صفحة جزء
البحث الثاني في الفوائد - وهي الأموال المتجددة عن غير أصل مزكى . فالأول احتراز من الأرباح ، والثاني احتراز من حالة المقتناة ، وفيه فروع أحد عشر : الأول : في الكتاب إذا أفاد دون النصاب ، ثم أفاد قبل حوله نصابا أو ما يكون مع الأول نصابا بنفسه أو بربحه ، فالحول من يوم إفادة الثاني ; لأن اعتبار الحول فرع ملك النصاب ، وإن كان الأول نصابا والثاني كذلك أو دونه ، فكل مال يزكى على حوله ما دام في جملتها نصاب ، فإن نقصت عنه كانت كفائدة لا زكاة فيها ، فإن أفاد ما يتمها نصابا استقبل الحول من يوم الثالث ، وقال ( ح ) : يضم الثاني إلى الأول إذا كان الأول نصابا لما في ( الموطأ ) أن معاوية - رضي الله عنه - كان يأخذ من أعطيات الناس الزكاة مع أموالهم ، وقياسا على الأرباح ونسل الماشية ، والجواب عن الأول : المعارضة بعمل الخلفاء قبله ، وبأدلة اعتبار الحول ، وعن الثاني ، الفرق : أن الأرباح والنسل فرعان عن أصل فأعطيا حكمه في الحول بخلاف الفوائد . وفي ( الجواهر ) : إذا أفاد فائدتين مجموعهما نصاب ضم الأولى إلى الثانية ، وقيل : يزكيهما لحول الثانية أول عام ، ثم يبقي كل فائدة على حولها ، ولو كانت الأولى نصابا لا يضمها للثانية لنقصان جزء الزكاة ، بل تبقى على حولها ، وقيل : يضمها ، ولو أفاد عشرة ثم عشرة فأنفق الأولى أو ضاعت لم يزك الثانية عند تمام الحول عند ابن القاسم لعدم النصاب ، خلافا لأشهب ، ويضم ما دون النصاب من الماشية إلى الأولى إذا كانت نصابا بخلاف العين ، والفرق : أن العين موكلة [ ص: 36 ] إلى أمانة عين أربابها فيرتبونها على أحوالها ، والمواشي للسعاة فيعسر عليهم الخروج في كل وقت ، وقيل : لأن أوقاص العين مزكاة بخلاف الماشية ، فالمضموم لا عبرة به في الماشية في كثير من الصور ، قال : ويتخرج على الفرق من لا سعاة لهم ، وقال ابن عبد الحكم بالتسوية بين العين والماشية . قال صاحب ( النكت ) : قال بعض القرويين : كمن ليس لهم سعاة يضمون الثانية إلى الأولى لاحتمال تولية السعادة عليهم .

الثاني : وفي ( الكتاب ) : ولو رجعت بقية أحدهما أو كليهما نصابا بالمتجر رجع كل مال إلى حوله ، قال سند : معناه : أن يتجر بعد حول الأول وقبل حول الثاني يزكي الأول وربحه حينئذ وانتقل حوله لذلك الوقت ، فإن كان تحرى في الثاني زكى الأول ، وإذا جاء حول الأول ومعه منهما نصاب زكى الثاني وربحه ، ولو خلطهما عند حول الأول فعادا نصابا قبل حول الثاني فض الربح على قدر المالين وزكى الأول وحصته من الربح ، ولو زكى الأول عند حوله ونقص الجميع عند حول الثاني عن النصاب ثم اتجر بأحدهما فصار الجميع نصابا ، فإن اتجر ما بين الحولين زكى الثاني على نحو ما مر ، ولا يزكي الأول ; لأنه زكاه في سنته ولم يحل له حول ، وإن اتجر بعد حول الأول من السنة الأخرى فقد اختلط حول المالين ورجعا مالا واحدا في الزكاة خلطهما أم لا ، اتجر بأحدهما أو بهما أو لا ، فإن ربح في أحدهما ولم يدر ما هو ، ففي كتاب ابن سحنون : يزكي على حول آخرهما ليلا يزكي الأول قبل حولهما . وهو يخرج على الخلاف في اختلاط أحوال الفوائد ، وقال بعض الشراح : وكلام ( الكتاب ) فيه عجرفة ، ويظهر أن معناه ما في كتاب محمد والذي في كتاب محمد : قال ابن القاسم : من أفاد عشرة ثم عشرة ضم الأولى إلى الثانية ، فإن صارت الأولى نصابا لمتجر قبل حول الثانية زكاها ويزكي [ ص: 37 ] الثانية بحولها ، وإن قلت : فإن كان يزكي الفائدتين كل واحدة لحولها ثم رجعا دون النصاب ، ثم صارت الأولى نصابا بالمتجر قبل أن يجمعهما حول زكاهما حينئذ ، وينتقل حولهما إلى ذلك الوقت ، ثم إذا حل حول الثانية زكاها إن كان فيها وفي الأولى نصاب .

الثالث : في ( الكتاب ) لا يزكي الكتابة والميراث والهبة إلا بعد حول بعد القبض ، ولو قبضها بعد أحوال فلا شيء فيها للأحوال قبل القبض ، وأوجبها ( ش ) في الدين مطلقا ، كان فائدة لأصل أو لا أصل له ، وقال : دين المبايعة يقبل الفسخ بخلاف هذه فيجب فيها بطريق الأولى ، وخصص ذلك ( ح ) بدين المعارضة بمال أو غيره كالمهر والخلع والصلح . لنا : أنها ديون لم تثبت عليها يد ولم تتعين ، وحيث أجمعنا على الزكاة ففي معين وفي اليد ، وهذه بخلافه فلا تجب ، بخلاف ما وجب عن مال ، فإن الأصل كان متعينا ، وفي اليد ، والمقبوض بدله ، فينزل منزلته ، قال سند : فلو ورث عرضا فلا زكاة فيه ولو قصد به التجارة ، وكذلك لو باعه فأقام ثمنه سنين بعد حول بعد القبض ، وإن ورث حليا يجوز اتخاذه فنوى قنيته فلا زكاة ، وإن نوى التجارة زكى وزنه ، قاله في ( الكتاب ) من يوم قبضه لتعلق الزكاة بعينه ، وإن ورث ثمرة قبل طيبها فالزكاة عليه ، ويعتبر النصاب في نصيبه ، وإلا فلا زكاة على الميت ، ويعتبر النصاب من جملة الورثة .

الرابع : في ( الكتاب ) تستقبل ( المرأة ) بمهرها حولا بعد القبض عينا أو ماشية مضمونة ، أما العين من الماشية والنخل فتزكيها أتى الحول عندها أو عند الزوج ; لأن ضمانها منها ، وقاله الأئمة .

الخامس : في ( الكتاب ) : إذا تأخر ثمن الشركة عند الحاكم ليقسم فلا يزكي إلا بعد حول من يوم القبض ، ولو بعث الوارث رسوله بأجر أو بغير أجر فالحول من قبض رسوله ، وفي ( الجواهر ) : في تنزيل قبض وكيله منزلة قبضه خلاف ، [ ص: 38 ] وكذلك يحسب الحول من يوم قبض الوصي على الأصاغر ; لأن يد الوكيل يد الموكل ، والوصي وكيل الأب ، فلو كانوا صغارا أو كبارا فحول الصغار من يوم القسمة ; لأنه يومئذ عند مالهم ، وحول الكبار من يوم القبض ; لأن قبض الوصي لا يكون قبضا لهم ، وما لهم من باب مال الضمان ، وهو كل مال أصل ملكه متحقق والوصول إليه ممتنع كالضائع والمغصوب والضال مأخوذ من التغير الضامر الذي لا ينتفع به لشدة الهزال ، وقال ( ح ) : لا زكاة في جميع ذلك ، وقال ( ش ) وابن حنبل : يزكي لماضي السنين ، وراعى مالك حصول المال في اليد في طرفي الحول ; لأن كمال الملك إنما يحصل باليد ومع عدمها يشبه الإنسان الفقير فلا زكاة ، قال سند : وروي عن مالك في الموروث وما يتبعه السلطان يقبض بعد سنين : يزكي لعام واحد قياسا على الدين ، ولو وضع الإمام الموروث تحت يد عدل ثم قبضه الوارث فظاهر ( الكتاب ) : الاستيناف في الحول بعد القبض لعدم التمكن من التصرف قبل ذلك ، وقال مطرف : يزكي لماضي السنين وإن لم يعلم به ; لأن قبض السلطان للغائب والصغير كقبضه ، وقال أيضا إن لم يعلم به استأنف ، وإن علم ولم يستطع التخلص إليه زكاه لعام واحد ، وإن استطاع فلماضي السنين ، ولو حبس الوكيل المال عنه سنين بإذنه وهو مفوض إليه ، زكاه لكل عام ، وإن كان غائبا عنه ، وروى ابن القاسم عن مالك : لا يزكيه إلا لعام واحد ، وقال أصبغ : لكل عام ، ولو تصدق على غائب بمال وغلة له سنين ، فإن قبله استأنف حولا ، قال ابن القاسم : ولا يسقط عن الأول زكاة ما مضى ; لأن الملك إنما انتقل عنه بالقبول ، وقيل : يسقط ; لأن القبول مسند إلى الإيجاب .

السادس : قال سند : لو بعث بمال يشتري به ثوبا لزوجته فحال حوله قبل الشراء ، قال ابن القاسم : يزكيه .

السابع : في ( الكتاب ) : من ورث نصابا من ماشية أو نخلا فأثمرت وذلك في يد وصي أو غيره يأخذ الساعي صدقتها كل عام ، علم الوارث أم لا ، بخلاف [ ص: 39 ] العين ; لأن الخطاب بالزكاة خطاب وضع لا خطاب تكليف ، ولذلك وجب في مال الأصاغر ، وخطاب الوضع معناه : اعلموا أني قد وضعت النصاب سببا للزكاة ، فمتى وجدتموه بشروط فأخرجوا منه الزكاة . والمقول له هذا هو المقول له في النقدين أربابها . وفي الماشية والحرث الإمام ونوابه ، فلا جرم لم يحتج لعلم المالك ، وإنما خصص خطاب النقدين بأربابها ; لأنها أمور خفية لا يتمكن الإمام فيها ، ولأن الحرث والماشية ينميان بأنفسهما ، فلا حاجة إلى يد تنمية بخلاف النقدين ، والفرق بين الماشية الغائبة والمغصوبة أن النماء في المغصوب للغاصب وضمانها منه ، والضامن كالمالك ، بخلاف الغائبة للوصي .

الثامن : في ( الكتاب ) : إذا أفاد عشرة فأقرضها ، ثم أفاد خمسين فحال حولها فزكاها ، ثم أنفقها فليزك ما اقتضى من العشرة لاجتماعها مع الخمسين في الحول ، وإنما توقف على القبض الإخراج .

التاسع : في ( الكتاب ) : إذا أفاد نصابا ثم ما دونه فزكى الأول لحوله ، وأنفقه قبل حول الثاني . لم يزك الثاني عند حوله إلا أن يفيد معه أو قبله ، وبعد الأول ما يكمل النصاب وهو باق ، فإن كان الجميع دون النصاب وأفاد رابعا يكمله زكى الجميع لحول الرابع ; لأن اعتبار الحول فرع النصاب ، وكذلك لو أقرض مائة ثم أفاد عشرة لم يزكها لحولها إذ لعله لا يقتضي الدين ، فإن أنفق العشرة بعد حولها أو أنفقها ثم اقتضى عشرة زكاها معها وجعل حولهما من حينئذ ، ثم يزكي ما اقتضى من قليل أو كثير ، ويصير حول ما اقتضى من يوم يزكيه ، وقال سحنون : إلا أن يكثر ذلك عليه ويرد الأخير إلى ما قبله .

العاشر : في ( الجواهر ) : لو باع المقتناة بنسيئة ففي ابتداء الحول من يوم القبض أو البيع قولان .

[ ص: 40 ] الحادي عشر : ( قال ) : إذا اجتمعت فوائد واقتضاءات وقد اجتمعت الفوائد وأصل الديون في مالك وحول ، فإن استقل كل نوع بتمام النصاب لم يضف أحد النوعين إلى الآخر إلا أن يتفق حول الفوائد ووقت الاقتضاء ، فإن قصرت عنه منفردة وكملت مجتمعة أضيفت الفائدة إلى ما بعدها من الاقتضاء تخفيفا للحول بخلاف تقديمها والاقتضاءات إلى ما قبلها من صنفها لحلول الحول على أصل الدين ، وإنما أخر الإخراج خشية الإعسار ، مثل أن يقتضي عشرة ثم عشرة فإنه يزكي الثانية أنفق الأولى أو أبقاها ، وإن استفاد عشرة ثم اقتضى ( عشرة ) فلا يضيف الفائدة إلى الدين إلا أن تبقى في يده حتى يحول حولها عند أشهب ، أو يقتضي عند ابن القاسم على اختلافهما في المال إذا جمعه مالك دون حول ، ولو اجتمعت فوائد وديون ولو أضاف الفوائد إلى ما بعدها لم يحصل نصاب ، وكذلك إن أضاف الدين إلى ما قبله لكي يكمل بإضافة الجميع ، ففي الزكاة قولان للمتأخرين ، كما لو اقتضى عشرة ثم استفاد عشرة ، ثم اقتضى خمسة بعد إنفاق العشرة المقتضاة ، فمن اعتبر إضافة الخمسة إلى العشرة المقتضاة وإضافة ما قبلها من الفائدة إليها وعدها كالوسط أوجب الزكاة في الخمسة خاصة ; لأنها تزكى بالمالين ، قال أبو الطاهر : إنما وقع الاختلاف فيها خاصة ، وسمعنا الوجوب في الجميع عند بعض الأشياخ ، وهو مقتضى التعليل السابق - وهو كونها تزكى بالمالين - وكذلك لو اقتضى عشرة ثم أفاد عشرة ثم اقتضى دينارا . جرى الخلاف في الدينار والجميع ، ولو كان الاقتضاء عشرة وجب في الجميع ; لأنك كيفما أضفت على الاجتماع والانفراد وجبت ، وهو يشبه خليط الخليط هل هو خليط أم لا ؟ الشرط الثاني : التمكن من التنمية ، ويدل على اعتباره إسقاط الزكاة عن العقار [ ص: 41 ] والمقتناة . فلو أن الغنى كاف لوجبت فيهما ، ولما لم تجب دل على شرطية التمكن من النماء إما بنفس المالك أو بوكيله . وفيه : ( فروع خمسة ) : الأول : المغصوب مع الديون ، وقد تقدمت فيما يزكى من الدين .

الثاني : اللقطة ، وفي ( الجواهر ) : تزكى لعام واحد كالدين ، وقال المغيرة : لكل عام ; لأن ضمانها منه ، وإلحاقا للضياع بالمرض والسجن المانعين من التنمية .

الثالث : في ( الجواهر ) : إذا دفنه فضاع زكاه لكل عام لتفريطه ، قال مالك : وقيل : لعام واحد كالدين ، وقيل : إن دفنه في صحراء فلكل عام لتعريضه إياه للتلف بخلاف الموضع المحصور ، وعكسه ابن المواز وعده في الصحراء كالهالك وفي بيته كالقصر في الطلب .

الرابع : قال : الماشية المغصوبة تعاد بعد أعوام : ففي ( الكتاب ) : يزكيها لعام واحد ، وقال ابن القاسم أيضا : لجملة الأعوام ، وما أخذه السعاة أجزأ عنه ، ولو ردت الماشية بعيب أو أخذها البائع بفلس المشتري ، أو لفساد العقد بعد أعوام : ففي زكاتها على البائع أو المشتري خلاف مبني على أن الرد في الصور الثلاث هل هو نقض للبيع من أصله أم من حينه ؟ وعليه يأتي بناء البائع على ما تقدم من الحول أو استئنافه ، وأما ما اشتراه من الماشية فحال حوله قبل قبضه زكاه .

الخامس : في ( البيان والتحصيل ) : المشهور : تزكية الوديعة لكل عام ، وروي عن مالك لعام واحد لعدم التنمية .

[ ص: 42 ] الشرط الثالث : قرار الملك ، قال سند : إذا أكرى داره أربع سنين بمائة نقدا فمر به حول ، قال ابن القاسم : يزكي ما يقابل ما سكنه الآخر ، وما يقابل قيمة الدار ، فإن الأجرة دين عليه ، وقال أيضا : يزكي الجميع ، وهو مبني على أن ملك عوض المنافع هل من يوم القبض ، أو من الاستيفاء ؟ فمقتضى عقد الإجازة استحقاق كل واحد منهما لما عقد عليه ، ومقتضى عدم تسليم المنفعة يزلزل الملك ، وقد تقدم كلام عبد الحق فيها في الديون ، ولا زكاة في الغنيمة قبل القسم على المشهور لعدم تحقق السبب الذي هو الملك .

التالي السابق


الخدمات العلمية