صفحة جزء
النوع الثامن عشر : العين والوضوء إليها

وفي " الموطأ " : اغتسل سهل بن حنيف بالخرار فنزع جبة كانت عليه ، وعامر بن عبد الله ينظر ، وكان سهل رجلا أبيض حسن الجلد ، فقال له عامر بن ربيعة : ما رأيت كاليوم ولا جلد عذراء ، فوعك سهل مكانه ، واشتد وعكه ، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن سهلا وعك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " علام يقتل أحدكم أخاه ، ألا [ ص: 312 ] بركت ، إن العين حق ، فتوضأ له عامر فغسل عامر وجهه ويديه ، ومرفقيه ، وركبتيه ، وأطراف رجليه ، وداخلة إزاره في قدح ، ثم صب عليه فبرئ سهل ، قال الباجي : الحرار موضع بالمدينة ، وقيل : ماؤها ، ومعنى العين أن الله تعالى أجرى عادته أنه إذا تعجب إنسان خاص ، ونطق ولم يبرك أن يصاب المتعجب منه ، وذلك معنى في نفس العائن لا يوجد في نفس غيره ، ومتى برك قال : اللهم بارك فيه أو بارك الله فيه لم تضر عينه ، وأجرى الله تعالى أن ذلك الوضوء شفاؤها .

وقال ابن نافع : بالوضوء كما تقدم ; وقال ابن دينار : يديه ومرفقيه ، ولا يغسل ما بين اليد والمرفق ; وقال الزهري الذي قاله علماؤنا يؤتى العائن بقدح فيه ماء فيمسك مرتفعا من الأرض فيدخل كفه فيمضمض ، ثم يمجه في القدح ، ثم يغسل وجهه في القدح صبة واحدة ، ثم يدخل يده اليسرى فيصب بها على كفه اليمنى ، ثم يدخل يده اليمنى فيصب بها على مرفقه الأيمن ، ثم بيده اليمنى على مرفقه الأيسر ، ثم بيده اليسرى على قدمه اليمنى ، ثم بيده اليمنى على قدمه اليسرى ، ثم بيده اليسرى على ركبته اليمنى ، ثم يدخل يده اليمنى فيصب بها على ركبته اليسرى ، كل ذلك في قدح ، ثم يدخل داخلة إزاره ، ولا يوضع القدح في الأرض ، ويصب على رأس المعين من خلفه صبة واحدة ، وقيل : يعتقل ويصب عليه ، ثم يكفى القدح على ظهر الأرض وراءه ، وداخلة إزاره هو الطرف المتداني الذي يفضي من مئزره إلى جلده ; لأنه إنما يمر بالطرف الأيمن على الأيسر حتى يشده بذلك الطرف المتداني الذي يكون من داخل ، وعن ابن نافع : لا يغسل موضع الخرزة من داخل الإزار ، وإنما يغسل الطرف المتداني ، قال ابن أبي زيد : الإزار الذي تحت الإزار مما يلي الجسد ، قاله مالك ، وقال ابن نافع : الطرف الداخل المتدلي ، قال ابن حبيب الذي يضعه المؤتزر أولا على حقوه ، وفي " الموطأ " : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرقية للعين ، وقال : " لو سبق شيء القدر لسبقته العين " .

تنبيه : خلق الله النفوس مختلفة الهيئات ، فنفس مهيبة ، ونفس مهينة ، ونفس تؤثر بالعين ، ونفس تؤثر بالقتل ، ففي الهند من إذا جمع نفسه على إنسان ذهب [ ص: 313 ] قلبه من صدره فمات ، ويجربونهم في الرمانة يحطونها ، ويجمعون همتهم عليها فتفتح فلا يوجد فيها حب ، وكذلك بعض النفوس خلق شفاف النفس إذا ارتاض حصلت له المكاشفة ، وإدراك المغيبات ، كان مؤمنا أو كافرا ، ولذلك لا يستدل بالمكاشفات على الديانات ، ومنهم من خلق بحيث إذا نظر في أحكام النجوم بزعمه ، أو ضرب الرمل ، أو بالسير ، أو بالشعير ، أو غير ذلك مما يتعاطاه الناس أرباب الزجر لا يكاد يخطئ أصلا لخاصية في نفسه ، لا لأن ذلك المعنى حق ، وكذلك الرقى ، والطلسمات ، والسحريات تابع لخواص النفوس ، فرب رقية تؤثر مع شخص دون غيره ، ومن جرب وجد ، ولا عجب في أن تكون النفوس مختلفة الخواص ، بل الحيوان ; لأنه أبدع في المخلوقات من النبات والجماد ، وقد خص الله تعالى العقاقير النباتية ، والجمادية بأنواع السموميات ، والترياقات ، والمنافع الغريبة والخواص العجيبة ، وجميع هذه الآثار في الجميع إنما هي صادرة عن قدرة الله تعالى ، ومشيئته عند هذه الأسباب العادية ، ولو شاء تعالى لم يكن شيء من ذلك ، فسبحان من يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد .

التالي السابق


الخدمات العلمية