صفحة جزء
الفصل الأول : في نقصان الأفعال

وفيه ثلاثة عشر فرعا :

الأول : قال صاحب الطراز : إن سها عن سجود الأولى وذكر قبل ركوع الثانية يسجد ، ويبتدئ القراءة أو بعد ركوعها ألغى الأولى ، وجعل الثانية أولى ، وفي الجواهر يرجع إلى الركوع والسجود ما لم يعقد الركعة التي بعدها بالرفع منها ، وقيل بوضع اليدين على الركبتين ، ويستحب له إذا رجع إلى القيام : [ ص: 297 ] أن يقرأ قبل أن يركع ، وقال ابن حنبل : إن فرغ من القراءة بطلت الأولى ، ووافقنا ح . لنا أنها انعقدت بالركوع فمراعاتها أولى من غيرها ، وقال ح و ش : يرجع إليها ولو ركع الثانية ; لأن فعل الثانية وقع سهوا فمراعاة الأولى المشروعية أولى ، لنا أن إلغاء الأولى يفضي إلى تتابع البناء بخلاف العكس ، وقياسا على ذكرها آخر الصلاة ولو سجد من الثانية سجدة لم يرجع وفاقا إلا أن ش يضم سجدة الثانية للأولى ، وقال ح : إن كان الباقي من الأولى سجدتين بطلت أو سجدة أتى بسجدة في آخر صلاته ; فإن الحكم في البناء الأكثر كما لو ركع المسبوق مع الإمام ، ولأن السجود لما كان يتكرر لم يشترط فيه الترتيب كصيام رمضان .

جوابه : أن السجدة فرض يترتب كالسجود مع الركوع ، والإمام ناب عن المسبوق في القراءة ، ولنا على ش : أن الترقيع يفتقر إلى نية قبل الفعل ، وقد وافقنا في الرجوح عن سجود الأولى حتى ركع الإمام في الجمعة فإنه يتبعه في الثانية ، ولا ينصرف للأولى ، وكذلك هاهنا .

تفريع : قال : إن ذكر سجدتين في قراءة الثانية ولم يطل سجدهما ، فإن طالت القراءة يتخرج سجوده على الخلاف فيمن نسي الحمد فأعادها بعد السورة وأعاد السورة ، فإنه يسجد عند سحنون ، بخلاف ابن حبيب وإن ذكر في انحطاطه للركوع ، سجد للسهو وفاقا وهل يرفع قبل السجود أم لا ؟ يتخرج على أن الفعل إذا صادف محله ونوى به غيره هل يعتد به أم لا ؟ وقد قال مالك : إذا قرأ سجدة ، فلما قصد [ ص: 298 ] السجود لها ركع ، ثم ذكر تجزيه عن ركعته ، وقال ابن القاسم : لا تجزيه . فإن قلنا ينحط فلا سجود ، وإن قلنا يرفع وكان بلغ حد الركوع ، عليه السجود للسهو ، وإن ذكر حين اطمأن راكعا فثلاثة أقوال : روى ابن القاسم الرجوع إلى الأولى ، وروى أشهب عدمه ، وأن تمكن اليدين من الركبتين فوت ، وابن القاسم يرى أن الركوع إنما ينعقد بالرفع . قال اللخمي : والثاني أظهر ; لأن المقصود من الركوع التواضع وقد حصل بالتمكن ، وخيره ابن المواز ، وجه الأول : أن المسبوق يدرك في حالة الرفع الركعة فيكون منها ولم يوجد فيستدرك ; لأن المانع من الاستدراك انعقاد ركن ، وإن ذكر بعد الرفع جعل الثانية الأولى عند ابن القاسم ، وثانية عند مالك ، وفائدة الخلاف : الاختلاف في القراءة هل يقرأ فيما بعدها بالحمد وسورة أم بالحمد فقط ؟ قال والسجدة مثل السجدتين إلا في موضعين : الأول إذا ذكر في قيامه أو ركوعه وقلنا يسجد فروى أشهب يخر ساجدا ، وقاله ابن القاسم وابن وهب ; لأنه إنما ترك الركوع لأجل السجود فلا يشتغل بغيره ، ولأن الجلسة إنما تراد للفعل وقد حصل ، وقال عبد الملك : يجلس ، ثم يسجد ليرجع إلى أول الخلل فيبني على الصحة ، ويرجع بلا تكبير ، وعلى الأول يرجع بتكبير .

الثاني أن في السجدتين إذا ذكر رافعا يرفع ، ثم يهبط ، وفي السجدة لا حاجة إلى الرفع ; لأنها كانت يؤتى بها من غير قيام .

الثاني : قال : لو ركع وسها عن الرفع وتمادى فثلاثة أقوال : قال مالك : [ ص: 299 ] يجزيه ، وقال ابن القاسم : لا يعتد بتلك الركعة ، وقال أيضا يرجع ما لم يعقد الركوع في ركعة أخرى فإن ذكر في سجوده ، قال ابن المواز : يرجع إلى الركوع محدوبا ، ثم يرفع ويسجد بعد السلام ، وإن رجع إلى القيام أعاد صلاته ، وقال ابن حبيب : يرجع إلى القيام معتدلا لئلا يحصل ركوعان ، وهذا الفرع يلاحظ فيه وجوب الرفع من الركوع فلو ركع ورفع ولم يعتدل ، قال : فعلى القول بأن الاعتدال سنة يسجد قبل السلام ، وعلى القول بوجوبه يعيد الركعة ، وكذلك لو ترك الاعتدال بين السجدتين ولو جلس بينهما ولم يرفع يديه ، فالمشهور يجزيه وعلى القول بوجوبه يرجع إليه ما لم يعقد ركعة ، وهل يرجع فيضع يديه بالأرض ، ثم يرفعهما أو يضعهما على فخذيه فقط ؟ يتخرج على الخلاف في الرفع من الركوع إذا ترك .

الثالث : في الجواهر لو أخل بالسجود من الأولى وبالركوع من الثانية لم يجزه سجود الثانية عن الأولى ، وكذلك لو أخل بالركوع من الأولى والسجود من الثانية ; لافتقار الترقيع إلى نية تقارن الفعل ، قال صاحب الطراز : وقال أشهب وابن الماجشون : يجزئ سجود الثانية ويلغي الركوع ، وركوع الثانية عن ركوع الأولى اكتفاء بصورة الفعل .

الرابع : في الكتاب إذا لم يجلس بعد اثنتين واستقل قائما لا يرجع ، ويسجد قبل السلام ، قال صاحب الطراز : إن ذكر وهو يتزحزح للقيام جلس وسجد ولا شيء عليه ، وإن ارتفع عن الأرض ولم يعتدل روى ابن القاسم لا يرجع وهو [ ص: 300 ] ظاهر الكتاب ; لأن السجود وجب فلا يسقط بالرجوع فلا فائدة فيه ، وروى ابن حبيب يرجع ; لأنه لم يتلبس بركن ، وفي أبي داود قال عليه السلام : إذا قام الإمام في الركعتين فإن ذكر قبل أن يستوي قائما فليجلس ، وإن استوى قائما فلا يجلس ويسجد سجدتي السهو . فإن اعتدل قائما فلا يرجع عندنا وعند ش ، وقال ابن حنبل : الأولى الرجوع ، وقال الحسن : ما لم يركع .

تفريع : إن رجع بعد النهوض وقبل الاستواء ، قال ابن القاسم : يسجد بعد السلام لإنجاز الخلل ، ولحصول الزيادة ، وإن رجع بعد الاعتدال جاهلا ، قال سحنون : تبطل صلاته ، وقال ابن القاسم : يسجد وتصح ، قال : ولا خلاف في الصحة إذا رجع ساهيا وفي الفساد إذا رجع عامدا مع العلم والمتأول يجزيه . وإذا قلنا لا تفسد ، قال ابن القاسم : يتم جلوسه ويسجد بعد السلام ويعتد بجلوسه ، وقال أشهب : قيل ولا يعتد به ، وإذا كان إماما فاعتدل فليتبعه المأموم ، وإن رجع فعلى قول ابن القاسم : يبقى جالسا معه ; لأنه عنده يعتد بجلوسه ، قال : وعلى قول أشهب يحتمل أن يقال : لا يقوم بقيامه ; لأن المأموم على حكم جلوسه في الأرض أو يقوم ; لأن بقيام الإمام وجب قيام المأموم ، فإذا أخطأ لم يتبعه كما لو جلس من ركعة ، قال : وهو قياس . فلو قاما معا ورجع الإمام لا يتبعه على قول أشهب ، ويتبعه على قول ابن القاسم ; لأنه يعتد به فلو جلس ونسي التشهد حتى اعتدل ، ففي الجلاب لا شيء عليه ، وفي المقدمات يسجد ، وبه ، قال ( ح و ش ) . لنا أنه غير متعين فلا يسجد [ ص: 301 ] كالتسبيح ، وقياسا على السورة والتكبير عندهما ; فلو رجع للتشهد بعد النهوض وقد كان جلس ، يخرج على الرجوع إلى الجلوس .

الخامس في الكتاب : إذا ظن المسبوق سلام الإمام فقام للقضاء ، ثم تبين له ، فإن رجع قبل سلام الإمام فلا سجود عليه ; لأنه مع الإمام ولا يعتد بما صلى قبل سلامه ; فإن سلم عليه قائما أو راكعا ، ابتدأ القراءة ويسجد قبل السلام ، قال صاحب الطراز : وقال في المختصر إذا رجع قبل السلام سجد بعد السلام ; لأن الفعل الذي سها فيه هو ما سبق ، والإمام لا يحمل السهو فيه ; أما إذا سلم عليه قائما فلا يرجع اتفاقا ، كما لو سها عن الجلسة الوسطى فذكرها قائما ، ويسجد قبل لنقصه النهوض بعد سلام الإمام ; ولمالك : يسجد بعد احتياطا لترك الزيادة في الصلاة بسجود السهو ، وقال عبد الملك : لا سجود عليه ; لأن سهوه مع الإمام ، ويرجع من القيام قبل سلام الإمام بغير تكبير كالرجوع من الخامسة ; ولو تكلم غير المسبوق عقب سلام إمامه ساهيا ، قال مالك : يسجد لبطلان الإمامة بالسلام وفيه خلاف ; ولو سلم وانصرف فرجع قبل سلامه ، قال مالك : لا سجود عليه ، قال : ويتخرج فيها على قول ابن كنانة : أن عليه السجود ، فإن لم يعلم حتى سلم ، رجع وجلس وسلم وسجد قبل السلام ; لنقصان الجلوس للسلام .

السادس : قال صاحب الطراز : لو سها الإمام عن سجدة في الأولى ، قال سحنون : يسبحون به ما لم يعقد الركعة فيتبعونه ، وكل حالة لو ذكر فيها رجع ، لا [ ص: 302 ] يتبعونه فيها ; فإذا عقد الثانية كانت أولاهم ، فإذا جلس قاموا ويقومون معه في الثالثة كإمام قام من اثنتين ، ويقومون في رابعته كإمام قعد في ثالثة ، ويأتون بركعة يؤمهم أحدهم أو أفذاذا ، ويسجدون قبل السلام ; ولو دخل يؤم في الثانية فذكر في تشهدها سجدة لا يدري من أيتهما ؟ قال سحنون : يسجد سجدة ويتشهد ويجعلها أولى ; فإن تيقنوا خلافه ، لم يسجدوا معه ويقومون بثالثة ويسجدون معه للسهو ، وإن شكوا اتبعوه إلا في الجلسة ويثبتون قياما ; وقال مالك أيضا : جلوسا - وهو أحسن ، ثم رجع إلى اتباعهم في الخامسة ; لاحتمال أن تكون رابعة فلا يخالفونه بالشك ، ويقضونها لاحتمال كونها خامسة في حقه ، قال ابن سحنون : ويسجد بعد السلام . قال صاحب الطراز : يتخرج على الخلاف بين ابن القاسم وأشهب فيمن ذكر سجدة في آخر صلاته لا يدري من أيها ؟ قال ابن القاسم : يسجد الآن لتصح الرابعة ويأتي بركعة ; وقال أشهب : يأتي بركعة فقط ; فعلى مذهب أشهب يحتسب بركعة ، ولا يسجد سجدة خلاف ما قال سحنون ; وقال ابن القاسم في ذاكر السجدة في آخر صلاته لا يدري من أيها ؟ يسجد بعد السلام ; لأن الزيادة معلومة والنقص مشكوك فيه ، وقال سحنون : قبل السلام تغليبا للنقص . ولو ذكر سجدة في الثانية لا يدري من أيتهما ؟ يسجد الآن ويجلس ويتشهد عند عبد الملك تتميما للثانية ما أمكن ; وقال ابن المواز : لا يجلس ; لأنه كمن قال : لا أدري ; أصليت واحدة أو اثنتين وهو أبين ; على قولنا يأتي بثانية بالحمد وسورة ، ولو ترك سجدة من الأولى ، وقام فسجدها واتبعه ساهون عامدون فذكر قبل الركوع فسجدها ; فلا يعيدها من سجدها ، وإن [ ص: 303 ] لم يذكر حتى ركع ، مضى مع الساجدين ; فإذا قام يأتي بركعة بدلا من الأولى لا يتبعه الساجدون ، ويتبعه الساهون ويسجد بعد السلام هو والساجدون وغيرهم ، وتبطل صلاة العامدين ; والأحسن إعادة الساجدين ، قال ابن حبيب : فإن تمادى على إسقاط تلك الركعة وبنى على ذلك ، صحت الصلاة له وللساهين ، وبطلت على العامدين والساجدين ; لاختلاف النيات بينهم وبين إمامهم .

السابع : قال صاحب الطراز : ولو أدرك معه ركعتين فذكر سجدة لا يدري من أي ركعة ؟ وذكر المأموم سجدة لا يدري من أي ركعتين ؟ فليسجد مع الإمام سجدة ، ويتبعه في ركعة بالفاتحة ويسجد معه قبل السلام ، ويقضي بعد ركعة ; قال ابن المواز : وقيل : يتبعه في سجدته وركعته ، وسجد معه السهو وسلم بسلامه ; ويبتدئ الصلاة للاختلاف في الابتداء .

الثامن : قال : لو ذكر في آخر الصلاة سجدتين لا يدري مجتمعتين أو مفترقتين ؟ سجد سجدتين وتشهد ، ثم أتى بركعتين بالحمد فقط ويسجد قبل السلام ; لاحتمال كونهما من الأوليين فتنتقص القراءة ، ويتخرج فيها قول بالسجود بعد السلام ; فلو كان مأموما سجد سجدتين ، وأتى بعد الإمام بركعتين بالحمد وسورة ويسجد بعد السلام ; لأنهما إن كانتا من الأوليين فقد فاته أول صلاة الإمام بخلاف الفذ ، وكذلك لو ذكر أن إمامه ترك ذلك دونه ; والأحسن أن يعيد الصلاة في المسألتين لزيادة مثل النصف .

التاسع : في الجواهر لو سها عن أربع سجدات من أربع ركعات ، أو عن [ ص: 304 ] الثمان سجدات ، أصلح الأخيرة ، وخرجت المسألة على كثرة السهو ، هل تبطل الصلاة أم لا ؟ العاشر : قال صاحب الطراز : لو سبح المأموم بالإمام فلم يرجع حتى سلم فلا يسلم معه ; فإن فاوضه الإمام لم يضره على أصل ابن القاسم ; فلو سلم معه على يقين النقص أو شك ، بطلت صلاته ; فإن ذكر بعد ذلك الإتمام فقولان .

الحادي عشر في الكتاب : إذا قال قوم للفذ لم تصل إلا ثلاثا لم يرجع إليهم - ولا سهو عليه إن تيقن الإتمام . وفي الجلاب قال أشهب : إن أخبره عدلان رجع إليهما ، فإن سأل عن ذلك ; ففي الكتاب يعيد الصلاة ، قال صاحب الطراز : إن كان لم يسلم فظاهر ، وإن كان سلم فهو محمول على أنه تشكك ، وإن الشك بعد السلام يؤثر .

الثاني عشر : قال سحنون في كتاب نوازله : لو ذكر سجدة في آخر وتره لا يدري : هل هي منه أو من الشفع ؟ سجد الآن وتشهد ، وسلم وسجد بعد السلام ، وأجزأه إن كان صلى شفعا ، وإلا شفع وتره بركعة بعد السجود وأعاده ; فلو ذكره من الشفع وتره ; ويعيده إن لم يتقدم له إشفاع ، وإلا كمله فقط .

الثالث عشر : قال اللخمي : لو ذكر سجدة من الرابعة وصلى خامسة ساهيا ، قيل يسجد الرابعة ; لأن الخامسة ملغاة شرعا فلا تحول ; وقيل : تحول وتبطل الرابعة وتنوب عنها الخامسة ، وقيل : لا تنوب ويأتي بها ; فإن شك : هل من الرابعة أو الخامسة ؟ فعلى الأول يأتي بسجدة ; لاحتمال كونها من الرابعة ، ويسلم ويسجد بعد السلام ; وعلى الثاني يأتي بركعة ; لاحتمال كونها من [ ص: 305 ] الرابعة - وقد بطلت بحيلولة الخامسة ، وعلى القول الآخر يسلم ويسجد للسهو لنيابة الخامسة عنها ، وإحدى الركعتين صحيحة ضرورة ; فإن شك : هل هي سجدة أو سجدتان مجتمعتان أو مفترقتان ؟ يأتي بسجدتين ينوي بهما الرابعة ; لاحتمال كونهما مجتمعتين ; وعلى الثاني يأتي بركعة ، وعلى القول الآخر يأتي بسجدة ينوي بها الخامسة ; لإمكان افتراقهما ، والرابعة بطلت بالخامسة ونابت الخامسة عنها بعد ترقيعها .

التالي السابق


الخدمات العلمية