صفحة جزء
[ ص: 152 ] الشرط العاشر : الموالاة فيجب إيقاع أجزاء الصلاة وأركانها يلي بعضها بعضا من غير تفريق ، واستثنى من ذلك لأجل الضرورة الرعاف ، وصلاة الخوف في حق الإمام فإنه ينتظر الطائفة الثانية ، والمسبوق ينتظر الإمام فيما لا يعتد به من صلاته حتى يسلم ، ثم يقوم يصلي لنفسه ، والساهي عن بعض صلاته يبني ما لم يطل ، وقال ربيعة : يبني وإن طال ما لم يحدث فجعل الموالاة واجبة مع الذكر ساقطة مع النسيان كالوضوء . لا حق بالشروط وليس منها ، وهي السترة ; فإنها يجب تقديمها قبل الصلاة في بعض الصور ، ولا يلزم من عدمها بطلان الصلاة وهي من محاسن الصلاة ، وفائدتها قبض الخواطر عن الانتشار ، وكف البصر عن الاسترسال حتى يكون العبد مجتمعا لمناجاة ربه ، ولهذا السر شرعت الصلاة إلى جهة واحدة مع الصمت وترك الأفعال العادية ، ومنع من الجري إليها ، وإن فاتت الجماعة وفضيلة الاقتداء ، ومن إقامتها مع الجوع المبرح أو غيره من المشوشات إن أمكن استدراك ذلك قبل خروج الوقت تحصيلا لأدب القلب مع الرب أعاننا الله على ذلك في سائر الأحوال بمنه وكرمه ، ثم المار يأثم إن كانت له مندوحة لما في الموطأ أنه - عليه السلام - قال : لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان له أن يقف أربعين خيرا له من أن يمر بين يديه . قال أبو النضر : لا أدري أقال أربعين يوما أو شهرا أو سنة ؟ وشاركه المصلي في الإثم إن تعرض للمرور ; لقوله - عليه السلام - في الموطأ : إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحدا يمر بين يديه ، وليدرأه ما استطاع ، فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان . قال صاحب الطراز : إلا أن [ ص: 153 ] يضطر إلى ذلك ، فقد كانت عائشة - رضي الله عنها - تبسط رجليها بين يديه - عليه السلام - وهو يصلي . وإن لم يكن للمار مندوحة عن المرور أثم المصلي وحده ، ونحوه إن تعرض للمرور بعذر إذا لم يقصر . والحالات أربع : فاثنان لا يأثمان ، يأثم المار وحده ، يأثم المصلي وحده ، واختلف في قوله عليه السلام : فليقاتله ، فقيل : إذا فرغ من الصلاة يغلظ عليه ، وقيل يدعو عليه ومنه قوله تعالى : ( قاتلهم الله أنى يؤفكون ) أي : لعنهم الله ، وقيل يدفعه دفعا شديدا أشد من الدرأة ولا ينتهي إلى ما يفسد الصلاة وهو المشهور ، وقال أشهب في المجموعة : إن قرب منه يدرأه ولا ينازعه ، فإن مشى له ونازعه لم تبطل صلاته ، وروى ابن القاسم في المجموعة : إذا تجاوزه لا يرده من حيث جاء ; لأنه مروران . قال صاحب الطراز : يدرأه حالة القيام ، وروىابن القاسم لا يدرأه في حالة السجود لمنافاة السجود لذلك ، وإن مر به ما لا تؤثر فيه الإشارة كالهر دفعه برجله ، أو يلصقه إلى السترة ; لما في أبي داود أنه - عليه السلام - لم يزل يدرأ بهيمة أرادت أن تمر بين يديه حتى لصق بطنه بالجدار ، قال أبو الطاهر : لو دفعه فمات كانت ديته على العاقلة عند أهل المذهب قال : وأجرى عبد الحق هذا على الخلاف فيمن عض إنسانا [ ص: 154 ] فأخرج المعضوض يده فكسر سن العاض ، والخلاف جار في كل من أذن له إذن خاص فأدى إلى التلف ، هل يسقط الأذن عنه إثر الجناية أم لا ؟ .

فائدة : قال سيبويه : الشيطان في اللغة كل متمرد عات من الجن ، والإنس ، والدواب وليس هذا الاسم خاصا بالجن ، ولما كان المار فعل ما لا يليق وخرق حرمة الصلاة وأبهتها ، كان ذلك نوعا من التمرد فسماه - عليه السلام - شيطانا ولا حاجة إلى قول من يتكلف المجاز في الحديث ، قال صاحب القبس : فإن صلى إلى غير سترة فقد خلط بعض الناس ، فقال : لا يمر أحد بين يديه بمقدار رمية السهم ، وقيل رمية الحجر ، وقيل رمية الرمح ، وقيل بمقدار المطاعنة ، وقيل بمقدار المضاربة بالسيف ; مغترين بقوله عليه السلام : فليقاتله فحملوه على أنواع القتال وليس يستحق المصلي سواء وضع سترة أو لم يضعها سوى مقدار ما يحتاجه لقيامه وركوعه وسجوده .

التالي السابق


الخدمات العلمية