباركت     يد الله في ذاك الأديم الممزق

فرع

في " المقدمات " : يكره تقبيل اليد في السلام ، وسئل مالك عن الرجل يقدم من السفر فيقبل غلامه يده ، فقال : تركه أحسن ، قال أبو الوليد : ينبغي أن ينهى مولاه عن ذلك ; لأنه بالاعتقاد صار أخاه في الله ، فلعله أفضل منه عند الله ، إلا أن يكون غير مسلم ، فلا ينهاه ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله اليهود مختبرين له عن تسع آيات بينات ، فلما أخبرهم بها قبلوا يديه ورجليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية