صفحة جزء
[ ص: 161 ] الفصل الثالث : في الواجب عنه . وفي ( الجواهر ) : هو كل من وجبت نفقته بملك أو قرابة أو نكاح ، إلا الكافر ، والبائن الحامل ، وقال ( ش ) و ( ح ) : لا تجب عن الزوجة ; لأنها في معنى المعاملة ، وكالمستأجر بنفقته ، ووافقنا ( ش ) في الزوجة خلافا لـ ( ح ) .

فروع ثمانية :

الأول ، في ( الكتاب ) : يؤديها عن عبيده المسلمين كانوا للتجارة أو للقنية ، قيمتهم نصابا أو أقل ، أصحاء أو مرضى ، مجذمين أو عميانا ، ووافق ( ش ) في عبيد التجارة ، خلافا ل ( ح ) ومن له بعض عبد لا يؤديها إلا عن حصته ، كان باقيه رقيقا أو حرا ، ولا شيء على العبد فيما كان منه معتقا ، ولا على المكاتب بل على سيده ، خلافا للأئمة ، ولا يزكي عن الآبق إلا أن يرتجى لقربه ، وزكاة القراض على رب المال ، وقال أشهب : إذا بيعوا فربح فيهم مثل الثلث من الثمن فعلى العامل سدس تلك الزكاة ، أو الربع ، فعليه الثمن إن قارضه على النصف ، والأصل في هذا الباب : قوله عليه السلام : ( على كل حر أو عبد ) الحديث المتقدم ، ولقوله : ( أدوا الزكاة عمن تمونون ) فلم يخرج من ذلك المستأجر بنفقته ، قاله اللخمي ، وهي واجبة عندنا على السيد بالأصالة ، وعند الشافعية بطريق التحمل على العبد ، والرق والمالكية سبب التحمل قالوا : لأن العبد لو كان كافرا لم يجب على السيد شيء ، وجوابهم : أن الكافر ليس أهلا للتطهير ، ولو كان بطريق التحمل : لاختلف باختلاف فقر العبد وغناه ، قال سند : لو أعتقهم عند زمانتهم صح العتق إجماعا ، وفي سقوط نفقتهم خلاف ، وأما المشترك : فوافق المشهور ( ش ) وابن حنبل ، وفي ( الجواهر ) : قال عبد الملك : على كل واحد من الشريكين [ ص: 162 ] صاع كامل ، وقيل : يخرج كل واحد نصف صاع ، ولم يعتبر النصاب وأسقطها ( ح ) مطلقا لعدم الولاية ، ولو كان حر وعبد ، قيل : على الحر حصته فقط ، وقال مطرف : بل جملتها ، وجه المذهب : أنها تابعة للنفقة ، فهي متبعضة فتتبعض .

نظائر ، قال أبو عمران في نظائره : ثلاثة مسائل تعتبر فيها الأنصباء : الفطرة عن العبد المشترك ، والشفعة ، والتقويم في العتق ، وست مسائل تختص بالرءوس دون الأنصباء : أجرة القاسم ، وكانس المراحيض ، وحارس أعدال المتاع ، وبيوت الغلات ، وأجرة السقي على المشهور ، وحارس الدابة ، والصيد ، ولا يعتبر فيه كثرة الكلاب ، وزاد العبدي : كنس السواقي ، قال سند : وأما المعتق بعضه فخمسة أقوال : مذهب ( الكتاب ) : المتقدم وروى عبد الملك أن جميعها على السيد ; لأنها لا تتبعض ، والمعتق بعضه ليس أهلا للزكاة لرق بعضه ، فتعين الكل على السيد ، ( وروي عنه : على السيد ) بقدر ملكه ، والمعتق بقدر ما أعتق منه . وقاله ( ش ) وابن حنبل ; لأن المعتق كالشريك لقسمته مع المنافع والنفقة ، وقال ابن مسلمة : إن كان للعبد مال فكذلك ، وإلا فعلى السيد الجميع ; لأن الزكاة تبع لليسار ، وأسقطها ( ح ) عنهما بناء على أصله في استسعاء العبد لتكملة العتق ، وأما المكاتب : فروي عن مالك و ( ش ) و ( ح ) : سقوطها مطلقا لنقصان ملك السيد لحرزه ماله نفسه ، وخصصها ابن حنبل به في كسبه كنفقته ، قال : ولا يبعد تخريج مثله على قول مالك فيمن بعضه حر ، وقال ( ح ) : يزكى عن الكافر ، لما يروى عنه عليه السلام أنه قال : ( أدوا زكاة الفطر عن كل حر أو عبد صغير أو كبير ، يهودي [ ص: 163 ] أو نصراني أو مجوسي ، نصف صاع من بر ) وقياسا على رقيق التجارة ، والجواب عن الأول : أنه غير معروف في كتب الحديث ، وعن الثاني : أن المزكي ثم القيم لا الرقيق ، ويؤكد قولنا قوله عليه السلام في ( الموطأ ) : ( من المسلمين ) ، والقياس على الأب الكافر ، فلو كان السيد كافرا وأسلم عبده ولم ينزع من يده : قال مالك و ( ح ) : لا يجب عليه شيء ، خلافا لـ ( ش ) وابن حنبل ; لأن الكافر غير مخاطب فيخرج من العموم ، فلو ارتد المسلم وقت الوجوب ثم تاب بعده سقطت زكاة رقيقه عنه عند مالك و ( ح ) وكذلك لو ارتد بعد الوجوب قبل الأداء ، خلافا لـ ( ش ) والخلاف يتخرج على قاعدتين : إسقاط الردة للعمل وإن لم يمت عليها ، وزوال ملكه بالردة ، وأما الآبق ، غير المرجو لا يزكى عنه عند مالك و ( ح ) خلافا لـ ( ش ) قياسا على الأسير ، فلو غاب غير آبق : ففي ( الموازية ) : يزكى عنه وإن طالت غيبته ، لاستصحاب الملك ، والمغصوب في التفرقة بين المرجو وغيره ، وأما رقيق القراض فأربعة أقوال : يؤخذ من مال رب المال ، وهو ظاهر ( الكتاب ) : لتعلقها بالمالك لا بمال القراض ، بخلاف زكاة ماشية القراض ، وقال أشهب : يخرج من مال القراض ; لأنه سبب وجوبها ، ولا يلغى ، بخلاف النفقة ; لأن النفقة لمصلحة المال ، وقال مالك : تلغى كالنفقة ، وروي عنه : تسقط عن النصيبين بناء على أن العامل يملك بالظهور ، قال صاحب ( الاستذكار ) : قال ( ش ) : يزكى عن المغصوب والآبق الميئوس منهما إن علمت حياتهما ، وأسقطها ( ح ) ، وقال مالك : يزكى عن المرهون ، وقال ( ش ) : إن كان عنده وفاء للدين ، وفاضل مائتي درهم زكى وإلا فلا ، والعبد يباع بالخيار يزكي عنه البائع عند مالك ، وقاله ( ش ) ، إن كان الخيار له ، وأنفذ البيع ، وإن كان للمشتري أو لهما : فعلى المشتري ، وقال ( ح ) : على من يصير إليه العبد .

[ ص: 164 ] الثاني : في ( الكتاب ) : إذا أوصى برقبته لرجل وبخدمته لآخر : فزكاته عن الموصى له برقبته إن قبل الوصية ، وقاله ( ش ) و ( ح ) لتعلق الزكاة بالعين ، قال سند : وهو الذي رجع إليه ابن القاسم ، والنفقة على المخدم ; لأنها قوام المنفعة ، ولهذا يجب على رفع الأمة إذا بوتت معه بيتا ، وكذلك نفقة الفرس المحبس للجهاد ، والإبل للحمل على من هي تحت يده ، وحكى ابن المواز أن النفقة والزكاة على المخدم طالت المدة أو قصرت ; لأن الإخدام يعتمد الحوز فيضعف الملك ، وقال سحنون : كلاهما على المالك كالعبد المستأجر وتغليبا للعين .

والرابع : الفرق بين قصر المدة في الخدمة فعلى المالك ، وبين طولها فعلى المخدم كالمحبس ، فلو أخدم عبده ثم هو حر فعلى قولنا : الزكاة تمت عليه ، لا يجب على صاحب المنفعة ها هنا شيء ، كمن آجر عبده وعلق عتقه بفراغ الإجارة ، وتجب على صاحب الرقبة ، وروي عن مالك : تجب على المخدم ; لأنها محبوسة له ، وما للسيد فيها مرجع .

الثالث في ( الكتاب ) : زكاة العبد زمن الخيار ، والأمة زمن المواضعة ، ونفقتهما على البائع ; لأن ضمانها منه بخلاف المبيع بيعا فاسدا ، وهي في زمن الفطر عند البائع ، والموروث إذا لم يقبض إلا بعد يوم الفطر : فعلى الوارث ، قال سند : أما من يقول : الملك في زمن الخيار للمشتري ، فالزكاة عليه ، ومن قال : هو موقوف رتب الزكاة على الإمضاء والرد ، وقد تقدم الخلاف في زكاته بين الأئمة . وأما المواضعة : فقال أشهب : إن حاضت ليلة الفطر أو يومه ، فعلى كل واحد منها زكاة كاملة ، وكذلك العبد يباع بعهدة الثلاث فتنقضي قبل [ ص: 165 ] يوم الفطر أو ليلته ، ولو تأخرت عن يوم الفطر فهي على البائع فقط ; لأن الزكاة عنده تبع للملك بمجرده ، وكذلك أوجب الزكاة على المعمر المالك وإن لم تكن نفقته عليه ، والملك عنده في المواضعة ، والعهدة للمبتاع ، ووافق في أن الملك في بيع الخيار للبائع ، ولذلك جعل الولد له ، وأما البيع الفاسد : فإن قبض المبتاع العبد وفات : فزكاته عليه لاستقرار ملكه ، وإن لم يفت ، فقال عبد الملك : إن فسخ بحدثان ذلك : فعلى البائع تغليبا لما تقدم من الملك ، وإن فات السيد ملك المبتاع إلى يوم القبض ; لأنه يوم وجوب القيمة ، فيعتبر زمن الفطر حينئذ هل صادف أم لا ؟ وابن القاسم يراعي النفقة والضمان ، وقال أشهب : إن أدركه يوم الفطر غير فائت فعلى البائع وإلا فعلى المبتاع ، فراعى الفوت دون الرد ، وقال أيضا : على كل واحد من البائع والمبتاع صاع كامل ، كما قال في المواضعة نظرا لملك البائع ، وأن النفقة على المبتاع ، وهما سببان للزكاة في العبد الغائب والزوجة .

الرابع : في ( الكتاب ) : لا يؤديها عن عبد عبده ، خلافا ل ( ش ) و ( ح ) ; لأنه ليس ملكا له ; لأن العبد عندنا يملك ولو أعتق سيده لا يعتق عبد عبده .

الخامس : في ( الكتاب ) : تسقط زكاة الولد ببلوغ الغلام ودخول البنت على زوجها ، ويدعى للدخول فتنقل إليه ; لأنها عند مالك و ( ش ) وابن حنبل تتبع النفقة ، وعند ( ح ) : تتبع الولاية التامة ، فلا يزكي - عنده - عن والده الفقير ، ولا عن ولده الكبير الزمن ، وإن لزمه نفقتهما ; لعدم الولاية الكاملة . لنا : قوله عليه السلام فيما يروى في الحديث المتقدم : ( . . . عمن تمونون من المسلمين ) بالقياس على النفقة ، ووصف الولاية باطل طردا وعكسا ; لأن المجنون والفاسق لا ولاية لهما مع وجوب الزكاة في مالهما ، والحاكم له الولاية ولا زكاة عليه ، قال : [ ص: 166 ] والولد الصغير الموسر لا تجب على أبيه فطرته عند مالك والأئمة ، وخالف محمد بن الحسن تعلقا بالولاية ، وأما الزوجة : فقال أشهب : إذا دعي إلى البناء فلم يجد ما ينفق بقيت على الأب لبقاء الحاجة ، وإذا أعسر الزوج سقطت عنه النفقة والفطرة ، فإن أيسر بالنفقة فقط لم تلزمه الفطرة كفطرته ، ولا يلزمها ; لأنها لا تلزمها النفقة ، قال أبو طاهر : إذا لم يدع الزوج للدخول ، وسكت عنه ، فهل تجب عليه الفطرة لأن العقد تمكين أم لا ؟ قولان مبنيان على العوائد .

السادس : في ( الكتاب ) : يزكي عن خادم واحدة من خدم زوجته التي لا بد لها منها للزوم نفقتها وإن كانت الزوجة ملية ، قال سند : إذا كانت يحتاج مثلها إلى خادم خير بين أربعة أشياء : شراء خادم ، أو إكرائها ، أو ينفق على خادمها إذا طلبت ذلك ، أو يخدمها بنفسه ، وهو مختلف فيه عندنا وعند الشافعية لعدم استيفائها المنافع منه ، فتجب عليه الفطرة في الأول دون الثاني ، وفي الثالث ، خلافا لـ ( ح ) محتجا بعدم الولاية ، فإن كانت ذات شرف أخدمها أكثر من خادم ، قاله : ابن القاسم ، ويزكي عن ذلك ، قال أصبغ : إن كانت بنت ملك أخدمها إلى الخمسة ، فلو كان لها خادم واتفقا على الإنفاق عليها ودعا إلى البناء ، قال عبد الملك : عليه فطرتها دون الخادم ; لأن نفقتها بالتمكين ، ونفقة الخادم بخدمة البيت ، ولهذا لو دخل وحاضت الزوجة بقيت نفقتها ، ولو مرضت الخادم سقطت نفقتها ، وهو مخالف لقول ابن القاسم في ( الكتاب ) : فيمن تزوج على خادم بعينها والزوجة لا بد لها من خادم ، فمضى يوم الفطر والخادم عندها ، ولم يحولوا بين الزوج وبينها ، ثم طلقها الزوج ، فزكاة الخادم على الزوج ; لأن الإخدام بعض النفقة فيجب تبعا . مع أن أشهب قال ها هنا : لولا الاستحسان لكان عليه زكاة بعضها إن طلق يوم الفطر ، وهو القياس .

[ ص: 167 ] السابع : في ( الكتاب ) : إذا أمسك عبيد ولده الصغار لخدمتهم ، ولا مال للولد سواهم أدى الفطرة عنهم مع النفقة من مال الولد وهو العبيد ، لأنه غني بهم ، وإذا كان للعبيد خراج أنفق منه وزكى ، وإن لم يكن لهم خراج وامتنع الأب من النفقة أجبرهم السلطان على بيعهم للإنفاق ، قال سند : إن كان الولد يحتاج للعبد لصغره أو زمانته : فنفقته وفطرته على الأب ، وهو الذي رجع إليه ابن القاسم وأشهب ، وقاله الشافعية : ومذهب ( الكتاب ) : أظهر ، فإنه لا يجب على الأب إخدام خادم معين ، بل يبيع العبد وبخدمه منه .

الثامن في ( الكتاب ) : يؤديها الوصي عن اليتامى وعن عبيدهم من أموالهم ، وقاله الأئمة ، وإن كان ( ح ) خالف في عبد الصبي وماشيته ، وسلم الفطرة والزرع ، وقد تقدم في أول ( الكتاب ) : أن الخطاب بها من باب خطاب الوضع لا من باب خطاب التكليف كأروش الجنايات ، وقيم المتلفات ، قال : ومن في حجره يتيم بغير إيصاء وله - عنده - مال ، رفع أمره إلى الإمام ، فإن لم يفعل فهو مصدق إذا بلغ الصبي في نفقة مثله وفطرته ، كانوا عنده أو عند أمهم فينفذ تصرفه ، كما لو أنفق على أولاد الغائب ، أو أدى من دين إنسان .

التالي السابق


الخدمات العلمية