صفحة جزء
[ ص: 237 ] الباب السابع

في الإمامة

والإمامة في اللغة : الاقتداء والإمام المقتدى به ، والإمام : خشبة البناء التي يتبعها في استقامة أعماله ، وقيل أصل إمام الاقتداء ، منها - تشبيها بها ، والمأموم المقتدي ، والمأموم من شج في رأسه فوصلت إلى أم دماغه .

وفي الباب تسعة فصول :

الفصل الأول : في شروط الإمامة :

وهي سبعة ، الشرط الأول : الإسلام ; لقوله عليه السلام : أئمتكم شفعاؤكم فاختاروا بمن تستشفعون . وهذا يدل ثلاثة أوجه : الأول وصفه [ ص: 238 ] بالشفاعة والشفيع لا بد أن يكون مقبولا عند المشفوع عنده والكافر ليس كذلك . الثاني : حصره الأئمة في الشفعاء لوجوب حصر المبتدأ في الخبر ، فمن ليس بشفيع لا يكون إماما . الثالث أنه أوجب اختياره والكافر ليس بمختار .

فرع :

فلو صلى بالمسلمين ولم يعلموا به ، قال مالك في العتبية : يعيدون أبدا خلافا لبعض الشفعوية ، قال صاحب الطراز : ولا يحكم بإسلامه عند مالك و ش ، وقال ح : إن كان في مسجد حكم بإسلامه ; لأن ذلك من شعائر الإسلام وإلا فلا ، وقال مطرف وابن الماجشون : إن تاب وإلا قتل كالمرتد ، وقال سحنون : إن عمله خوفا على نفسه وماله فلا شيء عليه ، وإلا عرض عليه الإسلام فإن أسلم فلا إعادة على المأمومين ، وإلا قتل وأعادوا ، قال صاحب الطراز : ويلزم إذا حكمنا بإسلامه بمجرد الصلاة أن لا يعيد القوم ; لأنها وقعت خلف مسلم ، لكن إسلامه غير محقق ، وجه إسلامه قوله عليه السلام : من صلى صلاتنا ، واستقبل قبلتنا ، وأكل ذبيحتنا فله ما لنا ، وعليه ما علينا . ولأن الشعائر دليل الإيمان الباطن كالشهادتين ، وجه عدم إسلامه : أن إمامته إنما تدل على اعتقاده حسن فعل هذه الصلاة في جماعة وهو لو صرح بذلك قبل وجوبه لم يكن مسلما .

الشرط الثاني : العدالة ، قال صاحب الطراز : لا يشترط ظهورها بل تكفي السترة عند جماعة الفقهاء ، غير أن المعروف خير من المجهول ، قال مالك : لا يصلي خلف المجهول إلا أن يكون إماما راتبا ، وأما الفاسق بجوارحه فظاهر [ ص: 239 ] المذهب منعه ، خلافا ش وابن حنبل . لنا ما تقدم في الكافر ، ولأنه أسوأ حالا من المرأة بقبول شهادتها دونه ; احتجوا بما في أبي داود قال عليه السلام : صلوا خلف كل مسلم برا كان أو فاجرا وإن عمل الكبائر ، ولأن كل مصل يصلي لنفسه .

وجواب الأول : أنه محمول على الصلاة عليه إذا مات ، يعضده أن الأمر للوجوب ، ولا تجب الصلاة خلف الفاسق إجماعا ، وتجب عليه ميتا ، وعن الثاني أنه منقوض بالكافر والمرأة وإن لم يعلم بهما المأموم . وقد سلم هذا ش وبإجماع الأمة على صحة صلاة من أدرك الإمام راكعا لو كان منفردا لم تصح ، وبجلوس من أدرك الثانية وبسجوده لسهو الإمام ، ولو فعل ذلك المنفرد بطلت صلاته ، ومنها يدل على أن الصلاتين واحدة ، وأن صلاة الإمام صلاة المأموم وليست صلاة المأموم صلاة الإمام ، قال : وأوجب مالك الإعادة أبدا على من ائتم بمن يشرب الخمر وإن لم يسكر ، ولهذا فرق الأبهري بين الفاسق بإجماع ، وبين الفاسق بالتأويل ، فإنه معتقد التقرب ، فهو أخف من القادم على ما يعتقده معصية ، قال أبو طاهر في إمامة الفاسق بجوارحه قولان ، والبطلان مبني على أنه يتوقع منه ترك فروض الصلاة ، فينبغي أن يعتبر حاله : فإن كان فسقه لا يحمله على ذلك ائتم به ، وإلا فلا ، وفي الجواهر قال ابن حبيب : من صلى خلف شارب الخمر يعيد أبدا إلا أن يكون الوالي الذي إليه الطاعة ، إلا أن يكون حينئذ سكرانا قاله من لقيه من أصحاب مالك ، وقيل تستحب الإعادة في الوقت .

[ ص: 240 ] فرع :

قال في الكتاب : من صلى خلف السكران أعاد ، قال صاحب الطراز : إن ذهب عقله انتقضت طهارته فهو كالمجنون ، وإن لم يغب عقله فيعيد أبدا أيضا ، قال : ومن الأصحاب من علله بأنه متحمل للنجاسة في جوفه من غير ضرورة ، قال : ويلزمه ألا تصح صلاته في نفسه ، قال : وله أن يقول لما تعذر عليه دفع النجاسة صار كمن تضمخ ، ثم عدم الماء وكمن أراق الماء ، ثم صلى بالتيمم فإنهما آثمان مع صحة صلاتهما ، قال : وعلى هذا النظر يجب عليه أن يتقيأ وهو قول أكثر الشافعية ، وقال بعضهم : لا يتقيأ ; لأن معدته تبقى نجسة ، قال : ومن أصحابنا من فرق بين الجمعة وغيرها لأجل الخروج على السلطان ، وهو مفسدة عظيمة ، ومنهم من سوى ، قال : وأما الخوارج فمنع مالك إمامتهم ; لأنهم أشد الفساق ، واختلف في كفرهم لاعتقادهم إباحة ما خالف فيه جماعة السنة ، وأن ما عليه جماعة السنة ليس من الدين ، قال : وأما أهل البدع والأهواء فلا فرق بينهم على اختلاف طبقاتهم ، ولو جوزنا إمامة الفاسق لمنعناها خلفهم لما فيه من تكثير البدع بشهرة الإمامة ، وتوقف في الكتاب في إعادة الصلاة خلف المبتدع ، قال ابن القاسم : وأراها في الوقت ، وقال سحنون : لا إعادة مطلقا وهذا يقتضي عدم تكفيرهم عند الثلاثة ، وقال ابن عبد الحكم : يعيد مطلقا ، وفي الجواهر : من صلى خلف قدري الجمعة أعاد أربعا ، واشترط ابن حبيب في الإعادة أن لا يكون واليا ، وفي البيان تؤول ما في الكتاب لمالك على عكس تفرقة ابن حبيب لقوله : وأرى إن كنت تتقيه وتخافه على نفسك أن تصلي معه وتعيد ظهرا [ ص: 241 ] أربعا ، قال : والخلاف في البدع والأهواء المحتملة قولة الكفر ، أما الكفر الصريح فلا يصح الاختلاف في الإعادة ، والخفيف الذي لا يؤول إلى الكفر فلا يصح الاختلاف في أن الإعادة غير واجبة ، قال : وإن كانت الروايات وردت مجملة .

فرع :

قال في الكتاب : إذا قطع صلاته متعمدا ، أو صلى بالحدث عمدا فسدت على من خلفه ، قال صاحب الطراز : وقال أشهب : لا تفسد عليهم إلا أن يستمر بهم وأشار إليه ابن القاسم ، وقال أشهب أيضا : إذا أمهم محدثا أجزأتهم وهو قول ش ، وقال ابن عبد الحكم : لا يبني أحد إذا فسدت صلاة إمامه إلا في الحدث ، قال صاحب الطراز : وينبغي أن يفصل فإن قطع لشبهة مثل أن تكون عادته أن يذكر الله تعالى قبل الإحرام فنسي حتى أحرم وأحرموا فقطع لذلك أو توقفت عليه القراءة فقطع لذلك ، فالأظهر هاهنا الصحة ويتمون ; لأنفسهم بخلاف المتمرد في القطع .

التالي السابق


الخدمات العلمية