صفحة جزء
الشرط السادس : النية وقد تقدمت في الطهارة مباحثها فتراجع هناك ، ونذكر هاهنا ما تختص به فنقول قال صاحب المقدمات : النية الكاملة هي المتعلقة بأربعة أشياء : تعيين الصلاة ، والتقرب بها ، ووجوبها ، وأدائها ، واستشعار الإيمان يعتبر في ذلك كله فهذه هي النية الكاملة فإن سها عن الإيمان أو وجوب الصلاة أو كونها أداء أو التقرب بها لم تفسد إذا عينها ; لاشتمال التعيين على ذلك . قال صاحب الطراز : والمعيد للصلاة في جماعة والصبي لا يتعرضان لفرض ولا لنفل . وفي الجواهر إذا كان مأموما فلا بد من نية الاقتداء مع ذلك ، فإن تركها بطلت صلاته ، وأما الإمام فلا يجب عليه أن ينوي الإمامة إلا في خمسة مواضع ، قال ابن بشير في كتاب النظائر : الذي له الجمعة ، والجمع ، والجنائز ، والخوف ، والاستخلاف يجمعها للحفظ ثلاث جيمات وخائان ، والسر فيها من جهة الفقه شيء واحد ، وهو أن الإمامة فيها شرط ولما كانت صلاة المنفرد مساوية لصلاة الإمام لم يحصل وصف الإمامة إلا بالنية فيحصل الشرط حينئذ ، وحكى الباجي عن ( ش ) أن الإمام يجب عليه أن ينوي مطلقا وليس كذلك ، وقال : ( ح ) لا تقتدي المرأة بمن لم ينو أنه يؤمها إلا في الجمعة قال : لأن الإمام يجب عليه تأخيرها خلفه فلا يتوجه عليه هذا الفرض إلا بنية ، كما أنه لا يتوجه على المأموم فرض الاتباع إلا بالنية ، وما ذكره منقوض بالجمعة . وأما المأموم فإنه تسقط عنه القراءة [ ص: 136 ] وسجود السهو في السهو الذي يخصه فلا بد من نية تؤثر في ذلك ، قال صاحب الطراز : واختلف هل يشترط أن ينوي الدخول بتكبيرة الإحرام ؟ فمال إليه الباجي وقال : هو معنى قول مالك إذا كبر للركوع ناسيا للإحرام قال : ومن جوز تقديم النية لم يشترط ذلك ، قال : وأما ما عدا الإحرام من الأركان فلا تحتاج إلى تعيين عند الإحرام ولا عند الفعل ، وقال بعض الشفعوية : ينوي الأركان عند الإحرام ، قال : وهو هوس وقد كانت الأمة على خلاف هذا ويلزمه أن ينوي حروف الفاتحة والتسليم ; لأنها واجبة ، قال : ومثل هذه الهفوة قول القاضي أبي بكر من أصحابنا أنه يلزمه عند الإحرام أن يذكر حدث العالم ، وأدلته وإثبات الأعراض واستحالة عرو الجواهر عنها وإبطال حوادث لا أول لها ، وأدلة العالم بالصانع وإثبات الصفات وما يجب له تعالى وما يستحيل وما يجوز ، وأدلة المعجزة وتصحيح الرسالة ، ثم الطرق التي بها وصل التكليف إليه ، قال : وحكى المازري أردت اتباع كلام القاضي عند إحرامي فرأيت في منامي كأني أخوض في بحر من ظلام ، فقلت : هذه والله الظلمة التي قالها القاضي أبو بكر ، وحكى صاحب القبس مذهب القاضي عن إمام الحرمين أيضا ، وأنه كان يقول تذكار هذه الأمور يكفي فيه الزمن اليسير بخلاف تعلمها ، وفي الجواهر هل يفتقر إلى نية عدد الركعات ؟ فيه خلاف ينبني عليه الخلاف في ثلاث مسائل : من افتتح بنية القصر فأتم ، أو بالعكس أو صلى الجمعة فلم تتم له شروطها : هل عليه ظهر أم لا ؟ أو دخل مع الإمام في الجمعة يظنها الظهر أو بالعكس ويجب مقارنتها لتكبيرة الإحرام ، وحكى اللخمي ثلاثة أقوال : قال مالك : تجزئ الجمعة عن الظهر ولا يجزئ الظهر [ ص: 137 ] عن الجمعة ، وقال في السليمانية : تجزئ عنها ، وقال أشهب : لا تجزئ الجمعة عن الظهر إنشاء واستصحابا ، ووافقنا الشافعي ، وقال ابن حنبل وأبو حنيفة في إحدى الروايتين عنه : يجوز تقديمها بالشيء اليسير ووافقهما صاحب المقدمات ، وقال داود : يجب تقديمها ، لنا أن النية شرعت لتميز العبادات عن العادات أو لتميز مراتب العبادات كما تقدم في كتاب الطهارة ، والذي لا يقارن الشيء لا يميزه ، وفي الجواهر : لا يفتقر إلى لفظ سوى التكبير خلافا لـ ( ش ) في استحبابه لذلك لما فيه من التكليف والتنبيه على متعلقاتها ، لنا أن السلف لم يكونوا يفعلون ذلك فلا يشرع ، ويجب استصحابها حكما بأن لا يحدث ما ينافيها كنية الخروج في الحال ، أو في أثنائه ، قال صاحب النكت : رفض النية في الوضوء والحج لا يضر بخلاف الصلاة والصوم ، والفرق أن الوضوء تعين بالأعضاء ، والحج بمواضعه المخصوصة بخلاف الآخرين فكان احتياجهما إلى النية أقل فكان تأثير الرفض فيهما أبعد ، والغفلة عنهما في أثناء الصلاة لا تضر ، ويحكى عن سحنون أنه كان يعيد صلاته معللا بأن نيته غربت ، وقال القاضي أبو بكر : إن غربت لأمر مضى في الصلاة أو عارض لم يضر ، وإن كانت بأسباب متقدمة قد لزمت للعبد من الانهماك في الدنيا ، والتعلق بفضولها فيقوى ترك الاعتداد بها ; لأنه واقع باختياره ، وقال صاحب القبس : إن الله تعالى سمح للعباد في استرسال الخواطر في الصلاة بما ليس منها ، فإذا ذكر عاد إليها فإن استمر مختارا من قبل نفسه وأعرض عن صلاته بطلت ، قال : وقال الفقهاء : الذي يقع من الصلاة في حال الخواطر مجز ، وقال الزهاد : ليس بمجز ، وقد ورد في ذلك أنه - عليه السلام - قال : إن الرجل ليصلي الصلاة فيكتب له نصفها ثلثها ربعها حتى ذكر عشرها .

[ ص: 138 ] فرع :

قال صاحب الطراز : النوافل على قسمين : مقيدة ، ومطلقة ، فالمقيدة : السنن الخمس : العيدان والكسوف والاستسقاء والوتر وركعتا الفجر ، فهذه مقيدة إما بأزمانها أو بأسبابها ، فلا بد فيها من نية التعيين فمن افتتح الصلاة من حيث الجملة ، ثم أراد ردها لهذه لم يجز ، وألحق الشافعية بهذه قيام رمضان وليس كذلك ; لأنه من قيام الليل . والمطلقة ما عدا هذه فيكفي فيها نية الصلاة ، وإن كان في الليل فهو قيام الليل أو في قيام رمضان كان منه ، أو في أول النهار فهو الضحى ، أو عند دخول مسجد فهو تحيته ، وكذلك سائر العبادات من صوم أو حج أو عمرة لا يفتقر إلى التعيين في مطلقه بل تكفي نية أصل العبادة .

التالي السابق


الخدمات العلمية