صفحة جزء
[ ص: 368 ] الفصل الثالث : في الحكم .

ففي الجواهر روى ابن وهب أنه سنة ، وقاله ( ش ) ، وروى أشهب : أنه فرض - وقاله ( ح ) ، وقال الأبهري وجماعة : مباح ، ولم يختلف مالك وأصحابه أن المقيم إنما يعيد في الوقت ، وحكى صاحب المقدمات عن بعض العلماء المنع ، وجه الندب ما في أبي داود عن ابن عمر : قال : صحبت النبي - عليه السلام - في السفر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله تعالى ، وصحبت أبا بكر - رضي الله عنه - فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله تعالى ، وصحبت عمر - رضي الله عنه - فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله تعالى ، وصحبت عثمان - رضي الله عنه - فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله تعالى ، وجه الفرض قول عائشة رضي الله عنها : فرضت الصلاة مثنى مثنى فزيد في صلاة الحضر ، وأقرت صلاة السفر - وقد تقدم الكلام عليه أول الصلاة . وجه الإباحة قوله تعالى : ( فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ) ، ونفي الجناح يقتضي الإباحة .

( قاعدة ) :

الأصل في كثرة الثواب والعقاب وقلتهما : كثرة المصلحة أو المفسدة وقلتهما في الفعل ، وقد يستوي الفعلان في المصلحة من كل وجه ، ويوجب الرب - سبحانه وتعالى - أحدهما دون الآخر ، ويثيب عليه أكثر كالفاتحة في الصلاة مع الفاتحة في [ ص: 369 ] غيرها ، وتكبيرة الإحرام مع غيرها من التكبيرات ، وقد يفضل القليل على الكثير كتفضيل الصبح على سائر الصلوات ، لأنها الوسطى عندنا ، وركعة الوتر على ركعتي الفجر ، والله تعالى يفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد . فعلى هذا التقدير لا عجب أن يكون القصر على قلة مشقته وأذكاره أفضل من الإتمام .

فرق

ملابسة الرخصة في قصر الصلاة أفضل ، وتركها في الصوم أفضل ; لجمعها بين الترخص وبراءة الذمة في الصلاة ; بخلاف الصوم .

فائدة : للعلماء في صفة القصر الوارد في الآية ستة أقوال من طول الأركان دون إسقاط عند الخوف ، فلو اقتصر على الواجبات أتم ولم تجب الإعادة ، فإن لم يعتدل في الرفع من الركوع والسجود ففي إعادته قولان ، ومن شروطها فيصلي للقبلة وغيرها عند الخوف ، أو الاقتصار على ركعتين عند الخوف ، أو ركعة عند الخوف ، وعليه يحمل ما في الحديث أنه - عليه السلام - صلى بكل طائفة ركعة ولم يقضوا ، أو الاقتصار على ركعتين من غير خوف ، ويكون قوله تعالى : ( إن خفتم ) متعلقا بما بعده ; تقديره : يا أيها الذين آمنوا إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا في صلاتكم ، وكنت فيهم يا محمد فأقمت لهم الصلاة ، فلتقم طائفة منهم معك - الآية . فهذه الفاء جواب الشرط لا نفي الحرج ، أو صلاة الخوف فيكون القصر في الهيئة .

فروع ثلاثة :

الأول في الكتاب : إذا أتم أعاد في الوقت ركعتين ، قال ابن القاسم : ولو دخل [ ص: 370 ] الحضر أعاد أربعا ; لأن فعلها في الحضر أربعا أفضل من السفر ; لوقوع الخلاف في فساد السفرية ، والاتفاق على فرضية الحضرية .

الثاني في الكتاب : إذا أحرم بنية الإتمام ثم بدا له بعد ركعتين فسلم ; لا يجزيه ، وقاله ( ش ) ; لأن إحرامه إن كان فاسدا لا يجزيه ، أو صحيحا فقد أفسده بالإبطال ، فلو أحرم بالإتمام ساهيا ، قال ابن القاسم في الموازية : يسجد بعد السلام ، ثم رجع إلى الإعادة في الوقت ، قال سند : ولو شك هل نوى القصر والإتمام لأعاد في الوقت ; لاحتمال الإتمام ، فلو أحرم بالظهر مطلقا ولم يخصص أتم ; لأنه الأصل ، والقصر يحتاج إلى تخصيص ، وفي الجواهر عن بعض الشيوخ : يصح أن يحرم على أنه بالخيار بين القصر والإتمام ; لأن نيته عدد الركعات لا تلزم .

الثالث : إذا أم المسافرين أحدهم فسبحوا به بعد ركعتين ، فلم يرجع يقعدون حتى يسلموا بسلامه ، قال سند : وفيه أربعة أقوال : ما مر ، وقال أيضا : يسلمون وينصرفون ، وقال : يتمادون ويعيدون . وقال سحنون : لا يتبعونه ويعيدون معه ، قال : وإنما أمرهم بالانتظار لاختلاف الناس في السفر ; فأما لو تمادى حضري وانتظروه حتى صلى ركعتين ، بطلت صلاتهم ، فلو نوى المأموم الإتمام وانكشف أن الإمام أتم ، اتبعه وأعاد في الوقت ، وإن قصر الإمام لم يسلم معه ، كما لا يسلم المقيم ويعيد صلاته في الوقت ; فلو أتم الإمام صلاته ساهيا وخلفه مقيم ; لا يعتد بركعتي السهو ، قال ابن حبيب : فإن اعتد أعاد أبدا ، ولو أتم عامدا ، قال ابن حبيب : يعيد في الوقت والمقيمون أبدا ; للاختلاف في ركعتي الزيادة : هل هما فرض على الإمام أم لا ؟ وروي عن مالك : يعيدون في الوقت ، وفي الجواهر : إن أحرم بالقصر فأتم ساهيا ، سجد للسهو كما في المدونة فيمن شفع الوتر [ ص: 371 ] ناسيا ، وكما في العتبية فيمن صلى الوتر خمسا ، والفجر أربعا ، وأعاد أبدا في العمد ، وقيل في الوقت فيهما . أما في العمد ; فلأن فعله صادف فعلا صحيحا كمن صلى خامسة سهوا ، ثم ذكر سجدة من الأولى ; وأما في السهو فلأن القصر غير واجب ، قال سحنون : يعيد أبدا لكثرة السهو ، وقال ابن المواز : ليس بسهو مجتمع عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية