صفحة جزء
السادس : في متعلقه بالواجب الموسع ، وهو أن يكون زمان الفعل يسع أكثر منه ، وقد لا يكون محدودا بل مغيا بالعمر ، وقد يكون محدودا كأوقات الصلوات ، وهذا يعزى للشافعية منعه بناء على تعلق الوجوب بأول الوقت ، والواقع بعد ذلك [ ص: 82 ] قضاء يسد مسد الأداء ، وللحنفية منعه بناء على تعلق الوجوب بآخر الوقت ، والواقع قبله نافلة تسد مسد الواجب ، وللكرخي منعه بناء على أن الواقع من الفعل موقوف ، فإن كان الفاعل في آخر الوقت من المكلفين ، فالواقع فرض ، وإلا فهو نفل ، ومذهبنا جوازه . والخطاب عندنا متعلق بالقدر المشترك بين أجزاء الزمان الكائنة بين الحدين ، فلا حرج في أول الوقت لوجود المشترك ، ولم يأثم بالتأخير لبقاء المشترك في آخره ، وأثم إذا فوت جملة الوقت لتعطيل المشترك الذي هو متعلق الوجوب ، فلا ترد علينا مخالفة قاعدة البتة بخلاف غيرنا ، وكذلك الواجب المخير ، قالت المعتزلة : الوجوب متعلق بجملة الخصال ، وعندنا وعند أهل السنة أنه متعلق بواحد لا بعينه ، ويحكى عن المعتزلة أيضا أنه متعلق بواحد معين عند الله تعالى ، وهو ما علم أن المكلف سيوقعه ، وهم ينقلون أيضا هذا المذهب عنا ، والمخير عندنا كالموسع ، والوجوب فيه متعلق بمفهوم أحد الخصال الذي هو قدر مشترك بينها ، وخصوصياتها متعلق التخيير ، فما هو واجب لا تخيير فيه ، وما هو مخير فيه لا وجوب فيه ، فلا جرم يجزيه كل معين منها لتضمنه للقدر المشترك ، وفاعل الأخص فاعل الأعم ، ولا يأثم بترك بعضها إذا فعل البعض لأنه تارك للخصوص المباح فاعل للمشترك الواجب ، ويأثم بترك الجميع لتعطيل المشترك بينها ، وكذلك فرض الكفاية المقصود بالطلب لغة إنما هو إحدى الطوائف التي هي قدر مشترك بينها غير أن الخطاب يتعلق بالجميع أول الأمر لتعذر خطاب المجهول ، فلا جرم سقط الوجوب بفعل طائفة معينة من الطوائف لوجود المشترك فيها ، ولا تأثم طائفة معينة إذا غلب على الظن فعل غيرها لتحقق الفعل من المشترك بينها ظنا ، ويأثم الجميع إذا تواطئوا على الترك لتحقق تعطيل المشترك بينها .

إذا تقرر تعلق الخطاب في الأبواب الثلاثة بالقدر المشترك ، فالفرق بينها أن المشترك في الموسع هو الواجب فيه ، وفي الكفاية الواجب عليه ، وفي الخير الواجب نفسه .

[ ص: 83 ] فائدة : : لا يشترط في فرض الكفاية تحقق الفعل بل ظنه ، فإذا غلب على ظن هذه الطائفة أن تلك فعلت سقط عن هذه ، وإذا غلب على ظن تلك الطائفة أن هذه فعلت سقط عنها ، وإذا غلب على ظن الطائفتين فعل كل واحدة منهما سقط عنهما .

سؤال : إذا تقرر الوجوب على جملة الطوائف في فرض الكفاية ، فكيف يسقط عمن لم يفعل بفعل غيره مع أن الفعل البدني كصلاة الجنازة مثلا أن الجهاد لا يجزي فيه أحد عن أحد ، وكيف يساوي الشرع بين من فعل ، ومن لم يفعل .

جوابه : أن الفاعل ساوى غير الفاعل في سقوط التكليف ، واختلف السبب ، فسبب سقوطها عن الفاعل فعله ، وعن غير الفاعل تعذر تحصيل تلك المصلحة التي لأجلها وجب الفعل ، فلا جرم انتفى الوجوب لتعذر حكمته .

قاعدة

الفعل على قسمين منه ما تتكرر مصلحته بتكرره كالصلوات الخمس ، فإن مصلحتها الخضوع لذي الجلال ، وهو متكرر بتكرر الصلاة ، ومنه ما لا تتكرر مصلحته بتكرره كإنقاذ الغريق ، فإن الغريق إذا شيل من البحر ، فالنازل بعد ذلك إلى البحر لا تحصل مصلحته ، وكذلك إطعام الجوعان ، وإكساء العريان وقتل الكفار ، فالقسم الأول جعله الشرع على الأعيان تكثيرا لمصلحة ، والقسم الثاني على الكفاية لعدم الفائدة في الأعيان .

فوائد ثلاث

الأولى : الكفاية والأعيان كما يتصوران في الواجبات يتصوران في المندوبات كالأذان ، والإقامة ، والتسليم ، والتشميت ، وما يفعل بالأموات من المندوبات ، فهذه على الكفاية ، وعلى الأعيان كالوتر ، والفجر ، وصيام الأيام الفاضلة ، وصلاة العيدين ، والطواف في غير النسك ، والصدقات .

[ ص: 84 ] الثانية : نقل صاحب الطراز وغيره على أن اللاحق من المجاهدين ، ومن كان سقط الفرض عنه يقع فعله فرضا بعد ما لم يكن واجبا عليه ، وطرده غيره من العلماء في سائر فروض الكفاية كمن يلتحق بمجهز الأموات من الأحياء ، أو بالساعين في تحصيل العلم من العلماء ، فإن ذلك الطالب للعلم يقع فعله واجبا معللا لذلك بأن مصلحة الوجوب لم تتحقق بعد ، ولم تقع إلا بفعل الجميع ، فوجب أن يكون فعل الجميع واجبا ، ويختلف ثوابهم بحسب مساعيهم .

الثالثة : الأشياء المأمور بها على الترتيب ، أو على البدل قد يحرم الجمع بينها كالمباح والميتة من المرتبات ، وتزويج المرأة من أحد الكفأين من المشروع على سبيل البدل ، وقد يباح كالوضوء والتيمم من المرتبات ، والسترة بالثوبين من باب البدل ، وقد تستجب كخصال الكفارة في الظهار من المرتبات ، وخصال كفارة الحنث مما شرع على البدل .

فرع : اختار القاضي عبد الوهاب أن الأمر المعلق على الاسم يقتضي الاقتصار على أوله ، والزائد على ذلك إما مندوب أو ساقط .

التالي السابق


الخدمات العلمية