صفحة جزء
الشرط الثامن : ترك الأفعال الكثيرة ، ففي الجواهر يبطلها كل ما يعد به عند الناظر معرضا عن الصلاة لفساد نظامها ومنع اتصالها ، ولا يبطلها ما ليس كذلك من تحريك الأصابع للتسبيح أو حكة ، وهو مكروه إذا لم يكن لمصلحة الصلاة كسد الفرج ، أو الضرورة كقتل ما يحاذره وإنقاذ نفس إذا كان على القرب فإن تباعد ، تغير النظام فيبطلها وإن كان واجبا .

[ ص: 145 ] فروع تسعة :

الأول : قال في الكتاب : يرد السلام برأسه أو بيده في الفرض والنفل ، ووافقه الشافعي ، وقال أبو حنيفة : لا يرد مطلقا ولا الإشارة ، وقال أبو هريرة وجابر وجماعة من السلف : يرد مطلقا بالإشارة وباللفظ المعتاد في رد السلام ، ويروى عن أبي هريرة أنه كان يرفع صوته برد السلام ، لما في الترمذي عن صهيب مررت بالنبي - عليه السلام - فسلمت عليه وهو يصلي فرد علي إشارة بإصبعه ، وللفقهاء على أبي هريرة وأصحابه حديث ابن مسعود في باب الكلام قد تقدم .

الثاني : في الكتاب قال ابن القاسم : إذا عطس فشمته رجل فلا يرد عليه إشارة في فرض ولا نفل ، لما في مسلم عن معاوية بن الحكم قال : صليت مع النبي - عليه السلام - فعطس رجل من القوم فقلت : يرحمك الله فرماني القوم بأبصارهم ، فقلت : واثكل أماه ما شأنكم تنظرون إلي ؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم ! فعرفت أنهم يصمتوني فسكت ، فلما سلم النبي - عليه السلام - بأبي وأمي ما ضربني ولا نهرني ولا سبني ، ثم قال : إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس هذا إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن . فما رأيت معلما قط أرفق منه - عليه السلام - ووجه الدليل : أنه [ ص: 146 ] - عليه السلام - لم يقره على الكلام ، ولم يأمره بالإشارة ، والفرق بين رد السلام وجواب التشميت : أن جواب التشميت دعاء وهو ما لا يتأتى بالإشارة ، ورد السلام تحية وهو يحسن في العادة بالإشارة بالرأس وغيره .

الثالث : قال ابن القاسم في الكتاب : مقتضى قول مالك أنه يرد بالإشارة أن للناس أن يسلموا عليه ، قال صاحب الطراز : وفي هذا الاستقراء نظر فقد روى ابن وهب عن مالك ذلك وكذلك أبو حنيفة ، وللشافعية قولان قال : والأول المشهور وبه قال ابن حنبل .

وحجته : عموم التسليم وحديث ابن عمر أنه - عليه السلام - كان يرد بالإشارة ولم ينكر على من يسلم عليه ، واستحب الشافعي التصفيق لما في الصحيحين قال عليه السلام : يسبح الرجال ، وليصفق النساء ، والعمل على خلافه والمعنى أيضا فإن التسبيح يناسب الصلاة بخلاف التصفيق .

فرع : مرتب :

قال صاحب الطراز : لفظ التسبيح سبحان الله ، قال ابن حبيب : فإن قال : سبحانه فقد أخطأ ، ولا يصل إلى الإعادة ، وإن قال : لا حول ولا قوة إلا بالله ، أو كبر ، أو هلل فلا حرج .

[ ص: 147 ] الرابع : قال ابن القاسم في الكتاب : رأيت مالكا إذا أصابه التثاؤب يضع يده على فيه وينفث في غير الصلاة ، ولا أدري ما يفعله في الصلاة ؟ لما في أبي داود أنه - عليه السلام - قال : إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب ، فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع ، ولا يقل ها ها فإنما ذلك من الشيطان يضحك منه . وفي رواية فليمسك على فيه ; فإن الشيطان يدخل . قال صاحب الطراز : وأما النفث فليس من أحكام التثاؤب بل ربما اجتمع الريق في فم الإنسان فينفثه ولو ابتلعه جاز ، وينبغي أن ينفثه إذا كان صائما ، وقال مالك في الواضحة : يسد فاه بيده في الصلاة حتى ينقطع تثاؤبه قال : فإن قرأ حال تثاؤبه فإن كان يفهم ما يقول فمكروه ويجزيه ، وإن لم يفهم فليعد ما قرأ ، فإن لم يعد فإن كان في الفاتحة لم يجزه ، وإلا أجزأه .

الخامس : قال في الكتاب : فإذا انفلتت دابته وطلبها على القرب بنى ، وإلا طلبها وابتدأ ، قال عبد الحق : إن كان الوقت ضيقا ، قال ابن القاسم : يتمادى في طلب دابته وهو في الصلاة كالمسايفة ، وقال صاحب الطراز : هذا متجه إلا أن يكون لا يؤيس أمر الدابة فيشتغل بصلاته ، وفي البخاري عن الأزرق بن قيس قال : كنا بالأهواز نقاتل الحرورية فبينما أنا على حرف نهر إذ جاء رجل فصلى فإذا لجام دابته في يده فجعلت الدابة تنازعه وجعل يتبعها ، قال شعبة هو أبو هريرة الأسلمي فجعل الرجل من الخوارج يقول : اللهم افعل بهذا الشيخ ! فلما انصرف الشيخ قال أبي : سمعت قولكم ، وإني غزوت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ست غزوات أو سبع غزوات أو ثماني غزوات ، وشهدت مسيره ، وإني إن كنت أرجع مع دابتي أحب إلي من أن أدعها ترجع إلى مألفها ، ولم ينكر عليه [ ص: 148 ] أحد من الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين - وفي أبي داود عن عائشة - رضي الله عنها : أنه عليه السلام كان يصلي والباب عليه مغلق ، فجئت فاستفتحت فمشى يفتح لي ، ثم رجع وذكر في الحديث أن الباب في قبلة البيت .

السادس : قال صاحب الطراز : لو خاف على صبي بقرب النار قال مالك : ينجيه ، فإن انحرف عن القبلة ابتدأ ، وإن لم ينحرف بنى قال : وإن خاف فوات الوقت إن قطع لم يقطع .

السابع : قال : من قرب منه صبي في الصلاة فلينه عنه في المكتوبة ولا بأس به في النافلة ; لما في الموطأ عن عبادة قال : رأيته - عليه السلام - يصلي وأمامة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على عنقه فإذا سجد وضعها ، وإذا قام حملها .

زاد مسلم يؤم الناس ، وتأوله مالك في النوافل ، وروى عنه حمله على الضرورة ، ولم يفرق بين فرض ونفل خلاف ما في الكتاب ، وقد زاد أبو داود بينا نحن عنده - عليه السلام - في الظهر أو العصر وقد دعاه بلال للصلاة فقام في مصلاه وقمنا خلفه وهي في مكانها ، فكبر حتى إذا أراد أن يركع أخذها ، ثم وضعها ، ثم ركع وسجد حتى إذا فرغ من سجوده ، أخذها وردها في [ ص: 149 ] مكانها فما زال يصنع بها كذلك في كل ركعة حتى فرغ من صلاته . وقال ابن القاسم في العتبية : في حمل المرأة ولدها في الفرض تركع به وتسجد لا ينبغي ، فإن لم يشغلها عن الصلاة لم تعد ، والذي قاله إنما يتصور إذا كان مشدودا لا يسقط إذا ركعت أو سجدت ، وإلا فتضعه في الركوع والسجود ، وتأخذه عند ابن القاسم ويكون ذلك العمل من حيز القليل الذي لا يعطل الصلاة .

الثامن : قال في الكتاب : إذا ابتلع طعاما بين أسنانه لم يقطع ذلك صلاته ، وكذلك إذا التفت في الصلاة قال صاحب الطراز : نقله البراذعي لا يلتفت ، ولم يقل مالك ذلك وإنما قال : إذا التفت والالتفات على ضربين لحاجة وهو مباح بحديث أبي بكر - رضي الله عنه - حيث التفت في الصلاة فرأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتأخر ، وفي أبي داود ثوب بصلاة الصبح فجعل - عليه السلام - يصلي وهو يلتفت إلى الشعب ، وكان أرسل فارسا إليه من الليل يحرس ، ولغير حاجة مكروه ، لما في البخاري عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : سألنا النبي - عليه السلام - عن الالتفات في الصلاة فقال : هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد ، وقال مالك في المختصر : لا بأس أن يتصفح بجسده ، وقال ابن القاسم في الكتاب : إن التفت بجميع جسده لم أسأل مالكا عنه وذلك كله سواء يعني ; لأن رجليه مع نصفه الأول يكون مستقبلا فهو مستقبل عادة وهو [ ص: 150 ] قول الشافعي . قال صاحب الطراز : إذا حول رجليه عن جهة الكعبة بطل توجهه .

التاسع : أعاب في الكتاب تفريق القدمين أو يكون في فيه درهم ، أو في كمه خبز أو شيء يحشو كمه أو يفرقع أصابعه وغيره ; لأنه من فعل الفتيان ، وكرهه ابن القاسم في المسجد ; لأنه من العبث الذي تنزه المساجد عنه ، ولم يكره أن يحرك رجليه ، ولا أن يمسح التراب عن جبهته أو كفيه ، وأجاز مالك الصلاة في الغزو والجهاد والثغور ومواضع الرباط بالسيف وبالقوس ، وقال : ليس كالسيف ، وكرهه ابن القاسم واستحب أن يجعل على عاتقه عمامته ، وأجاز ابن حبيب الصلاة بهما جميعا ، ولم ير بأسا بترك العمامة ، ورأى أن السيف والقوس عدل الرداء ، وأما في الحضر فيكره ذلك قال ابن حبيب : إلا أن يأمر به السلطان لأمر ينوب فلا بأس ، وليطرح على السيف ما يستره قال صاحب الطراز : تفريق القدمين قلة وقار وإلصاقهما زيادة تنطع فيكره ، وقد قال مالك في المختصر : ذلك واسع وكره ما في الفم ; لأنه يمنع القراءة ، وهو يختلف باختلاف الناس فمنهم من يمنعه الدرهم مخارج الحروف ومنهم من لا يمنعه ذلك ، فمن خشي ذلك تجنبه ، وحشو الكم يمنع هيئة السجود من مرفقيه ، وكره مالك في المجموعة أن يكون في كمه صحيفة فيها شعر ، فإن كان ثمينا يخشى عليه حمله ، ولو كان حيوانا نجس الروث كالغراب لم يضره ; لأن ظاهر وباطن الحيوان لا عبرة به ، وكذلك الحيوان المذكى إذا غسل ظاهره من الدم ، ولا يضر ما في باطنه من الدم ، [ ص: 151 ] خلافا للشافعية في اعتبارهم إياه كدن الخمر ، وقارورة ملئت نجاسة ، والفرق طهارته بخلافهما . وأما فرقعة الأصابع فلما ورد أن مولى ابن عباس قال : صليت خلف ابن عباس ففرقعت أصابعي فلما صلى قال لي : لا أم لك تفرقع أصابعك وأنت في الصلاة ؟ وقد ورد النهي عن التشبيك وهو أخف منه ، وكرهه مالك في الصلاة دون المسجد ، وفي أبي داود سئل نافع عن الرجل يصلي مشبكا يده قال : قال ابن عمر : تلك صلاة المغضوب عليهم ، وفيه عنه عليه السلام : إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه ، ثم خرج عامدا إلى المسجد فلا يشبك يديه ; فإنه في صلاة ، وقال به الشافعي ، وكذلك ينهى عن جعل اليد على الخاصرة ; لنهيه - عليه السلام - في مسلم أن يصلي الرجل مختصرا ، وأما مسح التراب إن كان من باب الترفه فمسحه مكروه ، وله أن يوطن موضع سجوده ، وروي عنه الكراهة ، ولم يكره تحويل الخاتم في الأصابع لضبط عدد الركعات ، وكرهه أبو حنيفة والشافعي ; لأنه عمل في الصلاة ليس منها ولاحظ مالك عونه على الصلاة ، وكره الترويح من الحر في المكتوبة وخففه في النافلة ، وكره المراويح في المسجد ، وكره قتل العقرب والحية والطير يرميه ، وروي عنه عدم كراهة قتل العقرب ، وفي أبي داود أمرنا - عليه السلام - بقتل الأسودين في الصلاة : الحية والعقرب .

التالي السابق


الخدمات العلمية