صفحة جزء
فروع سبعة :

الأول : قال في الكتاب : الخط باطل وهو قول جمهور الفقهاء ، وجوزه ابن حنبل إذا لم يجد غيره ، وأشهب في العتبية ، وللشافعي قولان لما في أبي داود قال عليه السلام : إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئا فإن لم يجد فلينصب عصاه ، فإن لم يكن معه فليخطط خطا ، ثم لا يضره ما مر [ ص: 155 ] أمامه ، وهو مطعون عليه جدا ، والنظر يرده ; لأنه لا يسمى سترة ولا يراه المار فيتحرز بسببه . قال صاحب النوادر : والحفرة والنهر وكل ما لا ينصب قائما كالخط ليس بسترة . واختلف في صورة الخط : فقيل من القبلة إلى دبرها ، وقيل بالضد وهو قول أحمد ، وقيل قوس كهيئة المحاريب .

الثاني : قال في الكتاب : لا بأس أن يصلي المسافر إلى غير سترة ، وأما في الحضر فلا ، قال ابن القاسم : إلا أن يأمن المرور ، وروى أشهب في العتبية الاستتار مع الأمن .

حجة الأول : ما في الصحيحين أنه - عليه السلام - قال : إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخرة الرحل فليصل ولا يبالي ما يمر وراء ذلك . وهو يدل على أن السترة لأجل المرور فحيث لا مرور لا يشرع .

حجة الثاني : ما في أبي داود أنه - عليه السلام - قال : إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها ، لا يقطع الشيطان عليه صلاته . والشيطان في كل موضع . والحديث مضطرب الإسناد ، واختلف في هذا الشيطان فقيل : هو الموسوس فيمنعه القرب من السترة كما يمنعه غلق الباب من الدخول ، والعوذ [ ص: 156 ] من الأواني ، والبسملة من الطعام ، وقيل هو المار ويعضد الأول ما في البخاري ، صلى - عليه السلام - بالناس بمنى إلى غير جدار .

فرع :

روى ابن القاسم في المجموعة : إذا صلى على مكان عال ، فإن غابت عنه رءوس المارين ، وإلا عمل سترة في السطوح .

الثالث : قال في الكتاب : يجوز للمسبوق أن يتقدم أو يتأخر ويتيامن ويتياسر لسارية يستتر بها ; لأن ذلك أخف من مدافعته للناس ، قال صاحب الطراز : ذلك إذا كانت قريبة .

الرابع : قال في الكتاب : السترة قدر مؤخرة الرحل في جلة الرمح والحربة نحو عظم الذراع ، وجلة الرمح أحب إلي . واستحب طول الرمح أو الحربة لما في البخاري كان - عليه السلام - إذا خرج يوم العيد يأمر بالحربة توضع بين يديه فيصلي إليها والناس خلفه ، وكان يفعل ذلك في السفر ، وفي الفيافي قال ابن حبيب : لا بأس لها دون مؤخرة الرحل في الطول ودون جلة الرمح في الغلظ ، وقد كانت العنزة التي كانت تركز له - عليه السلام - دون الرمح في الغلظ وإنما يكره من ذلك ما كان رقيقا جدا . وفي التنبيهات مؤخرة الرحل بفتح الخاء وبالواو ، ويقال آخرة الرحل وهو العود الذي خلف الراكب ، وجلة الرمح بكسر الجيم وتشديد اللام أي : غلظه ، والعنزة : الرمح القصير ، قال [ ص: 157 ] صاحب الطراز : إذا سقطت الحربة ، قال مالك : يقيمها إن كان ذلك خفيفا - كان جالسا أو قائما - فينحط لها كما ينحط للحجر ; ليقتل العقرب ، وكره السوط في الكتاب ; لأنه إن كان مطروحا فليس بسترة كالخط ، أو قائما فلا يؤبه له ، بخلاف القلنسوة العالية والوسادة ، قاله مالك ، وكذلك الحيوان الطاهر الروث جوزه في العتبية بخلاف الخيل والبغال والحمير ، وجوز أيضا الاستتار بظهر الرجل ، وتردد قوله في جنبه ومنع وجهه ، وجوز السترة بالصبي إذا استقر بخلاف المرأة ولو كانت أمه أو أخته ، وفي الجلاب لا يستتر بامرأة إلا أن تكون من محارمه ، قال أبو الطاهر : لا يستتر بمرحاض ونحوه ، ولا بنائم ، ولا بمجنون ، ولا مأيون في دبره . وحكاه المازري عن ابن القاسم وزاد الكافر ، قال : ويختلف إذا كان وراء السترة رجل يتحدث ، ومنع في الكتاب من الصلاة الحجر المنفرد بخلاف الحجارة المجتمعة لشبهه بالصنم ، والمنع من القيام لاحتمال الانكشاف ، وفي الجلاب المنع من حلق المتكلمين في الفقه وغيره ; لما فيه من شغل البال بخلاف الطائفين بالبيت ، لما في أبي داود أنه - عليه السلام - صلى مما يلي باب بني سهم فالناس يمرون بين يديه ، ولأن الطواف بالبيت صلاة ، قال صاحب القبس : ولا يجعل السترة قبالة وجهه ; لحديث المقداد ما رأيته - عليه السلام - صلى إلى شيء يصمد إليه صمدا إنما كان يجعله على يمينه أو على يساره ، قال : ولا يتقدم من سترته كثيرا حتى إذا أراد أن يسجد تأخر ، وقد رأيت بعض الغافلين ممن ينتصب للتعليم يفعله وهو جهالة ; لأنه عمل في الصلاة ، وقال أبو الطاهر : اختلفت الأحاديث في الذي كان بينه - عليه السلام - وبين سترته فروى بلال : ثلاثة أذرع ، وروى سهل بن سعد ممر الشاة ، واختلف في الجمع فحمل أكثر الأشياخ الأول على حالة القيام ، والثاني على [ ص: 158 ] مقدار ما يتقى حالة السجود ، وروى أبو الطيب بن خلدون أنه يحمل على أنه - عليه السلام - كان إذا وقف ، قرب من سترته بالمقدار الثاني ، فإذا أراد الركوع بعد منها بالمقدار الأول ، وكان أبو الطيب هذا يفعله ، ويرى أنه عمل يسير للإصلاح ; لأن الدنو من السترة أجمع للقلب ، قال صاحب الطراز : لا حد للقرب من السترة لكنه مأمور به ، وحده الشافعي ، وابن حنبل ثلاثة أذرع ; لأنه - عليه السلام - لما صلى في الكعبة كان بينه وبين الجدار ثلاثة أذرع ، قال : وليس فيه دليل ; لأن الصلاة في الكعبة لا تحتاج إلى سترة ، قال : وكان مالك يصلي يوما بعيدا من سترته فمر به رجل لا يعرفه فقال : أيها المصلي ادن من سترتك فجعل مالك يتقدم ، ويقول : ( وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما ) .

الخامس : قال في الكتاب : لا أكره المرور بين الصفوف والإمام يصلي ; لأنه سترة لهم ، قال : وكان سعد بن أبي وقاص يمشي بين الصفوف عرضا حتى يصل إلى الصلاة ، وكذلك كل من عرض له عارض يمشي عرضا لما في الموطأ ، قال ابن عباس : أقبلت راكبا على أتان وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بالناس بمنى فمررت بين يدي بعض الصفوف ، فنزلت وأرسلت الأتان ترتع ودخلت في الصف فلم ينكر ذلك علي [ ص: 159 ] أحد . ويؤكده وجهان أحدهما : أن المأموم لا يوجب سهوه سجودا ، فكذلك خلل المأموم إذا اختص به لا يوجب خللا في الصلاة . وثانيهما : أن الجماعة لا يحتاج كل واحد منهم إلى سترة إجماعا فكانت سترة الإمام سترة لهم ، فإن لم يمر أحد بين الإمام وسترته كانت سترتهم سالمة عن الخلل فلا يضرهم ذلك ، مع أن أبا الطاهر قد حكى الخلاف في سترة الجماعة : هل هي سترة للإمام ؟ فإذا وقع فيها خلل وقع في سترتهم ، أو هي للإمام فلا يضرهم الخلل في سترته ؟ ولفظ الكتاب كما سمعته : والإمام سترة لهم .

السادس : قال في الكتاب : لا يقطع الصلاة شيء يمر بين يدي المصلي . وهو قول ( ش ) و ( ح ) وجمهور الفقهاء ، وقال ابن حنبل : يقطعها الكلب الأسود وفي نفسي من المرأة والحمار شيء ، محتجا بما في مسلم : إذا قام أحدكم يصلي فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل مؤخرة الرحل ، فإن لم يكن بين يديه مثل مؤخرة الرحل فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود ، قال أبو ذر : سألت النبي - عليه السلام - فقال : الكلب الأسود شيطان . وزاد أبو داود الخنزير واليهودي والمجوسي . لنا ما في الصحيحين أن عائشة - رضي الله عنها - قالت : شبهتمونا بالحمير والكلاب ، لقد رأيته - عليه السلام - يصلي وأنا على السرير بينه وبين القبلة منضجعة فتبدو لي الحاجة فأكره أن أجلس [ ص: 160 ] فأوذيه - عليه السلام - فأنسل من عند رجليه . وفي الموطأ قال علي بن أبي طالب ، وابن عمر رضي الله عنهم : لا يقطع الصلاة شيء . فيترجح ما ذكرناه بعمل الصحابة ، وبالقياس على الهوام والطيور أو يجمع بحمل القطع على قطع الإقبال على الصلاة بسبب الفكرة في المار ، لا على الإبطال .

السابع : قال في الكتاب : لا يتناول أحد شيئا من بين يدي المصلي ; لأنه بمنزلة المرور لاشتراكهما في قلة احترام الصلاة ، أو في اشتغال المصلي عنها ، وكره في المجموعة أن يتكلم رجل عن يمينه مع رجل عن يساره لما فيه من قلة الاحترام ، قال في الكتاب : فإن كان المصلي هو المناول لغيره ، منع أيضا ; لأن العين المتناولة تمر بين يديه وتشغله عن الصلاة .

التالي السابق


الخدمات العلمية